سُــفراءٌ أفارقـة ضــدّ أنظــمـة انقـلابـيــة
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
(1)
جاء في الأنباء أن منفذي الانقلاب العسكري في النيجر أصدروا قراراً في الثالث من أغسطس 2023م ، بإنـهاء مهمّات سـفراء النيجـر المعنمدين في كلٍّ من فرنسا والولايات المتحدة وتوجو ونيجيريا ، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية والإقليمية من أجل عودة النظام الدستوري إلى البلاد .
ليستْ هذه هي الحالة الأولى التي تنهى فيها مهمات سفراء معتمدين من طرف انقلابيين ينقلبون على نظـام الحكم القائم بليـل.
بدا لكثيرٍ من المتابعين للأوضاع في القارة الأفريقية مؤخراً ، أنّ معاملة السفراء- خاصة المهنيين منهم وليس الذين يجرى تعيينهم ســياسـياً- على هذا النحـو، هي من الظواهــر التي اسـتجدتْ بصورة لافتة إثر كلّ انقلاب في نظام الحكم في دول تلك القارة.
(2)
يمثل السـفراء دولهم بما يتفق مع الضوابط والقواعد نصّت عليها الاتفاقيات الدبلوماسية والقنصلية المعتمــدة، وهم من تبعث بهم دولهم وفق اجراءات وتقاليد مرعية وفق تلك الضوابط ويتمّ عـبرها تحــديـد صــلاحيـات وامتـيــازات البعـثــات الدبلـوماســية التي تمكِّـن أولــئــك السّــفراء والدبلوماسيين من أداء وظائفهم دون خوف من إكـراه أو مضــايقات، كما تبيّن كيفية انهاء مهامهم الدبلوماسية. ويجــوزلـلـدولة الموفدة أن تنهي مهمة سفرائها وفق المادة 43 من اتفاقية فيينا المشار إليها، بما لا يسيء سـلبا على علاقات التمثيل الدبلوماسي المتبادل. .
لعلّ المعروف أن اتفاقـية فيينا للعلاقات الدبلوماسية السارية منذ عام 1961م، هي التي تشـير إلى أن الســفراء ترشـحهم دولهم . غير أن الملاحظ أن تلك الاتفاقــية لم تورد تعريفاً مفصلاً إن كانت لرئاسة الدولة حصراً، أم للحكومة الشــرعية القائمة كجهـة تنفــيـذية، أو من يمثلهـما معاً ، صلاحيات ترشـيـح الســفير ليعتمد في الدولة التي يبتعث إليها، أو إنهاء مهمــته. غـيـاب ذلــك التفصيل ، هو الذي فـتح باباً لـتساؤلٍ مشروع، وأثار حــالات من الالتباس حول الجهـة التي ترشح السفير أو تنهي مهمته، والأسلوب الذي يتبع في كلا الحالتين، ، وهـو ما قد شكّل هاجسـاً لسـفراء بعض البلدان التي تقع فـيها تغييرات في حكوماتهم عن طريق انقلابات العسكرية لا تكتسب حسب نظرهم، الشرعية اللازمة .
(3)
كما هو الحال الذي ساد في السنوات الأخيرة في عـدد من البلدان الأفريقية، ومنها حالة الانقلاب في السودان، فقد صارت رئاسة البلاد بيد قائد الجيش كأمرٍ واقع. ولقد قــدّر الجنـرال قائد الجيش أنه يملك صلاحية إدارة كل الأحوال في البلاد، بما في ذلك صلاحية ترشيح وإعفاء السفراء، فأعلن عبر أجهزة الإعــلام- وليس وفق ما نصّت عليه الاتفاقية الدولية- إنهاء مهام بعض ســفراء بلاده ممّـن عارضـوا إنقلابه على حكومة انتقالية جاءت بها ترتيات دستورية مؤقـتة، ت٠وافقت في نظرهم عليها ، تلك المكوّنات المدنـيـة والعسكرية التي أسـقطت حكومــة شمولية اسنبدادية سيطرت على السودان وعزلته دوليا لقرابة ثلاثة عقود. كان طبـيـعياً أن لا يقبل أولئك السفراء ، قراراً بإعفائهم من قائد الجيش الذي لا يملك مسـوّغاً شرعياً أو دستوريا يخوله إصدار ذلك القرار. خلق ذلــك الوضع الدبلوماسي الشـاذ، حالة من الارتباك ، استمرّت لشهور طوال ، تجلى في تعامل بعض البلــدان - وأيضا تعامل المنظـمة الأممـية- مع الوضع الإنقلابي القائم في السودان. .
