جَحيمُ ترامب قد يُحرق العراق: الوضعُ خطيرٌ لّلغاية والتوازن الدَقيق صعبُ المَنال
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
بغداد اليوم - بغداد
يشهد العراق حالة من الترقب والحذر وسط تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي توعد فيها بإنهاء أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يوم السبت القادم في حال عدم اطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى حماس. هذه التصريحات أثارت مخاوف العديد من الخبراء والمحللين السياسيين، الذين يرون أن العراق قد يكون واحداً من الدول الأكثر تأثراً بأي تصعيد أمريكي جديد.
ويرى بعض المراقبين أن السياسة التي قد يتبعها ترامب ستكون أكثر تشدداً من إدارة الرئيس السابق جو بايدن، مما قد يفتح الباب أمام مواجهات عسكرية جديدة داخل الأراضي العراقية، بالإضافة إلى إمكانية فرض عقوبات اقتصادية قد تمتد لتشمل الحكومة العراقية وليس فقط الفصائل المسلحة.
التفاصيل والتحليل
في حديثه لـ"بغداد اليوم"، أكد المختص في الشؤون الاستراتيجية محمد التميمي أن تهديدات ترامب الأخيرة لا تقتصر على غزة وحدها، بل من المحتمل أن تمتد تداعياتها إلى العراق أيضاً، خاصة في ظل الارتباط الوثيق بين الفصائل المسلحة العراقية والفصائل الفلسطينية ضمن ما يعرف بمبدأ وحدة الساحات.
هذا المبدأ الذي تقوم عليه بعض الفصائل المسلحة يعني أن أي تصعيد في غزة قد يدفع الفصائل العراقية إلى تنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف أمريكية أو إسرائيلية في المنطقة، مما قد يجعل العراق ساحة جديدة لصراع إقليمي واسع. ومن هنا، يرى التميمي أن التصعيد الأمريكي المحتمل قد يضع العراق في وضع خطير للغاية، خاصة إذا قرر ترامب اتخاذ خطوات عسكرية مباشرة ضد الفصائل العراقية أو فرض عقوبات اقتصادية على بغداد.
مرحلة جديدة
على الصعيد الأمني، فإن أي تصعيد أمريكي ضد الفصائل المسلحة في العراق قد يؤدي إلى اندلاع موجة جديدة من العنف داخل البلاد. فقد شهد العراق في السنوات الماضية العديد من الهجمات المتبادلة بين القوات الأمريكية والفصائل المسلحة، خاصة بعد اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في غارة أمريكية مطلع عام 2020. وإذا قرر ترامب العودة إلى هذا النهج، فإن العراق قد يكون على موعد مع مرحلة جديدة من المواجهات العسكرية التي قد تطال الوجود الأمريكي في البلاد، سواء من خلال استهداف السفارة الأمريكية في بغداد أو القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في عدة مناطق، مثل قاعدة عين الأسد في الأنبار أو قاعدة حرير في أربيل. وقد تؤدي هذه التطورات إلى تدهور الوضع الأمني وزيادة حالة عدم الاستقرار، وهو ما قد ينعكس سلباً على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد
المواقف المختلفة من التهديدات الأمريكية المحتملة
الحكومة العراقية حتى الآن لم تصدر أي موقف رسمي بشأن تهديدات ترامب، لكن مصادر سياسية تؤكد أن بغداد تتابع الوضع عن كثب وتحاول اتخاذ موقف متوازن لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن. فمن جهة، تسعى الحكومة العراقية إلى الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل الحاجة إلى الدعم الأمريكي في مجالات متعددة، من بينها التعاون العسكري والتدريب وصفقات التسليح. ومن جهة أخرى، تجد الحكومة نفسها تحت ضغط الفصائل المسلحة التي ترفض أي وجود أمريكي في العراق وتعتبر أن الولايات المتحدة تمثل تهديداً لسيادة البلاد. وهذا التوازن الحساس قد يصبح أكثر صعوبة إذا قررت إدارة ترامب تنفيذ عمليات عسكرية ضد الفصائل أو فرض عقوبات اقتصادية على بغداد.
أما الفصائل المسلحة العراقية، فرغم عدم صدور مواقف رسمية منها حتى الآن، إلا أن مصادر مقربة منها تشير إلى أنها تراقب التطورات بحذر وتستعد لأي سيناريو محتمل. بعض الفصائل كانت قد توعدت سابقاً بالرد على أي استهداف أمريكي لها، مما يعني أن أي ضربة أمريكية قد تشعل موجة جديدة من الهجمات المتبادلة، وهو ما قد يعيد العراق إلى حالة عدم الاستقرار الأمني التي شهدها في فترات سابقة.
