كيف اندثرت أحلامنا البسيطة وتلاشت مع مرور الزمن. كان لدينا طموحات صغيرة، آمال ترتسم في أفق أفكارنا، ولكن الواقع للأسف لم يكن كما توقعنا. حُلمنا بوطن حر ومزدهر، حيث يعم العدالة والازدهار على الجميع، ولكن التحديات والصعوبات طغت على تلك الأماني.
قد نشعر بخيبة أمل حين ننظر إلى الوراء، ولكن لا يمكننا أن نفقد الأمل تمامًا.
تعد الحروب من أكثر الأحداث المدمرة والمفجعة في تأثيرها على الشعوب والمجتمعات. واحدة من هذه الحروب هي الصراع الذي اجتاح السودان منذ الخامس عشر من أبريل 2023 مما أسفر عن تدهور الحياة وانهيار الأحلام للكثير من السكان. يتسبب استمرار الحرب لمدة تقترب من خمسة أشهر دون أي أفق للحل في تضعيف آمال السودانيين وترك بصمات عميقة على نفوسهم ومستقبلهم.
إذ تتراكم تداعيات الحرب الطويلة على النفوس السودانية، حيث يعيش الناس في حالة من الخوف المستمر وعدم اليقين. يصاحب ذلك انعدام الأمان والقلق على الأحباء والممتلكات، مما يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية وزيادة حالات الاكتئاب والقلق. وعلى الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، تتأثر الحياة اليومية للسكان بشكل سلبي. حيث تعطلت الأعمال وتوقفت الفرص الاقتصادية، مما أثر على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية وتحقيق أحلامهم. تزايدت حالات الفقر وانعدام الوسائل المعيشية، مما أثر بشكل كبير على جودة الحياة وآمال المستقبل. تعدُّ التعليم والثقافة ركائز أساسية لبناء المجتمعات وتطورها. كما أن الحرب واستمرارها تسببا في تدهور الوضع التعليمي والثقافي في السودان. تعرضت المدارس والجامعات للتدمير والإغلاق، مما أدى إلى انقطاع مسارات تعليم الشباب وحرمانهم من فرص التعلم والتطوير الشخصي.
إن الحرب الطويلة وعدم وجود أمل قريب في نهايتها يؤثر بشكل كبير على أحلام وطموحات السودانيين. يصبح من الصعب بناء مستقبل مشرق عندما يكون هناك تهديد مستمر للأمن وعدم استقرار في البلاد. تتلاشى الطموحات المهنية والشخصية تدريجياً، ويتحول الاهتمام إلى البقاء على قيد الحياة وتأمين الاحتياجات الأساسية فقط. يواجه السودان تحديات جسيمة نتيجة للاستمرارية الطويلة للحرب وعدم وجود حلاً قريبًا.
د. سامر عوض حسين
22 أغسطس 2023
samir.alawad@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
تفشي وباء «جنون القتل» في السودان
تُعتبر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من أشد الجرائم التي يمكن أن ترتكب ضد البشرية، وهي تمثل انتهاكات جسيمة وخطيرة للقيم الإنسانية الأساسية وللقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وحسب اطلاعاتي البسيطة، هنالك فوارق بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فجرائم الحرب هي انتهاكات للقوانين والأعراف التي تحكم الحروب والنزاعات المسلحة بين الدول أو محليا داخل الدولة، وتطال الجنود أو المدنيين، مثل: قتل أو تعذيب الأسرى أو المدنيين، استخدام الأسلحة المحظورة (مثل الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية) الاعتداءات العشوائية التي تسبب خسائر في صفوف المدنيين، تجنيد الأطفال واستخدامهم في المعارك، تدمير الممتلكات والبنى التحتية والأعيان المدنية كالمستشفيات والمدارس ودور العبادة.
أما الجرائم ضد الإنسانية فهي أفعال مُنظمة وممنهجة وواسعة، تُرتكب ضد مجموعة من السكان المدنيين، سواء في وقت الحرب أو السلم، وغالباً ما ترتكب بدافع سياسي أو عرقي أو ديني، مثل: القتل العمد والإبادة الجماعية، التعذيب والاختفاء القسري، الاغتصاب والاستعباد الجنسي أو الاتجار بالبشر، الترحيل القسري أو النقل الجماعي للسكان، إلى غير ذلك من الأعمال والانتهاكات العنيفة التي تسبب معاناة شديدة. وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تُعرِّفها وتنظمها عدة معاهدات وقوانين دولية، أبرزها اتفاقيات جنيف الأربع (1949) والبروتوكولات الإضافية، ونظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية في عام 1998. ولضمان العدالة ومنع تكرار هذه الجرائم في المستقبل، يشدد القانونيون الشرفاء وحماة العدالة ودعاة حقوق الإنسان وصناع المستقبل على وجوب محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وعدم السماح بإفلاتهم من العقاب، وذلك بتقديمهم للعدالة إما أمام المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الدولية الخاصة، كما حدث في محكمة نورمبرغ لجرائم الحرب العالمية الثانية والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، أو أن تتم محاكمتهم أمام المحاكم الوطنية بموجب مبدأ «الولاية العالمية» متى ما توفر النظام العدلي والقضائي المستقل والنزيه.
