هل يمكن فعلاً تفريغ غزة والضفة بقرار من ترامب؟
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم بحديثه عن توزيع جزء من أهل غزة على مصر والأردن، بعد أيام قليلة من افتخاره بإيقاف الحرب، ونجاحه فيما أخفق فيه سلفه جون بايدن. وقد ردت القاهرة وعمَّان رسميًا برفض مقترح ترامب، لأنه يفتح الطريق إلى تفريغ قطاع غزة، وبعده الضفة الغربية، من السكان، ما يعني تصفية القضية الفلسطينية برمتها.
والآن صار السؤال الأكثر حضورًا وإلحاحًا هو: هل يمكن فعلًا تفريغ غزة والضفة الغربية من السكان إن قررت واشنطن وتل أبيب هذا؟
ابتداء فإن التاريخ البشري طالما شهد عمليات تفريغ مناطق من سكانها، فصارت خرابًا بعد عمران، بفعل أسباب طبيعية، قد تكون زلازل أو براكين أو أعاصير وفيضانات أو أوبئة فتاكة أو مجاعات، أو بسبب الحروب الضروس التي تشهد إبادات جماعية وتهجيرًا قسريًا.
وفي الحالة الفلسطينية الراهنة، ربما أمعنت إسرائيل في الإيذاء حد ارتكاب إبادة جماعية لتكون بابًا واسعًا أمامها، ومعها إدارة ترامب لمحاولة التخلص من سكان الضفة والقطاع، لا سيما إن استؤنفت الحرب لاحقًا، وامتدت إلى الضفة الغربية بدرجة أوسع وأعمق، واستمرت إسرائيل ترفض الخيارات الثلاثة المطروحة، وهي: حل الدولة الواحدة، أو حل الدولتين، أو إعطاء الفلسطينيين فرصة الحكم الذاتي بشكل حقيقي.
إعلانبوجه عام، يجب ألا نحصر أهداف سياسات الإبادة الجماعية في رغبة دفينة للانتقام، وهوس به، إذ من الصعب على الناس أن يبقوا على أعصابهم ملتهبة ونفوسهم محتقنة وعواطفهم الشريرة مشبوبة بالشر زمنًا طويلًا، لكننا، وإلى حد بعيد، يمكننا اعتبار هذا السلوك المتوحش نوعًا من "التفريغ القسري"، سواء جاء في صورة تفريغ منطقة من سكانها الذين ينتمون إلى عرق أو دين واحد، أو تفريغ الدولة برمتها من أتباع هذا العرق أو الدين المختلف، في عملية من "القتل البائر"، حسب تعبير الفيلسوف البولندي زيجمونت باومان، وهو قتل يقوم على الإعدام الجسدي لرجال ونساء وأطفال لمجرد مزاعم ترى أنهم فئة من البشر غير صالحة للعيش في ظل النظام الذي أصدر قرارًا بإعدامهم.
الإبادة الجماعية إذن هي نوع من القتل المنظم، الذي يمارسه طرف واحد، تسعى به دولة أو سلطة إلى تدمير جماعة معينة أو محددة ومقصودة بذاتها، لمعرفة القاتل هوية أفرادها أو أعضائها.
وهي تختلف عن القتل الجماعي في أمرين رئيسيين، الأول هو أن الإبادة أوسع قتلًا، وهي تشمل الترحيل الجماعي، وإعادة السكان عنوة، والتجويع المقصود. والثاني أنه في حين يعتبر القتل سلوكًا يقصد أفرادًا، فإن الإبادة الجماعية موجهة ضد جماعات محددة مسبقًا وفقًا لمعيار وضعه القاتل، والذي يكون غالبًا متعصبًا للعرق أكثر من غيره.
كما تختلف عن التدمير الجماعي أو تدمير الجنس البشري، الذي يترتب على استخدام أسلحة نووية، فالأخير قتل مفرط لا يمارس على أساس انتقائي، عرقي أو ديني أو مذهبي، بينما الإبادة، تقترن بشكل خاص بالقومية وبناء الأمم وتكوين جماعات سياسية "نقية"، وهي تصنع نزعة شديدة تجرف أمامها أي وازع أخلاقي، يمنع انطلاق الإبادة، التي صنفت على أنها جريمة اجتماعية في اتفاقية وافقت عليها الأمم المتحدة بالإجماع عام 1948، ووضعت موضع التنفيذ عام 1951.
