اكتشاف خلايا دماغية تعيد تشكيل فهمنا لكيفية عمل الذاكرة.. ما القصة؟
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
لو نظر الشخص حوله في المنزل فسيجد نفسه محاطا بأشياء مألوفة من صور العائلة والأصدقاء على الحائط، إلى أحذية رياضية مهترئة بجوار الباب، إلى رف مزين بتذكارات السفر.
يتم نقش مثل هذه الأشياء في ذاكرتنا، وتشكل هويتنا وتساعدنا على التنقل في البيئات والحياة اليومية بسهولة. ولكن كيف تتشكل هذه الذكريات؟ وماذا لو تمكنا من منعها من الانزلاق بعيدا في ظل حالة مدمرة مثل مرض الزهايمر؟
بحسب تقرير نشره موقع "medicalxpress" وترجمته "عربي21"، فقد اكتشف العلماء في كلية الطب بجامعة كولومبيا البريطانية للتو جزءا مهما من اللغز.
في دراسة نُشرت في Nature Communications، اكتشف الباحثون نوعا جديدا من خلايا الدماغ التي تلعب دورا مركزيا في قدرتنا على تذكر الأشياء والتعرف عليها.
تسمى "الخلايا البيضاوية"، تنشط هذه الخلايا العصبية المتخصصة للغاية في كل مرة نواجه فيها شيئا جديدا، مما يؤدي إلى إطلاق عملية تخزن هذه الأشياء في الذاكرة وتسمح لنا بالتعرف عليها بعد أشهر - وربما حتى سنوات - لاحقا.
قال الدكتور مارك سيمبروفسكي، المؤلف المُشرف على الدراسة وأستاذ مشارك في العلوم الخلوية والفسيولوجية في جامعة كولومبيا البريطانية ومحقق في مركز جواد موفقيان لصحة الدماغ: "إن ذاكرة التعرف على الأشياء تشكل عنصرا أساسيا في هويتنا وكيفية تفاعلنا مع العالم".
وأضاف أن "معرفة ما إذا كان الشيء مألوفا أو جديدا يمكن أن يحدد كل شيء من البقاء على قيد الحياة إلى الأداء اليومي، وله آثار ضخمة على الأمراض والاضطرابات المرتبطة بالذاكرة".
توجد الخلايا البيضاوية، التي سميت بهذا الاسم بسبب شكلها المميز الذي يشبه البيضة، بأعداد صغيرة نسبيا داخل الحُصين لدى البشر والفئران والحيوانات الأخرى.
اكتشفت أدريان كينمان، طالبة الدكتوراه في مختبر الدكتور سيمبروفسكي والمؤلفة الرئيسية للدراسة، الخصائص الفريدة للخلايا أثناء تحليل عينة من دماغ الفأر، عندما لاحظت مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية ذات التعبير الجيني المميز للغاية.
قالت كينمان: "كانت الخلايا مختبئة هناك في العلن. وبمزيد من التحليل، وجدنا أنها مختلفة تماما عن الخلايا العصبية الأخرى على المستوى الخلوي والوظيفي، ومن حيث دوائرها العصبية".
لفهم الدور الذي تلعبه الخلايا البيضاوية، قامت كينمان بالتلاعب بالخلايا في الفئران حتى تتوهج عندما تكون نشطة داخل الدماغ. ثم استخدم الفريق مجهرا صغيرا أحادي الفوتون لمراقبة الخلايا أثناء تفاعل الفئران مع بيئتها.
أضاءت الخلايا البيضاوية عندما واجهت الفئران جسما غير مألوف، ولكن عندما اعتادت عليه، توقفت الخلايا عن الاستجابة. بعبارة أخرى، قامت الخلايا بوظائفها: تذكرت الفئران الآن الأشياء.
وأوضح كينمان أن "الأمر المثير للدهشة هو مدى حيوية تفاعل هذه الخلايا عند تعرضها لشيء جديد. من النادر أن نشهد مثل هذا الارتباط الواضح بين نشاط الخلايا والسلوك. وفي الفئران، يمكن للخلايا أن تتذكر لقاء واحدا مع جسم ما لعدة أشهر، وهو مستوى غير عادي من الذاكرة المستدامة لهذه الحيوانات".
يقوم الباحثون الآن بالتحقيق في الدور الذي تلعبه الخلايا البيضاوية في مجموعة من اضطرابات الدماغ. فرضية الفريق هي أنه عندما تصبح الخلايا غير منظمة، إما نشطة للغاية أو غير نشطة بما يكفي، فقد تكون مسؤولة عن أعراض حالات مثل مرض الزهايمر والصرع.
