في ظل تصاعد التوترات العسكرية في شرق الكونغو الديمقراطية، أطلق قادة دينيون مساعي جديدة للوساطة بين الأطراف المتنازعة، في محاولة لكسر دائرة العنف التي أدت إلى نزوح آلاف المدنيين وفاقمت الأوضاع الإنسانية في المنطقة.

وفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيو تايمز، التقى وفد يضم أساقفة كاثوليك وقادة دينيين بروتستانت بممثلين عن حركة إم 23 المتمردة في مدينة غوما.

وناقش الطرفان سبل التوصل إلى هدنة وبدء حوار يفضي إلى حل سياسي دائم للأزمة. وأكد القادة الدينيون خلال الاجتماع أن استمرار العنف لا يخدم أي طرف، داعين إلى التهدئة وفتح قنوات تفاوض مباشرة مع الحكومة.

تجمع احتفالي رعته حركة إم 23 الكونغولية المتمردة في ستاد غوما شرقي البلاد (الفرنسية)

وذكرت صحيفة La Libre Afrique (أفريقيا الحرة) أن هذه المبادرة تأتي في إطار الجهود المستمرة للكنيسة، التي لعبت دورا تاريخيا في الوساطة بين الفصائل المتناحرة في الكونغو الديمقراطية.

كما شدد الأساقفة الكاثوليك والقادة البروتستانت على أهمية إيجاد حلول غير عسكرية، محذرين من أن التصعيد العسكري لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة للمدنيين.

إلى جانب لقائهم بممثلي إم 23، اجتمع رجال الدين أيضًا مع مسؤولين حكوميين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني في غوما.

إعلان

وخلال هذه الاجتماعات، جرت مناقشة مقترحات لوقف إطلاق النار ووضع آلية دائمة لحل النزاع.

وأفادت إذاعة "آر إف آي" بأن هذه المبادرة تتزامن مع تعثر الجهود الدبلوماسية، إذ سبق للحكومة الكونغولية أن رفضت التفاوض مع إم 23، متهمة الحركة بتلقي دعم عسكري من رواندا، وهو ادعاء نفته كيغالي مرارا.

ورغم عدم صدور بيان رسمي من الحكومة حول لقاء رجال الدين بالمتمردين، أشارت مصادر مطلعة إلى أن بعض المسؤولين أبدوا تحفظات على الوساطة، خشية أن تمنح شرعية لحركة إم 23.

ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن الكنيسة تمتلك من النفوذ والتأثير ما قد يساعدها في تقريب وجهات النظر، خاصة في ظل مكانتها الواسعة داخل المجتمع الكونغولي.

في ظل تعقيدات المشهد السياسي والعسكري، تظل التساؤلات قائمة حول مدى نجاح هذه الوساطة الدينية في تحقيق اختراق حقيقي بالأزمة.

خريطة لجمهورية الكونغو الديمقراطية تظهر فيها العاصمة كينشاسا وإقليم كيفو ومنطقة غوما (الجزيرة)

وبينما تؤكد الكنيسة التزامها بالحلول السلمية، قد تفرض التطورات العسكرية والسياسية تحديات إضافية أمام جهودها.

ومع ذلك، يرى المراقبون أن هذه الخطوة تعكس استمرار دور المؤسسات الدينية في المشهد السياسي للبلاد.

فبفضل مكانتها الكبيرة لدى الشعب، قد تتمكن الكنيسة من تعزيز فرص نجاح مساعيها في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

المقاومة وجهًا لوجه مع المستعمر الأمريكي الذي خلع قناع الوساطة

 

ربما الأمر الوحيد الذي نجحت فيه تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تهجير أهالي غزة واستلام أميركا للقطاع لتحويله إلى “ريفيرا” الشرق الأوسط، هو التشويش على انتصار جبهات المقاومة الإستراتيجي، والذي أحبط الداخل الصهيوني وأوشك على الإطاحة بالائتلاف الحكومي لمجرم الحرب نتنياهو.