ووفق تعريفنا هذا، المبسط وغير المتخصص، لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإن الحرب المشتعلة اليوم في السودان، والتي تقترب من إكمال عامها الثاني، تتوفر فيها معظم، إن لم يكن، كل عناصر هذه الجرائم، حيث تؤكد الأدلة الموثقة استهداف المدنيين في الأحياء السكنية والأسواق والمستشفيات بالقصف المدفعي أو الطيران أو المسيرات، مما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، وخاصة النساء والأطفال، وكذلك إعلاء راية الانتقام وارتكاب المجازر وذبح الإنسان ذبح الشاة في الشوارع والمنازل والتمثيل بجثته وذلك بغرض الانتقام أو على أسس سياسية أو إثنية أو جهوية أو بغرض النهب والسلب، وحالات العنف الجنسي الجماعي كأداة حرب، والتهجير القسري نزوحا داخليا أو لجوءا مما خلق أزمة نازحين ولاجئين كبيرة داخل السودان وفي الدول المجاورة، وتدمير البنية التحتية كالطرق والكباري والمستشفيات والمدارس ومرافق المياه والكهرباء، مما حرم المدنيين من الخدمات الأساسية والضرورية للحياة. ورغم أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية كانت متوفرة، وبكثرة، إبان الحرب في جنوب السودان قبل انفصاله وخلال أحداث سنوات حرب دارفور الممتدة منذ عام 2003 والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها «أول إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين» لكن حرب السودان المندلعة منذ الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، شهدت في الآونة الأخيرة تصعيدا خطيرا تجاوز الحدود المتوقعة ودخل نطاق اللامعقول وغير المسبوق في تاريخنا الحديث من حيث ارتكاب أعمال عنف مروعة ومجازر وحشية ضد المدنيين، والتي غالبًا ما تكون بدوافع عرقية أو سياسية أو بسبب الانتقام، وساد ما يمكن أن نسميه تفشي وباء سفك الدماء أو مرض «جنون القتل». ومن الأعراض والعلامات الواضحة لهذا الوباء أو المرض، والتي نشهدها اليوم في السودان، استمرار دوران «دورة الانتقام» أي استمرار مسلسل العنف وسفك الدماء، وتصعيد التوترات وتفاقم الخوف والغضب، وتفشي حالة تطبيع العنف، أي جعل المجتمع يتقبله كوسيلة لحل النزاعات، وكل ذلك يضعف فرص الحلول السلمية عبر الحوار ويعمق الاستقطاب والانقسامات داخل المجتمع. إن «جنون القتل» وتفشي وباء العنف العشوائي في السودان، بالإضافة إلى أنه يُمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، فإنه يعمق من حالة الكراهية وحالة الحقد والعداء بين السودانيين ويجعلها مزمنة مما يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وصعوبة شفائه وتعافيه، ويلقي بظلال قاتمة على مستقبل البلاد ووحدتها، كما قد بجذب أطرافا خارجية مما يفاقم المأساة ويطيل عمر المعاناة.
إن تفشي وباء سفك الدماء ومرض «جنون القتل» في السودان لا يمكن تجاهله والصمت عنه، بل هو يستوجب أن نتحمل جميعا، في المقدمة الزعامات التقليدية والقيادات الأهلية ومشايخ الطرق الصوفية وقيادات المجتمع المدني، أن نتحمل المسؤولية الأخلاقية حيالها والعمل على كبحها. لكن العبء الأكبر في تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية حيال مقاومة هذا الوباء، فيقع على عاتق قيادات الأطراف المتحاربة، بدءا بإلزام قواتها ومرؤوسيها بالانضباط والامتناع عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتشكيل لجان مستقلة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت والتي لاتزال تُرتكب حتى اللحظة، ونشر نتائج هذه اللجان بشكل شفاف ومعلن، وتقديم الجناة وكل المتورطين إلى المحاسبة العاجلة والعادلة. وبالطبع، فإن تقاعس القيادات عن تنفيذ ذلك يضعها في خانة المتهمين والمتورطين. ومن جانب آخر، نكرر ما ذكرناه في مقال سابق حول ضرورة الإسراع في نشر أفراد الشرطة والأجهزة المدنية لإنفاذ القانون في كافة المناطق التي يستعيد الجيش سيطرته عليها، وضمان الفصل بين العناصر العسكرية النظامية ومجموعات المستنفرين وبين التعامل المباشر مع المواطنين، وأن يكون هذا التعامل وفق ما يضمن سيادة القانون وإنفاذه بفعالية وعدالة. وبخلاف ذلك، فلا مفر من تفعيل آليات المجتمع الدولي، وفق القانون الدولي، لوقف هذه المأساة وحماية المدنيين، على النحو الذي تناولناه في مقال سابق، فشعب السودان لا يستحق هذا الجنون.
نقلا عن القدس العربي