البرهان فتح باب النقاش السياسي أثناء الحرب، فمن يستطيع أن يوقفه؟
من الذي سيعترض ويقول ليس هذا وقت السياسية، الوقت للمعركة، طالما أن رأس الدولة وقائد الجيش لا يرى ذلك.

هل نتوقع من الساسة أن يكونوا “أعقل” من البرهان ويقولوا هذا ليس وقته، الأولوية الآن للمعركة؟ ولكن هذا بحد ذاته أكبر طعن في البرهان، في كفاءته السياسية على وجه الدقة.


ما يمنع الناس في الخوض في أمور سياسية هو شعورهم بأن وقتها لم يأت بعد. ولكن هناك مأزق آخر؛ فالدخول في صراع سياسي مع البرهان سيعني بلا شك مساءلة شرعيته من الأساس.
– ماذا؟
شرعية البرهان؟ أين سمعت هذا الكلام؟

لقد سمعناه من الجنجويد وحلفاءهم! ما يعني أن أي مساءلة لشرعية البرهان هي بمثابة برهان على صحة ما يقوله حلف الجنجويد ودعم لمسعاهم المعلن لنزع الشرعية لما يصفونه ب “بمجموعة بورتسودان”.
فأنت لا تستطيع التشكيك في شرعية البرهان بما يمنحه حق التقرير في شأن البلد دون إضعاف موقف البرهان والحكومة كلها في الحرب ضد الجنجويد وحلفاءهم.

هكذا يضطر الواقفون في خندق الجيش مكرهين لدعم شرعية البرهان. المساحة المتاحة بعد ذلك هي مساحة المعارضة من أرضية التسليم بحكومة بورتسودان باعتبارها الحكومة التي تمثلنا.

المشكلة هي أن البرهان بحاجة إلى التفاف الشعب حوله، وفي الوقت نفسه، لا نملك خيارات كثيرة لمواجهته، لأن المواجهة معه قد تضعنا في نفس خندق الأعداء لأننا سنجد أنفسنا نردد نفس كلامهم، بأن البرهان غير شرعي، وهو بالفعل كذلك في الحقيقة غير شرعي بالمعنى الدستوري للكلمة، ولكن نحن ندعم الحكومة التي يرأسها لأن ذلك ضروري للانتصار في الحرب.

فهذا مأزق، وهو يزاد عمقا في ظل وجود حكومة موازية تنازع البرهان الشرعية داخل الدولة الواحدة.
فالبرهان مطالب بإدراك دقة الموقف الموجود هو فيه ومن خلفه كل المصطفين خلف الجيش. ويجب أن يعلم البرهان أن دخوله في صراع مع الكلتة الداعمة للجيش سيعصف بموقفه كليا، والمشكلة الأكبر أن ذلك قد ينعكس على موقف الحكومة والدولة بحكم موقع البرهان على رأسها.

لقد أثبت الزمن خطأ الدعوات التي طالبت بعزل البرهان أو الإطاحة به أثناء الحرب؛ فقد انتصر الجيش وبشكل واضح حتى الآن. ولكن ميدان السياسية ليس كميدان العسكرية. في الجيش توجد مؤسسة تنصاع بموجب التراتبية العسكرية وتستطيع أن تفهم الاستراتيجيات والخطط العسكرية وتتعامل وفقها. ولكن السياسة ميدان مختلف وقواعده مختلفة ولا يمكن السيطرة عليه.

وبوضوح أكبر، ما أن يشعر الناس بطمع البرهان في السلطة أو برغبته في التلاعب على إرادة الشعب، بغض النظر عن نوايا البرهان التي لا يعرفها أحد، بمجرد حدوث ذلك سيكون له انعكاس مباشر على رؤية الناس للحرب ولجدواها: هل كل هذه التضحيات هي في النهاية من أجل شخص أو مجموعة أشخاص وليست من أجل الوطن؟

نتيجة هذا التساؤل أحد أمرين: إما التعامل مع البرهان وكل من يمثله كخطر تجب مواجهته من أجل بلوغ الانتصار، أو الزهد في هذه الحرب برمتها ففي النهاية لماذا ستموت من أجل شخص؟ وبقدر ما يكون خيار الزهد في الانتصار بعيدا وغير وارد فهذه في النهاية بلدنا ويجب أن ننتصر، سيكون خيار مواجهة البرهان أكثر حتمية بكل ما يجلبه ذلك من مضار أخفها تريد نفس حج الأعداء كما تقدم.

