ناجيات من الإبادة فقدن أبناءهن.. جريمة الإبادة الجماعية مستمرة في قلوب الأمهات
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
الثورة /
مع توقف إطلاق النار في قطاع غزة، فُتحت جراح النساء الأمهات من جديد لتواجه المكلومات الحقيقة القاسية لغياب أبنائهم. فمن الأمهات من فقدت ابناً أو اثنين، ومنهن من استيقظت لتجد نفسها بلا عائلة، بعدما أباد جيش الاحتلال جميع أبنائها في غارة واحدة، ومنهن غادة دولة.
نزحت غادة، 49 عاماً، من شمال وادي غزة إلى جنوبها، وفي ليلة 13 أكتوبر 2023م، عند العاشرة مساءً، دوّى انفجار عنيف.
تقول: “استشهد ابني أحمد متأثرًا بشظية في رأسه، لم يستطع الأطباء معالجته فلم يكن لديهم إمكانيات. لحظة الوداع كانت كابوسًا. احتضنت أحمد بشدة، ثم فقدتُ وعيي مرارًا”. أما أمير، فأُصيب بجروح خطيرة ونُقل إلى مشفى ناصر، ولم أتمكن من وداعه إلا في المقبرة.
لو لم أنزح!
كان الألم أوسع من أن يُحتمل حين أُعلن عن عودة سكان الشمال، “رغبتُ في نقل قبور أبنائي معي، لكن أخي أقنعني بأن يبقوا حيث هم، وكأنني أترك جزءًا مني خلفي إلى الأبد. عدنا مشيًا عبر شارع الرشيد، كان الطريق طويلًا، كنت أبكي طوال المسير، كيف عدتُ بلا أولادي؟”، تسأل الأم المكلومة نفسها.
تلوم دولة نفسها وتحدثها “لو لم أنزح لكانوا سيبقون بجانبي؟ إحساس قاتل بالذنب يلاحقني، كان عليّ كأم أن أحميهم. أعيش في دوامة لا تهدأ، أراهم أمامي حتى وأنا مستيقظة، أحدثهم، أمد يدي لأحتضنهم، وكأنني أفقد عقلي”.
ورغم كل هذا الألم، لا تجد الأم متسعًا للحزن طويلاً، حيث فقدتُ منزلها، ولا توجد مقومات حياة في شمال قطاع غزة، ويتوجب عليها أن ترعى من بقي من أبنائها وتؤدي كامل المسؤوليات المطلوبة منها في ظروف أشد الظروف صعوبة جسديا ونفسيا.
وكل أم في غزة تحمل في قلبها جرحين؛ جرح الخوف المستمر على من تبقى من أطفالها، وجرح الفراق الذي فرضته الحرب، ما يجعلهن تحت وطأة تحديات مضاعفة، حيث يتم تجاهل احتياجاتهن النفسية والعاطفية في مجتمع يسوده الدمار، ويُحرم العديد منهن من الدعم الذي يحتجن إليه في هذه اللحظات الأكثر قسوة في حياتهن.
عبء نفسي ثقيل
ويقول التقرير للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن الأمهات في غزة يحملن عبئًا نفسيًا ثقيلًا، فالأم لا تحزن على فقدان ابنها فقط، بل تُجبر على التكيف مع واقع مرير، حيث لا يوجد مكان آمن للحزن أو للتعافي.
ويضيف التقرير المعنون بـ “جريمة الإبادة الجماعية مستمرة في قلوب الأمهات”، أن تكمن المأساة في أن هؤلاء النساء، اللواتي فقدن أبناءهن، لا يجدن من يقدّم لهن الدعم في هذه المرحلة العميقة من الفقد، مما يزيد من معاناتهن ويجعلها أشد قسوة.
ويوضح أن الأمهات يُجبرن رغم الفقد والانهيار النفسي، على الاستمرار في أداء مسؤولياتهن المنزلية، وتربية الأطفال ورعايتهم وسط ظروف قاسية لا تتوفر فيها مقومات الحياة الأساسية مثل المياه النظيفة، والكهرباء، والخصوصية، والأمان.
