لماذا العالم مفلس أخلاقيًّا كل هذا الإفلاس؟
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
لا أنسى ذلك المشهد قبل أشهر، حين كانت أمامنا مظاهرة للمطالبة بوقف الحرب على غزة، يُقابلها أخرى تُطالب بتحسين ظروف معيشة الطيور في مزارع الدواجن. لا يستطيع المرء مهما حاول - ولا يجب عليه - أن يسوغ لهؤلاء خيارهم الأخلاقي في موقف يتطلب من الجميع أن يشلّوا الحياة الطبيعية للضغط على حكومتهم لوقف الدعم العسكري والدبلوماسي الذي يُمكّن الإبادة، ويجعل استمرار أكبر مأساة في حياتنا ممكنًا.
يستشهد عالم الإنثربولوجيا مايكل براون (Michael F. Brown) بما كتبته ويندي كامينير (Wendy Kaminer) حول نقد حركة التعافي في أمريكا من حيث إنها «ترفع جروح الطفولة الصغيرة للمكانة الأخلاقية التي لمعاناة المضطهدين اضطهادًا حقيقيًّا، في إعلاء همجي يُضعف حساسيتنا للظلم، بدل أن يقويها».
يحاجج براون في ورقته (التي يُمكن أن تُترجم إلى) «مقاومة المقاومة» أن ثمة استسهالا في تفسير القضايا الاجتماعية، حينما يتم استخدام المقاومة كأداة تحليلية تقرأ القضايا في ضوء سردية السلطة والسلطة المضادة.
يضرب المثل بظاهرة الوساطة الروحية التي نشطت في أمريكا، والتي كان جلها من النساء. يُقابل هذه الظاهرة دون أن يُطابقها في مجتمعاتنا المس الذي يجعل المرء وسيطًا بين عالم الإنس والجن. يُنظر إلى هذه الظاهرة باعتبارها جزءا من مقاومة النساء في عالمٍ يُسيطر عليه الرجال، وانتصار للروحي والسحري في عالم يُحكم بقوة المنطقي والعقلاني. إلا أن الحديث مع هؤلاء النسوة كشف لبراون أنهن لا يحملن همومًا نسوية، ولا يُشغلن بأشكال انعدام المساواة، بل إنهن يُشجعن على تبني ذهنية تترفع عن الجندر. غني عن القول إنه ليس على المرأة أن تستخدم المعجم النسوي المعاصر ليُستشف حساسيتها تجاه الظلم الواقع على النساء، والقادم من كونهن نساء. يُقدم براون قراءة مختلفة للظاهرة باعتبارها جزءا من نمط أوسع للبحث عن هوية شخصية في عصر الهويات السائلة (حتى لا نقول المائعة)، وطرق كل باب وتجريب كل جديد من أجل الإعادة المستمرة لاكتشاف وتعريف النفس المتلونة. ويرى في الارتفاع الملموس منذ الثمانينيات في اضطرابات تعدد الشخصيات، وانتشار الأصولية السياسية والدينية، يرى فيها مؤشرًا للقلق المترافق مع تشظي الذات.
تقول صديقة (ألمانية وأم لطفلين) في سياق الحديث عن مسألة الهوية الجنسية في مجتمعها، إن الانشغال المحموم بالموضوع ناتج عن افتقار الفتيات والفتية لنضال حقيقي ينخرطون فيه ويضعون فيه طاقاتهم. رأي تقوله بتردد في الأحاديث الخاصة، ولا أتخيل أنها تتجرأ على مشاركته في فضاء عام حتى لا تتهم بالحياد عن الصوابية السياسية.
إن هوة عدم الإنصاف الرهيبة بين عالم الشمال والجنوب، والفصل بين القضايا، والفشل في تبني مبدأ النجاة الجماعية، تنتج لنا باراديمين (من بارادايم Paradigm) من المشاكل التي يؤدي الإصرار على مساواتها ببعض لفشل أخلاقي، وإضعاف الحساسية بالظلم. إننا نسمع عن أفكار (وحشية) تدعي أن المعاناة نسبية، وأن الألم الذي يتسبب به التنمر في مجتمع آمن يوازي ألم الحرمان من الأساسيات إذا ما كان المجتمع بأسره محرومًا. نسبنة المعاناة واحدة من المخدرات التي يبغي متبنوها أن يحلّوا نفسهم من مسؤولية ليس العمل فحسب بل وحتى التفكير بالمعاناة الحقيقية للمضطهدين.