حيث شكلت هذه التصريحات الفجة، والتي لا تنتمي لعالم السياسة أو النظام الدولي الحديث حرفا للانظار عن مشهد عودة الأهالي بعد خمسة عشر شهراً من الحرب الجنونية التي دمرت القطاع وقتلت وأصابت ما يقرب من 7% من أهل غزة ومعظمهم من النساء والأطفال، ووجهت الأنظار إلى الأنظمة العربية ولا سيما النظامين المصري والأردني لمعرفة الكيفية التي سيتعاطى بها النظامان مع هذا الإملاء المحرج والمناقض لأمن الدولتين والذي يشكل حرجاً غير مسبوق لأي نظام عربي، مهما كان تابعًا وخاضعًا للهيمنة الأمريكية.

ولعل إصرار ترامب رغم محاولات التخفيف من فجاجة طرحه عبر أبواق دبلوماسية أمريكية، يؤكد صوابية تقدير المقاومة وجبهاتها منذ اليوم الأول عندما شخصت العدوان وحرب الإبادة بأنها حرب أمريكية بامتياز، ليس من جانب الدعم والتمويل والإمداد بالسلاح والذخائر الفتاكة فقط، وإنما من حيث المصالح الجيوسياسية والجيوستراتيجية بالمنطقة وبالصراع الدولي في ذات الوقت مع الخصمين الصيني والروسي.

كما يؤكد تسريب عرض بايدن على مصر ذات الطرح مقابل إسقاط ديونها، أن هناك تقاطعاً بين ترامب والرئيس السابق بايدن في نفس المشروع، وأن الاستراتيجية الأمريكية ثابتة، وأن رؤساء البيت الأبيض هم وجوه لعملة واحدة، ومجرد موظفين منفذين لاستراتيجية الهيمنة، وإن اختلفت طرق الطرح والعناوين.

هنا يجب التوقف والتأمل في الطرح الأمريكي وخاصة بعد لقاء نتنياهو وترامب وتصريحاته التي أعقبت لقاء ترامب، وتصريحات اليمين الصهيوني وما بدا أنه تحدٍ للمجتمع الدولي الذي سارعت دوله ومؤسساته إلى رفض خطة ترامب، كما بدا انه استهانة بل وإهانة للأنظمة العربية التي أعلنت تكتلها لمواجهة هذا الطرح، وذلك عبر هذه الملاحظات:

1- محاولات تخفيف طرح ترامب دبلوماسياً عبر بيان أنها خطة إنسانية وواقعية وأنها صفقة عقارية لم تغير من العنوان الرئيسي للطرح شيئاً وهو التهجير والتطهير العرقي، ولم تغير من الواقع الأمني للأنظمة العربية شيئًا، فلو كانت لحفظ ماء وجه الأنظمة حتى لا تبدو مفرطة، فقد فشلت لأن واقع مخاوف الأنظمة هو أمني بالأساس، لأنه بمنزلة توريط لهذه الأنظمة في الصراع بعد أن تخلت عنه وهربت إلى دور الوساطة وبعد أن تخلت عن دعم المقاومة وهربت إلى الدعم بالتصريحات السياسية الدعائية، وبالتالي فإن الأزمة قائمة بين ترامب وبين هذه الأنظمة وتتصاعد بشكل منتظم لتتحول إلى مبارزة استراتيجية وعض للأصابع.

2- استمرار اتفاقية وقف إطلاق النار رغم هذه التصريحات يدل على أن أميركا والكيان لا يملكان سبيلاً أخر لتحرير الأسرى غير التفاوض وغير الاتفاق مع حماس وفصائل المقاومة، واستمرار احترام المقاومة للاتفاق رغم الطرح الأمريكي الناسف لأي تفاهمات هو دليل ثقة واقتدار، وبالتالي فإن تعميق العدوان على الضفة مع استمرار وقف إطلاق النار بغزة يشي بأن هناك نوايا عسكرية غادرة بالضفة فقط، بينما النوايا في غزة لن تتخطى الضغوط السياسية عبر عرقلة إعادة الإعمار ومحاولة مقايضة ذلك بخروج قيادات حماس والتخلي عن أي ملمح للسيطرة أو الحكم في غزة وتحويل غزة إلى وضع يشبه “رام الله” محكوم بسلطة للتنسيق الأمني وملاحقة المقاومة، مع إضافة أن هذه السلطة مختلفة عن السلطة الفلسطينية التي ترفض “إسرائيل” تسليمها غزة لقطع أي ارتباط بين غزة والضفة وقطع الطريق على أي ملمح لدولة فلسطينية.

