إيمانويل كانط.. هل يحتاج الإيمان إلى دليل أم يكفيه العقل؟
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724-1804) أحد أعمدة الفلسفة الحديثة، حيث أحدث تحولًا جوهريًا في الفكر الفلسفي عبر محاولته التوفيق بين العقل والإيمان. في كتابه “الدين في حدود العقل وحده”، طرح كانط رؤية فريدة حول الدين، حاول من خلالها أن يفصل بين الدين بوصفه منظومة أخلاقية تعتمد على العقل، وبين التصورات التقليدية التي تعتمد على الميتافيزيقا.
انطلق كانط من فكرة أن الدين يجب أن يكون أخلاقيًا بالأساس وليس مجرد طقوس وشعائر. وقد رأى أن الإيمان الحقيقي لا يعتمد على المعجزات أو العقائد الغيبية، بل على المبادئ الأخلاقية التي يمكن للعقل الإنساني إدراكها.
• اعتبر أن الأخلاق تسبق الدين، أي أن الإنسان يمكن أن يكون أخلاقيًا دون الحاجة إلى الإيمان بالله.
• لكنه لم ينفِ وجود الله، بل اعتبره ضرورة عقلية لضمان العدالة الأخلاقيةفي العالم، حيث لا يمكن تحقيق العدالة الكاملة إلا بوجود كائن أسمى يحقق التوازن بين الفضيلة والسعادة.
• أكد أن الإيمان يجب أن يكون مبنيًا على العقل، وليس على الخوف أو الامتثال الأعمى للتقاليد الدينية.
هل يمكن للعقل أن يثبت وجود الله؟في كتابه الشهير “نقد العقل الخالص”، رفض كانط كل الحجج التقليدية التي استخدمها الفلاسفة لإثبات وجود الله، مثل:
الحجة الأنطولوجية: التي تفترض أن وجود الله ضروري لمجرد كونه مفهومًا كاملًا.
تفترض أن لكل شيء سببًا، وبالتالي يجب أن يكون هناك سبب أولي (الله).
الحجة الغائية: التي تستند إلى وجود نظام دقيق في الكون يدل على وجود خالق ذكي.
رأى كانط أن هذه الحجج لا تكفي لإثبات وجود الله عقلانيًا، لأنها تعتمد على تجاوز حدود المعرفة البشرية. لكنه في المقابل لم ينكر الإيمان بالله، بل اعتبره ضرورة أخلاقية وليس برهانًا عقليًا.
الإيمان كضرورة أخلاقيةفي كتابه “نقد العقل العملي”، طرح كانط فكرة أن الإنسان بحاجة إلى الإيمان بالله ليضمن تحقيق العدالة الأخلاقية. فبما أن الإنسان يسعى إلى الخير، لكنه لا يجد دائمًا المكافأة العادلة في الحياة، فلا بد من وجود قوة عليا (الله) تضمن أن تتحقق العدالة في النهاية.
بالتالي، لم يكن إيمان كانط بالله قائمًا على الأدلة العقلية، بل على أساس أخلاقي بحت، إذ رأى أن الإيمان يساعد الإنسان على الالتزام بالمبادئ الأخلاقية، حتى في غياب المكافأة الفورية في الدنيا.
كانط والدين التقليديرغم أن كانط لم ينكر الدين، إلا أنه كان ناقدًا قويًا للسلطة الدينية التقليدية، حيث اعتبر أن:
• الطقوس الدينية ليست ضرورية للأخلاق، بل يمكن للإنسان أن يكون أخلاقيًا دون الحاجة إلى ممارسة الطقوس.
• الدين لا يجب أن يكون قائمًا على الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب، بل على الاقتناع العقلي بأهمية الفضيلة.
• رجال الدين لا ينبغي أن يكونوا وسطاء بين الإنسان والله، لأن الإيمان يجب أن يكون مسألة شخصية تعتمد على العقل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدين المبادئ الأخلاقية الفلسفة الحديثة إيمانويل كانط العدالة الأخلاقية المزيد یجب أن یکون أن الإیمان تعتمد على وجود الله
إقرأ أيضاً:
أستاذ فقه: علماء الأمة أجمعوا على تحريم المخدرات لأنها تذهب العقل
عقد الجامع الأزهر اليوم الاثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان "المخدرات بين الشرع والطب" وذلك بحضور كل من؛ الدكتور أحمد خيري عبد الحفيظ، مدرس الفقه بجامعة الأزهر، وأ.د محمد محمود حمودة، مدرس الطب النفسي وعلاج الإدمان بكلية الطب، بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء الشيخ. كريم حامد أبوزيد، منسق كتب التراث والبرامج الموجهة بالجامع الأزهر.
في بداية الملتقى قال الدكتور أحمد خيري عبد الحفيظ، مدرس الفقه بجامعة الأزهر، إن التكريم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى للإنسان " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" هو تكريم جاء في صور كثيره، أولها التكريم في الخلق، " لقد خلقنا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ"، أي أحسن صورة وهيئة، ثم بعد ذلك التكريم في المنهج، لهذا جعل الله لنا شرعة نهتدي بها، وأرسل إلينا الرسل لتهدينا سبل الرشاد.
يأتي بعد ذلك النوع الثالث من التكريم وهو السر الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في خلقه وهو العقل، والذي هو الجوهرة التي تكرم الله بها على عباده، لهذا جاءت كل الشرائع متكفلة بحفظ العقل، لذلك نجد أن كل ما يضر بالعقل فهو منهي عنه في هذه الشرائع، وهناك الكثير من الأمور المحرمة العلة في تحريمها أنها تؤثر على العقل.
وأضاف أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن تحريم الخمر لم يأت دفعة واحدة، بل تدرج التشريع الإسلامي في تحريمها على مراحل لحكمة إلهية، ومراعاة لأحوال الناس في ذلك الزمان، فبدأ ببيان مساوئها ومفاسدها، للحد منها، فعندما جاء عمر بن الخطاب للنبي ﷺ وقال له يا رسول الله أفتنا في الخمر؟ فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال، فنزل قول الحق سبحانه وتعالى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا"، ثم بعد ذلك جاء الحكم بتحريمها في أوقات الصلاة بسبب أن أحد الصحابة أخطا وهو يصلي بسبب الخمر، فعندما أقام سيدنا عبد الرحمن بن عوف وليمة لصحابته، ثم جاء وقت صلاة المغرب وكان بعض الصحابة قد شرب الخمر، وتقدم أحد الصحابة للصلاة بهم، ولكنه أخطا في الصلاة بسبب الخمر، فنزل قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، ثم بعد ذلك سيدنا عتبان بن مالك أقام ولمية، ودعى إليها صحابة رسول الله، وبعد الوليمة بسبب المبارزة بالشعر، كادت أن تكون بينهم مقتلة، فهنا دعا سيدنا عمر ربه قائلا: اللهم أنزل علينا بيانا في الخمر، فنزل قول الحق سبحانه وتعالى “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.
وبين أن المتتبع لأحكام الخمر قبل تحريمها قطعيا يجد أن الكثير من الصحابة كان لا يشربها، ويرفضها بسبب فطرته السلمية التي ترفض هذا الفعل، لأن الفطرة السليمة ترفض تعاطي المواد التي تذهب العقل، وهو ما بينته السنة النبوية المطهرة، مبينًا أنهم كانوا يدركون خطورتها، وهو يظهر عندما خطب سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، في الناس، حول أضرار الخمر، واصفًا إياها بأم الخبائث، واستشهد بقصة من القرون السابقة، عن رجل دعته امرأة إلى منزلها، ثم أومأت إلى جاريتها أن تغلق الباب دونهما، وخيرته بأن يقع عليها أو يشرب الخمر، أو يقتل صبيا موجودا، فاختار الرجل الخمر، فلما شرب الخمر وقع عليها ثم قتل الصبي، وهنا يعطيهم سيدنا عثمان درسًا عمليا، حول مفاسد الخمر وأضرارها التي يمكن أن تصل إلى أسواء شيء يمكن أن يتصوره العقل.
