4 دعائم عمرانية وبيئية ساهمت في تميّز محافظة مسقط
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
خالد بن زايد الخنبشي
تشتهر محافظة مسقط ببنى أساسية وعمرانية اتسمت بمزيج يجمع بين الحداثة والهوية الثقافية للبلاد، هذا الدمج ميز المحافظة عن غيرها من المدن التي شهدت مدًا كبيرًا للكتل الخرسانية والطرق المعبدة، وعلى عكس تلك المدن، ركزت العاصمة مسقط على خلق بيئة معيشية صحية من خلال نشر الغطاء النباتي الأخضر والاهتمام بالمناطق الطبيعية بمعية التمدد العمراني.
وقد تكللت هذه المساعي بمد آلاف الأمتار من المسطحات الخضراء الطبيعية والأشجار المعمرة والمماشي والشواطئ النظيفة، جميعها ساهمت في تعزيز راحة المواطنين والزائرين والسياح. وبالنظر إلى نموذج العاصمة مسقط نجد أن المحافظة، بمعية قطاعها البلدي، ركزت على أربعة عناصر أساسية ساهمت في جعل العاصمة مدينة صحية تعزز ظروف العيش، وهذه العناصر هي: المماشي والحدائق، التوسع العمراني الأفقي، الشواطئ، والنظافة العامة للمدينة.
1) المماشي والحدائق
تشتهر مسقط بممراتها وحدائقها العامة، والتي تعمل على تعزيز جودة حياة المدينة من خلال إتاحة الفرصة للسكان أو الزوار لقضاء وقت في الطبيعة، والتواصل مع العائلة والأصدقاء أو الرياضة والمشي بعد يوم حافل من العمل. وخلال النهضة المباركة شهدت العاصمة مد مساحات كبيرة من المماشي والمسطحات الخضراء والحدائق بجوار البنى الأساسية العمرانية، من هذه المماشي ممشى الشاطئ البحري بمطرح الذي يحاذي ميناء السلطان قابوس السياحي وسوق مطرح التقليدي والسلسلة الجبلية المجاورة. يوفر هذا الممشى إطلالة خلابة على البحر والسفن والجبال، أعطى العاصمة هوية فريدة من نوعها من خلال التماس الجبل بالبحر، وقد هيئ القطاع البلدي لمحافظة مسقط هذا المكان بأماكن جلوس ومقاهي وممشى يحاذي مياه البحر. وليس بعيدًا عن مطرح يوجد شاطئ وممشى القرم لمحبي الرياضة أو المشي بعيدًا عن صخب المدينة، وقريبًا منه ممشى مرسى الموج في ولاية السيب بمنطقة الموج، وممشى بولاية العامرات صمم لعشاق اللياقة البدنية لتوفر مسارات للركض وأخرى للدراجات الهوائية.
وإلى جانب هذه المماشي، أطلق القطاع البلدي لمحافظة مسقط، جهودًا ومبادرات ضمن مسعاه "مسقط الخضراء"، تهدف إلى بسط رقعة طبيعية خضراء في عموم المحافظة، وقد تكللت الجهود بمسطحات بلغت مساحتها 2730446 مترا مربعا، تضم قرابة 20 ألف شجرة نخل والزهور الموسمية وأشجار أخرى متنوعة. كما افتتحت بلدية مسقط حديقة شاطئ فنس بولاية قريات بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة، وبدأت العمل في مشروع "حديقة حيل الغاف" بنفس الولاية.
تشجع هذه المرافق عامة الناس على الخروج من منازلهم لقضاء أوقات أكثر في الطبيعة، للرياضة أو المشي أو حضور فعاليات وأنشطة، مما ينشط جريان الدورة الدموية ويقلل من فرص أمراض العصر مثل السمنة والسكري والقلب والشرايين، وبجانب الصحة، تخلق هذه المرافق ظروفًا مناسبة للقاءات الاجتماعية للأفراد وتقلل من عزلتهم، حيث يمكنهم اصطحاب العائلة لحضور فعاليات وليالي، كما أن للأشجار دور في المحافظة على جودة الهواء في المدن العصرية بإطلاق الأكسجين النقي، وتوفير مناظر خلابة تضفي جمالية أخرى إلى جانب المعمار العصري الحديث لمسقط.