وفي كل الأحول، يبقى هناك حلا واحدا لا بد منه، يجب أن ينصاع البرهان وكل قيادة الدولة لإرادة الشعب، لا العكس. ولأن إرادة الشعب هي مصطلح غامض لا نستطيع تحديده، يجب أن نكون أكثر دقة، ونتكلم عن الديمقراطية.
– ماذا؟
نعم، ما فكرت فيه صحيح. مرة أخرى سنردد نفس الشعار الذي يرفعه الجنجويد!
ولكن الأمر بيد البرهان وقيادة الدولة والجيش. فحتى الآن شعارات الجنجويد والقحاتة هي شعارات زائفة، ولكن إن تمسكتم بالسلطة وعملتم على إقامة نظام دكتاتور ستمنحونها الصحة، ستصبح شعارات معبرة عن الواقع وسابقة له ومتقدمة على الجميع. وسنكون قد خسرنا الحرب حتى لو انتصرنا، وقد لا ننتصر أساسا.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: من أجل

إقرأ أيضاً:

إسرائيل هيوم: يجب استمرار الحرب بغزة ولكن في الوقت المناسب

قال موقع إسرائيل هيوم إن بقاء حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد 16 شهرًا من الحرب نتيجة غير مرغوب فيها، ولكنه لا يعني أنها انتصرت لأن الحرب ليست مباراة لكرة القدم تحدد فيها النتيجة النهائية المنتصر ولا يمكن تحديد نقطة النهاية فيها مسبقا.

وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم اللواء احتياط غيرشون هكوهين- أن الجمهور الإسرائيلي، مع إطلاق سراح كل مجموعة من المحتجزين، يشعر بالإحباط المستمر، وعدم الرغبة في قبول حقيقة مفادها أن هذه الحرب قد تنتهي من دون تحقيق هدفها الأساسي، وهو انهيار حكم حماس وقدراتها العسكرية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2دبلوماسي بريطاني مستقيل يكشف عن "صفقات الموت" والتواطؤ في جرائم الحرب بغزةlist 2 of 2نتنياهو يضغط على مشرعين أميركيين لدعم خطة ترامب بشأن غزةend of list

ونبه الكاتب إلى أن انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم زاد من إحباط الإسرائيليين من دعاة الحرب خاصة، ولكن استمرار إطلاق سراح المحتجزين يظل أولوية قصوى حتى اكتمال العملية. وبرأيه من الأفضل، إذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، أن تكون حماس هي من تتحمل المسؤولية.

وضرب غيرشون هكوهين مثالا بالحرب بين أذربيجان وأرمينيا، إذ تكبدت أرمينيا خسائر عسكرية فادحة، ولكن الأرمن عقب وقف إطلاق النار ظلوا في الإقليم المتنازع عليه، والمعركة الحاسمة جاءت بعد ذلك بـ3 سنوات وانتهت بانسحاب أرمينيا الكامل من المنطقة والنزوح الجماعي لسكانها. وبناء على ذلك، تساءل: لماذا التسرع في استئناف الحرب في غزة مباشرة بعد المرحلة الأولى من صفقة الرهائن؟

إعلان

فالإستراتيجية تعتمد دائما على المكر واختيار التوقيت المناسب مما يتطلب درجة من المرونة -حسب رأي الكاتب- خاصة أن الإصرار الصارم على استئناف الحرب على الفور يعكس افتقارا إلى القدرة على التكيف الإستراتيجي.

ومع أن الوضع الحالي في غزة محبط لإسرائيل، فإن فيه -حسب الكاتب- مزايا، لأنه يوفر قدرا معينا من الوضوح، حيث ما هو مرئي هو ما هو موجود، ومن السهل تقييمه، خاصة أن سيطرة السلطة الفلسطينية غير قابلة للتطبيق، وربما تؤول إلى تفاهم بين أجهزة الأمن التابعة للسلطة وقيادة حماس، وتستمر الحركة من دون نزع سلاحها في بناء تهديدها العسكري لإسرائيل.

وخلص اللواء إلى أن الحرب لم تنته بعد، بل انتهت معركة واحدة، وعلى إسرائيل أن تدرك أن الحرب في غزة تشكل جزءا من صراع إقليمي أوسع نطاقا، وهو الصراع الذي يتركز منذ البداية على القدس باعتبارها قضية موحدة للعالم الإسلامي بأسره.

مقالات مشابهة

  • هل يستطيع ترامب الوفاء بوعده بإنهاء الحرب في أوكرانيا؟
  • السجن 4 سنوات لـ”مدير مستشفى” بتهمة إساءة البرهان وقادة الجيش
  • الجيش والقوّات المساندة بيحاريوا حميدتي والدول المساندة دفاعاً عن بقاء الدولة نفسها، السودان
  • الانقسام السياسي يهدد خارطة الطريق في السودان
  • خطاب البرهان إستثمار في الركود السياسي السوداني والعربي
  • إسرائيل هيوم: يجب استمرار الحرب بغزة ولكن في الوقت المناسب
  • نافذة أوفرتون والبرهان
  • خطاب البرهان.. كؤوس الحسم ومفاتيح المستقبل
  • الجيش السوداني يُعلن استعادة السيطرة على مدينة المسعودية