ويلفت التقرير الحقوقي إلى المأساة الكبرى التي تعيشها معظم الأمهات في خيام ومراكز إيواء مكتظة، تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة، مما يجعل كل يوم بمثابة صراع للبقاء، حيث يمتزج الحزن بالقهر والمسؤولية التي لا تنتهي.
ميلاد موت جديد
وتعيش فاطمة السرسك، 25 عاما، هذه المأساة بكل تفاصيلها، شأنها شأن 1.9 مليون فلسطيني نزحوا إلى وسط وجنوب قطاع غزة، غير أن هذا جحيم لا يغيب عن ذاكرتها وتعيشه عياناً منذ ليلة 30 أكتوبر 2023م عندما قضى صاروخ إسرائيلي على عائلتها.
تقول: “وجدتُ نفسي في أرض خالية، بينما كانت طفلتي أيلول مُلقاة خارج المنزل، أما زوجي وأطفالي الأربعة فكانوا تحت الأنقاض”.
وتضيف السرسك: “كانت جسدًا محروقًا بلا ملامح، لم أستطع حتى النظر إليها من هول ما أصابها. كانت الحروق من الدرجة الثالثة، والجرح في رأسها احتاج إلى سبع غرز. كنتُ أعلم أنها تتألم، لكني لم أكن قادرة على احتضانها، لم أكن قادرة حتى على الوقوف؟”.
فقدت السرسك ثلاثة أطفال، إياد (8 أعوام) وتامر (6 أعوام) احترقا بالكامل، وسلمى (5 أعوام) كانت قدمها مبتورة تتدلى من جلدها الرقيق. لم يتمكنوا من انتشالهم إلا في اليوم التالي، ولم تستطع اللأم وداعهم، “لم أحتمل أن تبقى صورتهم المحترقة هي آخر ما أحمله عنهم. دفنوا بعيدًا عني، كنت أتمنى ألا يكونوا محروقين وأستطيع وداعهم”.
وعندما تم إعلان وقف إطلاق النار وعادت السرسك إلى غزة، “لم أفرح بالعودة، كان هناك موتٌ جديدٌ يُولد في داخلي مع كل خطوة. عُدت وحدي دون أطفالي وقلبي يعتصر ألماً. لم أفرح بوقف إطلاق النار، فقد تجددت آلامي، لأن الحرب سرقت مني أغلى ما أملك. وأجد نفسي أبكي طوال الليل، عاجزة عن النسيان أو تجاهل الأحداث التي غيرت حياتي”.
فقدان للهوية الوجودية
ويشير تقرير المركز الحقوقي إلى خصوصية المجتمع الفلسطيني، حيث تُسند للأمهات المسؤولية الأساسية في تربية الأبناء وتلبية احتياجاتهم اليومية، مما يكوّن علاقة وثيقة بأبنائهن مستمرة تقوم على الرعاية والعناية بكل تفاصيل حياتهم.
ويقول: “عندما تفقد الأم ابنها، تفقد جزءاً أساسياً من هويتها اليومية المرتبطة بهذا الدور، مما يجعل الألم يتجاوز الحزن الطبيعي ليصبح شعوراً بالفراغ الوجودي”.
ويشير إلى أن فقدان الأمهات لأبنائهم يشعرهن بالإخفاق في أداء دورهن بحمايتهم، حتى عندما يكون الأمر خارج عن إرادتها. ويشدد على أن “هذا الشعور بالفشل الشخصي يتداخل مع الحزن الطبيعي، ليخلق أذى نفسياً أكثر عمقاً لا يمكن محوه”.
ويلفت إلى أن علاقة الأم بابنها تولد منذ اللحظة الأولى للحمل، حيث يتكون رابط جسدي وعاطفي عميق يُميز هذه العلاقة عن أي علاقة أخرى، ما يجعل فقد هذا الارتباط أكثر من مجرد خسارة فرد، إلى انتزاع كيان”.
صدمات عميقة واضطرابات مزمنة
ويُعد فقدان الأطفال نتيجة الحروب من الصدمات النفسية العميقة التي تواجهها الأمهات، إذ يُحدث هذا الفقدان تغيرات جذرية في البنية النفسية والعاطفية تؤثر على الحياة اليومية والصحة النفسية على المدى الطويل، ووفقًا لنظرية الارتباط التي أسسها العالم النفسي جون بولبي.