وأشارت كينمان: "ذاكرة التعرف هي إحدى السمات المميزة لمرض الزهايمر - تنسى ما هي المفاتيح، أو صورة الشخص الذي تحبه. ماذا لو تمكنا من التلاعب بهذه الخلايا لمنع ذلك أو عكسه؟"
وأضافت أنه "ومع الصرع، نرى أن الخلايا البيضاوية مفرطة الإثارة ويمكن أن تلعب دورا في بدء النوبات وانتشارها، مما يجعلها هدفا واعدا لعلاجات جديدة".
بالنسبة للدكتور سيمبروفسكي، فإن اكتشاف الخلايا العصبية المتخصصة للغاية يقلب عقودا من التفكير التقليدي بأن الحُصين يحتوي على نوع واحد فقط من الخلايا التي تتحكم في جوانب متعددة من الذاكرة.
وقال "من منظور علم الأعصاب الأساسي، فإن هذا الاكتشاف يغير حقا فهمنا لكيفية عمل الذاكرة".
وأضاف أنه "يفتح الباب أمام فكرة وجود أنواع أخرى غير مكتشفة من الخلايا العصبية داخل الدماغ، ولكل منها أدوار متخصصة في التعلم والذاكرة والإدراك. وهذا يخلق عالما من الاحتمالات التي من شأنها إعادة تشكيل كيفية تعاملنا مع صحة الدماغ وأمراضه وعلاجها".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحة طب وصحة طب وصحة الدماغ الذاكرة طب الدماغ الذاكرة المزيد في صحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة سياسة سياسة صحة صحة صحة صحة صحة صحة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الخلایا العصبیة
إقرأ أيضاً:
عبد الرحيم على يكتب: مصطفى بيومي وشغف الذاكرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ويمضى الأحبة.. تبقى تفتش فى التفاصيل عن زهرتين؛ تضعهما فوق قبر، ثم تقول سلامًا.. يخاصمك الآن قلبى ونصف وعد بأن نلتقى حيث كنا نزرع الطرقات فى عتمة الليل وحدنا.. نجالس الحلم، ونقرأ كل الوجوه الغائبة.. كل التفاصيل ما بيننا..
لكنك وحدك، الآن، قررت أن تفك طلاسمها واحدًا تلو الآخر.. سلام عليك إذن فى العالمين..
هذه مدينة المنيا الجميلة وتلك دار «شعاع».. يجلس الرفيق «لطفي» خلفَ منضدةٍ خشبيةٍ عتيقة ويمسك النسخة الأولى من ديوانى الأول والأخير «العواصف».. كان ذلك فى منتصف عام ١٩٨٧.. لم تكن تلك بالطبع هى المرة الأولى التى أراه فيها؛ كنا قد تعرفنا على بعضنا البعض منذ عامين تقريبًا فى بدايات عام ١٩٨٥ فى قصر ثقافة المنيا.. قرأت مقدمة الديوان وشكرته ورد على بجملته المعهودة: لماذا تشكرني؟ أنت تستحق ما كتبته عنك، فلم أجاملك.
واتفقنا منذ ما يقرب من أربعين عامًا، ألا يجاملُ أحدَنا الآخر ولكن نظل أوفياء لما نكتب ونعتقد..
لم يكن مصطفى صديقى بالمعنى التقليدى للصداقة.. إنما كان، ولم يزل، واحدًا من عائلتي.. أخى وابن أيامي.
كنا مجموعة من الأصدقاء لا تتعدى أصابع اليدين ندينُ للأدب العربى وبخاصة الشعر والرواية بالكثير فى تكوين شخصيتنا وندين للفكر الماركسى بأكثر من ذلك فى جعلنا نمتلك مفاتيح طيعة لفهم ظواهر الحياة.. وكان مصطفى أكثرنا انضباطًا وكلاسيكية، يعرف ما يفعل ويفعل ما يعرف، عندما تزوره فى منزله لا بد أن تدهشك مكتبته العامرة بكتب الفلسفة والتاريخ والأدب هنا أرسطو وأفلاطون وماركس وإنجلز ونيتشه وسارتر بجانب تشيخوف وديستيوفسكى وكازنتزاكس.. هنا نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيى حقي.. سلامة موسى وطه حسين وعلى عبد الرازق ولويس عوض.. بجانب عبد العظيم رمضان وطارق البشرى وصلاح عيسى.. هنا الجبرتى وعبد الرحمن الرافعى.. هنا حجازى وأمل وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين.. هنا مصر التى أحبها مصطفى بجنون..
