هل هي الحرب الكبرى أم حافة الهاوية؟
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
مقالات:
بقلم/ناصر قنديل
نحن في قلب الحرب المفتوحة، مفتوحة زمنياً ومفتوحة سقوفها على الاحتمالات، لكنّها ليست بعدُ الحرب الكبرى، إذا وصفنا الحرب الكبرى بتلك الحرب التي تسقط معها كل الضوابط والسقوف والخطوط الحمراء. وهذه الضوابط والخطوط الحمراء التي توصف بالحرب الكبرى لا تزال تتمثل من جهة، باستهداف العمق السكاني في العاصمة أو ضاحيتها على الأقل بصورة عشوائية، واستهداف البنى المدنية الخدمية من مطار ومرفأ وكهرباء واتصالات ومستشفيات وسواها، ومن جهة موازية باشتعال الجبهات في محاولة التقدّم البري، بواسطة فرق المشاة والآليات، لكن عدد الشهداء والجرحى وحجم اتساع الاستهداف جغرافياً وشموليّته يضعُنا على حافة الهاوية لبلوغ الحرب الكبرى.
– بالتأكيد ليس ما يجري مجرد غضب ولا انتقام، وفيه بعض من هذا وذاك، لكنه يجري بوظيفة سياسيّة، وأمامنا اليوم حصيلة اعتداءات وجرائم تقارب الـ 10 آلاف بين شهيد وجريح خلال أيام قليلة، وحصيلة أمس وحدها تسجل أعلى رقم للشهداء والجرحى في يوم واحد من الحرب منذ 7 أكتوبر طوفان الأقصى، والهدف يرتبط بالسعي لتعويض الفشل بالمزيد من النار، والفشل هو في قدرة حزب الله على احتواء الضربات التي كانت مصمّمة لإسقاطه بالضربة القاضية المصممة أمريكياً والتي تفوق قدرات كيان الاحتلال وجاءت هدية تعوّض حال الانهيار التي عاشها قادة الكيان بعد ضربة الـ 8200 التي أحبطت عمليات الاغتيال وما صمم بالترابط معها أمريكياً بهدايا هي ملفات الاغتيال والداتا المرتبطة بالقادة المستهدَفين، فخرج قادة الكيان يقولون لا نريد الحرب ولا التصعيد قبل أن تصل جرعات الدعم. وهذا معنى أن يتم استهداف 5 بالألف من بيئته و5% من بنيته بضربة واحدة، أي ما يعادل 50 ألف جندي أميركي و175 ألف مدني أميركي بين قتيل وجريح بضربة واحدة خلال ثوانٍ، وهو ما يعادل عشرين مرة ما حدث في 11 أيلول 2001، عبر استهداف برجي التجارة الأمريكية، وأن يخرج حزب الله في اليوم التالي لاستئناف جبهة الإسناد بكفاءة أعلى استدعى هدية أمريكية لاحقة، هي عملية الاغتيال في الضاحية الجنوبية وربما الطائرة التي نفذتها والقنابل التي استخدمتها، لكن حزب الله مجدداً احتوى الصدمة وذهب إلى حيفا بصواريخه نحو مؤسسات الثقل الاستراتيجيّ للكيان، محققاً في الوقت نفسه معادلة، تريدون إعادة المهجرين بالقوة، سوف يزيد عدد المهجرين.
– المعادلة الجديدة التي يحاول قادة الاحتلال خلقها بواسطة هذا الشلال من الدماء، هي توازن ضغط قضية التهجير، ذلك أن المهجرين من شمال فلسطين المحتلة، ليسوا أكثر عدداً من مهجري جنوب لبنان، لكنهم معضلة سياسية بعكس مهجري الجنوب المحافظين على مساندتهم للمقاومة وصبرهم على المعاناة. وفي الكيان التهجير المتمادي والمتفاقم يتحدى صورة الجبروت وقدرة الردع الإسرائيلية، بينما في لبنان هو ثمن لا بد منه ترجمة للوقوف وراء المقاومة، لذلك يجري التوجّه لخلق معادلة جديدة تهجير أعداد أكبر بكثير ليست بالضرورة من صنف مؤيدي المقاومة ذاته، وحجمها فوق قدرة المقاومة على الاحتواء والإيواء، وتحويل قضية مهجري الجنوب إلى قضية وطنية تضغط على العمق اللبناني طلباً لحل سريع، هو ما يُراهن عليه أمريكياً وإسرائيلياً لفتح باب التفاوض على معادلة وقف النار بمعزل عن غزة وإعادة المهجرين على جانبي الحدود.
