الذكاء الإصطناعى من منظور تقويمى- تأصيلى
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
د. صبرى محمد خليل/أستاذ فلسفة القيم الاسلامية فى جامعة الخرطوم
تعريف الذكاء الإصطناعى : هو علم من علوم الحاسوب . يختص بحل المشكلات المعرفية،المرتبطة عادة بالذكاء البشرى، مثل التعلم والإبداع والتعرف إلى الصور ...وهو ينطلق من البيانات التى يلتقطها الحاسوب، من مصادر متنوعه". ويهدف الى انشاء انظمه ذاتية التعلم، تستخلص المعانى من البيانات.
" المصدر : دراسه عن الذكاء الإصطناعي، لمارلين كنعان ، أستاذة الفلسفة والحضارات ، ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٣ ، موقع : إندبنت عربيه TV - تحقيقات "
فلسفة الذكاء الإصطناعى : هى مبحث فلسفى معاصر ، يتناول الذكاء الإصطناعى، من منظور كلى مجرد ، اى دراسة المفاهيم الكليه ، والمجردة "النظرية" ، التى يستند اليها .
المنظور التقويمى - التاصيلى لفلسفة الذكاء الإصطناعى:
تجاوز موقفين من الذكاء الإصطناعى:
موقف الرفض المطلق"التقليد والجمود والعزله" : دون تمييز بين سلبياته وإيجابياته، وبين مستوياته المتعدده. ويستند إلى افتراضين خاطئين:
الأول: معرفى: مضمونه التركيز على سلبياته، وتجاهل ايجابياته .
الثانى:حضارى: مضمونه أن تحقيق التقدم الحضارى للأمة، بالإكتفاء بإسهامات علمائها فى الماضى، والعزلة- غير الممكنه فى عصرنا - عن الإسهامات الحضارية للأمم الاخرى،
موقف القبول المطلق والتغريب : دون تمييز بين ايجابياته وسلبياته، ومستوياته المعرفيه المتعدده. ويستند إلى افتراضين خاطئين:
الأول: معرفى : مضمونه التركيز على ايجابياته وتجاهل سلبياته.
الثانى: حضارى : مضمونه أن تحقيق الحضارى للأمة لا يتم من خلال إجتثاث جذور الأمة،واستبدال المفاهيم والقيم والقواعد الكلية للوحى، التى تشكل الهيكل الحضارى للأمة، بالمفاهيم والقيم والقواعد الكليه، التى هى من مكونات البنية الحضارية لأمم أجنبيه.
الانطلاق من الموقف التقويمى" التجديد والجمع بين الأصاله والمعاصره": ويستند إلى إفتراضين:
الأول: معرفى: مضمونه:
ا/ التمييز بين إيجابيات الذكاء الإصطناعى وسلبياته، ومن ثم قبول الأولى ورفض الثانيه.
ب/ التمييز بين مستوياته المتعده:
١/ فلسفه الذكاء الاصطناعى:المفاهيم الكليه المجرده التى يستند اليها، وهنا يجب قبول ما لا يتناقض مع ثوابت الأمة.
٢/علم الذكاء الاصطناعى: القوانين التى تضبطه، وهنا يجب قبول ما ثبتت صحته بالتجربة والاختبار العلميين.
٣/ فن الذكاء الاصطناعى : تطبيقاته واساليبه، وهنا يجب ما لا يتناقض مع واقع الأمة وقيمها الدينيه والاخلاقيه.
الثانى : حضارى: مضمونه أن تحقيق التقدم الحضارى للأمة ،يتم باستيعاب ما لا يتناقض مع الهيكل الحضارى للأمة وبنيتها الحضاريه ، سواء كان من إبداع علمائها، أو اسهامات الأمم الأخرى.
الإنطلاق من الفلسفة الدينية والحضارية للأمة: ممثله فى مفاهيم الوحى الكليه، التى تشكل احد مكونات هيكلها الحضارى:
مفهوم التوحيد: وطبقا له نرفض جعل غايات الذكاء الإصطناعى، تحويل الوجود الإنسانى إلى وجود مطلق، وتآليه الإنسان، والحديث عن الخلود الرقمى للانسان... " كما فى الفلسفات المثاليه، وبعض فلسفات ما بعد الإنسانيه مثلا ".
