من يضمُ إلى فريقه “الزعيم الفائض عن الحاجة”؟!
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
زمان في (دافوري) الحلة دائما ما يجري تكوين الفريقين عبر ما يُعرف ب: “العَزْلة”. فيحرص أنْ يضم ممن هما على رأس كل فريق ضمن صفوفهم الأفضل والأمهر -ما أمكن ذلك-.. وبعد أن تُشارف “العَزْلة” على الانتهاء يتبقى واحدًا أو اثنين أو ثلاثة؛ لا أحد يرغب بهم؛ وجودهم لا ينفع وغيابهم لا يضر!
فلزوم أنْ يلعب الجميع يجري حشرهم بين الفُرق لتجري اللعبة.
محمد عصمت هو القحاتي الفائض عن الحاجة بامتياز.. لو تحدّث لا يُسمع حديثه، ولو تسفّل لما اكترث به أحد، هو زعيم لحزب يشكل هو كامل عضويته وكادره، يُصرّح للاعلام ثم لا تجد تصريحاته حظها من التداول.. حتى لو أنّه فرّغ مثانته وشرب بوله على قارعة الطريق لما استرعى انتباه الناس من حوله!
كان عصمت من أولئك الذين حباهم الله بمعجزةِ التخفي رغم الجِتة الكبيرة.. بحيث بإمكانه أنْ يمرَ بين الناس ويرفعُ يده ليقول السلام عليكم.. ثم لا أحد يرد عليه السلام؛ لأنْ لا أحد يسمعه أو يراه!
أنظرُ إليه بشعره الأبيض الكثيف وشفته السفلى المتدلية المرتخية وخدّه المُتهدّل -يحملُ الملامح العامة للبُلدُغ الانجليزي – Bulldog- .. فأشعر حياله بالشفقة وأقول في نفسي: ويحك! لمن تشكوا الملل ورتابة الحياة؟ أنت أيها المنسيُّ المجهول المسكون بالكآبة! بينما لا أحد يسمع صراخك المكتوم، أنت الذي من الجمود وثقل الدم يُهيأ إليَّ أنّك تنام بالبدلة ولا تنزعُ عنك الحذاء ولا ربطة العنق!
يستيقظُ صباحًا.. يدعكُ عيناه ويضعُ النظارة الطبية.. ينزل إلى الشارع مباشرةً بينما يتألمُ الأسفلت من كل خطوةٍ يخطوها عصمت عليه أو كما قال الماغوط في إحدى قصائده: “عكازك الذي تتكئ عليه يوجع الإسفلت”. وفي الشارع يصطدمُ به المارة ولا يقولون له المعذرة!
لكنهُ يُفلحُ في ايقاف فتاة مُسرِعة يُسلّم عليها ولا ينتظر أنْ تبادله التحية -لا يهم فقد اعتاد الزعيم الفائض عن الحاجة على ذلك- فيقول للفتاة: عذرًا أيتها الجميلة، ربما ليس في وسعك رؤيتي أو حتى سماعي؛ إذ قضى علي الوجود في الأزل أنْ أعيش مُهملًا بلا قيمةٍ تُذكر.. قاسيتُ طوال حياتي الابعاد كون أنّي كنتُ دائمًا الكائن المُهمل غير المرغوب به.. لكن -على أيّة حال- فأنا عصمت أبحث عن 64 مليار دولار منهوبة، وبإمكاني أنْ أحدّثك عن المسرح، والديمقراطية، وأسعار الصرف، ومؤشرات البورصة في سوق دقلو للأوراق المالية.. أعدتُ أنْ أدخل بيتي في وقتٍ متأخرٍ من الليل لأتمدد على فراشي دون أن أخلع حتى حذائي. أنا أحبُ بلدي لكن لا أحد يُحبني! ثم فجأةً يضيق صدرهُ؛ صدره الذي يطلبُ المزيدَ من ذراتِ الاكسجين للجتة الضخمة التي تسرفُ في سحب غازات الجو، ثم يكتشفُ أنّه أكمل حديثهُ جالسًا جراء الشعور الحاد بالاعياء.. بينما بحَّ صوته من الحديث بلهفة. لكن كانت الفتاةُ قد تبخّرت ومضت في طريقها منذ الدقائق الأولى التي كان يقول عندها: “أنا عصمت أبحث عن…”
وفي مرةٍ بينما تعبرُ الطائرة الأجواء بشكلٍ طبيعي ويقضي من بداخلها ساعات سفرهم على نحو من الهدوء والسكينة وإلا من الأحاديث الجانبية المقتضبة الهامسة بصوتٍ خفيض. كان عصمت يصطنع حديثًا مع جاره في المقعد، يحاول التحدّث بصوتٍ عالٍ حتى يقضي على التثاؤُب المُرتسم في محيا جاره الذي باتت تعتريه الرعشة من الملل.. أخيرًا وجد عصمت من يسمعه ولو بنصف انتباهة! إنه الآن -على إثر أنه حظي بأذنٍ صاغية- يخلف رجله ويتشدق بالمصطلحات الكبيرة التي لا يعيها جيّدًا. لكن فجأةً ينطلقُ نداء من كابينة القيادة عبر السمعات الداخلية: (حضرات السادة المسافرين.. يلزمنا إخباركم أنّ الطائرة تضعنا بين خيارين؛ إما أنّ ينفجر محركها النفاث وهي محلقة على الأجواء، أو أنْ ينزل من على متنها أحدُ الفائضين عن الحاجة.. عليه: سنهبطُ اضطراريًّا لانزال أحد المسافرين.. عذرًا للاحراج!)
وأخيرًا يدُ الله الرحيمة انقذت الجميع.. بمن فيهم جاره الذي كان سيموت مللًا!
الآن باتت “تقدّم” تقدمين.. بينما لا يعرفُ عصمت “الفائض عن الحاجة” مصيرهُ بعد. يحدّقُ حائرًا بينما يختار سادة الفريقين إلى صفوفهم: عُتاة الدجالين، وكبار المخربين، وأصحاب اللياقة العالية في حياكة الحيل الماكرة، وذوو الأبدانِ وفيرة اللحم؛ اللحم النابت من أموال السحت وطعام الولائم الدنِسة. إلا عصمت لم يهبه الله حتى فضيلة أن يشتهيه الأشرار؛ إنه شرير مسكين؛ شرير بلا طعم ولا لون ولا رائحة!
محمد أحمد عبد السلام
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: لا أحد ی
إقرأ أيضاً:
“وزير الاقتصاد” يجتمع مع نظيره الإماراتي
اجتمع معالي وزير الاقتصاد والتخطيط الأستاذ فيصل بن فاضل الإبراهيم مع معالي وزير الاقتصاد الإماراتي الأستاذ عبدالله بن طوق, وذلك خلال القمة العالمية للحكومات 2025 والمقامة في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
ونوقش في الاجتماع التعاون القائم في مختلف المجالات بين البلدين الشقيقين، وآخر المستجدات الاقتصادية الإقليمية والعالمية ذات الاهتمام المشترك.