كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (36)
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
تحقيق: ناصر أبوعون
يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [وَفِي قَبْرِ هَذَا الشَّيْخِ حِجَارَةٌ مِنْ رُخَامٍ صَغِيْرَةٍ، (يَزْعُمُ) أَهْلُ ظَفَارِ أَنَّهُ مَا حَمَلَهَا رَجَلٌ إِلَّا وَرَجَعَتْ إَلَى الْقَبْرِ؛ وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ حَمَلُوْهَا وَرَجَعَتْ إَلَى الْقَبْرِ؛ فَأَمَرَ (السُلْطَانُ) بِإِتْيَانِهَا إِلَيْهِ لِيَعْلَمَ مِصْدَاقَ مَا يَقُولُونَ؛ فَأَرْسَلَ مَنْ يَحْمِلُهَا إِلَيْهِ وَظَلَتْ عِنْدَهُ أَشْهُرًا، وَزَالَ ذَاكَ الْوَهْمُ وَالْخَيَالُ؛ وَأَهْلُ ظَفَارِ لَهُمْ (اِعْتِقَادٌ كَبِيْرٌ فِي الْقُبُوْرِ)؛ فَيَقْصِدُوْنَهَا لِـ(لْتَبَرُّكِ وَطَلِب الشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةِ)، وَلُهْم قِصَصٌ وَأَخْبَارٌ فَي ذَلِكَ، وَإِنَّ كَثِيْرًا مِنْهُمْ (يَكْتَوُونَ بِالنَّارِ) فِي سَوَاعِدِهِمْ ثَلَاثَ كَيَّاتٍ، وَ(أَهْلُ الْجَبَلِ) إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ (مَيِّتٌ) جَاءَ أَحَدُهُمُ إِلَى (طَاقَةَ)؛ فَيَكْتُبُ لَهُم (سَيِّدٌ) مِنْ سَادَاتِهَا (كِتَابًا) فِيْهِ (كَلِمَةُ التَّوْحِيْدِ)، وَ(الْإِقْرَارُ بِنُبُوْءَةِ النَّبِيّ) مُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وسلم)، وَ(الْإِيْمَانُ بِحُجِّيَّةِ الْقُرَآنِ الْعَظِيْمِ عَلَيْهِمْ)، وَ(يُعَلِّقُونَ ذَلِكَ فِي عُنُقِ الْمَيْتِ)، وَيَدْفِنُوْنَه مَعَهُ لِيَكُوْنَ (جَوَابًا لِلْمَلَكَيْنِ مُنْكَرٍ وَنَكِيْرِ) -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-؛ لَأَنَّ الْمَيْتَ (لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ)، وَقَدْ نَسُوا أَنَّ الْمَلَكَيْنِ كَلَامَهُمَا (سُرْيَانِيٌّ) وَهُوَ سَيُلْهِمُهُ اللهُ النُّطْقَ بِدُونِ (قِرْطَاسٍ).
وَغَايَةُ مَا نَقُولُ فِي سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ لِلْعَبْدِ: إِنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَيَجِبُ الْإِيْمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ].
وصف قبر الشيخ القلعيّ
يقول الشيخ القاضي عيسى الطائي: [وَفِي قَبْرِ هَذَا الشَّيْخِ حِجَارَةٌ مِنْ رُخَامٍ صَغِيْرَةٍ] إشارة إلى قبر (الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بِنِ عَلّيّ القلعي) بارتفاع عن مستوى سطح الأرض يفوق قياسه المتر ويزيد، والقبر محاط ببناء يشبه بيوت ظفار التقليدية وهو مطليٌّ باللون الأبيض الذي يوحي بالنقاء والصفاء الروحي والهيبة والوقار والتسليم لأقدار الله والتصالح مع الذات وفي جدرانه شبابيك ينفذ منها الضوء إلى الداخل، تعلوها بعض الكُوى (الفتحات) الصغيرة في أعلى الجدار الذي تعلوه قُبّتان محاطتان من السطح بزخارف (عرائس) من الطين المجصص، تمّت صناعتها يدويا وفق منظومة هندسية متتابعة. (حِجَارَةٌ مِنْ رُخَامٍ صَغِيْرَةٍ) و(الرخام= معدن كربونات الكالسيوم)، وهو في مادته الخام عبارة عن صخور جيرية عالية النقاوة، تبلورت في باطن الأرض تحت درجة حرارة وضغط مرتفعين. ومكتوب على القبر: {بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، هذا قبر السيدِ الشريفِ الحسب السَّنِي، قُطبِ الأولياءِ، وغوثِ الأصفياءِ، ومطلعِ الأنوارِ ومَنبعِ الأسرارِ، أُستاذِ الشيوخِ الأكابرِ، الإمامِ الأسدِ الضُرغامِ، جَدِّ الأشرافِ آل بَاعلوي، المَشهورِ بِصاحبِ مِرْبَاطِ العارفِ باللهِ مولانا محمد بن علي بن عَلويّ بن محمد بن عَلويّ بن عُبيدِ اللهِ بن أحمد بن عيسى بن محمد بن علي العريضيَ بن جعفرِ الصادقِ بنِ محمد الباقرِ بن زينِ العابدين بن الحسينِ بن عليٍّ بنِ أبي طالب -رَضِيَ اللهُ عنه-، بَعْلِ الْبَتُولِ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم). مرويّات شعبيّة ظَفَارية (ويَزْعُمُ أَهْلُ ظَفَارِ)، (يزعُم) من (الزَّعْمُ) مُثَلَّثَة(01)، قولُ شائع وأكثرُ ما يُقالُ فيما يُشَكُّ فيه. وقال شُرَيْحٌ: لِكُلِّ شيءٍ كُنية، وكُنيةُ الكذبِ (زَعَمُوا)(02)، وقال ابن السِّكِّيت: ويُقال للأمر الّذي لا يُوثَقُ به: (مَزْعَمٌ أي يَزْعُمُ هذا أنّه كذا، ويزعمُ هذا أنّه كذا)(03) (أَهْلُ ظَفَارِ) (اسم جمع)، والجمع منه (آهال)، و(أهالي)، وقصد به الشيخ عيسى الطائيّ بعض الذين التقاهم من أعيان عشائر ظفار وقاطنيها، وما سمعه من روايات يتناقلها العامة. والعبارة أفادت التخصيص لا التعميم. ودلَّ على معناها بيت شعر منسوب إلى مالك بن فهم الأزديّ: [فَحَلُّوا بِالسَّرَاةِ وَحَلَّ (أَهْلِي)/ بِأَرْضِ عُمَانَ فِي صَرْفِ الزَّمَانِ(04)]، ويروي الشيخ عيسى الطائي حِكايةً شفهيةً نقلًا عن بعض الذين التقاهم من (أَهْلُ ظَفَارِ) (أَنَّهُ مَا حَمَلَهَا رَجَلٌ إِلَّا وَرَجَعَتْ إَلَى الْقَبْرِ)، (حَمَلَهَا)، أيْ: حمل الحجارة وأَقَلَّها على ظهره ونحوه، من مقبرة الشيخ محمد القلعي، إلى بيته (تبرّكًا)، ودَلَّ على معنى (حَمَلَهَا) قول هند بنت الخُسَّ الإياديّة تصف خير النساء: "الَّتي فِي بَطْنِهَا غُلَامٌ، وَ(تَحْمِلُ) عَلَى وَرِكِهَا غُلَامُ، يَمْشِي وَرَاءَهَا غُلَام"(05)، (وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ حَمَلُوْهَا). وفي استعمال الشيخ الطائيّ كلمة (كَثِيْرًا)، وهي صِّفة مُشبّهة للتعبير عن وفرة وكثرة المعدود، أي: عدد الذين حملوا (حجارة الرخام الصغيرة) من قبر الشيخ القلعي للتبرّك بها. وكلمة (كَثِيْرًا) تفيد المبالغة أيضًا، ودَلَّ عليها قول هند الإياديّة: "شَرُّ النِّسَاءِ: السُّوَيْدَاءُ الْمِمْرَاض، وَالْحُمَيْرَاءُ الْمِحْيَاض، وَ(الْكَثِيْرَةُ) الْمِظَاظ"(06) (وَرَجَعَتْ إَلَى الْقَبْرِ) معناها: عادت وآبت إلى القبر بعد ذهابها إلى بيت من أخذها. ودَلَّ على معناها قول كعب بن لؤي بن غالب القرشيّ، وهو يرشد قومه في خُطبته: [وَالْأَوَّلُونَ كَالْأَخَرِيْنَ، كُلُّ ذَلكَ إِلَى بَلَاءٍ، فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَصْلِحُوا أَمْوَالَكُمْ؛ فَهَلْ رَأَيْتُمْ مَنْ هَلَكَ (رَجَعَ)، أَوْ مَيْتًا نُشِرَ؟](07) السلطان يزيل الوهم والخيال يقول الشيخ عيسى الطائيّ: [فَأَمَرَ (السُلْطَانُ) بِإِتْيَانِهَا إِلَيْهِ لِيَعْلَمَ مِصْدَاقَ مَا يَقُولُونَ؛ فَأَرْسَلَ مَنْ يَحْمِلُهَا إِلَيْهِ وَظَلَتْ عِنْدَهُ أَشْهُرًا، وَزَالَ ذَاكَ الْوَهْمُ وَالْخَيَالُ]. يقول الشيخ عيسى الطائيّ: (فَأَمَرَ السُلْطَانُ تيمور بِإِتْيَانِهَا إِلَيْهِ)، (أَمَرَ) فعل ماضٍ مُتَعَدٍّ، أي: أَلْزَمَ بعض أفراد حاشيته ومرافقيه بإحضار حجارة الرخام الصغيرة من قبر الشيخ محمد بن علي القلعيّ إلى مقرّ إقامته (الحصن) في ظَفَار. ودَلَّ على معناه قول مالك بن مُلالةَ الأرحبيّ الهَمْدانيّ: [(أَمَرْتُ) بِأَشْلَاءِ الَّلجَامِ فَأُحْدِثَتْ/وَأَنْعَلْتُ خَيْلِي فِي الْمَسِيْرِ حَدِيْدَا(08)](بِإِتْيَانِهَا) مصدر (ءتي) ومعناه: أمر بالمجيء بحجارة الرخام من قبر الشيخ القلعيّ، ودَلَّ على هذا المعنى قولُ المُتَلَمِّس الضُبَعِيّ: [فَجَاوَبَهُ مُسْتَسْمِعُ الصَّوْتِ لِلنَّدَى/لَهُ عِنْدَ (إِتْيَانِ) الْمُهِبِّيْنَ مَطْعَمُ(09)] [لِيَعْلَمَ مِصْدَاقَ مَا يَقُولُونَ]؛ (لِيَعْلَمَ) لـ(يَتَبَيَّنَ) مِصْدَاقَ (حقيقةَ)، ودلَّ على معناه قول الشَمَّاخ بن ضرار الذُّبيانيّ يمدح عَرَابَة الأوسيّ: [ضَخْمَ الدَّسِيْعَةِ، مِتْلَافٌ، أَخُو ثِقَةٍ/جَزْلُ الْمَوَاهِبِ، ذُو قيلٍ، و(مِصْدَاقِ)(10)]. وقوله:(مَا يَقُولُونَ) أي ما يزعمون من روايات رائجةٍ شعبيّة؛ مفادها أنَّ: (مَا حَمَلَهَا رَجَلٌ إِلَّا وَرَجَعَتْ إَلَى الْقَبْرِ) (فَأَرْسَلَ مَنْ يَحْمِلُهَا إِلَيْهِ وَظَلَتْ عِنْدَهُ أَشْهُرًا، وَزَالَ ذَاكَ الْوَهْمُ وَالْخَيَالُ) [(وَظَلَتْ عِنْدَهُ أَشْهُرًا)]، (ظَلَتْ) فعلٌ ناقصٌ يفيد الاستمرار، أي: بَقِيتْ في حوزته (حجارة الرخام من قبر الشيخ محمد علي القلعي)، ولم ترجع إلى القبر كما يزعم عوام الناس في مرويّاتهم الشعبية. ودلَّ على هذا المعنى قولٌ منسوب إلى عمارة بن عبيد الهَمْدانيّ: [بِضَرْبٍ (تَظَلُّ) الطَّيْرُ تَقْفُو رَشَاشَهُ/عَلَى الصَّخْرِ حَتَّى تَنْثَنِي مِنْهُ ظُلَّعَا (11)]. وقوله: (أَشْهُر- شهور) جموعٌ مفردها (شهر) أي جزءٍ من اثني عشر جزءًا من السنة، ودلَّ على معناه قول مالك بن خالد الخُناعيّ الهُذَليّ: [أَمَالِ بْنِ عَوْفٍ، إِنَّمَا الْغَزوُ بَيْنَنَا/ثَلَاثُ لَيَالٍ، غَيْرُ مَغْزَاةِ (أَشْهُرِ)(12)] وكانت هذه الفترة التي امتدت (وَظَلَتْ حجارة الرخام الصغيرة عِنْدَ السلطان تيمور أَشْهُرًا) كفيلة بهدم المعتقدات الشعبية في كرامات (القبور) التي كانت سائرة بين عوام الناس. زيارة القبور والتَّبرُّك الصالحين يقول الشيخ عيسى الطائيّ: [وَأَهْلُ ظَفَارِ لَهُمْ (اِعْتِقَادٌ كَبِيْرٌ فِي الْقُبُوْرِ)؛ فَيَقْصِدُوْنَهَا لِـ(لْتَبَرُّكِ وَطَلِب الشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةِ)، وَلُهْم قِصَصٌ وَأَخْبَارٌ فَي ذَلِكَ]. يقول الطائيّ:(لَهُمْ اِعْتِقَادٌ كَبِيْرٌ فِي الْقُبُوْرِ)، والـ(اِعْتِقَادُ) في اللغة (مأْخوذٌ مِنَ العَقْدِ، وهو: الرَّبْطُ والشَّدُّ، ونَقيضُه: الحَلُّ والفَكُّ)(13)، واصطلاحًا يُطلَق الـ(اِعْتِقَادُ) في العقيدة على (مَعْنَيَيْنِ)، الأول: (التَّصدِيقُ) مُطلقاً: وهو أعمُّ مِن أن يكون جازِماً أو غَيْرَ جازِمٍ، مُطابقاً لِلواقِعِ، أوغيرَ مُطابِقٍ، ثابِتاً أو غَيْرَ ثابِتٍ. والثاني: (اليَقِينُ)، وهو أعلى دَرَجاتِ العِلْمِ، بحيث لا يُمازِجُهُ رَيْبٌ ولا يُخالِطُهُ شَكٌّ (14). وقول الطائيّ (الْتَبَرُّك وَطَلِب الشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةِ)، و(الْتَبَرُّك) في اللغة: تبرَّكَ يتبرَّك تَبَرُّكًا، فهو مُتبرِّك، و(التبرَّك) في الاصطلاح له معانٍ عديدة؛ منها:(التبرَّك) بالقرآن وغيره: التمس بركتَه وتيمَّن به(15)،و(التبرَّك) بشيء معناه: طلب حصول الخير بمقاربة ذلك الشيء وملابسته. و(التبرَّك) بقبور الصالحين معناه: طلب حصول الخير وكثرته وزيادته بالقبور وذلك بتعظيمها وتفضيلها على غيرها، وهذا يكون بأمور: منها (دعاء أصحاب هذه القبور وطلب الحوائج منهم أو طلب شفاعتهم، أو أداء بعض العبادات عند قبورهم واعتقاد أن ذلك أفضل، أو التمسح بالقبور وتقبيلها وتعظيمها بتعليق الستور عليها وإيقاد الشموع والقناديل عليها، أواتخاذها مساجد، وبناء القباب عليها (16). وفي هذا المقام يُثار تساؤل عَقَدِيّ هو: (ما حكم زيارة قبور الصالحين بنية الانتفاع ببركة أصحابها؟). ونسوق الإجابة عليه من في فتوى شرعيّة: بـ(إن هناك فارقًا ما بين اعتقاد كون الشيء سببًا واعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإنَّ أهل السنة يعتقدون أنه لا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه، وأنَّ الأسباب لا تُثمر المسبَّبات بنفسها وإنما بخلق الله لها، وإضافة الأفعال إلى أسبابها صحيحة لغةً وشرعًا وعقلًا، وما كان لله تعالى على جهة الخلق والتأثير جازت إضافته للمتسبب فيه على جهة السببية؛ فقد نَسَبَ الله التَّوَفِّيَ إلى نفسه سبحانه؛ فقال: {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (سورة الزمر: الآية 42)، ونسبه إلى رُسله؛ فقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (سورة الأنعام: الآية 61)، ونسب إلى نفسه الخلق والشفاء والإحياء والإنباء بالمغيَّبات، ونسب ذلك كله أيضًا إلى عيسى عليه السلام؛ فقال مخبرًا عنه: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (سورة آل عمران: الآية 49)؛ فإذا رأينا مسلمًا يطلب أو يسأل أو يستعين أو يستغيث أو يرجو نفعًا أو ضرًّا من غير الله؛ كالأولياء والصالحين، فإنه يجب علينا قطعًا أن نحمل ما يصدر منه على ابتغاء السببية لا على التأثير والخلق؛ لِمَا نعلمه من اعتقاد كل مسلم أن النفع والضر الذاتيين إنما هما بيد الله وحده، وأن هناك من المخلوقات ما ينفع أو يضر بإذن الله، ويبقى الكلام بعد ذلك في صحة كون هذا المخلوق أو ذاك سببًا من عدمه. فقد تقرر أنَّ هؤلاء المسلمين يزورون هذه الأضرحة والقبور اعتقادًا منهم بصلاح أهلها وقربهم من الله تعالى، وأن قبور الصالحين روضات من رياض الجنة، وأن زيارة القبور عمل صالح يتقرب ويتوسل به المسلم إلى الله تعالى خاصة إذا كان أصحابها أولياء صالحين، وأن الكلام إنما هو في جواز بعض ما يصدر من هؤلاء المسلمين من عدمه، وأن في بعض أفعالهم خلافًا بين العلماء وفي بعضها خطأً محضًا لا خلاف فيه- إذا علمنا ذلك كله فإنه يتبين لنا بجلاء أنه لا مدخل للشرك ولا للكفر في الحكم على أقوال هؤلاء المسلمين وأفعالهم في قليل ولا كثير أو من قَبِيل أو دَبِيـر، بل ما ثَمَّ إلا الخلاف في بعض الوسائل والخطأ المحض في بعضها الآخر من غير أن يستوجب شيئا من ذلك تكفيرًا لمَن ثبت إسلامه بيقين، وأنه يجوز للإنسان أن يزور الأضرحة بنية الانتفاع ببركة أصحابها؛ ابتغاء مرضات الله تعالى. وممَّا ذُكر يُعلَم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم. (17) الكيّ بالنار ثلاثًا عند أهل ظَفَار يقول الشيخ عيسى الطائيّ: [وَإِنَّ كَثِيْرًا مِنْهُمْ يَكْتَوُونَ بِالنَّارِ) فِي سَوَاعِدِهِمْ ثَلَاثَ كَيَّاتٍ]. الْكَيّ بالنّار يسمّى بـ(الوَسْم) وهو من بديهيات الطب التقليديّ العُماني ذكره الطبيب راشد بن عمير بن ثاني بن خلف بن هاشم في مُصَنفين له؛ الأول بعنوان: (رسالة في الكيّ بالنار) وتحتوي رسومًا لأنواع (المياسم الحديدية) التي تُستخدم في عملية الْكَيّ بالنار حسب نوع المرض، وأمّا المُصَنف الثاني فبعنوان (فاكهة ابن السبيل)(18). وهناك أدلة على مشروعية التداوي بالكيّ؛ فهو من العلاجات التي أباحها الشرع الشريف عند عدم نفع الأدوية؛ والأصل في مشروعيَّته :ما رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه فِي أَكْحَلِهِ، قَالَ: فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ".وما رواه أيضًا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا، ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ".قال الإمام النووي في شرح الحديث من "شرحه لصحيح مسلم" (14/ 193، ط. دار إحياء التراث العربي): [وذَكَرَ الكيّ؛ لأنه يُستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها، فآخر الطب الكيّ، وقوله (صلى الله عليه وسلم): (مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ) إشارة إلى تأخير العلاج بالكيّ؛ حتى يُضطرَ إليه، لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكيّ]. أمّا الكيّ الذي نهى عنه الشرع هو الذي يُبادر إليه الإنسان الصحيحُ رغبةً في التَّحَصُّن من المرض أو الذي يرتكبه المريض مع وجود غيره ممَّا لا ألم معه من الأدوية، أو مع اعتقاد التأثير الذاتي للكيّ. ودليل النهي عن الكي بالنار ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِى عَنِ الْكَيِّ)(19). وفي قول الشيخ عيسى الطائيّ (يَكْتَوُونَ بِالنَّارِ) فيه توصيفٌ بالمشاهدة العينيّة لتجربة الكيّ في (ظَفَار)، وأمّا قوله: (فِي سَوَاعِدِهِمْ) فيه تحديد لمنطقة الاكتواء، وهي الواقعة ما بين (الْمِرْفَقِ والرُّسْغ). و(سواعِد)، و(أَسَاعِد) جمعٌ مفرده: (ساعِد) ودلَّ عليه بيت شعر منسوب إلى مالك بن فهم الأزديّ يقول فيه: [أُعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ/فَلَمَّا اِشْتَدَّ (سَاعِدُهُ) رَمَانِي(20)].وفي قول الطائيّ: (ثَلَاثَ كَيَّاتٍ)، ومعناها الضرب(الطَّرق) بالميسم الساخن بشكل طُوليّ على موضع الألم ثلاث مرات أو الكي بميسم ساخن له ثلاث رؤوس متقاربة تشبه رؤوس المسامير وتُسمّى (الرّزة) أو (الرَّقمة).(21) وضع كلمة التوحيد في الكفن يقول الشيخ عيسى الطائي: [وَ(أَهْلُ الْجَبَلِ) إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ (مَيْتٌ) جَاءَ أَحَدُهُمُ إِلَى (طَاقَةَ)؛ فَيَكْتُبُ لَهُم (سَيِّدٌ) مِنْ سَادَاتِهَا (كِتَابًا) فِيْهِ (كَلِمَةُ التَّوْحِيْدِ)، وَ(الْإِقْرَارُ بِنُبُوْءَةِ النَّبِيّ) مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وَ(الْإِيْمَانُ بِحُجِّيَّةِ الْقُرَآنِ الْعَظِيْمِ عَلَيْهِمْ)، وَ(يُعَلِّقُونَ ذَلِكَ فِي عُنُقِ الْمَيْتِ)، وَيَدْفِنُوْنَه مَعَهُ لِيَكُوْنَ (جَوَابًا لِلْمَلَكَيْنِ مُنْكَرٍ وَنَكِيْرِ) -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-؛ لَأَنَّ الْمَيْتَ (لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ)]. وقول الشيخ عيسى الطائي: [أَهْلُ الْجَبَلِ]، تفريقًا عن قبائل أهل الحضر. وأهل الجبل هم (قبائل القرا أو الحكلي، والكثيري، والشحريّ، والمهريّ والمشيخي والجحفلي والعمري والهلاليّ). وقوله: [إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ (مَيِّتٌ)]، و(الميْت) بتخفيف الياء، الذي مات بالفعل(22) قال الزبيدي: (ميِّت) بتشديد الياء، يصلح لما قد مَات، ولما سيموت. قال الله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(23) وقد قال الشاعر مفرِّقاً بينهما: [وَتَسْأَلُني تَفْسيرَ (مَيـْتٍ) وَ(مَيِّتٍ)/ فَدونَكَ ذا التفسيرُ إنْ كنتَ تَعْقِلُ- فَمَنْ كانَ ذا روحٍ فَذلِكَ (مَيِّتٌ)/ وَما (المَيْتُ) إلاَّ مَنْ إلى القَبْرِ يُحْمَلُ]. وفي