2) التمدد الأفقي
ما يميز مدينة مسقط عن غيرها من المدن بأنها آثرت أكثر استراتيجية التمدد الأفقي بدلاً من الرأسي، أتاح للعين المجردة الرؤية على امتداد أفقي بعيد، وسمح بتدفق الهواء بين المباني ونفاذ الضوء الطبيعي. وقد رفع هذا النهج من جودة الحياة في مسقط وعزز تميزها عن نظيراتها من المدن، جعلها تحظى بإشادة من عدة شخصيات ومنظمات، منها على سبيل المثال الدكتور عبدالحفيظ عبدالسلام من الجمهورية الليبية الذي تشرف بزيارة العاصمة في 2024، والكاتب الهندي سونيل فايديا "أفق المدينة ليس مزدحمًا بناطحات السحاب" في مقال نشره على صحيفة الخليج نيوز 2019.
وبجانب الفائدة الصحية التي يوفرها التمدد الأفقي، فإنه يتيح إمكانية الوصول بسهولة ويسر إلى جميع المناطق في المدينة دون الحاجة للقيادة لمسافات طويلة ومزدحمة وبين مباني شاهقة، أو الاعتماد على مصاعد داخلية مرتفعة والمشي بين تقسيمات شققية معقدة، حيث يضبط هذا التوجه الكثافة السكانية في كل بقعة جغرافية؛ بوجود طوابق أقل وكثافة سكانية لا القليلة ولا الكثيرة، وقد ساعد في تدفق التنقل والمشي بشكل أكثر سلاسة وقلل الازدحام، ووفر شعورًا بالانتماء والألفة بين السكان وجعل المدينة أكثر أمانًا، خاصة في أثناء حالات الطوارئ مثل الأعاصير والحرائق.
3) الشواطئ النظيفة
أنعم الله على عمان بشريط ساحلي يربو طوله على 3 آلاف كيلو متر، احتوى على شواطئ وسلاسل جبلية أعطى السلطنة ميزة سياحية واقتصادية وصحية، محافظة مسقط وحدها ضمت في نطاق جغرافيتها العديد من الشواطئ الصافية مثل: شاطئ قنتب وفنس والقرم والبستان والواجهة البحرية بشاطئ السيب. تُساعد هذه الشواطئ في تلطيف درجات الحرارة صيفًا وشتاءً بواسطة قدرة الماء على الاحتفاظ الحراري، وبجانب هذه الميزة، استغلت محافظة مسقط، ممثلة بقطاعها البلدي، هذه الشواطئ من خلال رصف الطرق المؤدية إليها تسهيلاً لزيارات السكان والسياح، وتهيئتها بالمماشي والمسطحات الخضراء وأدوات الرياضة الخارجية، وخصصت أماكن للباعة الجائلين، ونظمت كرنفالات وفعاليات تستمر طول أيام العام. جميع هذه العوامل ساهمت في استقطاب السكان والسياح، وشجعتهم لقضاء أوقات أطول خارج المنازل، للراحة والاسترخاء أو السباحة أو الرياضة واللعب، بالإضافة إلى الأنشطة المائية مثل الغوص وركوب القوارب.
4- نظافة مسقط
تشتهر محافظة مسقط بنظافتها العامة، وذاع صيتها بأنها المدينة التي تخلو من المشوهات البصرية، حيث أشاد دليل "لونلي بلانيت" الخاص بالسفر في دليله إلى عُمان بشوارع مسقط النظيفة ووصفها ب "المعتنى بها جيدًا"، وأشاد بحدائقها وأماكنها العامة. ووصف الدليل "مسقط" كنموذج في كيفية الجمع بين التنمية الحضرية والاستدامة البيئية، وجعلها "وجهة جذابة وماتعة للسياح والمقيمين". بالإضافة إلى ذلك، سلطت "ناشيونال جيوغرافيك" الضوء أيضًا على مسقط لثرائها البيئي والثقافي، بما في ذلك "منهجها في الحفاظ على النظافة والالتزام المدينة بالاستدامة".
ولم تأت هذه السمعة من خلال الدور البلدي فحسب بل من حرص السكان على النظافة، حيث تعد النظافة العامة مؤشرًا على وعي المواطنين والزائرين بالحفاظ على الصحة، تجلت من خلال الحرص على رمي المخلفات بشتى أنوعها في أماكنها المخصصة، والمشاركة في مبادرات تطوعية بيئية مستمرة. وقد تظافرت جهود الشباب مع مبادرات محافظة مسقط وقطاعها البلدي، من خلال التنظيف المستمر لمرافق المدينة وشوارعها وشواطئها، والتخلص الآمن للنفايات، ووجود شبكات صرف صحي، وكذلك اللوائح الصارمة التي تحفظ النظافة العامة، وقد توجت جميع هذه الجهود بأن أصحبت المدينة نظيفة، عززت تفوقها عن غيرها من المدن المتقدمة، وجعلت مسقط بيئة معززة للصحة العامة ومثلاً يحتذى به.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً: