في جدل المعونة الأميركية
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
في جدل المعونة الأميركية
فيصل محمد صالح
منذ أن نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهديده المسبق للوكالة الأميركية للتنمية الدولية «المعونة الأميركية» فأصدر في أيامه الأولى في المكتب البيضاوي قراراً بتجميد عملها لثلاثة أشهر، والجدل لم يتوقف حول أسباب القرار وانعكاساته على سياسة أميركا في العالم. ويشتد الجدل بعد قراره بإبعاد الموظفين الكبار، وتعيين وزير الخارجية مديراً مكلفاً لها، والأخبار تتزايد عن أن قراراً سيصدر بتصفيتها.
نشأت الوكالة الأميركية للتعاون الدولي في سبتمبر (أيلول) 1961 بقرار من الرئيس الأميركي جون كيندي. وكانت لقرار إنشاء الوكالة علاقة مباشرة بأجواء الحرب الباردة، حيث انتقل الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لمرحلة استخدام القوة الناعمة بدلاً من المواجهة المسلحة. كانت الصين والاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الشرقي تقدم مساعدات متنوعة لدول العالم الثالث، وكان لا بد للولايات المتحدة أن تستخدم المدخل ذاته لتحقق به منافع عدة، تقدم مساعدات إغاثية وتنموية وفنية للدول المحتاجة، وتقاوم المد السوفياتي، وتضمن لنفسها نفوذاً كبيراً وسط دول العالم.
ولفترة طويلة كانت الوكالة الأميركية هي رأس حربة النفوذ الأميركي في العالم كله، حيث انتشرت مكاتبها في نحو 100 دولة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، ودول أوروبا الشرقية، ووصلت ميزانيتها لنحو 50 مليار دولار في العام مما جعلها أكبر مؤسسات العون في العالم. وتمثل ميزانيتها نصف ميزانية المساعدات الخارجية الأميركية لدول العالم. وتتنوع برامج الوكالة بين المساعدات الغذائية الطارئة إلى مكافحة الفقر، وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والدعم الصحي وبرامج التطعيم، والمساعدات الفنية لبرامج البيئة، ودعم منظمات الأمم المتحدة. ما هي أسباب إغلاق الوكالة…؟
هناك بالتأكيد أسباب معلنة وأخرى غير معلنة. السبب الأساسي الذي قدمه الرئيس دونالد ترمب كان أن هناك أموالاً كثيرة يتم هدرها عبر الوكالة في المساعدات الخارجية، بينما هناك احتياج لهذه الأموال لصرفها في البرامج الداخلية، وهذا بالتأكيد جزء من برنامجه الداعي لتقليل مساهمات أميركا المالية في القضايا العالمية، بما في ذلك في المؤسسات التي تجمعه مع حلفائه، مثل حلف شمال الأطلسي «الناتو». كما حملت تصريحاته وتصريحات إيلون ماسك الذي عينه وزيراً للكفاءة الحكومية اتهامات للوكالة بأنها تقع تحت قبضة يسار متطرف، وأن من يديرونها «حفنة أشرار» وإن كان المأخذ الأساسي للجمهوريين المتطرفين أن الوكالة تعمل على نشر الأجندة الليبرالية في العالم، وأن هذا ليس من أولويات واشنطن. كما ظل الصراع يدور لسنين طويلة بين الديمقراطيين والجمهوريين حول وضع الوكالة، حيث يريد الديمقراطيون أن يعطوها قدراً من الاستقلالية، بينما يرغب الجمهوريون في إخضاعها بشكل مباشر للإدارة الحكومية، بخاصة وزارة الخارجية.
تأثير تجميد عمل الوكالة، وربما تمهيداً لتصفيتها أو إغلاقها، امتد مباشرة لمنظمات الأمم المتحدة المختلفة، مثل بعثات حفظ السلام، وبرامج دعم اللاجئين والنازحين، وبرامج التحصين ومكافحة الأمراض، ودعم برامج الدمقرطة وحقوق الإنسان، هذا إلى جانب الوقف الفوري والانسحاب من مجلس حقوق الإنسان، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة دعم اللاجئين والنازحين الفلسطينيين «أونروا».
ومن المتوقع أيضاً الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، ووقف دعم برامج البيئة والمناخ ومكافحة الفقر. كما سيتأثر برنامج الغذاء العالمي، «اليونيسيف»، والمفوضية السامية للاجئين. التقارير الموثقة تقول إن أكثر الدول المتضررة هي دول أفريقيا جنوب الصحراء، التي كانت قد استقبلت في العام الماضي 6.3 مليار دولار لمكافحة الفقر، بما في ذلك عيادات توفير الأدوية المجانية لمرضى الإيدز.
وفي أميركا اللاتينية تعتبر دول المكسيك، كولومبيا، كوستاريكا، غواتيمالا أكبر المتضررين، بخاصة برامج توطين المهاجرين. بعض المؤيدين لقرار ترمب لم ينطلقوا من منطلقاته ذاتها، بل فعلوا ذلك لأنهم يظنون أن القرار يضعف الناشطين السياسيين والمدنيين، وبالتالي يحقق فرصة للتيارات الأخرى والنظم الديكتاتورية لتتحرك بشكل أكبر، بينما هلل البعض للقرار باعتباره سيوقف التدخل الأميركي «الإمبريالي» في الشؤون الداخلية للدول. لكن المؤكد أن أكثر المتضررين هم الفقراء واللاجئون والنازحون وضحايا المجاعات وفشل الحكومات الفاسدة في العالم الثالث.
كل الاحتمالات الآن واردة، منها تقليل ميزانية المعونة الأميركية وترشيد برامجها ووقفها عن بعض الدول، مع إخضاعها لسلطة وزارة الخارجية، وهذا أخف الأضرار، بينما هناك احتمال تصفيتها بالكامل وحصر برامج المساعدات الخارجية في يد وزارة الخارجية، وهنا ستحدث أضرار كبيرة لم يتم حسابها حتى الآن.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومالسودان الشرق الأوسط الصين ايلون ماسك جون كيندي دونالد ترمب فيصل محمد صالح وكالة المعونة الأمريكيةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان الشرق الأوسط الصين ايلون ماسك جون كيندي دونالد ترمب فيصل محمد صالح فی العالم
إقرأ أيضاً:
NYT: لقاء مرتقب بين ترامب وملك الأردن بينما اتفاق الهدنة في غزة على المحك
يتصاعد التوتر بشأن مستقبل وقف إطلاق النار في غزة وسط خلافات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، حيث يطرح ترامب رؤية مثيرة للجدل تتضمن طرد الفلسطينيين إلى الدول المجاورة مثل الأردن، مهددًا بقطع الدعم المالي عن عمان إذا لم تقبل ذلك.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز، إن هذا التوتر يتزامن مع تعثر المفاوضات بين إسرائيل وحماس، إذ هددت الأخيرة بعرقلة الاتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن إذا لم تُرسل مزيد من المساعدات إلى غزة.
من جانب آخر، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهامات بتعطيل جهود التفاوض، حيث أرجأ إرسال وفد رسمي إلى المحادثات، مما أثار شكوكا حول رغبته في تمديد الهدنة.
كما تصاعدت التوترات بسبب اتهام حماس لإسرائيل بعدم الوفاء بوعودها بإرسال مساعدات إنسانية، وهو ما نفته تل أبيب.
في الوقت ذاته، أثارت تصريحات ترامب حول إمكانية احتلال غزة وإعادة بنائها ردود فعل غاضبة، وسط تحذيرات من أن أي تهجير قسري للفلسطينيين قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر.
وتابعت الصحيفة بأنه في حين أنه من المرجح أن يتم حل الأزمة المباشرة قريبًا، كما قال المحللون، فإن عقبة أخرى تلوح في الأفق في شهر مارس/آذار، عندما من المقرر أن ينقضي وقف إطلاق النار ما لم تتفاوض حماس وإسرائيل على تمديده.