أوضح أستاذ الفقه، أن علماء الأمة أجمعوا على تحريم المخدرات، وكل ما يذهب العقل، كما أن كل ما ورد في تحريم الأمور التي تؤدي إلى الفساد والإفساد في الأرض، ينسحب على المخدرات، لأن المخدرات تعريفها كما أورده ابن حجر العسقلاني، بأنها ما يتولد عنها تغطية العقل وعدم إحساس البدن، والإحساس بالفتور، كما أن الإتجار في المخدرات يعد فسادًا في الأرض، لأن المخدرات أم الخبائث كما في حديث أم سلمة رضى الله أنها قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، مبينًا أن إشكالية المخدرات وأضرارها لا تقع على العقل فقط، وإنما تتعداها إلى المال، لأن المال نعمة مسؤول عنها الإنسان، وإنفاقه على المخدرات هو إنفاق في غير موضعه، كما تضر المخدرات أيضًا بالنفس، فهناك الكثير من حالات الوفيات بسبب المخدرات، فهي ضرر في كل شيء، وكثير من المشكلات المنتشرة في مجتمعاتنا اليوم مثل التفكك الأسري، والخلافات الاجتماعية تكون بسبب المخدرات.
وحذر أستاذ الفقه، الآباء من الغفلة عن سلوك أبنائهم وعدم متابعتهم، لأن رفقاء السوء، قد يجرونهم إلى طريق الهلاك، وعلى الأسر أن تقوم بواجبها في تقوية الوازع القيمي في نفوس أبنائها، حتى لا يكونوا عرضة للوقوع فريسة لمروجي هذا النوع من المفسدات، وعلى المجتمع أن تتضافر جهوده من أجل القضاء على هذا الوباء الذي يهدد مجتمعاتنا، مع ضرورة تقديم يد العون لمن وقع فريسة للمخدرات، حتى يتعافى، لأن تركه على هذه الحالة يؤدي إلى مزيد من المشاكل.
وبين مدرس الطب النفسي وعلاج الإدمان بجامعة الأزهر، أن المجتمعات التي اتخذت إجراءات صارمة في مواجهة المخدرات، استطاعت أن تجنب شعبها خطورة هذه المواد التي تهدد المجتمع في كل جوانبه، وساعدتها هذه الاجراءات في النهوض بالمجتمع في شتى المجالات، مبينًا أن خطورة المخدرات بدأت تتضاعف وتشكل تحديا كبيرا أمام المجتمعات، بعد تنوع المواد المخدرة وبخاصة بعد ظهور نوع جديد من المخدرات يعرف بالمواد التخليقية، والتي ينتج عنها أضرار مضاعفة، مثل توهم متعاطيها لأوهام تدفعه إلى القيام بأعمال كارثية، إضافة إلى أن المعروف عن المخدرات أنها تسبب الاكتئاب وتفقد الشخص القدرة على القيام بأي مجهود ذهني وبدني، فالكثير من الحوادث الخطيرة في المجتمع تكون بسبب المخدرات.
أوضح أستشاري علاج الإدمان، أن الأغراض الطبية التي تدخل في علاجها المواد المخدرة، مشروطة بالحالة التي تخصص لها، وأن تكون تحت إشراف الأطباء، وتكون هناك حالة ضرورية لذلك، ما عدى ذلك يعد تعاطيا وهو ممنوع دوليا، كما أنه محرم شرعًا، والإسراف في تعاطي الجرعات الطبية يدخل أيضًا تحت بند التعاطي.
من جانبه قال الشيخ كريم حامد أبوزيد، منسق كتب التراث والبرامج الموجهة بالجامع الأزهر: إن المواد المخدرة تشكل خطرًا كبيرًا على المجتمعات، كونها تؤثر على عقل الإنسان وسلوكه، وتمتد آثار تناول المخدرات إلى أبعد من ذلك، كونها تهدم الجانب الاقتصادي والأمني للمجتمعات، والشريعة الإسلامية جاءت لحفظ الكليات الخمس: "الدين، النفس، العقل، النسل، والمال"، والمخدرات تشكل خطرًا على هذه الكليات التي جاء الإسلام لحمايتها، لهذا حرم الإسلام المخدرات، لأنها تؤثر على العقل الذي هو مناط التكليف، كما أن المخدرات لا يستقيم الحفاظ على الكليات الخمس مع وجودها لأنها تهدد حياة الإنسان وتهدد استقرار المجتمع، والمتخصصين أجمعوا بأن المخدرات هي نوع من أنواع التهلكة التي حذرنا منها الحق سبحانه وتعالى في قوله"ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة".
يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.