والتى من أجلِها قررنا يومًا ما من عام ١٩٨٧ أن نشكل خلية شيوعية سرية.. كان الاجتماع الأول فى منزل مصطفى واختار هو أن يكون مسئول التثقيف واختار لنفسه الاسم الحركى «لطفي» ورشحنى هو وعادل وسليمان لكى أكون المسئول السياسى للخلية، أى المسئول الأول فيها، ربما لكى أتحمل المسئولية وحدى بحكم تهورى المعتاد عندما تقع الواقعة.
واخترت لنفسى الاسم الحركى «خالد»، تيمنًا بالزعيم خالد محيى الدين الذى سميت ابنى على اسمه فيما بعد..
كنا فى ريعان شبابنا نحلم بالحرية والاشتراكية والحب.. لكن أكثر شيء كنا مؤمنين به هو الحب وهو ما بقى بعدما تبخرت أحلام الحرية والاشتراكية..
لا أبالغ إذا قلت إن صداقتى لمصطفى بيومى كانت أحد أهم مصادر الفرح والسعادة بالنسبة لي.. تأثرتُ به كثيرًا خاصةً فى عادات القراءة واستخدام الكشكول ووضع الملخصات واستخدامها فيما بعد فى الكتابة.. كان مصطفى كاتبًا محترفًا وقارئًا محترفًا وكنت، وما زلت، أهوى الكتابة وأعشق القراءة، لا أكتب إلا عندما ترهقنى الفكرة وتلح على وتضغط، حتى تكاد تفجرنى من الداخل.. لكن مصطفى كان على العكس تمامًا يكتب كما يأكل أو يتنفس أو يمشي.. كانت مثل توأم روحه، نجيب محفوظ، يستطيع أن يحدد وقتًا من اليوم للكتابة ووقتًا للقراءة ويلتزم بهما التزاما حرفيًا.. كما كان يستطيع أيضًا أن يكتب مقالًا نقديًا فى عشر دقائق كما بستطيع أن يقول لك متى ينتهى من الرواية التى يكتبها دون أن يتأخر عن هذا الموعد ساعةً واحدة.. أذكر فى إحدى المرات وفى ساعة مزاح، قرر هو وعادل الضوى أن يكتبا شعرًا عموديًا يضارع الشعر العربى القديم فى القافيةِ والوزن والموضوعات والكلمات فكانا يكتبانه وكأنهما يلقيان النكات فى سهراتنا الليلية وفى الصباح يلقيانه على أساتذة اللغة والشعر فيبهرانهم بما كتبا وكنت أضحك فى داخلى كيف لهذين الشابين أن يخدعا كلَ هؤلاء الكبار ليثبتا أن ما يكتبه البعض لا يستحق عناء القراءة.
«من أى بحرٍ عصيِ الريحِ تطلبه.. إن كنتَ تبكى عليه فنحن نكتبه».. كانت تلك رسالتهم التى حملها حجازى شابًا إلى العقاد.. وافترقنا.. غادرت أنا إلى القاهرة وكان قد سبقنى إليها عادل وسليمان، وظل مصطفى هناك فى قلب المدينة الهادئة الجميلة يكتب ويقرأ ويقابل أصدقاءنا ويرسل تحياته بين الحين والآخر.. لكننى عندما أنشأت أول مركز للدراسات عام ١٩٩٨ اتصلت به وبعادل وسليمان فلبوا النداء جميعًا كالعادة، وكان أولهم مصطفى، وبدأنا رحلة جديدة أثمرت ثمارًا يراها العالمُ كلُه الآن وليس المصريين فقط، آثارهُا فى كل مكان فى أوروبا ولن تتوقف ما كان فى العمر بقية إن شاء الله..
لم تحن ساعة الرحيل بعد، يا درش، كنت دائمًا أمازحه كلما رأيته فى الشهور الأخيرة، وكان قد بلغ الإرهاق منه مبلغه، قلت له لقد حلمنا أن نرقص أنا وأنت يومًا ما على أنغام زوربا.. هل تتذكر؟ تلك الرقصة التى ما برحت أذهاننا يومًا.. لم نرقصها بعد، كنا نتذكرها بين الحين والآخر ونتساءل متى نمتلك الشجاعة كى نفعلها؟.. انتظرنى إذن يا درش لكى نفعلها معًا، مرة واحدة فقط يا صديقي، حين نلتقى بعد حين.. فإلى لقاء..