(4)
يقع الانقلاب العسكري في النيجر، وكأن عدوى الانقلابات لا تعرف حدودا في الغرب الأفريقي. بادر الاتحاد الأفريقي بامهال الانقلابيين إسبوعين لإعادة الأوضاع الدستورية التي كانت سائدة قبل وقوع الانقلاب، وإنْ لم يستجب أن يتم تجميد عضوية النيجــر في الاتحــاد الأفريقي. حذت مجموعة اللجنة الاقتصادية لغرب أفريقيا: "الإيكواس" حذو الاتحاد الأفريقي ، بل وهددت بعد اجتماعها الطاريء ، أن تنظر في قرار بتدخل عسكري يعـيـد الأوضاع في النيجر إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب الغسكري .
ثم يفاجيء الانقلابيون بعض سفراء بلادهم في الخارج بإعلان إعفائهم وإنهاء مهامهم ، على ذات النحو الذي أنهى به العسكريون في السودان بعض سفراء السودان في الخارج، وهو ما بات يعدّ تجاوزا لافتا في ضوابط وتقاليد العلاقات الدبلوماسية الثنائية والجماعية. .
تحدث مثل هذه القرارات المتسرعة بإعفاء السفراء ، حالة من الارتباك فيما يتصل بضبط العلاقات الدبلوماسية ، على المستويين الثنائي والجماعي. لا تملك منظمة إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي ، غير أن تجنح لتجميد عضوية الدولة العضو التي يقع فيها انقلاب عسكري على الحكومة الشرعية القائمة.
(5)
بالنسبة لهيئة الأمم المتحــدة، وفيما يتصل بحـالات انقلابات عسكرية في بعض بلدان ، ويقرر الانقلابيون إعفاء بعض سفراء بلادهم في الخارج ممن عارض انقلابهم فإنه لا يوجد نص قاطع بشأن رد الفعل، برغم أن الانقلابات العسكرية شكلت ظاهرة تواصلت منذ سنوات الخرب الباردة،أواسط القرن الماضي. وقد لا يتجاوز رد القعل على مثل هذه القرارات غير إدانات إعلاميـة خجولة ، تصدر عن قيادة تلــك المنظمة ، ســواءً من الأميـن الـعـام أو من مجلــس الأمن
تمثل حالتا ميانمـار وأفعانستان، مثلين يثيران الجدل لاضطراب اعــتماد ممثلـيهم الدبلوماسيين في المنظمة الأممية ، فتجد لجـنـة قـبـول الترشيحات في الأمـانة العامة للمنظــمة الدوليــة، عسراً في حسم الجدل.
أما في حالة انقلاب السودان وإعلان قائد الجيش إعفاء بعض من عـارضوا انقــلابه من سفراء البلاد في الخارج ، حتى قبل أن يخطر الدول المعتمدين لديها رسميا بذلــك، فإن اعـتمـاد ســـفـيرٍ/مــنــدوب دائـــم للسـودان في نيويورك، وســفيرٍ/ مندوب دائـــم في مقــر المنظمة الأممية في جنيف ، فقد مثلت حالة استــثنائية ، بسبب وقــوع انقلاب لم يتغـيّـر فيه رأس النظام في الخرطــوم. إلى ذلـك لم تجد المنظــمة الدوليــة حـرجـاً في اعتماد وجـهــة النظر القانونية للجنة القبول ، التي استندت على حجة تفـيـد أن تعيـيـن ممثل للســـودان في نيويورك، أوممثل السودان في مقر الأمم المتحدة الثاني في جنــيـف، جاء كتصرّف داخــلي مـن قيادة سـلطة الأمر الواقع القائمــة في الخرطوم ، ورأت أن لا غـبار علـيه . ورغم ذلك يظل الجدل يحيط بالموضوع .
