11 فبراير: خروج عسكري أمريكي من صنعاء واستعادة السيادة اليمنية
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
طالب عمير
يمثل يوم 11 فبراير محطة تاريخية فارقة في مسار السيادة الوطنية اليمنية، فقد شهد هذا اليوم خروج قوات المارينز الأمريكي من العاصمة صنعاء، في مشهد جسد لحظة انتصار للإرادَة الشعبيّة اليمنية واستعادة جزء من القرار الوطني الذي طالما عبثت به التدخلات الأجنبية.
لم يكن هذا الحدث مُجَـرّد انسحاب عسكري عادي، بل كان تعبيرًا واضحًا عن تحوّل عميق في الوعي الوطني، وتأكيدًا على أن السيادة لا تقبل المساومة، وأن إرادَة الشعوب أقوى من أي وجود أجنبي مهما بلغ حجمه ونفوذه.
لقد كانت سنوات الوجود العسكري الأمريكي في صنعاء شاهدة على مرحلة من التبعية السياسية والارتهان الأمني، عملت الولايات المتحدة على فرض أجنداتها من خلال التدخل المباشر وغير المباشر في القرار السيادي اليمني، عبر استخدام أدوات أمنية واستخباراتية تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”، في حين كان الهدف الحقيقي هو حماية مصالحها الاستراتيجية والسيطرة على القرار السياسي في البلاد، لكن هذا الحضور لم يكن مقبولًا من قبل الشعب اليمني، الذي لطالما رفض الهيمنة الأجنبية مهما كانت مبرّراتها.
خروج المارينز من صنعاء لم يكن نتيجة قرار سياسي أمريكي بقدر ما كان نتيجة مباشرة لصمود الشعب اليمني وتغيير موازين القوى على الأرض؛ فقد عكست هذه اللحظة قدرة اليمنيين على فرض إرادتهم رغم كُـلّ الضغوط الخارجية، وإعادة التأكيد على أن الحرية والسيادة لا تمنح بل تُنتزع.
كان هذا الحدث رسالة قوية إلى العالم بأن اليمن ليس ساحة مفتوحة للتدخلات الأجنبية، وأن إرادَة الشعب قادرة على قلب المعادلات مهما كانت التعقيدات.
ذكرى 11 فبراير تدعونا لتقييم دروس الماضي واستلهام العبر، السيادة ليست مُجَـرّد شعار يُرفع في المناسبات، بل هي ممارسة فعلية تتجسد في استقلال القرار الوطني ورفض التبعية لأية قوة خارجية، هذا الحدث يؤكّـد أن النضال؛ مِن أجلِ الحرية لا يتوقف عند لحظة تاريخية معينة، بل هو مسار طويل يتطلب وعيًا شعبيًّا واستعداداً دائمًا للتضحية؛ مِن أجلِ الوطن.
اليوم، وبعد سنوات من ذلك الحدث المفصلي، يواصل الشعب اليمني معركته في الدفاع عن كرامته وحريته.
إن صمود اليمنيين في مواجهة العدوان والحصار هو امتداد لتلك اللحظة التاريخية التي أجبرت المارينز الأمريكي على مغادرة صنعاء، هذه الروح الوطنية التي تجسدت في 11 فبراير ما زالت حية في نفوس اليمنيين، تؤكّـد أن الكرامة الوطنية لا تُباع ولا تُشترى، وأن اليمن سيظل حرًا مستقلًا مهما تكالبت عليه قوى الاستكبار العالمي.
وفي كُـلّ مرة نتذكر فيها هذه الذكرى، علينا أن نستحضر حجم التضحيات التي قُدمت؛ مِن أجلِ استعادة السيادة الوطنية، وندرك أن الحفاظ على هذا المكسب يتطلب وعيًا وطنيًّا مُستمرّا، ويقظة دائمة ضد أية محاولات جديدة للنيل من استقلال اليمن.