مفهوم الإستخلاف: وطبقا له فإن الإنسان هو الفاعل المغير المطور، فهو الذى يحل المشاكل، ويصنع التاريخ، وليس الطبيعه أو التكنولوجيا" ومنها تطنولوجيا الذكاء الاصطناعى"، والتى هى محصله تفاعله معها.
مفهوم التسخير: وطبقا لها فان الطبيعه- والتكنولوجيا " وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى "كمحصله تفاعل الإنسان معها- هى موضوع فعل الانسان، وهى فقط تقدم امكانيات حل المشاكل، وعناصر صنع التاريخ. وبالتالى نرفض الفلسفات التى يلزم منها تسخير الإنسان لما هو مسخر له، بتحويل الوجود الانسانى إلى وجود آلى ، أو الحديث عن دمجه فى الوجود الآلى..." كما فى الفلسفات الماديه والآليه مثلا".
العلاقه بين الوعى والجسم
" المشكلة السيكوفسيولوجية"
الحل المادى: ان الوعى مجرد إنعكاس للماده" ومنها الجسم"، فالوعى مجرد إفراز لجهازه المادى' المخ'(كما فى الفلسفات الماديه الميكانيكيه)، أو أنه مجرد انعكاس لحركه الماده، منقوله ومحوله إلى الدماغ(كما فى الفلسفة المادية الجدلية ' الماركسية').
الحل المثالى: ان الماده - بمافيها الجسم- هى مجرد انعكاس للفكر، فالجهاز المادى للوعى " الجهاز العصبى" هو مجرد اداه له.وقالت به الفلسفات المثاليه.
حل التوازى: علاقه توازى - وليس ارتباط- فالإله جعل حركه أحدهما تحدث فى نفس وقت حركه الآخر. و قالت به فلسفة ليبنتز.
الحل التبادلى- الإنسانى: اى أن العلاقه بين الوعى وجهازه المادى " الجهاز العصبى" علاقه تأثير متبادل، فالجهاز المادى للوعى يؤثر فيه، ولكنه يعود أيضا و يؤثر فى جهازه المادى ، فهى علاقه تبادليه .
إتساقه مع المنظور الإسلامى" مفهومى الخلق والإستخلاف" : وهذا الحل يتسق مع المنظور الإسلامى، الذى ينطلق من فلسفه خاصه، غيبية" ميتافيزيقية بالإصطلاح الفلسفى الغربى"، روحية" دينية". اى الإيمان بأن هناك قوه 'مطلقه'، اوجدت هذا الوجود الشهادى ' المحدود'، المتضمن للوجود الإنسانى ' المستخلف'، وهى التى جعلت العلاقه بين ابعاده الماديه" المتضمنه للجهاز المادى للوعى"، والمعنويه والروحيه" المتضمنه للوعى "، علاقة تبادلية، استنادا إلى مفهوم "الخلق". وان الوجود الالهى ،يحدد الوجود الانسانىولكن لا يلغيه، فالعلاقه بينهما علاقه تحديد وتكامل ،وليست علاقه تناقض و الغاء، كما تفترض بعض الفلسفات الانسانيه الغربيه.
التحليل المعرفى للتكنولوجيا وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى
أولا : التحليل المادى: ان العمل - كشرط ضرورى للوجود الإنسانى- يفترض إبتداء وجود ادوات عمل. وقالت به الفلسفات الماديه " الماركسيه مثالا".
ثانيا : التحليل المثالى: ان صنع أدوات العمل يفترض ابتداءا تصميما فكريا لها. وقالت به الفلسفات المثاليه " الهيجليه مثالا".
ثالثا: التحليل التبادلى- الإنسانى: ان الفكره التى صنعت أدوات العمل طبقا لها، لابد أن تكون مطابقه للحل ، الذى تقتضيه المشكله.
رابعا: اتساقه مع المنظور الإسلامى: وهذا التحليل يتسق مع المنظور الاسلامى، الذى يقرر كل ابعاد الوجود الإنسانى " المستخلف" ، ويوازن بينها" إستنادا إلى مفهوم الوسطية"، وهو إذ يقر باولويه نسبيه لبعض ابعاده على اخرى " كأولوية الوعى على الفعل فى الترتيب، والروح على الماده فى القيمه"، فانه يرفض القول باى اولويه مطلقه لبعض ابعاده على اخرى، كما فى الفلسفات الغربيه الماديه والمثاليه على حد سواء.
