وفاء الرشيد: التغريب والعبودية الجديدة
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
في إطار الجدل الذي خلفه عرض فيلم باربي، لا بد من السؤال هل انتصر فعلاً النموذج الغربي في التفكير والقيم وأصبح عالمياً كونياً؟
كان المفكر الأمريكي الشهير فرانسيس فوكويوما قد توقع في نظريته حول نهاية التاريخ أن يعم النموذج الغربي في التنمية والسياسة والثقافة على عموم البشرية، باعتباره التعبير الوحيد عن دينامية الحداثة التي هي في نهاية المطاف مشروع غربي.
في فكرنا العربي الإسلامي الحديث منذ الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ساد انطباع قوي بإمكانية الفصل بين علوم وتقنيات الغرب التي يتوجب اقتناؤها وثقافته وقيمه التي لا بد من رفضها لكونها لا تنسجم مع التقاليد المحلية.
ولقد رفض التيار الليبرالي والعلماني العربي هذه النزعة التوفيقية، مشككاً في إمكانية الفصل بين العلوم والقيم، بين الجانب الاجتماعي من الحداثة وجانبها التقني. اشتهر في هذا الباب كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة في مصر»، الذي طالب فيه باستنساخ حياة الغربيين أفكاراً وسلوكاً ونمط حياة.في الاتجاه نفسه كتب الفيلسوف المصري «خرافة الميتافيزيقا» سنة ١٩٥٣، وفيه نقد جذري «للثقافة الغيبية» التي اعتبر أنها مصدر تخلف العرب في عقليتهم الشرقية التي لا تتناسب مع أفكار وقيم الحداثة.
ولا شك أن هذه المواقف المتطرفة كان لها بعض الأثر في تنامي النزعات الدينية المتشددة التي طالبت بالقطيعة مع الغرب واعتبرت أفكار الحداثة نمطاً من الغزو الثقافي الغربي.
في الستينات تغير موقف طه حسين الفكري في سياق النقد الهام الذي برز في الأدبيات الوجودية حول السيطرة التقنية وانعكاسها على مسار الإنسان الاجتماعي والنفسي. كما أن زكي نجيب محمود تخلى عن نزعته الوضعية المتغربة ونشر في بداية السبعينات كتاب «تجديد الفكر العربي»، داعياً فيه إلى الجمع ما بين التجربة الطبيعية ونور البصيرة والوحي والأعراف في الإنسانيات، ما بين التقدم الأوربي والروحانية الشرقية.
إلا أن هذه النزعة التوفيقية تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة، وقد اعتبر المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري في كتابه «الفكر العربي وصراع الأضداد» أنها كانت مجرد أفكار تلفيقية غير منسجمة ولا دقيقة.ما تغير في الأعوام الماضية هو ظهور العولمة التي لم تعد مجرد أفكار وآراء ومعارف، بل إنها تقوم على الثورة التواصلية الكبرى التي غيرت طبيعة الثقافة الإنسانية، وفرضت أنماطاً وجودية واجتماعية متشابهة في كل العالم.
لقد أطلق بعض علماء الاجتماع على هذه الظاهرة مقولة «تنميط العالم»، أي تحويله إلى قرية صغيرة لا يختلف فيها فرد عن الآخر، من حيث أسلوب حياته وطريقة تفكيره بل وأذواقه ومشاعره.
ومع أن الجميع يتوهم أن المجال التواصلي أصبح مفتوحاً حراً، إلا أنه في الحقيقة خاضع لقوى متحكمة تفرض لغتها وثقافتها وقيمها على بقية البشر. هل يعيش العالم ما كان لابويسي سماه بالعبودية الطوعية
وفاء الرشيد – صحيفة عكاظ
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
التكنولوجيا تغير العالم والعرب أمام تحديات.. وزير الاتصالات بدائرة الحوار العربي في الإسكندرية
أكد الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن التطورات التكنولوجية أدخلت تحديات جديدة على الحكومات عالميًا من المنافسة الجيوسياسية في السباق الرقمي إزاء الريادة في قضايا الذكاء الاصطناعي وسد الفجوة الرقمية ودرء المخاطر "السيبرانية" وطالب الوزير الدول العربية بالتصدي لهذه التحديات برؤية موحدة تضمن حضورًا دوليًا فاعلًا يُعبر عن إرادة شعوبنا ويعرب عن تطلعات حكوماتنا.
وقال الوزير: "بتزامن عقد دائرة الحوار العربي حول الذكاء الاصطناعي في العالم العربي، وتحت رعاية ورئاسة الأمين العام أحمد أبو الغيط مع احتفائنا بمرور ثمانين عاما على تأسيس جامعة الدول العربية فإننى أثمن هذه المبادرة المتميزة من الأمانة العامة والتي توفر منصة فريدة للتفاعل البناء وتبادل المعرفة يهدف صياغة رؤى مشتركة واستراتيجيات مستقبلية تعكس محورية الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كممكن فاعل لكافة القطاعات في دولنا.
وتابع: أنه خلال العامين الماضيين شهدنا حراكًا وتحولًا غير مسبوق في دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على الساحة الدولية الذي بات يعيد تشكيل الاقتصادات ويحدث ثورة في الصناعات ويغير المجتمعات بصورة مطردة.
واستطرد قائلا ً ربما منذ بضعة أعوام كنا نتحدث عن التكنولوجيات البازغة مثل الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل والحوسية الكمومية وإنترنت الأشياء بنظرة استشرافية للمستقبل متطلعين لما ستحدثه من آثار في شتى القطاعات ولكننا الآن نقر جميعًا أن هذه التكنولوجيات لم تعد وعودًا مستقبلية بل أضحت القوى الدافعة العالمنا اليوم سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا تتداخل مع قطاعات الزراعة والصحة والتعليم والقطاع المصرفي وغيرها.
وأضاف قائلًا "وربما محفلنا اليوم يأتي تأكيدًا لدور جامعة الدول العربية البناء كمنارة لتبادل الرؤى حول القضايا الأهم لشعوبنا وفاعلًا رئيسيًا في تبنى استراتيجيات موحدة حول التكنولوجيات البازغة وبناء الوعي الجمعي لشعوبنا بشأنها، وجاء ذلك خلال افتتاح جامعة الدول العربية اليوم لمؤتمر "دائرة الحوار العربي حول الذكاء الاصطناعي في العالم العربي تطبيقات مبتكرة وتحديات أخلاقية" بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في الإسكندرية وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، تحت رعاية ورئاسة السفير الأمين العام أحمد أبو الغيط.