إعلانتنص المادة الثانية من هذه الاتفاقية على أن الإبادة هي فعل تدمير كلي أو جزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه، إما عبر قتل أفرادها، أو إلحاق أذى جسدي وروحي خطير بهم، أو إخضاعهم جميعًا لبيئة معيشية قاسية ترمي إلى تدميرهم، أو وضع تدابير تحول دون إنجابهم، بما يأخذهم نحو الانقراض، أو إلحاق أبنائهم الصغار عنوة بجماعات أخرى.
ومن أبرز عمليات الإبادة الجماعية في التاريخ ما فعله الرجل الأبيض بالهنود الحمر في الأميركتين، وما أقدم عليه النازي بقتل أكثر من عشرة ملايين شخص، من بينهم يهود وسلاف وغجر وشيوعيون ومعاقون ومثليون جنسيون ومعارضون سياسيون، ومجازر سميل التي ارتكبتها الحكومة العراقية ضد الأشوريين عام 1933، وقتل الآش في باراغواي، ومذبحة سربرنيتشا ضد مسلمي البوسنة، ومذبحة صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين، ومجاعة هولودومور، وعمليات التطهير العرقي بين الهوتو والتوتسي في رواندا وبوروندي، واضطهاد الإيزيديين وترحيلهم وسبي نسائهم على أيدي تنظيم الدولة، وما يحدث لمسلمي الروهينغا في ميانمار.
إن الإبادة الجماعية هي نوع من التفريغ السياسي، إذ صح التعبير، ففكرتها والطريقة التي تمارس بها، والأهداف التي يسعى مرتكبوها إلى تحقيقها، ذات حضور ومغزى ومبنى سياسي دون مواربة.
فعلى المستوى النظري فإن من يعمل على تفريغ منطقة أو إقليم من جماعة محددة على أساس عرقي أو ديني، لا يفعل هذا تعبيرًا، بالدرجة الأساسية، عن نفور نفسي، أو تعصب ديني، أو تصورات إنسانية وفلسفية بحتة، بل لتصور سياسي حتى لو كانت المسائل النفسية والفلسفية والاعتقادية حاضرة في ثناياه.
إذن، فمن الناحية النظرية، ووفق تجارب عديدة في التاريخ البشري، يمكن تصور مسألة تفريغ منطقة من سكانها، عبر تدخل بشري في مطلعه الحرب، لا سيما إن انعدمت أسباب العيش في هذه المنطقة أو ذلك الإقليم، بعد تدمير البنية التحتية والمنازل والمؤسسات ودور العبادة… إلخ.
إعلانلكن من الناحية العملية أو الواقعية نحن مع الفلسطينيين أمام شعب مختلف، لم يتصور أعداؤه أنه قد وعى جيدًا تجربة النكبة المفجعة، وأدرك مرارة العيش في الشتات، وآمن بأن بقاءه في أرضه هو أعلى درجات المقاومة، بل فيه انتصار على عدوه، الذي جعل هدفه الأبعد مدى هو طرد السكان الأصليين من أرضهم، وإعادة احتلالها.
لقد شهد العالم كله ذلك المشهد المهيب لعودة الفلسطينيين سيرًا على الأقدام إلى شمال قطاع غزة بعد حرب دامت نحو خمسة عشر شهرًا، استعمل فيها الجيش الإسرائيلي أحدث أنواع الأسلحة وأشدها فتكًا.
فهذا التشبث بالمكان، حتى لو كان مدمرًا، يعني بوضوح أن الشعب الفلسطيني بات عصيًا على الاقتلاع، وأن إرادته الفولاذية هذه هي المعول الأول لهدم تصورات ترامب البائسة عن تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها؛ خدمة لإسرائيل التي قال عنها حين أمعن النظر في وجودها على الخريطة: إنها بلد صغير جدًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإبادة الجماعیة من سکانها
إقرأ أيضاً:
أبو هولي: مخطط تفريغ المخيمات من أجل تصفية قضية اللاجئين لن يمر
قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، إن مخطط دولة الاحتلال الإسرائيلي الرامي إلى تفريغ المخيمات الفلسطينية لتصفية قضية اللاجئين لن يمر.
وأدان في بيان صادر عن دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية، اليوم الجمعة، عدوان الاحتلال المستمر منذ مطلع العام الجاري وحملات التدمير الممنهجة للمباني السكنية في مخيمات شمال الضفة الغربية و القدس الشرقية، والتي كان آخرها أوامر جديدة بالهدم في مخيمي طولكرم ونور شمس، ونشر الخرائط والصور التي تحدد البيوت المستهدفة التي بلغت 58 بناية في مخيم طولكرم و48 بناية في مخيم نور شمس.