(6)
غير أنَّ حالة سُـفراء النيجـر الذين أنهى الإنقلاب العسكري مهامهم أوائل أغسطس/ آب الحالي، فهم عارضوا انقلاباً أزاح رأس السلطة الشرعية المنتخب ديمقراطياً في بلادهم، فذلك قـد يرجّـح قبول الدول التي جـرى اعتمادهم فيها، خاصة تلـك التي أدانت ذلك الإنقــلاب في الاستمرار في أداء مهامهم، دون الالتفات لقرار الانقلابيين، وذلك في إطار الضغـط الجاري حالياً ليعــود العســكريون إلــى ثكناتـهـم، ليعــود الرئيس الشرعي للنـيجــر إلى الحكم مــن جديد. وفوق ذلك فإن انهاء مهام السفراء دون التقيد بمقررات الاتفاقــيات الدولية التي تضبـط الممارسات الدبلوماســية التقليدية ، يشجع بعض الدول لعدم اعتماد قــرار الانقلابيين المشــار إليه لما حمل من استخفافٍ باتفاقية فيينا للعـلاقات الدبلوماسية .
ثمّة وجهان في الأمر ، أولهما سياسي والثاني أخلاقي . لربما يكون الخيــار للسفير أو الدبلوماسي الـــذي يعارض انقـلابا على نظام حكـمٍ شرعي قائـم في بلاده- حســب تقــديــره- أن يبادر بمغادرة مهمـته، كأن يطلب إعفاءه من مهمته، أو ربما يتقــدم باســتقالته للحكومة التي جـاءت عبر انقلابٍ لا يتوافق مع قناعاته السياسية. لكن أليس مطلوباً من ذلك السـفير أو الدبلوماسي، أن يمضي خطوة إلى الأمام ليعـلن موقفه الســياسي المعارض ، وأن لا يكتــفي بمجرّد الاســتقالة، أو ربما تتسع خياراته في أقصى الحالات، فيتـبـنى موقفا سياسياً وأخلاقيا ويعلن إدانته الصريحــة لذلك الانقــلاب ، بما قد يعـني انقطاعــه عن مهنـته الدبلوماســـية نهائيـا . .؟
(7)
لننظر في حالة أكثر وضوحاً وإبانة، وتتصل بالموقف البريطاني من الحرب ضد العــرق في عام 2003م . لقد لعبت الإدارة الأمريكية دوراً تحريضياً لاقناع المجتمع الدولي أن عراق صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل. وحدها بريطانيا التي سارع رئيس وزرائها ليساند المزاعم الأمريكية بقوة، وهي مزاعم ثبت خطلها.
كان لبعض ســفراء المملكة المتحدة ، مواقـف لم تقبل بالحجج الواهيـة لإشــعال حـربٍ ضد العـــراق، بذريعــة امتلاك ذلـك النظــام لأســلحة دمــارٍ شــامل، كـمـا ادّعــت الإدارة الأمريكية . غير أن أولئك الســفراء البريطانيين لــم يفصحوا عن خطـل موقــف بلادهــم، إلا بعــد أن تقـاعــدوا عن مهـنـتهـم ، فعلـتْ أصـــواتهم عاليا أثناء الحـرب ، ولكن لم يشـكّل ذلـك حـرجـاً لحكومة رئيس الوزراء الأسـبق طوني بليـر القائمة وقتـذاك. لـم يأبه بليــر لاعتراضـاتهم، ولم يتخـذ أي إجـراءاً ضدهم ، فهم سـفراء متقاعدون، لا ولاية له عليهم.