– ردود حزب الله التي تستهدف المنشآت الاستراتيجية لجيش الاحتلال، لكنها تصيب عمق الشمال الجديد في حيفا، وتفتح طريق المزيد من التهجير، وإقامة توازن أشد قوة في التهجير نفسه، لكنه تهجير يحمل عنواناً سياسياً يدفع قيادة الكيان نحو أحد ثلاثة أبواب، قصف العمق اللبناني وتلقي الرد المماثل بما يتضمن من مفاجآت، أو تفعيل الجبهة البريّة واكتشاف ما ينتظر جيش الاحتلال عندها، أو العودة إلى المربع الأول المتمثل باتفاق حول غزة يُنهي الحرب حتى يتوقف إطلاق النار على جبهة لبنان ويعود المهجّرون.
– نحن على حافة الهاوية لأن التوجه الأمريكي بدعم الكيان لا يزال عند وهم فصل الجبهات والتمهيد لاتفاق في غزة بشروط الاحتلال. وهذا يجعل الخيارات بين حرب الأعماق التي يخشاها الكيان ويريد من حزب الله أن يبدأها، وهو لم ولن يفعل، وإلا فنتوقع على طريقة حرب تموز 2006 ولكن أسرع بكثير الاندفاع نحو اختبار الحرب البرية التي ينتظرها المقاومون بفارغ الصبر.
– هذه الجولة تضعنا أمام استحالة النهايات الرمادية.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الحرب الکبرى حزب الله
إقرأ أيضاً:
صحيفة تركية: فطاني التايلندية ساحة الحرب التي لا يراها أحد
سلط كاتب في مقال بصحيفة ستار التركية الأضواء على التمييز العنصري، والاضطهاد، والفقر والمحاكمات الجائرة والتذويب الثقافي الذي يعاني منه مسلمو جنوب تايلند.
ويقول الكاتب إسماعيل شاهين في المقال إن المحاولات القسرية لانتزاع الهوية القومية لأقلية عرقية ودينية عادة ما يكون لها صدى في المحافل الدولية وتحركات دبلوماسية للحد منها، غير أن الوضع في إقليم فطاني المسلم جنوب تايلند بالكاد يشق طريقه إلى مسامع المجتمع الدولي والرأي العام.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إعلام إسرائيلي: إعلان حماس بشأن الاتفاق نتيجة مباشرة لسلوك نتنياهوlist 2 of 2تلغراف: قادة إيرانيون يطالبون خامنئي بإلغاء فتواه ضد الأسلحة النوويةend of listويرى شاهين أن ما يحصل في إقليم فطاني ليس مسألة أمنية فقط، بل هو قضية هوية وتمثيل سياسي والمطالبة بحكم ذاتي، غير أن أحداث الشرق الأوسط في هذا الوقت تحول دون تسليط الأضواء الكافية على هذا الإقليم بالإعلام العالمي.
ويوضح الكاتب أن ولايات فطاني ويالا وناراتيوات بجنوب تايلند تعاني من صراع مستمر منذ سنوات. كما أن غياب التنافس الدولي المباشر في تلك الدولة وصورة الأزمة كقضية داخلية يسهم في بقائها خارج الأضواء الإعلامية.
المنطقة الواقعة في شمال ماليزيا وجنوب تايلند، والتي كانت تُعرف سابقا بسلطنة فطاني، تشمل اليوم ولايات فطاني ويالا وناراتيوات، وتتميز بهوية ثقافية ملايوية مختلفة عن باقي تايلند بسبب طابعها العرقي والديني.
إعلانكما أن أكثر من مليون مسلم من سكانها هاجروا إلى دول عدة، خصوصا ماليزيا، نتيجة العنف والاضطهاد والفقر والمحاكمات الجائرة وسياسات التذويب الثقافي.
روسني مايلوه زوجة ماهروسو جانتاراوادي أحد ثوار فطاني الذي قتلته القوات التايلندية في 7 مارس/آذار 2013 (رويترز) تاريخ الصراعويسرد الكاتب شيئا من تاريخ الصراع قائلا إن سلطنة فطاني، التي كانت في السابق كيانا مستقلا، أُلحقت قسرا بسيام (الاسم السابق لتايلند) عام 1906، دون منحها أي شكل من أشكال الحكم الذاتي. ونتيجة لذلك، تحول المسلمون في المنطقة من أغلبية إلى أقلية على أراضيهم.
ومنذ ذلك الحين، تبنت سيام سياسة تهدف إلى تذويب هوية المنطقة ضمن هويتها الوطنية، حيث تم حظر اللغة الملايوية-الفطانية، وتقييد المؤسسات التعليمية الإسلامية، وفرض سياسات قمعية تهدف إلى دمج المنطقة قسرا في الثقافة التايلندية. إلا أن هذه السياسات لم تؤدِّ إلى النتائج المرجوة، بل عززت وعي سكان فطاني بهويتهم.
