قاقرين.. رحيل نجم المجتمع السوداني
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
قاقرين.. رحيل نجم المجتمع السوداني
صلاح شعيب
يتراجع وجود الجيل الذي شكل معارفنا الفكرية، والثقافية، والفنية، والإعلامية، والرياضية، باضطراد في الآونة الأخيرة. وحيدر حسن حاج الصديق رمز بارز وسط ذلك الجيل الذي تفتقت مواهبه في ميادين الحياة هذي. ما خلته يرحل بهذه السرعة بعد أن ألمت به وعكة تابعتها من بعيد ظناً مني أنه لم يشخ بما فيه الكفاية لنخشى فقدانه تحت أي لحظة وسط هذه الحرب المؤذية للنفس، والصحة.
علي قاقرين، وهذا اللقب الذي تزامن مع بزوغ نجم رائد الفضاء الروسي يوري قاقرين حاز عليه أولاً شقيقه جعفر الذي لعب للمريخ، كان ظاهرة في زمانه أكثر من كونه هدافاً لفريق الهلال والفريق القومي وقد تقلد الكابتنية فيهما. ولاحقاً بعد اعتزاله بزغ في ميادين العلم، والدبلوماسية، والاجتماع، ما حفزني أطرق باب مكتبه يوما في الخارجية بعد عودته من بانغي لإجراء حوار مطول تبعه الإذن لي بإصدار كتاب عنه. وقد طبعته دار نشر جامعة الخرطوم، وقمت بتوزيعه في مباراة الهلال وأشانتي كوتوكو التي أنهت علاقتي بتغطية المباريات، ومناشط الرياضة الأخرى من طائرة، وسلة. فقد رأى الأستاذ عبد التام بعد أن أهديته نسخة إكرامية أنني قد وصلت السقف الصحافي الرياضي دون أن أبلغ الثانية والعشرين. ولذلك رأى أنه علي السعي لتطوير قدراتي الصحفية في مجالات أخرى. وقد عملت بنصيحته التي تطابقت مع نصيحة الراحل حيدر، والذي نصحني بأن أواصل تعليمي فربما تعم الفائدة أكثر للصحافة، والرياضة.
بتلك العلاقة التي عمقها الحوار الصحفي المطول، وصدور الكتاب، ظللت أحرص على ملاقاة علي قاقرين في الخارجية وإجراء أكثر من حوار معه. وحين يعود من محطاته الخارجية أسعى لمقابلته في منزله والخروج منه بحوار جديد رغم فك ارتباطي بتغطية الرياضة.
وهكذا استمرّت العلاقة بيننا إلى أن جمعتنا الولايات المتحدة مرة أخرى. وكنت قد طرحت عليه قبل عام فكرة الطبعة الثانية للكتاب، وتضمينه بعض الأبواب الجديدة بعد سبعة وثلاثين عاماً منذ كتابته. وللأسف ظللت أبحث عن نسخة من الطبعة الأولى فلم أجدها إلا قبل عام من أحد الأصدقاء. ولكن مشاغل الحياة منعت من تفرغي لإصدار الطبعة الثانية.
-٢-يختلف النقاد الرياضيون عند المقارنة بين جكسا وعلي قاقرين بوصفهما من أكثر هدافي الهلال والفريق القومي شهرةً. ولكن لا يختلفون حول تطابق دماثة خلقهما الرفيع، وتواضعهما، وقربهما إلى جماهير المستديرة. فقاقرين كثير الحياء، ويكسوه بعض الخجل، ومرهف بالدرجة التي يبكيه أقل المواقف، بالإضافة إلى أنه يعد من أكثر لاعبي ذلك الجيل اجتماعيةً، وتوشحاً بالأدب الجم، ووصلاً مع ناديه وجمهوره، وقطاع واسع من الرياضيين كافة. فالاحترام الذي وجده في الوسط الرياضي لدى كل الأجيال المتعاقبة يعود إلى روحه الرياضية التي نماها بعلمه، ووظيفته الدبلوماسية، واعتداده الأمدرماني المنفتح، وكذلك تجواله حول العالم ممارساً للعبة، ودبلوماسياً ترقى في المهنة حتى صار سفيراً مميزاً في عدد من البلدان.
للأسف الشديد لم تستفد الرياضة من علي قاقرين نتيجةً لعدة أسباب تتعلق بوضع الوزارة دائماً في محاصصة الترضيات السياسية التي تأتي بغير الرياضيين لإدارة هذا المجال الحيوي. وبطبيعة سيطرة الرأسمالية الطفيلية على الأندية كان لا بد أن تبعد الراحل الذي له من النضج العلمي، والمهني، وثراء العلاقات الداخلية والخارجية، والتجارب الرياضية، ما تجعله هذه العوامل قادراً لتثوير الإدارة الرياضية. وعلى مستوى الاتحاد العام فقاقرين لأخلاقه الرفيعة لم يكن ليستطيع مجاراة الانتهازية الرياضية. ولكونه من أكثر المؤهلين لرئاسة اللجنة الأولمبية السودانية فإنه لم يعرف الهرولة لتسنم هذه المناصب التي تتطلب قدراً من استخدام الرشاوي، وتزوير إرادة الرياضيين.
-٣-وبرغم أن قاقرين كان تكنوقراطياً، ولا يعرف له سابق انتماء سياسي غير انتمائه للعمل الدبلوماسي في فترتي مايو، والديمقراطية، والإنقاذ، وفترة حمدوك، فإن الجهاز التنفيذي بالوزارة لم يسع للاستفادة من خبراته الدبلوماسية، وإتقانه الجيد للإنجليزية، والفرنسية. ذلك في وقت رأينا دبلوماسيين متحدثين باسم الوزارة، وسفراء، لا يجيدون حتى العربية ناهيك عن لغة أجنبية واحدة، وكانت مرافعاتهم في الأمم المتحدة مجالاً للتندر وسط دبلوماسي المنظمة الأممية.
ارتبط علي قاقرين بأحداث مباراة الهلال والمريخ في عام 1976 حيث انتصر لفريقه بهدفه الصاروخي في مرمى المريخ. ورددت الجماهير هتاف “رئيسكم مين.. علي قاقرين” بحضور الرئيس الأسبق جعفر نميري. وقد أثارت تلك الحادثة حفيظة الرئيس المريخابي فألغي نشاطات الاتحادات، والأندية، ومن ثم أصدر قرارات الرياضة الجماهيرية التي هجرت نجومنا البارزين للخارج. وكان من نصيب علي قاقرين الانضمام للنصر السعودي بجانب هداف الهلال مصطفى النقر. والحقيقة أن تلك القرارات الغاضبة، كما يرى كثير من النقاد الرياضيون، أسهمت في تدهور كرة القدم التي لم تقم لها قائمة في البلاد. ذلك برغم أن السودان يعد من الدول الرائدة في كرة القدم الأفريقية، وتمكن من الفوز بكاس الأمم الأفريقية عام 1970، ولم يستطع لاعبونا تحقيق إنجاز قاري آخر إلا عند فوز المريخ بكأس الكؤوس الإفريقية عام 1989.
إن رحيل الدكتور علي قاقرين الفاجع لا بد أنه ممض للمجتمع السوداني كافة، والقاعدة الرياضية خاصة، نظراً لنجوميته القومية التي لم تنطفيء قرابة الستة عقود. ونتضرع إلى الله أن يشمله بفيض رحمته، وأن يسكنه فسيح الجنات، والعزاء لشعبنا المكلوم، وهو يودع أحد أبنائه البررة الذين تحتذي الأجيال بنجاحاتهم في أكثر من مجال. والعزاء لزوجته تهاني محمد سعيد، وصهره الصديق كمال افرو، والكابتن جعفر قاقرين، والشاعر تاج السر أبو العائلة، وكل كريماته، والأسرة، والأهل الممتدين في ربوع السودان.
الوسومأشانتي كوتوكو السودان المجتمع السوداني الهلال بانغي جامعة الخرطوم جعفر نميري صلاح شعيب علي قاقرين يوري قاقرينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أشانتي كوتوكو السودان المجتمع السوداني الهلال بانغي جامعة الخرطوم جعفر نميري صلاح شعيب علي قاقرين علی قاقرین
إقرأ أيضاً:
أكثر خطورة من الكوكايين والماريجوانا.. ماذا تعرفون عن الفنتانيل الذي يحاربه ترامب؟
أصبح الفنتانيل، وهو مخدر أفيوني أقوى من الهيروين بـ 50 ضعفًا، أزمة متفاقمة في الولايات المتحدة، مما دفع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لاتخاذ تدابير قوية لوقف تهريبه. لكن هل ستنجح هذه الاستراتيجية في الحد من الوفيات، أم أن الأزمة ستزداد سوءًا؟
يشكّل الفنتانيل خطرًا متزايدًا في الولايات المتحدة، حيث يحصد آلاف الأرواح سنويًا بسبب الجرعات الزائدة.