الحالة الأمريكية، كانت أشـدَّ غـرابة. ثمّة سـفير الأمريكي عمل في بلــد في غرب أفريقيا قبل تقاعده، كلفـته المخابرات الأمريكية بزيارة ذلـك البلد الأفريقي ، للتأكد من قيـام العراق باستيراد "الكيكة الصفراء" - اليورانيوم ، من تلك الدولة . عاد السفير المتقاعد ليكذب القصة، غير أن الإدارة الأمريكية تجاهلت تقريره الرّصين، وأصرَّت على التمسك بالتهمة الملفـقة. لكن بعــد القضــاء على نظام صدام في العــراق، خرج السفير المتقاعد ليعلن وفي صحف أمريكية، بأن الأمر محض أكـذوبة.
شريط سينمائي خطير جاء من هوليوود، بعنوان "اللعـبة المموّهـة" بُنيـت حبكـتـه علـى تلك القصة ، ولك أن تعلم أن ذلك البلد الأفريقي هو النيجـر- أجل النيجر الذي نقـف على قصة انقلابه الآن. لا نطيل السّـرد حول علاقات بعض السّــفراء ممثـلي بلدانهـم في الخارج بتوجهات حكوماتهم ، وما يلاقونه من عنت في القيام بمهامهم الدبلوماسية على النحو المهني المرضي.
(8)
لعلَّ مثل هـذه الظواهـر، خاصة في التمثيل الدبلوماسي في المنظمــات الدولية والإقليمية، والتي تكرّر حدوثها في الحالات التي أشرنا إليها عاليه، قد تحيل المنظمات الدولـية و الإقليميـة إلى ضرورة النظر مجدّداً في الحاجة الملحّـة لمراجعة بعض ضــوابط التمثيل الدبلوماسي على المستويين الثنائي والجماعي ، وســد تلك الثغــرات بمـزيدٍ من إحكامٍ قانونيٍّ في بعض مـواد اتفاقية فـيـيـنا للعلاقات الدبلوماســية لعام 1961م، والتي تم توقيعها منذ عقــود خلتْ ، مــن قبل الدول الأعضاء قي الأمـم المتحدة.
4أغسطس 2023
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قائد الجیش فی الخارج غیر أن
إقرأ أيضاً:
البعثة الدبلوماسية الفرنسية تعود قريبا إلى سوريا
أكد وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، إن البعثة الدبلوماسية الفرنسية ستعود قريبا إلى سوريا.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، التقي قادة الكنائس المسيحية السورية خلال زيارته إلى دمشق.
وفي وقت لاحق؛ أكد وزير خارجية فرنسا جان-نويل بارو أن باريس تريدز تعزيز عملية انتقالية سلمية في سوريا تخدم سوريا والاستقرار الإقليمي.
جاء ذلك عقب وصول كلا من وزيري خارجية فرنسا وألمانيا إلى العاصمة السورية دمشق.
وقالت وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك: زيارتي لدمشق إشارة إلى بداية سياسية جديدة بين أوروبا وسوريا.
وأضافت وزيرة خارجية ألمانيا: يجب أن تحصل جميع الأطراف السورية على فرصتها في العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة
وسابقا؛ أبدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك رغبة بلادها في مساعدة سوريا على أن تكون دولة قادرة على القيام بوظائفها.
وأشارت وزيرة الخارجية الألمانية الجمعة، بأنها تسعى لمساعدة سوريا على أن تصبح "دولة قادرة على القيام بوظائفها وتسيطر بالكامل على أراضيها".
ونوهت في بيان صدر قبيل زيارتها إلى دمشق قائلة: "علينا ألا نضيع فرصة دعم الشعب السوري في هذا المنعطف المهم".
يذكر أن وزير الخارجية الفرنسي وصل صباح الجمعة إلى دمشق، ومن المقرر أن تتبعه نظيرته الألمانية، كما أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، وفقا لوكالة الانباء الفرنسية.
ومن المقرر أن يلتقي جان-نويل بارو ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك معا قائد الإدارة السورية أحمد الشرع.