ويشير الكاتب إلى أن تايلند، التي أصبحت منذ عام 1932 ملكية دستورية، تبنت الأنظمة العسكرية فيها نموذجا للدولة الموحدة والمركزية قائما على "الأمة، الملكية والدين".
وقد تم تعريف "الأمة" بالأغلبية التايلندية، و"الملكية" بسلالة تشاكري، و"الدين" بالبوذية التيرافادية. وشكلت هذه العناصر الثلاثة أساس الهوية الوطنية التي اعتمدتها الدولة لضمان ولاء الشعب للنظام والنخب الحاكمة.
توحيد قسريوفرضت الأنظمة التي توالت على حكم تايلند سياسات تهدف إلى توحيد الدولة عرقيا وثقافيا، حيث أُجبر السكان على استخدام اللغة التايلندية، وتم التركيز على التعاليم البوذية في النظام التعليمي، وأُقر مبدأ قداسة الملك دستوريا.
ولجأت الحكومات إلى إعلان الأحكام العرفية، وتقييد حرية التعبير، وقمع المعارضة للحفاظ على شرعية الملكية. ومن أبرز أدواتها قانون "العيب في الذات الملكية"، الذي كان وسيلة لتعزيز حصانة المؤسسة الملكية ومنع أي انتقاد لها.
إعلانويرى الكاتب أن مسلمي الملايو في جنوب تايلند، خاصة في مناطق فطاني ويالا وناراتيوات، تضرروا بشكل كبير من سياسات الدولة التايلندية التي رفضت الاعتراف بلغتهم ودينهم وفرضت المناهج البوذية في المدارس.
وفي رد فعل على هذه السياسات، ظهرت حركات مسلحة تطالب بالحكم الذاتي أو الاستقلال، مثل "منظمة تحرير فطاني المتحدة" (PULO) و"جبهة الثورة الوطنية" (BRN).
ملصق لصور مطلوبين في أحد مراكز الشرطة بولاية ناراتيوات في 10 مارس/آذار 2013 (رويترز) ليست إرهابيةويؤكد الكاتب أن هذه الحركات كانت تركز على الحفاظ على الهوية المحلية ولم ترتبط بالجماعات الجهادية العالمية. وعلى الرغم من تصنيفها منظمات إرهابية من قبل الدولة التايلندية، فإن المجتمع الدولي يتعامل معها كصراع عرقي وديني محلي.
وعلى الرغم من أن حركات المقاومة في فطاني فقدت تأثيرها في التسعينيات بسبب ضغوط الأمن التايلندي، وسياسات الاندماج، والانقسامات الداخلية في المنظمات، أعادت بعض الجماعات مثل "جبهة الثورة الوطنية" إحياء النضال المسلح في 2004 ضد قوات الأمن التايلندية.
ويشير الكاتب إلى أن سياسات الاندماج تحت حكم رئيس الوزراء تاكسين شيناواترا في 2001 زادت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث اعتُبرت المدارس الإسلامية في فطاني مراكز للتطرف، مما أدى إلى تصعيد القمع. وأسفرت الفترة بين 2004 و2019 عن مقتل أكثر من 7 آلاف شخص في هجمات عنيفة بمناطق يالا وفطاني وناراتيوات.
حرب باردةويقول الكاتب إن الوضع في فطاني اليوم يشبه الحرب الباردة، حيث تزايدت الضغوط الأمنية التي تفرضها الدولة ما أدى إلى تفاقم التوترات بين الشعب الذي يسعى للحفاظ على هويته الملايوية الإسلامية والسياسات التايلندية الهادفة إلى الاندماج الثقافي، وسط عدم اهتمام دولي وغض الطرف عن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، والنظر إلى تايلند عادة على أنها "قوة مستقرة".
إعلانويضيف الكاتب أن ماليزيا قد بدأت منذ 2013 في استضافة المحادثات بين الفصائل الفطانية والحكومة التايلندية، حيث تمكّنت المحادثات في 2020 من الحصول على طابع رسمي. ورغم أن الطريق لا يزال صعبا، فإن هناك رغبة من الطرفين في التوصل إلى اتفاق.
ويرى الكاتب أن اعتذار رئيس الوزراء التايلندي في أكتوبر/تشرين الأول 2024 عن مذبحة "تاك باي" التي راح ضحيتها 78 مسلما يعد خطوة مشجعة نحو تحقيق السلام. وقد تشير الموافقة على خطة "السلام الشامل" إلى تقدم مهم نحو التوصل إلى حلول سياسية وتقليص العنف.