أما على الصعيد الدولي، فإن التهديدات التي أطلقها ترامب أثارت قلق بعض الدول التي تخشى أن يؤدي تصعيد جديد في الشرق الأوسط إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها. فإيران، التي تعتبر الداعم الرئيسي للفصائل المسلحة في العراق وسوريا ولبنان، قد لا تبقى صامتة في حال قررت واشنطن شن عمليات عسكرية ضد حلفائها، مما قد يرفع من حدة التوتر بين طهران وواشنطن. كما أن بعض الدول الأوروبية، التي كانت قد حاولت لعب دور في تهدئة الأوضاع بين الولايات المتحدة وإيران خلال السنوات الماضية، قد تجد نفسها في موقف صعب إذا ما تصاعدت الأوضاع مجدداً.
بين المطرقة والسندان
في ظل هذه التطورات، يبقى العراق في موقف صعب بين مطرقة التهديدات الأمريكية وسندان التصعيد الإقليمي. ومع احتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض، قد تواجه بغداد مرحلة حاسمة قد تحدد مستقبل علاقاتها مع واشنطن وطهران في آن واحد. والسؤال الأهم الذي يطرحه المراقبون الآن: هل ستتمكن الحكومة العراقية من اتخاذ موقف متوازن يحمي البلاد من الدخول في صراع جديد، أم أن العراق سيكون مجدداً ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى في المنطقة؟
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: الحکومة العراقیة الفصائل المسلحة
إقرأ أيضاً:
القمّة العربيّة القادمة في بغداد.. عقبات وملاحظات!
بغداد عاصمة جمهوريّة العراق، اختلف في معناها بين المؤرّخين، وقالوا بأنّها العطيّة والهبة والهديّة وغيرها من المعاني!
ونشأت الدولة العراقيّة الحديثة يوم 23 آب/ أغسطس 1921 حينما عُيّن الملك فيصل الأوّل ملكا بعد ثورة العشرين! ولاحقا صرنا أمام مراحل متنوّعة من حيث النموّ والتراجع، والأمل واليأس. ويعتبر العام 2003 من الأعوام الفاصلة في تاريخ العراق الحديث وذلك بعد أن غزته الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وحتّى اليوم لم يَتعاف العراق من آثار الاحتلال المستمرّ والمتستّر في العديد من الملفّات وبأشكال سياسيّة وعسكريّة.
وهذه الأيّام تتزاحم الفعّاليات الرسميّة العراقيّة تحضيرا للقمّة العربيّة القادمة، والتي ستحمل الرقم 34 والمقرّر عقدها في بغداد يوم 17 أيّار/ مايو الحاليّ، وقد بدأت حكومة بغداد بتوزيع دعوات المشاركة على الدول العربيّة منذ الأسبوع الأخير من نيسان/ أبريل الماضي!
والقمّة هي الاجتماع الذي يضمُّ رؤساء وملوك وأمراء الدول العربيّة، وقد عقدت 33 قمّة عربيّة منذ قمّة الإسكندريّة الأولى بمصر في العام 1946.
يبدو أنّ حضور الرئيس الشرع إلى بغداد يعدّ واحدة من الخطوات المحرجة لحكومة محمد شياع السوداني، بسبب الحديث عن مذكرة اعتقال صادرة بحقّه، وحتّى اليوم لم نرَ هذه المذكّرة
وعقدت ببغداد ثلاث قِمم عربيّة في الأعوام: 1978، و1990، والعام 2012، وأخيرا القمّة الرابعة المرتقبة في الشهر الحاليّ.
والقمّة القادمة ستعقد في أجواء ملطخة بالدماء، وظروف مليئة بعشرات العواصف العاتية، ويمكن تلخيص أهم التحدّيات التي تواجهها:
- استمرار المعضلة الفلسطينيّة والمجازر "الإسرائيليّة" بحقّ المدنيّين العزّل، وانهيار مفاوضات إيقاف وقف إطلاق النار.
- نهاية نظام بشار الأسد، ومجيء حكومة سورية جديدة بزعامة الرئيس أحمد الشرع، والتطوّرات الأمنية الأخيرة المتعلّقة بالدروز، والتدخّل "الإسرائيليّ" العلنيّ لمناصرتهم!
- ملفّ السودان.
- الخلافات الحدوديّة بين بعض الدول العربيّة.
- تداعيات المحادثات الأمريكيّة- الإيرانيّة.
- وأخيرا التقلبات الاقتصاديّة الخطيرة والربكة الماليّة الدوليّة بعد التعرفة الجمركيّة الأمريكيّة الضخمة، وتدهور أسعار النفط!
هذه التحدّيات وغيرها ماثلة أمام قمّة ببغداد، ولا أحد يمكنه الجزم بمدى تقارب الرؤى العربيّة بخصوصها!
عراقيّا، يبدو أنّ حضور الرئيس الشرع إلى بغداد يعدّ واحدة من الخطوات المحرجة لحكومة محمد شياع السوداني، بسبب الحديث عن مذكرة اعتقال صادرة بحقّه، وحتّى اليوم لم نرَ هذه المذكّرة!