وقال أبو هولي، إن دولة الاحتلال تخوض حرباً مفتوحة على مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس شمال الضفة الغربية منذ يناير الماضي، أسفرت عن تدمير مئات البيوت ونزوح ما يزيد عن 45 ألف مواطن (12 الف أسرة) باتوا بلا مأوى خارج مخيماتهم في إطار مخطط عنصري لتفريغ المخيمات من اللاجئين.
وأضاف، أن ما صدر من دولة الاحتلال من أوامر جديدة لهدم منازل جديدة في مخيمي طولكرم ونور شمس، ونشر الخرائط والصور تحدد البيوت المستهدفة التي بلغت 106 بناية وتجمع سكني منها 58 بناية في مخيم طولكرم و48 بناية في مخيم نور شمس سيترتب عليها فقدان 300 أسرة منازلها واضطرارها لنزوح قسري خارج مخيماتها، يأتي في إطار مخطط إنهاء المخيمات وشطب وجودها باعتبارها شاهداً على النكبة وعلى جرائمها التي ارتكبتها في العام 1948 والحصن المنيع لحماية حق العودة التي سعت دولة الاحتلال إلى إسقاطه على مدار 77 عاما من عمر النكبة.
وأشار أبو هولي إلى أن ما يقوم به الاحتلال من تدمير ممنهج لمخيمات شمال الضفة الغربية يعتبر جريمة حرب وتطهير عرقي في انتهاك للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة وقراراتها بذات الصلة.
ولفت أبو هولي، أن عدوان الاحتلال على مخيمات شمال الضفة الغربية يتزامن مع حربها المعلنة على الأونروا لتقويض ولايتها وحظر أنشطتها في القدس الشرقية كمدخل لتصفية قضية اللاجئين وإسقاط حق العودة.
وأوضح، بأن الحرب على المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية هي امتداد لحرب الإبادة الجماعية والتهجير والتجويع التي ترتكبها بحق شعبنا منذ السابع من أكتوبر 2023 والتي أودت بـ 200 ألف مواطن بين شهيد وجريح وتدمير 80% من المباني السكنية في قطاع غزة والبنى التحتية.
وتابع أبو هولي: مع غياب العقاب الرادع لإسرائيل، والدعم الأميركي اللامحدود لها في تنفيذ جرائمها، تواصل إسرائيل تطبيق مخططاتها الرامية إلى تصفية حقوق شعبنا وتهجيره"، مشيرا إلى أن شعبنا اليوم في الضفة الغربية بما فيها القدس، وفي قطاع غزة، سيبقى متجذراً في أرضه، وأن جرائم الإبادة والتجويع وهدم البيوت التي ترتكب بحقه لن تنال من عزيمته وصموده.
وأشار إلى وجود تحرك فلسطيني على المستويات كافة لإلزام إسرائيل بوقف حرب التجويع والإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتصدي لأي محاولة للتهجير والطرد أو النقل القسري لشعبنا عن أرضه، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية بما فيها القدس.
وحذر أبو هولي من استمرار جرائم إسرائيل التي تقوض الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدا ضرورة أن ينتهج المجتمع الدولي سياسة جديدة ضد إسرائيل تبدأ بفرض عقوبات رادعة لإجبارها على وقف المجازر وحرب الإبادة الجماعية التي ترتكب في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس.
وطالب، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته بلجم سياسات الاحتلال ومخططاته العنصرية التهجيرية وما تتعرض له مخيمات شمال الضفة الغربية وخاصة مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين من تدمير وتهجير وانتهاك صارخ لحقوق الانسان على مدار عامين من العدوان الظالم والمتواصل على مخيماتنا الصامدة.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين فصائل فلسطينية تعقب على الهجوم الإسرائيلي على سفينة كسر حصار غزة الأونروا: الحصار الإسرائيلي على غزة يقتل مزيدا من الأطفال والنساء يوميا الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم الـ96 على التوالي الأكثر قراءة التغييرات في المنظمة والسلطة الفلسطينية خدمة لمن؟ وفد من حماس يتوجه اليوم إلى القاهرة لبحث مفاوضات غزة "المركزي الفلسطيني" يصدر بيانه الختامي عقب انتهاء أعمال دورته الـ 32 ترامب: نتنياهو لن يجرني إلى حرب مع إيران ومستعد للقاء "خامنئي" عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025