علاقه التفكير النظرى بالتطبيق العملى:
اولا : علاقه فصل: الفصل بين النشاط العقلى' النظرى' والفعل 'التطبيقى'. وقالت بها الفلسفات المثاليه، وهى تمهد للأولويه المطلقه للأول على الثانى، و بالتالى إلغائه.
علاقه دمج: دمج النشاط العقلى العمل . وهى رد فعل" متطرف" على إلغاء العلاقه السابقه للنشاط العقلى " الوعى ". ولكنها احالته الى مجرد انعكاس للفعل " الماركسيه"، او اداه له" البراجماتيه".
ثالثا : علاقه وحده وتمييز: علاقه وحده وارتباط " وليس دمج "، وتمييز " وليس فصل". ويستند إلى منظور تبادلى ، يقوم على التاثير المتبادل بينهما، ورفض الأولوية المطلقه لأى منهما.
إتساقها مع المنظور الاسلامى : وهذه العلاقه تتسق مع المنظور الاسلامى، الذى يربط بين الوعى ' الذاتى' والفعل ' الموضوعى' - دون خلط- " الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، ويرفض الفصل بينهما " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما تفعلون".
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الذکاء الإصطناعى الذکاء الاصطناعى
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: السنة النبوية ليست كلامًا بشريًّا مجردًا بل وحيٌا من عند الله
أكّد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن السنة النبوية تدخل في إطار الوحي الإلهي، وليست مقصورة على القرآن الكريم فقط.
وأشار إلى أن هذا السؤال من القضايا القديمة المتجددة، إذ لم تخلُ العصور من محاولات الطعن في السنة والسعي إلى إخراجها من دائرة الوحي، بالرغم من تعارض هذا الطرح مع ما جاء في القرآن الكريم، الذي يُستند إليه في كثير من الأحيان للتشكيك بها.
جاء ذلك خلال حديثه الرمضاني، حيث أوضح أن السنة النبوية هي وحي من عند الله، وأن العلاقة بينها وبين القرآن الكريم علاقة وثيقة، مشيرًا إلى قول الله تعالى:
{هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} [الجمعة: 2]، وقال العلماء إن المقصود بـ"الكتاب" هو القرآن الكريم، أما "الحكمة" فهي السنة النبوية.
وأضاف أن هذا المعنى يتأكد أيضًا في قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علّمه شديد القوى} [النجم: 3-5]، ما يدل على أن كل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم هو وحي محفوظ من الله تعالى.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن السنة تأتي مفسِّرة للقرآن الكريم، بل إن النظر إليها يتم في ضوء ما أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، أو حتى من صفاته الخُلقية والخَلقية، وما صدر عنه في اليقظة أو في المنام، سواء قبل البعثة أو بعدها.
وبيّن أن من أبرز ما يدل على أن السنة وحي إلهي العلاقة الوطيدة بينها وبين القرآن الكريم، حيث إنها تؤكد ما جاء فيه، وتشرح المجمل، وتقيِّد المطلق، وتخصص العام، وتزيل الإشكالات، بل قد تنفرد أحيانًا بتأسيس أحكام جديدة، ويأتي ذلك في ضوء قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].
وفيما يتعلق بكتابة السنة وتدوينها، أوضح أن من يشكك في حجية السنة بحجة أنها لم تدوَّن في بداياتها، يتناقض حين يقبل بصحة القرآن، رغم أن نقلة القرآن هم أنفسهم من نقلوا السنة ووثقوها. ولفت الانتباه إلى أهمية التفريق بين مرحلتين: مرحلة الكتابة والتدوين التي بدأت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومرحلة الجمع والتأليف التي جاءت لاحقًا، وخضعت لمنهج علمي دقيق ميّز الأمة الإسلامية بعلمين فريدين هما: علم الجرح والتعديل، وعلم أصول الفقه.
وأكد أن عملية النقد والتمحيص لنصوص السنة بدأت مبكرًا، وهو ما يدل على وعي العلماء بأهمية هذه المهمة، وإدراكهم لمسؤوليتهم العلمية والدينية.
وفي ختام حديثه، أشار مفتي الجمهورية إلى أن من أبرز أسباب الطعن في السنة اليوم: سوء الفهم، وقلة العلم، وعدم إدراك السياقات والدلالات النصية، وهي أمور لا يتقنها إلا من راسخ في العلم.