ويوضح بولبي أن العلاقة بين الأم وطفلها تُعتبر مصدر أمان واستقرار عاطفي؛ لذا فإن فقدان هذا الرابط يشكل صدمة قد تؤدي إلى اضطرابات مثل الاكتئاب والقلق واضطراب الإجهاد ما بعد الصدمة PTSD))، مشيرا إلى أن فقدان رابط الارتباط الأساسي يترك أثرًا بالغًا يتطلب وقتًا طويلًا للتعافي.
ومن منظور علم النفس الاجتماعي، ترى الدكتورة ماريان ويلر، أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة كولومبيا، أن فقدان الأم لطفلها في ظروف الحرب لا يؤثر فقط على الجانب العاطفي بل يمتد إلى تأثيرات اجتماعية وهوية الأم.
وفي دراسة نشرتها في “المجلة الدولية لعلم النفس الاجتماعي”، تشير ويلر إلى أن الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن قد يشعرن بالعزلة الاجتماعية وانعدام الدعم المجتمعي، مما يزيد من احتمالية تطور اضطرابات نفسية مزمنة.
وتضيف أن الشعور بالذنب والرفض الذاتي قد يعيقان عملية التعافي، ويستدعيان توفير بيئة داعمة تُشعر الأمهات بأنهن جزء من شبكة اجتماعية تُقدم الدعم النفسي والعاطفي.
الأثر الاجتماعي والاقتصادي
واستنادًا إلى تقرير منظمة الصحة النفسية الدولية، فإن التدخلات العلاجية المبكرة، مثل العلاج النفسي الفردي والجماعي، تلعب دورًا حاسمًا في تقليل حدة الاضطرابات النفسية لدى الأمهات المتأثرات، الناتجة عن اضطرابات ما بعد الصدمة.
ويبين أن فقدان الأطفال يزيد من تعقيد الحالة النفسية، إذ تفقد الأمهات المصدر الأساسي للدعم العاطفي والأمان الذي يوفره الارتباط الأمومي. ويوضح التقرير كيف أن فقدان الطفل يؤثر على الهوية الأمومية، مما يؤدي إلى شعور دائم بالحزن والعزلة.
ويؤكد التقرير أن الصدمات النفسية الناتجة عن الحروب لا تقتصر على الجانب الفردي فحسب، بل تمتد لتؤثر على البيئة الاجتماعية والاقتصادية للأمهات. ففي كثير من الأحيان، تعاني هذه الفئة من انقطاع شبكات الدعم الاجتماعي، سواء من الأسرة أو المجتمع المحلي، مما يجعل عملية التعافي أكثر صعوبة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
منظمة الصحة العالمية تحذر من خطر تراجع الولادات الصحية
المناطق_متابعات
أفاد تقرير جديد صادر عن منظمة الصحة العالمية بأن عددا أكبر من النساء ينجبن من الحمل والولادة أكثر من أي وقت مضى.
أخبار قد تهمك تكثيف جهود المنظمات الدولية للاستجابة الإنسانية لزلزال ميانمار 4 أبريل 2025 - 2:11 مساءً مركز الملك سلمان للإغاثة يوقع اتفاقية تعاون مشترك مع منظمة الصحة العالمية لدعم مرضى القصور الكلوي السودانيين في مصر 2 مارس 2025 - 12:40 صباحًاوفي السنوات الثلاث والعشرين الماضية فقط، طرأ انخفاض بنسبة 40% في وفيات الأمهات، وفق التقرير.
في حلقة من برنامج “العلوم في خمس”، الذي تقدمه فيسميتا غوبتا سميث، وتبثه المنظمة على منصاتها الرسمية، سلط خبير منظمة الصحة العالمية في صحة الأم، الدكتور فيمي أولادابو، الضوء حول كيفية الحصول على حمل وولادة آمنين.
الوقاية من المضاعفاتوقال أولادايو إن “ولادة طفل حدثٌ هامٌ في الحياة ويمكن أن تكون فرصة للأمل وبدايات جديدة وفرحة، لكنها ربما تكون أيضا فرصةً للخوف والمضاعفات. ولكي تتمتع المرأة بحملٍ صحي، فإن الحصول على فحوص طبية دورية وتغذية جيدة أمران أساسيان للوقاية من المضاعفات أثناء الحمل”.
