زنبور الجوهرة.. والإمبراطورية الأخيرة
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
من سنن الله في الكون التغير والتبدل واستحالة الثبات على حال، فمن حياة الإنسان وجسده الذي يبدأ بالنمو فالقوة فالضعف والوهن، إلى الأبنية الضخمة، إلى الإمبراطوريات والدول التي تتسع وتتمدد، وتنحسر وتنكمش. لكن؛ هل يمكن مراقبة الدول وكياناتها كما نراقب الجسد البشري في نموه وانهياره؟ أم أن ما يكتبه المؤرخون وعلماء الاجتماع والمفكرون محض آمال وأحلام لا تتحقق؟.
فَلَو أَنَّها نَفسٌ تَموتُ جَميعَةً
وَلَكِنَّها نَفسٌ تَساقَطُ أَنفُسا
لله در امرئ القيس صاحب هذا البيت الشهير، وهو بيت يحسن التمثل به والاستضاءة به في قراءة حال الإمبراطوريات؛ فالانهيار كما البناء تمامًا، يحدث شيئًا فشيئًا حتى يتفكك البناء كله. ولم يكد الناس ينسون انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه المدوي، حتى تزايدت الدراسات والأبحاث التي تتحدث عن سقوط الغرب، وليس آخرها قراءة كثير من المختصين للمشهد الأمريكي التي تعد الإمبراطوية الأخيرة في الكرة الأرضية فعليًا. ما علاقة هذا كله بالزنابير إذن؟. تعد حشرة زنبور الجوهرة من عجائب الحياة البرية، فتقوم هذه الحشرة الصغيرة بحقن السم في الصراصير ما يجعل الأخيرة مشلولة فاقدة لحرية الحركة، ثم تسحبها إلى جحرها كما لو كانت تسحب كائنًا منومًا تنويمًا مغناطيسيًا. بعد ذلك يقوم زنبور الجوهرة بحقن بيضه بداخل الصرصار، فتتغذى البيوض ثم اليرقات على الصرصار من الداخل إلى أن تخرج تلك الزنابير الجديدة من الجسد الميت للصرصار.
هكذا ينخر الفساد الدول والإمبراطوريات من الداخل، فلم يكن العدو الحقيقي لأمريكا أفغانستان أو العراق أو غزة مؤخرًا، بل هي الدولة العميقة التي تتحكم بمصائر مليارات البشر حول العالم والتي تتعامل مع الإمبراطورية التي تديرها عمليًا كما لو كانت مؤسسة ربحية أو شركة تجارية تدر الأرباح، دون اعتبار للكيان الإنساني وما يتعلق به من أخلاق وعطف وكرامة وغيرها. هذه العجرفة والعنجهية، هي ما تقود الأكثرية المسحوقة إلى الغضب المتدحرج ككرة عملاقة لا تستطيع أي قوة إيقافها، رغم أنها لم تكن لتتكون لو كانت الإمبراطورية أو الدولة عادلة في حق رعاياها والآخرين. فالاتحاد السوفييتي الذي يعد المواجه الأول للهيمنة الأمريكية، والمكافئ لها في القوة؛ تفكك بفعل مشاكله الاقتصادية والسياسية والقومية، ولم يطلق أحد من أعدائه الخارجيين رصاصة واحدة لإسقاطه!.
لا يستطيع أحد اليوم أن يهدد أمريكا بكلمة فضلًا عن أن يهددها برصاصة، وإذا ما قال كيان ما بأنه ينوي محاربة أمريكا وغزوها؛ فلن يستمع إليه أحد إلا كما يستمع المرء لكلام المجانين. لكن هل يمكن أن تسقط الإمبراطورية الأمريكية حقا؟ وما علاقة هذا بغزة؟. إن الفوارق الفلكية بين حياة النخبة وعامة الناس، ما يؤجج الثورات والنزاعات والفساد الذي يذكرنا بزنبور الجوهرة. ففي حين تعيش النخبة في القصور التي تشبه القرى في حجمها، وتشبه المستقبل في تطورها، تُسحق الطائفة الأكبر وهي تحاول نيل ما يروي ظمأها أو يسد جوعها؛ لأن البديل سيكون التشرد الذي يضمن أن النقص السنوي لعدد السكان بفعل البرد القارس والجوع والأمراض.
جاءت حرب الإبادة ضد غزة لتقلب الموازين، فلم تعد المسألة متعلقةً بغزة وحدها؛ ولكن الأمر أبان وأفصح عن مصائب لم يكن الشعب الذي يملك حرية اختيار الحاكم ويملك أدوات مساءلته مغيبًا عنها. فقارن الأمريكي بين ما تنفقه دولته في الحروب العبثية التي لا تصنع لأمريكا وحلفائها إلا مزيدًا من الثوار، وبين المعيشة وواقع الحياة في أمريكا ذاتها؛ فالمسألة متعلقة بكذبة عاشها المرء ردحا من الزمن وهو يؤمن بموضوعيته وعدالته وحبه للخير، ليكتشف أنه ليس سوى الوجه الآخر للشيطان. قد لا تسقط الإمبراطورية الأمريكية قريبًا، وقد تسقط أسرع مما نتخيل!. فحرائق لوس أنجلوس، حرب الإبادة على غزة، المساعدات الأمريكية للكيان الصهيوني وأوكرانيا، مجموعة بريكس، وأخيرا وليس آخر الوضع المعيشي الصعب والقاسي الذي يواجهه المواطن الأمريكي كل يوم وهو يرى أموال الضرائب التي يدفعها تذهب لقتل الأبرياء أو لمساعدة الطغاة أو لحماية الأثرياء؛ كلها أمور أتاحت لزنابير الجوهرة أن تضع بيوضها، وطال الزمان أو قصر، فلا بد لليرقات من أن ترى النور يومًا. أدرك أن حب الخير مما يشبه القصص الخيالية والأسطورية، ولكن لنتخيل كل هذا التطور والتقدم لو استعمل في سبيل الخير للبشرية!، لما مات جائع أو ظمآن ولما فتكت الأمراض التي كان من الممكن التحصين ضدها منذ البداية بملايين البشر، ولما حدثت كثير من الشرور؛ لكنها وكما قال الفيلسوف الإنجليزي توماس مور «ليست يوتوبيا».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
لبنان: قذائف مصدرها “هيئة تحرير الشام” تسقط في جرود الهرمل الحدودية مع سوريا
يمانيون../
أفادت وسائل إعلام اليوم الأحد، بسقوط قذائف في جرود الهرمل عند الحدود اللبنانية – السورية، من مواقع “هيئة تحرير الشام” في منطقة ريف القصير السورية.
وأكدت الوكالة الوطنية للإعلام أن مسلحي الهيئة أسقطوا مسيّرتين فوق منطقة جرماش السورية الحدودية.
وفي وقت لاحق، أصدر الجيش اللبناني بيانًا أعلن فيه عن أوامر بالرد على مصادر النيران من الأراضي السورية، وذلك بناءً على توجيهات الرئيس جوزاف عون.
وكانت الاشتباكات قد اندلعت بين العشائر اللبنانية ومسلحي الهيئة في المنطقة، ما أسفر عن إصابة أكثر من 10 أشخاص يوم الجمعة الماضي إثر القصف.