إن اليمن الذي طرد المارينز من صنعاء قادر على مواجهة أية تحديات مستقبلية؛ لأَنَّ إرادَة الشعب أقوى من أية قوة عسكرية أَو سياسية تحاول السيطرة عليه.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
بين هروب المارينز من صنعاء وطرد حاملات الطائرات من البحر الأحمر
وبرز اليمن فيها كمفاجأة صادمة وغير متوقعة على الإطلاق بالنسبة لجبهة العدوّ الصهيوني وشركائه الدوليين؛ الأمر الذي يبرهن بشكل واضح على ثبات وتصاعد مسار انتصارات المشروع التحرّري اليمني على مشروع الوصاية والهيمنة الأمريكية.
ما بين هروب المارينز الأمريكي من صنعاء في 11 فبراير 2015، وانسحاب حاملة الطائرات الأمريكية الرابعة من البحر الأحمر قبل أَيَّـام قليلة، عقدٌ من الزمن تجسدت فيه قصة صعود قوة مشروع نهضوي استثنائي فشلت الولايات المتحدة في كسره أَو حتى إبطاء عجلته، برغم شنها جولتين من العدوان العسكري الشامل؛ مِن أجلِ ذلك، أولها كانت بالاشتراك مع حشد من الأنظمة الإقليمية والمرتزِقة المحليين، وكانت نتيجتها فشلًا قاد إلى الجولة الثانية التي اضطرت فيها واشنطن إلى التصرف بنفسها وإرسال قواتها البحرية بالاشتراك مع بريطانيا وكيان العدوّ الصهيوني، لكن فقط لمضاعفة رصيد الفشل.
وفقًا للأرقام المتحفظة التي كسرت حواجز الرقابة والتكتم وظهرت في تقارير وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأمريكية والبريطانية، فقد أنفقت الولايات المتحدة قرابة 5 مليارات دولارات خلال عام واحد من المواجهة مع اليمن في معركة البحر الأحمر، وهو رقم لم يرتبط به أي إنجاز، بل ارتبطت به إخفاقات تأريخية غير مسبوقة، جعلت ضعف البحرية الأمريكية التي كان يتم تقديمها كقوة لا تُقهَرُ مكشوفًا أمام العالم بشكل غير مسبوق في التأريخ، حتى أن بعض مراكز الأبحاث أصبحت تتحدث بصراحة عن الخطر المتعلق باستفادة خصوم الولايات المتحدة من معلومات وبيانات معركة البحر الأحمر بشأن نقاط ضعف أنظمة القتال الأمريكية.
هذه الإخفاقات التي لم تستطع الولايات المتحدة أن تمنع تناولها على نطاق واسع تحت عناوين "الهزيمة" و"النكسة" والتي جعلت قادة البحرية الأمريكية يتحدثون ربما للمرة الأولى في التأريخ عن استحالة تطبيق "استراتيجيات الردع"، لم تكن بلا سياق، ولم تكن مُجَـرّد مصادفات، بل جاءت في إطار قصة نضال يمني مُستمرّ منذ عقود ضد الهيمنة الأمريكية بكل مظاهرها بما في ذلك الهيمنة العسكرية، وقد كان هروب المارينز الأمريكي من صنعاء في 2015 محطة مهمة من محطات هذا النضال.
وقد استذكر مسؤولون أمريكيون هذه المحطة العام الماضي عندما برّروا فشل العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن بصعوبة الحصول على معلومات استخباراتية ميدانية منذ الهروب من صنعاء، وهو ما أبرز بوضوح السياق الواضح والمُستمرّ للمشروع التحرّري اليمني الذي أثمر الانتصارَ الكبيرَ في معركة "الفتح الموعود".