وأبدى السوداني خلال تصريحاته في حوار مع الصحفيّ الأمريكيّ تيم كونستانتن، أمس الخميس، رغبته بحضور الشرع لبغداد، وأكّد بأنّ وجوده “مُهمِّ، بغضّ النظر عن طريقة التغيير في سوريا"!
ومع ذلك أستبعد حضور الشرع للقمّة، رغم تَسلّمه دعوة رسميّة لحضورها السبت الماضي، وأظنّ أنّ وزير الخارجيّة هو الأقرب لتمثيل سوريّا بسبب التطوّرات الأمنية الجديدة في سوريا، وكذلك الجدل القانونيّ السقيم الذي تدّعيه بعض الجماعات المسلّحة بخصوص وجود مذكّرة اعتقال بحقّ الشرع، رغم أنّ القضاء العراقيّ أطلق سراحه بعد أن سلّمته القوّات الأمريكيّة المحتلّة لحكومة نوري المالكي حينها.
وقد نفى مجلس القضاء العراقيّ يوم 26 شباط/ فبراير 2025 وثيقة منسوبة إليه بشأن مذكّرة اعتقال بحقّ الشرع.
وكذلك بدأ الجدل الشعبيّ العراقيّ بخصوص تكلفة القمّة، وهنالك تسريبات سياسيّة وإعلاميّة رصينة تؤكّد بأنّ حكومة بغداد خصّصت 260 مليار دينار للقمّة، ممّا أثار ردود فعل شعبيّة كبيرة في الشارع الذي يعاني من تداعيات واضحة بسبب التقشّف المضمر الذي تعيشه الدولة، وبدليل كتاب رئاسة الوزراء بسحب ما يقرب من أربعة تريليون دينار من الأمانات الضريبيّة يوم الأربعاء الماضي لتأمين رواتب شهر نيسان/ أبريل الماضي!
هذه التحدّيات وغيرها ستكون ماثلة أمام قمّة بغداد!
وأعتقد أنّه من السابق لأوانه الحديث عن نجاح القمّة القادمة أو فشلها، ونجاحها الحقيقي يعتمد على التمثيل الرسميّ العاليّ عبر حضور الملوك والأمراء والرؤساء العرب، والمواضيع التي ستتطرّق إليها القمّة، ومخرجاتها!
ونجاح القمم العربيّة لا يعتمد على التنظيم فقط ولكن بالقدرة على معالجة المستجدّات العاجلة، وفي مقدّمتها ضرورة وقف العدوان "الإسرائيليّ" على غزّة.
حقيقة نأمل أن تكون القمّة مناسبة لدفع حكومة بغداد لتبتعد عن السياسات الغامضة، وأن تكون لجميع العراقيّين، وإلا لا حياة تُرتجى في وطن يُفصَّل فيه القانون على مقاس الطائفة والولاء
ومن عوامل نجاح القمّة وضع الخطط الاستراتيجيّة للمشاكل والأهداف المتوسّطة والبعيدة المدى، وخصوصا في ظلّ العواصف العاتية المحيطة بدولنا، ومن أبرزها الأمن القومي العربيّ، وشكل العلاقات مع الأقطاب العالميّة وبالذات بعد فوز الرئيس ترامب، والأمن الغذائيّ والتكامل الاقتصاديّ، وغيرها من الأهداف التي تغذّي ديمومة الترابط العربيّ، خصوصا وأنّ قمّة بغداد ستعقد في اليوم التالي لنهاية زيارة الرئيس ترامب للسعوديّة وقطر والإمارات للفترة من 13 إلى 16 أيّار/ مايو الحاليّ، وبخلاف ذلك فهي مجرّد فعّاليات دوريّة، ونتائجها غائبة، وكأنّها لم تولد أصلا!
حقيقة نأمل أن تكون القمّة مناسبة لدفع حكومة بغداد لتبتعد عن السياسات الغامضة، وأن تكون لجميع العراقيّين، وإلا لا حياة تُرتجى في وطن يُفصَّل فيه القانون على مقاس الطائفة والولاء!
العراق بحاجة إلى حلول لمشاكله الداخليّة، وأن يُؤسّس الحكم فيه على قاعدة المواطنة لا المحاصصة والانتماءات الضيّقة، وهنالك ضرورة ملحة لتحرير الوطن من الطغيان الطائفيّ قبل الحديث عن مشاريع خياليّة لا تلامس الجراح!
حقيقة مَن يتجاهل أوضاع العراقيّين الحرجة ويقفز إلى ملفّات خارجيّة لا يسعى للإصلاح، بل للتمويه! فمتى سينتبه ساسة العراق للمشاكل الحقيقيّة والجوهريّة للوطن والناس؟
x.com/dr_jasemj67