قوله: [جَاءَ أَحَدُهُمُ إِلَى (طَاقَةَ)]، أي أحد أقارب الميّت إلى (ولاية طاقة) ليطلب من [(سَيِّدٍ) مِنْ سَادَاتِهَا] الأشراف الهاشميين المنتسبين إلى عترة بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بـ(ظَفار)، وهم بيوتات عديدة المشهور منهم: (العيدروس والشيخ أبو بكر، وباعبود، والعيديد، وإبراهيم، والمقيبل، وباعلوي، وباعمر، والذهب، والكاف، والحداد، وآل حفيظ، والذهب، والمهدلي، وباهرون، ومحيي الدين بن سيف). ليَكْتُب لَهُم (كِتَابًا) فِيْهِ (كَلِمَةُ التَّوْحِيْدِ) وَ(يُعَلِّقُونَ ذَلِكَ فِي عُنُقِ الْمَيْتِ)، وَيَدْفِنُوْنَه مَعَهُ لِيَكُوْنَ (جَوَابًا لِلْمَلَكَيْنِ مُنْكَرٍ وَنَكِيْرِ)–عَلَيْهِمَا السَّلَامُ–؛ لَأَنَّ الْمَيْتَ (لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ)] وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رضي الله عنه عن كتابة العهد على الكفن، وهو (لا إله إلا الله والله أكبر.لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد.لا إله إلا الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .وقيل إنه اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك -صلى الله عليه وسلم-، فلا تكلني إلى نفسي، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر، وتبعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عهدا عندك توفنيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد). هل يجوز؟ ولذلك أصل أم لا؟ (فأجاب) بقوله: نقل بعضهم عن نوادر الأصول للترمذيّ ما يقتضي أن هذا الدعاء له أصل، وأن الفقيه ابن عجيل كان يأمر به، ثم أفتى بجواز كتابته قياسا على كتابة الله في نعم الزكاة. وأقره بعضهم بأنه قيل بطلب فعله لغرض صحيح مقصود، فأبيح، وإن علم أنه يصيبه نجاسة.وفيه نظر.وقد أفتى ابن الصلاح بأنه لا يجوز أن يكتب على الكفن يس والكهف ونحوهما، خوفا من صديد الميت، وسيلان ما فيه.وقياسه على ما في نعم الصدقة ممنوع، لأن القصد ثم التمييز لا التبرك، وهنا القصد التبرك، فالأسماء المعظمة باقية على حالها، فلا يجوز تعريضها للنجاسة. والقول بأنه قيل بطلب فعله إلخ، مردود، لأن مثل ذلك لا يحتج به، وإنما كانت تظهر الحجة لو صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) طلب ذلك، وليس كذلك. (24) منكر ونكير يتحدثان السريانيةيقول الشيخ عيسى الطائي: [وَقَدْ نَسُوا أَنَّ الْمَلَكَيْنِ كَلَامَهُمَا (سُرْيَانِيٌّ) وَهُوَ سَيُلْهِمُهُ اللهُ النُّطْقَ بِدُونِ (قِرْطَاسٍ). وَغَايَةُ مَا نَقُولُ فِي سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ لِلْعَبْدِ: إِنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَيَجِبُ الْإِيْمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ].
وفي قول الطائيّ: [إِنَّ الْمَلَكَيْنِ كَلَامَهُمَا (سُرْيَانِيٌّ)] تقرير لما هو شائع بين العوام، نقلا عن بعض الذي يزعمون أنَّ (السريانية) لغة الملائكة ولغة الأرواح. وأورد صاحب ابن عاشور في كتابه التحرير والتنوير في تفسيره لقوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} أنّ قد السراج البلقيني زَعَمَ أن سؤال القبر يكون باللغة السريانية وتلقاه عنه جلال الدّين السيوطي واستغربه فقال: ومن عجيب ما ترى العينان أن سُؤال القبر بالسرياني أفتى بهذا شيخنا البلقيني ولم أره لغيره بعيني. وختم شيخنا الطائيّ ردًّا على هذا الزعم بقوله: [وَغَايَةُ مَا نَقُولُ فِي سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ لِلْعَبْدِ: إِنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَيَجِبُ الْإِيْمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ]. المراجع والمصادر: (01) اللّسان (12 /264)، والصّحاح (5 /1941 زعم)، ومختاره (ص272)، والقاموس المحيط (ص1117 الزّعم)، وتاج العروس (32 /312)، والمصباح المنير (ص154 ز ع م). (02) فتح القدير (5 /236) (03) الصّحاح (5 /1942 زعم)، واللّسان (12 /265) (04) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2000م، ص: 83 (05) الأمالي، أبو علي القالي (ت، 356هـ)، تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعيّ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1976م، 3/120 (06) المرجع نفسه، الأمالي: 2/285 (07) صبح الأعشى، أبو العباس القلقشنديّ (ت، 821هـ)، المطبعة الأميرية، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1922م، 1، ص:200-212 (08) شعر هَمْدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق ودراسة: حسن عيسى أبوياسين، دار العلوم، الرياض، ط1، 1983م، ص: 303 (09) ديوان المتلمس الضبعي، رواية: الأثرم وأبي عُبيدة عن الأصمعيّ، تحقيق: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1970م، ص: 317 (10) ديوان الشماخ بن ضرار الذبيانيّ، تحقيق: صلاح الدين الهادي، دار المعارف، القاهرة، 1968م، ص: 257 (11) شعر هَمْدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام، مرجع سابق، ص: 271 (12) ديوان الهذليين، تحقيق: أحمد الزين وآخرين، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، ط2، 1995م (13) انظر: تهذيب اللغة:(5/72)- مقاييس اللغة:(4/86)- المحكم والمحيط الأعظم: (1/165)- لسان العرب: (3/296)- تاج العروس: (8/394) (14) انظر: الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة:(ص69)- العقيدة الصحيحة وما يضادها:(ص 4)- عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسُّنَّة:(1/119)- القول المفيد على كتاب التوحيد:(1/11)- الوجيز في عقيدة السلف الصالح: (ص 30) (15) انظر: تاج العروس (27/69)، معجم اللغة العربية المعاصرة (1/194) (16) حكم التبرك بقبور الصالحين، اللجنة العلمية بمركز سلف للدراسات، (17) فتاوى دار الإفتاء المصرية، فتوى فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد رقم: 6975، بتاريخ: 03 سبتمبر 2006م (18) انظر: العُمانيون في العلوم التجريبية، صالح السيابيّ، الناشر: مكتبة السيدة فاطمة الزهراء، ط1، 2018، ص:116 (19) فتاوى دار الإفتاء المصرية، فتوى فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، رقم الفتوى: 8086، بتاريخ: 07 يونيو 2021 (20) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2000م، ص:86 (21) أسرار العلاج بالكي، أنس محمد عبد العزيز العويد، ط2، 2022م، ص: 52- 54 (22) انظر: تاج العروس ح ١ ص ٥٨٥ (23) سورة الزمر الآية ٣٠. (24) إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين في الفقه الشافعيّ، أبو بكر عثمان بن محمد شطا الدمياطي الشافعي (ت ١٣١٠هـ) الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوريع، ط1، 1997م، ج2، ص: 131المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كيف كان يقيم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان
ليلة واحد تفصلنا عن ليلة النصف من شعبان، ويكثر البحث عن وظائف تلك الليلة المباركة، حيث رسم سيدنا النبي ﷺ لنا وظائف ليلة النصف من شعبان، فيقول ﷺ: «فمن قام ليلها، وصام نهارها، غفر الله له، وأعطاه سؤله». فالمسألة يسيرة على من يسرها الله عليه، كما يكثر البحث عن كيف كان يقيم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان.
كيف كان يقيم النبي ليلة النصف من شعبانفيما ورد عن عَائِشَةَ –رضي الله تعالى عنها- ، قَالَتْ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إِبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ، فَرَجَعْتُ، فَلَمَّا رَفَعَ إِلَيَّ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ ، وَفَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ ، قَالَ : « يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ ! أَظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ خَاسَ بِكِ ؟» ، قُلْتُ : لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنَّنِي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُولِ سُجُودِكَ، فَقَالَ: « أَتَدْرِينَ أَيَّ لَيْلَةٍ هَذِهِ ؟»، قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: «هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ، وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُم».
ماذا كان يفعل النبي ليلة النصف من شعبانوكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يطيل السجود في صلاة قيام الليل، حيث إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أرشدنا إلى أن ذنوب الإنسان توضع على رأسه وكتفيه، فعندما يركع أويسجد في الصلاة ، فإن ذنوبه تسقط عنه، لذا يُستحب الإطالة في السجود والركوع.
وورد في صحيح ابن حبان، أنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ العبدَ إذا قَامَ يُصلِّي أُتِي بُذُنوبِه كُلِّها فَوُضِعَتْ على رأسِه وعاتِقَيْهِ، فكُلَّما رَكعَ أو سَجدَ تَساقَطَتْ عَنْهُ»، وفيما ورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كذلك أنه أوصانا بالإكثار من الدعاء في السجود خاصة، حيث إن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، مستدلًا بما رواه مسلم عن أبي هريرة، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:« أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ، فَأَكثِرُوا الدُّعاءَ».
وظائف ليلة النصف من شعبانالقيام ،ووظائف هذا القيام تتمثل في قراءة القرآن، ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾، ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾.
ومن وظائف ليلة النصف من شعبان: ذكر الله، ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ ، وعلمنا رسول الله ﷺ كيف نذكر ربنا، علمنا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نكررها ونعيدها، وأهل الله أطلقوا على هذه الخمسة "الباقيات الصالحات" لأنها هي التي تبقى للإنسان بعد رحيله من هذا الدكان، فبعد رحيل السكان من الدكان، تبقى الباقيات الصالحات، نورًا في القبر، وضياءً يوم القيامة، وذكرًا في الملأ الأعلى.،وكان ﷺ يقول: «إني أستغفر الله في اليوم مائة مرة».
ومن وظائف هذه الليلة: الدعاء، والمناجاة، عش مع ربك وناجه، وفي النهار صم، ففي القيام والصيام قربى إلى الله سبحانه وتعالى، وإشارة إلى بداية جديدة لعام جديد، نستقبل فيه رمضان.