وقال إبراهيم دلالشة، مدير مركز الأفق، وهي مجموعة بحثية سياسية في رام الله بالضفة الغربية: "من المرجح أن يتوصلوا إلى حل وسط قبل يوم السبت. لكن هذه الأزمة هي مقدمة لأزمة أكبر بكثير قادمة في أوائل مارس/آذار".
ورغم استعداد حماس ظاهريًا لتقاسم السيطرة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، إلا أنها لم تعط أي إشارة على أنها ستنزع سلاحها.
ولقد أثارت تصريحات ترامب ــ بما في ذلك تهديداته بطرد سكان غزة ــ غضب حماس وعززت الشعور بالفوضى المحيطة بالمفاوضات. وقد دعا ترامب مراراً وتكراراً الولايات المتحدة إلى احتلال غزة وإعادة بنائها، وهدد بسحب الدعم المالي لمصر والأردن إذا لم يستوعبا الفلسطينيين النازحين بسبب هذا الجهد.
ومن شأن مثل هذه الهجرة القسرية أن تزعزع استقرار البلدين، ومن المتوقع أن يقدم الملك عبد الله بدائل لترامب.
وينقسم المحللون حول ما إذا كانت فكرة ترامب جادة، لكن الخلاف يسلط الضوء على عدم القدرة المتزايدة على التنبؤ بمستقبل غزة.
الواقع أن المواجهة الحالية تنبع جزئيا من اتهام حماس لإسرائيل بعدم الوفاء بوعودها في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار. فقد طُلِب من إسرائيل إرسال مئات الآلاف من الخيام إلى غزة، وهو الوعد الذي تقول حماس إن إسرائيل لم تف به.
وقال ثلاثة مسؤولين إسرائيليين ووسيطان، شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة مسألة حساسة، إن مزاعم حماس كانت دقيقة.
ولكن وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الوحدة العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على تسليم المساعدات، قالت في رد مكتوب إن مزاعم حماس كانت "اتهامات كاذبة تماما. فقد دخلت مئات الآلاف من الخيام إلى غزة منذ بداية الاتفاق، فضلا عن الوقود والمولدات وكل شيء تعهدت به إسرائيل".
وبغض النظر عن ذلك، يقول المسؤولون والمعلقون إن هذا النزاع يمكن حله بسهولة نسبية إذا سمحت إسرائيل بمزيد من المساعدات إلى غزة.
والقضية الأكثر خطورة هي التصور السائد بأن نتنياهو يقوض المفاوضات بشأن هدنة ممتدة.
وكان من المفترض أن تبدأ هذه المحادثات في وقت مبكر من الأسبوع الماضي. ولكن بدلاً من ذلك، أرجأ نتنياهو إرسال فريق إلى قطر، التي تتوسط في المحادثات، حتى وقت مبكر من هذا الأسبوع.
وكان الوفد يتألف من ثلاثة مسؤولين لم يسبق لهم قيادة جهود التفاوض الإسرائيلية، وفقاً لخمسة مسؤولين إسرائيليين ومسؤول من إحدى الدول الوسيطة. وكان تفويضهم هو الاستماع فقط، وليس التفاوض.
وهذا خلق تصوراً بأن نتنياهو كان يلعب على الوقت بدلاً من محاولة تمديد الهدنة.
وقالت متحدث باسم نتنياهو للصحيفة: "يعمل نتنياهو بلا كلل لإعادة جميع الرهائن المحتجزين لدى منظمة حماس الإرهابية".
وأضاف أن إسرائيل سترسل مفاوضين لمناقشة تمديد الاتفاق بعد أن تحدد إسرائيل موقفها من الاتفاق.
وقال مايكل ميلشتاين، المحلل الإسرائيلي للشؤون الفلسطينية، "هناك غضب بين حماس بشأن مطالب كل من نتنياهو وترامب بطرد حماس من غزة".
وأضاف ميلشتاين: "كان الإعلان أمس بمثابة إشارة إلى أنه إذا استمررت في المطالبة بهذا، فستكون هناك عدة أزمات دراماتيكية".