كثير من الأمور تغيرت بعد الحرب. أمور لا يبدو أن لها علاقة. كثير من أصدقائي الذين كانوا قبلها نباتيين صاروا لا يترددون في أكل أي شيء وكل شيء. من كانوا أرفق من أن يمسوا حشرة، صاروا يضربون الصراصير بشباشبهم دون تردد. هذه الانفعالات - دون وعي - تعبر عن رفضهم لمساواة حياة الإنسان بحياة القطة والبقرة والدجاجة. إنهم يقولون عبر هذه الأفعال إن المعاناة ليست واحدة، وأن مقاومة المستعمر والتضحية بالروح والصبر على ظلم السجان، لا يُمكن - بأي حال أن توضع في كفة المقاومة عبر التعبيرات الرمزية لها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
"لا يوجد بلد مفلس".. الرئيس اللبناني يعد بأن الحكومة الجديدة ستنهض بالبلاد عبر الإصلاحات
بيروت - أكد الرئيس اللبناني جوزاف عون، الثلاثاء 11فبراير2025، أنه "لا يوجد بلد مفلس"، واعدا بأن الإدارة الجديدة ستنهض بالبلاد عبر الإصلاحات والخروج بحلول من خلال النقاش.
جاءت تصريحات عون خلال الجلسة الأولى للحكومة الجديدة بحضور رئيسها نواف سلام، وكافة الوزراء في القصر الرئاسي، وفق ما أعلنه وزير الإعلام بول مرقص.
وتلا مرقص في مؤتمر صحفي، مقررات الجلسة الوزارية، وقال إن الرئيس عون أوعز إلى الوزراء الجدد بأن الانتماء يكون للدولة فقط، وأنه سيتم العمل على إصلاح الوزارات وتطويرها في ظل الدعم الدولي.
وأضاف: "الرئيس عون أكد أن على لبنان أن ينهض عبر القيام بالإصلاحات، ولا تعطيل في الحكومة، بل نناقش ونخرج بحلول".
وأوضح مرقص أن عون شدد على أنه "لا يوجد بلد مُفلس، بل إدارة مُفلسة، وإذا كان البلد مُفلسًا، ينبغي عليه النهوض من خلال الإصلاحات التي سنعمل عليها".
وذكر أن عون لفت إلى أن الانتماء والولاء يكونان للدولة وحدها وليس لأي جهة أخرى، وأن الوزراء "وُجدوا لخدمة الناس، وليس العكس".
وتابع وزير الإعلام أن عون ركز على أن "المهم ليس فقط تشكيل الحكومة، بل إثبات الثقة من خلال البدء بمكافحة الفساد، وإجراء التعيينات الإدارية والقضائية والأمنية".
ونقل عن عون قوله: "المطلوب هو التصدي للقضايا الملحة حاليًا، وفي مقدمتها الموازنة العامة، الانتخابات البلدية والاختيارية، وكيفية تطبيق القرار 1701، مع التأكيد على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي في 18 شباط (فبراير) رغم التحديات القائمة".
ومنذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، يسود وقف لإطلاق النار أنهى قصفا متبادلا بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" بدأ في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وفي السياق، نوه مرقص إلى أن عون طلب من الوزراء "ضرورة الامتناع عن توجيه أي انتقاد إلى الدول الصديقة والشقيقة، وعدم استخدام لبنان كمنصّة لهذه".
كما أبرز مرقص أن "رئيس الحكومة طلب من الوزراء الشفافية التامة في عملهم والتفرّغ الكامل لوزاراتهم".
والسبت الماضي، وقع الرئيس اللبناني مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة التي تضم 24 وزيرا ووزيرة، من ضمنهم رئيسها سلام.
وبعد صياغة الحكومة الجديدة بيانها الوزاري، يجب عليها أن تذهب إلى البرلمان لنيل الثقة.
يذكر أنه إثر فراغ رئاسي تجاوز عامين نتيجة خلافات سياسية، انتخب البرلمان في 9 يناير/ كانون الثاني الماضي عون رئيسا للبلاد، بحصوله على دعم 99 نائبا من أصل 128.
وبعد أيام من انتخابه، استدعى عون القاضي نواف سلام، رئيس محكمة العدل الدولية، لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد نيله 84 صوتا في البرلمان.
Your browser does not support the video tag.