وردًا على ذلك، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات القادمة من المكسيك وكندا، و10% على الصين، بحجة أن هذه الدول لم تتخذ إجراءات كافية لوقف تهريب الفنتانيل والهجرة غير الشرعية.
وكان من المفترض أن تدخل هذه التعريفات على الواردات القادمة من كندا والمكسيك حيز التنفيذ في 4 شباط/فبراير 2025، لكنه قرر تعليقها لمدة شهر.
ولتجنب العقوبات، تحركت المكسيك سريعًا، حيث نشرت رئيسة البلاد كلاوديا شينباوم 10,000 جندي على الحدود مع الولايات المتحدة لمكافحة تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية.
وتعكس هذه الخطوة التوتر المتزايد في العلاقات بين البلدين وتأثير أزمة الفنتانيل على السياسات الأمنية والتجارية.
في هذا السياق، تحدثت "يورونيوز" مع ديفيد سوسيدو، الخبير في الأمن القومي والجريمة المنظمة، لفهم أبعاد الأزمة وتأثيرها على الولايات المتحدة.
وأكد سوسيدو أن الفنتانيل ليس مجرد مخدر تقليدي، بل هو مادة أفيونية مصنعة في المختبرات، تمتلك قدرة إدمانية وهلاوس قوية، مما يجعلها أكثر خطورة من المخدرات التقليدية مثل الكوكايين والماريجوانا.
إضافة إلى ذلك، أوضح سوسيدو أن تهريب الفنتانيل إلى الولايات المتحدة يتم عبر الحدود المكسيكية بنسبة 70%، حيث يدخل عبر المعابر الرسمية مثل الجمارك والجسور الدولية.
ورأى أن الاتفاقيات التجارية بين البلدين والتدفق الكبير للبضائع والأفراد عبر الحدود تجعل من الصعب ضبط عمليات التهريب بالكامل.
أما عن خطة ترامب لإرسال المزيد من القوات إلى الحدود، أوضح سوسيدو أنها ليست حلاً فعالًا.
ففي عام 2019، تم نشر 30 ألف جندي، ومع ذلك لم يتمكنوا من وقف تدفق الفنتانيل والهجرة غير الشرعية. لذا فإن إرسال 10 آلاف جندي فقط لن يكون له تأثير يُذكر.
من جهة أخرى، يرى الخبراء أن الفنتانيل ليس مجرد أزمة أمنية، بل هو مشكلة صحية تتطلب حلولًا علاجية، مثل توفير النالوكسون، وهو الترياق الذي يمكنه إنقاذ حياة المدمنين في حالات الجرعات الزائدة. لكن في الوقت الحالي، لا يوجد استثمار حكومي كافٍ في الولايات المتحدة والمكسيك لهذا الغرض، وتظل منظمات غير حكومية هي التي تتولى توفير النالوكسون للمحتاجين.
بالرغم من ذلك، يبقى الفنتانيل تهديدًا مستمرًا، حيث تُشير الإحصائيات إلى أن 70% من حالات الجرعات الزائدة المميتة في الولايات المتحدة العام الماضي كانت بسببه.
وقد طوّر تجار المخدرات طرقًا جديدة لزيادة أرباحهم، مثل تخفيف الفنتانيل بمخدرات أخرى كالكوكايين والميثامفيتامين، مما يجعل تعاطيه أقل فتكًا ولكنه أكثر انتشارًا.
وفيما يتعلق بأوروبا، ورغم المخاوف المتزايدة، يستبعد الخبراء حدوث أزمة مشابهة في إسبانيا. فالحصول على الفنتانيل هناك أكثر تعقيدًا، حيث لا يُصرف إلا بوصفة طبية صارمة، وفقًا للصيدلانية ساندرا ميسونيرو.
ولا تزال أزمة الفنتانيل تمثل تحديًا أمنيًا وصحيًا كبيرًا، حيث تتشابك المصالح السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والمكسيك والصين. فهل ستكون الإجراءات الجديدة كافية للحد من هذه الأزمة، أم أننا أمام تصعيد جديد؟
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية مطاردة استثنائية وعلى ظهور الخيل.. شرطة فلوريدا تلاحق مشتبهًا به في قضية مخدرات تصاعد عنف عصابات المخدرات في بروكسل: قتيل واحد في رابع حادث إطلاق نار خلال أسبوع السعودية تنفذ حكم الإعدام بحق سبعة مواطنين في قضايا مخدرات استهلاك مخدراتشركات الأدويةالولايات المتحدة الأمريكية