المعارضة تطيح بحوار لودريان.. ما البديل الذي تطرحه؟!
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
على مسافة اسابيع قليلة من العودة "المفترضة" للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، يبدو أنّ الأمور باتت "أكثر تعقيدًا" على أكثر من مستوى، وأنّ الحوار الذي كان كثيرون يراهنون عليه لإحداث "الخرق" أضحى أصعب بكثير ممّا كان متوقَّعًا، وذلك للكثير من الأسباب والاعتبارات، التي لا يمكن "حصرها" بالرسالة التي وجّهها الرجل إلى مجموعة من النواب، بمعزل عن النوايا "الصافية" التي انطلق منها.
يقول العارفون إنّ قوى المعارضة، حين أطلقت معادلة "لا للحوار مع حزب الله"، في بيانها الشهير الأسبوع الماضي، لم تكن تردّ بصورة "انفعالية" على رسالة لودريان، بل إنّ "الرسالة" لم تكن قد وصلتها، عندما صاغت البيان، الذي أعِدّ على وقع استعادة سرديّة "المواجهة مع حزب الله"، التي أحيتها حادثة الكحالة، والتي يبدو أنّها أحيت أيضًا "حنين" الكثير من قوى ما كان يُعرَف بـ"14 آذار"، إلى زمن "ثورة الأرز".
لكنّ المعارضة ببيانها هذا، معطوفًا على "استنفارها" ضدّ رسالة لودريان، التي اتُخِذت ذريعة للتصويب على "الوساطة الفرنسية" ككلّ، بدت وكأنّها "تنعى" مهمّة الرجل قبل عودة كان قد وصفها بـ"الفرصة الأخيرة"، ما يطرح أكثر من علامات استفهام، فأيّ "بديل" تطرحه المعارضة في معرض "إطاحتها" بالحوار المرتقب؟ وكيف سيتعامل الوسيط الفرنسيّ مع الموقف المستجدّ، ولا سيما بعد الحديث عن احتمال "تأخير" لودريان عودته؟
المعارضة "ثابتة" على موقفها؟
ترفض أوساط المعارضة الاتهامات الموجّهة إليها بـ"الإطاحة" بما سُمّيت "فرصة أخيرة"، في سبيل "شعبوية" مواجهة غير متوازنة مع "حزب الله"، كما يقول الخصوم، كما ترفض مطالبتها بطرح "البديل"، لسبب جوهريّ برأيها، وهو أنّ "البديل" موجود، وبسيط، ولا تنفكّ تذكّر بها في كل يوم، وهو الالتزام بمقتضيات الدستور، والذهاب إلى "انتخاب" رئيس الجمهورية، وفق الآلية الدستورية، بعيدًا عن منطق الصفقات والتسويات "غير الديمقراطية".
لا تنفي هذه الأوساط أنّ المعارضة كانت "تدرس" فكرة المشاركة في ما سمّاه لودريان "اجتماع عمل"، وأن بعضًا من مكوّناتها كانت تميل للمقاربة الإيجابية، فيما بعضها الآخر كان رافضًا بالمطلق، كما لا تنفي أنّ الأولوية بالنسبة إليها كانت التوصّل إلى موقف "موحّد"، لكنّ ما حصل منذ حادثة الكحالة أعاد رسم كلّ "الأولويات" وفق أصحاب هذا الرأي، ولا سيما بعدما أضحى واضحًا للجميع أنّ الحوار مع "سلاح غير شرعي" لا يمكن أن يجدي نفعًا.
لا يعني ما تقدّم أنّ قوى المعارضة تغلق الباب بالمطلق أمام "الوساطات الخارجية"، والمبادرة الفرنسية ضمنًا، رغم كلّ الملاحظات على الأداء منذ تبنّي مرشح "حزب الله" إلى ورقة "امتحان" لودريان غير المفهومة برأيها، لكنّها تعتبر أنّ أي وساطة من هذا النوع يجب أن تلبّي سلسلة من المعايير والشروط، وأن تكون بالحدّ الأدنى، "متناغمة" مع بيان اجتماع "الخماسية" الأخير في الدوحة، والذي لوّح بإجراءات ما كان يفترض أن تعني استبدال "الحوار" بـ"اجتماع عمل".
الوساطة الفرنسية لم تنتهِ
في المقابل، يقول العارفون إنّ الوساطة الفرنسية لم تنتهِ على الأرجح، على الرغم من كلّ الضجة، التي قد تكون "مفتعلة" في جانبٍ منها، ولا سيما أنّ فرنسا قد لا تتحمّل إعلان "فشل" مبادرتها في هذه المرحلة، علمًا أنّ لودريان كان يتوخّى من الرسالة التي وجّهها، الوصول إلى قواسم مشتركة "ثابتة" بين مختلف الفرقاء تشكّل منطلقًا لاجتماع العمل الموعود، ولم يكن يرغب بـ"استفزاز" أيّ فريق، كما فُهِم في بعض الأوساط.
وبمعزل عمّا إذا كانت الرسالة قد شكّلت "خطوة ناقصة" في العرف الدبلوماسي، وفي العلاقات بين الدول أم لا، يقول العارفون إنّ الفرنسيّين "يستوعبون" أنّ المشكلة "أبعد" من الرسالة، وأنّ الرسالة اتُخِذت ربما "ذريعة" ليس إلا، ويعربون عن اعتقادهم بأنّ باريس تبحث عن "مَخرَج ملائم" يسمح لها باستعادة زمام المبادرة، وتعويض ما فات، بدفعٍ ربما من الشركاء في "الخماسية الدولية"، التي "يَمون" أعضاؤها على مختلف الأطراف.
وإذا كان خيار "تأخير" عودة لودريان مطروحًا، ريثما تتبلور الصورة أكثر، فإنّ السؤال الذي "يؤرق" الفرنسيّين وسط هذه المعضلة يتمحور حول ما إذا كان اللبنانيون يريدون فعلاً حلّ أزماتهم، إذا ما كان فريق يعلن "القطيعة" مع فريق آخر، وهو يدرك "استحالة" انتخاب رئيس من دون التفاهم معه، ولا سيما أنّ مبدأ "الجلسات الانتخابية المتتالية" يصطدم بمبدأ آخر، ولو كان بنظر البعض "بدعة"، يتمثّل بسلاح "تعطيل النصاب".
رغم كلّ ما تقدّم، تبقى "القناعة" راسخة لدى كثيرين بأنّ الحوار سيلتئم بشكلٍ ما في نهاية المطاف، لكنّ "الحساسيّة" قد ترتبط بظروف هذا الحوار، وسط مخاوف من أن تقود أحداث "دراماتيكية" إليه تلقائيًا، بعدما رُفِض بـ"السلم" إن جاز التعبير. لكن قبل البحث بهذا الخيار، ثمّة من يدعو إلى انتظار نتائج الحوار بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، وهو حوار قد يقلب المعطيات إذا ما أفضى إلى شيء ما قبل نهاية الشهر! المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
شروطُ “غزة” تطيحُ بالأهداف الإسرائيلية في اتّفاق وقف الإبادة .. جبهةُ المقاومة تهزمُ جبهةَ العدو
يمانيون../
تجسّد واقعُ هزيمة العدوّ الصهيوني في معركة “طوفان الأقصى” وحتميةُ هذه الهزيمة، بشكل أوضح من خلال الإعلان عن التوصل إلى اتّفاق لوقف حرب الإبادة التي يشنها منذ أكثر من عام على قطاع غزة.
ويمَثَّلَ الاتّفاق شاهدًا صريحًا على فشل العدوّ في تحقيق أيٍّ من أهدافه التي أعلنها منذ بدء الحرب، وبالمقابل نجاح المقاومة الفلسطينية في تثبيت مطالبها وشروطها العادلة في وجه الوحشية الهائلة المدعومة دوليًّا؛ الأمر الذي يجعلُ شركاءَ العدوّ وداعميه وفي مقدمتهم الولايات المتحدة مشمولين بالهزيمة التأريخية، مثلما يجعلُ جبهاتِ الإسناد الإقليمية لغزة شريكةً في الانتصار.
العناوين الرئيسية للاتّفاق الذي تم الإعلان عن التوصل إليه تمثلت في وقف حرب الإبادة الصهيونية، وانسحاب قوات الاحتلال بشكل تدريجي من غزة، وتبادل الأسرى، وبغض النظر عن الترتيبات والشكوك التي ستحومُ دائمًا حول جدية العدوّ في التنفيذ، فَــإنَّ هذه العناوين تمثّل بلا شك، وبشهادة الأعداء أنفسهم، انتصارًا فعليًّا للمقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني؛ لأَنَّها تعني تبخُّرَ كُـلّ الأهداف الرئيسية التي أعلنها العدوُّ في بداية عدوانه، والمتمثلة في القضاء على المقاومة تمامًا، وتحرير الأسرى بالقوة، وإحداث تغيير جيوسياسي جديد في فلسطين والمنطقة لناحية تصفيةِ القضية الفلسطينية، حَيثُ برهنت المقاومةُ قدرتَها على الثبات والصمود برغم الظروف الصعبة والتي أصبحت مستحيلةً مع العدوان الوحشي والتدمير الشامل والتخاذل الكبير، وهو ما انعكس بشكلٍ أوضحَ من خلال العمليات البطولية الأخيرة التي نفّذتها المقاومة ضد جيش العدوّ في شمال غزة المدمّـر كليًّا مع آخر أَيَّـام وساعات التفاوض، وقد أجبرت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على الاعترافِ صراحةً بأن “القضاءَ على حماس” غيرُ وارد.
وفيما يتعلق؛ بهَدفِ تحرير الأسرى بالقوة، فالاتّفاق لا يثبت فقط فشَلَ العدوّ في تحقيق هذا الهدف، بل يثبِتُ أَيْـضًا عجزه عن التقليل من قيمة ورقة الأسرى من خلالِ قتلهم بالغارات الجوية وتجاهل مطالبِ عائلاتهم ومحاولة تحويلهم إلى مِلَفٍّ ثانويٍّ لصالح عنوان “النصر المطلق”، حَيثُ بات واضحًا الآن أن المقاوَمةَ استطاعت أن تفرِضَ ورقةَ الأسرى كورقة ضغط فعالة ورئيسية، ثم استطاعت أن تفرض طريقةَ خروج الأسرى على العدوّ، وهو ما يعكسُ تماسكًا كَبيرًا على مستوى القرار والصمود الميداني، بشكل يعزّز حقيقةَ استحالة تحقيق هدف القضاء على المقاومة أَيْـضًا.
أما فيما يتعلق بمسألة تغيير الحُكم في غزة والتي أكثر العدوّ الحديث عنها تحت عنوان “اليوم التالي للحرب” فَــإنَّ قبولَ العدوّ بالانسحاب ولو بشكل تدريجي، يعبِّرُ بوضوح عن سقوطِ آماله ورهاناته بهذا الصدد، وهو أَيْـضًا ما يعبّر عنه فشلُه في تحقيق الأهداف الأُخرى؛ فبدون القضاء على المقاومة لا مكانَ لـ “التغيير” الذي كان يسعى العدوُّ لتحقيقه، الأمرُ الذي يظهر كيف تكاملت نجاحاتُ المقاومة مع بعضها بشكل فعال في مواجهة أهداف العدوّ لتجعلَه يصلُ إلى نهاية مسدودة كليًّا لا مخرَجَ منها سوى الاتّفاق الذي كانت محدَّداته واضحة وثابته منذ البداية.
وبعد أن كان العدوُّ قد ربط وَهْمَ “انتصاره” طيلة الفترة الماضية بعناوينَ أُخرى مثل تغيير الشرق الأوسط، والقضاء على جبهات المقاومة الأُخرى، فَــإنَّ الاتّفاقَ الذي تمكّنت المقاومةُ من تأمينه قد جسّد أَيْـضًا سقوطَ هذه العناوين وهزيمة العدوّ في هذا الميدان، فعلى عكس فشَلِ شركاء العدوّ وداعميه في مساعدته على تحقيق أهدافه المعلنة، فَــإنَّ جبهاتِ الإسناد الإقليمية قد نجحت في تثبيتِ معادلة عدم هزيمة المقاومة الفلسطينية وترسيخ واقع أن غزة ليست وحدها، وقد تجسد ذلك في فشل كُـلّ محاولة العدوّ لإخماد جبهة الإسناد اللبنانية من خلال اغتيال قادتها، وعلى رأسهم سماحة السيد حسن نصر الله ومحاولة اجتياح لبنان، ثم فشل محاولته لفرض معادلة الاستباحة على إيران، وعجزه الفاضح عن التعامل مع جبهة الإسناد اليمنية التي لم تكتف فقط بمواصلة وتصعيد عملياتها رغم كُـلّ الضغوط والتهديدات والاعتداءات على طول مسار المواجهة، بل صدمت العدوّ بأن تصدَّرت واجهةَ المشهد بسرعة كتهديد استراتيجي جديد وغير مألوف ومؤثّر بشكل هائل ويستحيلُ عَزلَه عن تفاصيل المعركة في غزة، حَيثُ تمكّنت هذه الجبهة من مؤازرة المقاومة الفلسطينية على طاولة المفاوضات خلال الأيّام القليلة الماضية بعمليات نوعية مكثّـفة عكست حضورا بالغ التأثير في موقع متقدم للغاية بقلب الصراع.
ووفقًا لهذه النتائج كلها، فَــإنَّ هزيمةَ العدوّ لا تقتصرُ فقط على الفشل في تحقيقِ أهدافه المعلنة خلال هذه المعركة، بل تمتدُّ إلى جولات الصراع القادمة مع العدوّ؛ لأَنَّ المكاسبَ التي حقّقتها جبهةُ المقاومة في غزة وفي المنطقة خلال هذه المعركة تفتح العديد من الآفاق غير المسبوقة لتحولات جديدة واسعة النطاق في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي، بدءا من تحولات الوعي بالصراع بشكل عام، وُصُـولًا إلى التحولات المرتبطة بالمواجهة العملية من حَيثُ التنسيق بين جبهات المقاومة وتطوير القدرات والأدوات والاستفادة من نقاط الضعف التي انكشفت لدى العدوّ وشركائه.
وفيما لا تزالُ الكثيرُ من الأسئلة والشكوك الموضوعية تحيطُ بمسألة جدية العدوّ في تنفيذ الاتّفاق، فَــإنَّ مساحة المراوغة التكتيكية لدى العدوّ في هذا الشأن ضيقة ولن تسمح له بتغيير أي مَعْلَمٍ من معالم هزيمته التي جسدها اللجوء إلى الاتّفاق بعد 15 شهرا من الإبادة؛ فحتى لو تم الانقلاب على الاتّفاق واستئناف حرب الإبادة، فَــإنَّ العدوّ قد استنفد بالفعل كُـلّ الخيارات التي يملكُها ولا يوجد لديه أي خيار جديد لتغيير معطيات الوقع.