كما أضاف أنه “خلال هذه الفحوصات، ينبغي أن تتوقع المرأة إجراء فحوصات مثل تحاليل البول والدم، وأن تخضع لاختبار الموجات فوق الصوتية وفحص مستوى الغلوكوز وقياس ضغط الدم، بالإضافة إلى مراقبة نمو طفلها”.
علامات تحذيريةوأشار إلى أن هناك بعض العلامات التحذيرية التي يمكن أن تشير إلى قرب حدوث مضاعفات، حيث يجب على النساء الانتباه لأعراض مثل النزيف المهبلي والصداع الشديد أو تورم الساقين. وفي حال ظهور أي من هذه الأعراض، يجب على المرأة زيارة الطبيب أو التوجه إلى المستشفى.
مشكلة عالميةوأوضح أن وفيات الأمهات لا تزال مشكلة عالمية، ففي عام 2023، توفيت مائتان وستون ألف امرأة نتيجة مضاعفات الحمل أو الولادة.
فيما لفت إلى أن النزيف يعد السبب الرئيسي لوفيات الأمهات، ويمثل أكثر من 25% من وفيات الأمهات التي حدثت في عام 2023.
ويُعادل هذا الرقم حوالي سبع مائة حالة وفاة بين الأمهات يوميًا، أي حالة وفاة واحدة كل دقيقتين تقريبًا، أي أنه يُشبه تحطم طائرة جامبو يوميًا.
كما يُعد ارتفاع ضغط الدم، المعروف باسم مقدمات الارتعاج، سببًا رئيسيًا آخر، لكن المأساة الحقيقية تكمن في أن العديد من هذه الوفيات يمكن الوقاية منها.
التشخيص المبكرواستطرد الدكتور أولادايو قائلًا إنه يمكن الوقاية من المضاعفات والعواقب الصحية الخطيرة المرتبطة بنزيف ما بعد الولادة إذا تم تشخيصها مبكرًا.
ويكمن سر ذلك في الكشف السريع والعلاج الفعال. على عكس ما كان عليه الحال في الماضي، حيث كان الأطباء والممرضات يُقدّرون كمية الدم التي تفقدها المرأة، فقد توصلت منظمة الصحة العالمية إلى حل فعّال، وهو عبارة عن غطاء بلاستيكي خاص يُسمى “الغطاء المعاير”، لقياس كمية الدم المفقودة لدى المرأة بدقة أكبر.
تقليل الوفيات بنسبة 60%بعد الولادة مباشرة، يقوم الطبيب بوضعه أسفل أرداف المرأة. ثم يتم جمع الدم المفقود في “غطاء المعايرة”. بمجرد أن يصل فقدان الدم إلى حد معين، في هذه الحالة 500 مل، تُقدّم مجموعة من العلاجات للمرأة في نفس الوقت تقريبًا، في غضون خمس عشرة دقيقة.
ومن خلال الدراسة التي أُجريت، والتي شاركت فيها أكثر من مئتي ألف امرأة، أظهرت هذه الطريقة أنها تُقلّل من فقدان الدم الشديد لأكثر من لتر، أو الجراحة لوقف النزيف، أو الوفاة بنسبة تصل إلى 60%.
حقوق المرأة الحاملوبيّن أن المرأة الحامل لها الحق في تجربة حمل وولادة وما بعد الولادة آمنة وإيجابية، حيث تُعامل بكرامة واحترام. كما أن لها الحق في وجود مرافق من اختيارها، يكون معها طوال رحلة الحمل، بما يشمل أثناء المخاض والولادة ولها الحق في التحرك أثناء المخاض واختيار وضعية الولادة.
وأضاف أن للمرأة الحامل أيضا الحق في الحصول على مسكنات الألم، موضحا أن خطة الولادة، التي يتم إعدادها بمعرفة الطبيب المتخصص، تُعدّ ضمانًا لسلامة الحمل والولادة وتؤمن الإبقاء على الأمهات والأطفال أصحاء.