وبالتالي فإن المتوقع هو استمرار وقف إطلاق النار لحين انتزاع الأسرى الصهاينة وتخفيف الضغط على الداخل الصهيوني، والتملص من مرحلة إعادة الإعمار والتي جاء الاتفاق حولها في المرحلة الثالثة، وهو البند الذي تشي خطة ترامب وتصريحات نتنياهو بأنه سيكون محل الضغط السياسي، حيث المزمع هو تحويل قطاع غزة إلى مكان لا يصلح للعيش وطارد للسكان، وبالتالي يهاجر ساكنوه طوعًا، مثلما صرح نتنياهو واليمين الصهيوني حول التهجير بلغة مخففة بعنوان “التشجيع على الهجرة الطوعية”.

3- الصفقة العقارية التي يتحدث عنها التاجر الأمريكي ترامب، هي مجرد بند من عدة بنود تشكل المصلحة الأمريكية بالمنطقة، والتي لم يكشف ترامب جميع أوراقها، فالمطامع الاستراتيجية في غزة عديدة ومتنوعة، بداية من حقول الغاز البكر والمشاريع الاستثمارية الساحلية، والسيطرة الجيوستراتيجية في شرق المتوسط، ناهيك عن تدمير أنفاق المقاومة وشق قنوات على غرار قناة “بن غوريون” وغيرها من الأوهام الاستراتيجية للعدو التي تفترض خلو غزة من المقاومة والسكان.

 

والخلاصة، أن أميركا والكيان لا يستطيعان ضم غزة بقوة السلاح ولا التضحية بمزيد من الجنود الصهاينة ولا تتحمل أمريكا مشهد عودة توابيت القتلى الأمريكان، وبالتالي فإن ما حدث هو تشويش على نصر المقاومة وتصوير أن اليد العليا للأمريكي الذي يأمر وينهى، وهي ممارسة لحرب نفسية على أهل غزة ونوايا مبكرة لعرقلة إعادة الإعمار وبالتالي تيئيس الشعب الفلسطيني وإجباره على الهجرة، وهو ما ينتقل بالمعركة من السلاح إلى نطاق آخر يخص الإرادة والصمود، وهو ما واجهته المقاومة مبكراً برفعها للافتات “نحن اليوم التالي” في أثناء مشاهد تسليم الأسرى الصهاينة، وهو ما تواجهه جبهة المقاومة بالكامل في لبنان واليمن وإيران بالتأكيد على متانة التحالف والإعلان الدائم عن الجهوزية لاستئناف القتال، وهو ما يجعل المواجهة اليوم بين المقاومة والأمريكي وجهًا لوجه بعد أن خلع الأمريكي قناع الوساطة الزائفة.

 

مقالات مشابهة

  • "وول ستريت جورنال": بكين تعرض وساطة لعقد قمة بين بوتين وترامب لإنهاء حرب أوكرانيا
  • المقاومة وجهًا لوجه مع المستعمر الأمريكي الذي خلع قناع الوساطة
  • مصدر مصري مطلع يحذر: انهيار اتفاق غزة سيؤدي لموجة جديدة من العنف
  • مصدر مصري مطلع: انهيار الاتفاق بغزة سيؤدي إلى موجة جديدة من العنف
  • مأزق سياسي في جنوب أفريقيا بسبب الكونغو الديمقراطية
  • الأمم المتحدة: آلاف النازحين في شرق الكونغو الديمقراطية مضطرون إلى الفرار مرة أخرى
  • 51 قتيلا بأيدي ميليشيا محلية في الكونغو الديمقراطية
  • من المسؤول عن إخراج لبنان من دوامة أزماته؟
  • خبير سياسي: مقتل أكثر من 3 آلاف شخص في الكونغو نتيجة أعمال العنف