سياقٌ مُستمرٌّ يؤكّـد بوضوح أن انتصار اليمن على الولايات المتحدة واقع ثابت وراسخ، ولا يتعلق فقط بالتفوُّق التكتيكي والعملياتي الذي تحاولُ واشنطن أن تحصرَه قدرَ الإمْكَان في بعض الجوانب التي تأمل أن تستطيعَ تجاوُزَها من خلال تحديثِ أنظمة القتال للسفن الحربية والبحث عن بدائلَ دفاعية أرخصَ لمواجهة الصواريخ والمسيّرات اليمنية؛ فعواملُ الانتصار الكبير على البحرية الأمريكية لم تقتصر فقط على الأدوات والتكتيكات الجديدة (على أهميتها) بل شملت أَيْـضًا أَسَاسات أُخرى لا تستطيع الولايات المتحدة تجاوُزَها، وهي أَسَاساتُ المشروع التحرّري المقاوم للهيمنة الأمريكية، والذي يبقي الأفق مفتوحًا دائمًا للتفوق على كُـلّ أدوات ووسائل تلك الهيمنة مهما تم تطويرُها، وقد برهن على ذلك عندما نجح في إجبار الولايات المتحدة على سحب قواتِها وعملائها من العاصمة اليمنية، قبل أن يتم تصنيع وإنتاج الصواريخ والمسيرات التي أجبرت حاملات الطائرات والسفن الحربية الأمريكية على الانسحاب من البحر الأحمر بلا أي إنجاز.
وقد برهن هذا المشروعُ على حتمية انتصارِه خلال فترةِ العدوان السعوديّ الإماراتي الذي أدارته الولاياتُ المتحدة كإجراءٍ استباقي لقتل أية فرصة لصعودِ قوةِ اليمن الحر المقاوم للهيمنة الأمريكية، فكانت النتيجة هي أن العدوان أصبح الفرصة الرئيسية لذلك الصعود، الأمر الذي كشف عن أخطاءٍ هائلة في الحسابات الأمريكية بشأن اليمن، بالشكل الذي يجعلُ كُـلّ وأية محاولة لقمع المشروع التحرّري اليمني عبارةً عن محطة جديدة من محطات تطوره واتساع نطاق تأثيره.
حتميةُ الفشل الأمريكي في مواجهة اليمن:
وبالنظر إلى ما آلت إليه الأمورُ عندما قرّرت الولايات المتحدة أن تواجه المشروع التحرّري اليمني بقوتها المباشرة خلال العام الماضي، يمكن القول: إن 11 فبراير 2015، قد اختزلت في تفاصيلها شكل وطبيعة "مصير" واشنطن في كُـلّ جولات الصراع القادمة مع اليمن، حَيثُ شكلت حكمًا يمنيًّا نافذًا بأن "الهروب" والانسحاب سيكون النتيجة الحتمية لواشنطن في أي صدام مع إرادَة الشعب اليمني وحريته.
هذا ما أصبحت تدركُه وسائلُ الأمريكية أَيْـضًا بعد هزيمة البحر الأحمر، حَيثُ نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية هذا الأسبوع تقريرًا ينصحُ إدارةَ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بــ"إبقاء الولايات المتحدة بعيدةً عن اليمن" حسب وصفها، وعدم الانخراط في أي تصعيد عسكري مباشر للسيطرة على الأراضي اليمنية أَو حصارها حتى بالاشتراك مع دول أُخرى، وهي نصيحةٌ يبدو أن الجيش الأمريكي قد بات يدركها بعد معركة البحر الأحمر، حَيثُ تحوَّلت القيادة المركزية الأمريكية إلى ميدان التصعيد الإعلامي ضد صنعاء، بعدَ الفشل العسكري، من خلال التعاون مع حكومة المرتزِقة للاستفادة من قرار التصنيف الجديد في إسكات الإعلام الوطني على أمل إنقاذ ما لم يعد بالإمْكَان إنقاذُه من سُمعة "الردع" الأمريكي الذي انهار بلا رجعةٍ في مواجهة اليمن.
المسيرة