منذ أن نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهديده المسبق للوكالة الأميركية للتنمية الدولية «المعونة الأميركية» فأصدر في أيامه الأولى في المكتب البيضاوي قراراً بتجميد عملها لثلاثة أشهر، والجدل لم يتوقف حول أسباب القرار وانعكاساته على سياسة أميركا في العالم. ويشتد الجدل بعد قراره بإبعاد الموظفين الكبار، وتعيين وزير الخارجية مديراً مكلفاً لها، والأخبار تتزايد عن أن قراراً سيصدر بتصفيتها.
نشأت الوكالة الأميركية للتعاون الدولي في سبتمبر (أيلول)1961 بقرار من الرئيس الأميركي جون كيندي. وكانت لقرار إنشاء الوكالة علاقة مباشرة بأجواء الحرب الباردة، حيث انتقل الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لمرحلة استخدام القوة الناعمة بدلاً من المواجهة المسلحة. كانت الصين والاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الشرقي تقدم مساعدات متنوعة لدول العالم الثالث، وكان لا بد للولايات المتحدة أن تستخدم المدخل ذاته لتحقق به منافع عدة، تقدم مساعدات إغاثية وتنموية وفنية للدول المحتاجة، وتقاوم المد السوفياتي، وتضمن لنفسها نفوذاً كبيراً وسط دول العالم. ولفترة طويلة كانت الوكالة الأميركية هي رأس حربة النفوذ الأميركي في العالم كله، حيث انتشرت مكاتبها في نحو 100 دولة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، ودول أوروبا الشرقية، ووصلت ميزانيتها لنحو 50 مليار دولار في العالم مما جعلها أكبر مؤسسات العون في العالم. وتمثل ميزانيتها نصف ميزانية المساعدات الخارجية الأميركية لدول العالم. وتتنوع برامج الوكالة بين المساعدات الغذائية الطارئة إلى مكافحة الفقر، وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والدعم الصحي وبرامج التطعيم، والمساعدات الفنية لبرامج البيئة، ودعم منظمات الأمم المتحدة. ما هي أسباب إغلاق الوكالة...؟
هناك بالتأكيد أسباب معلنة وأخرى غير معلنة. السبب الأساسي الذي قدمه الرئيس دونالد ترمب كان أن هناك أموالاً كثيرة يتم هدرها عبر الوكالة في المساعدات الخارجية، بينما هناك احتياج لهذه الأموال لصرفها في البرامج الداخلية، وهذا بالتأكيد جزء من برنامجه الداعي لتقليل مساهمات أميركا المالية في القضايا العالمية، بما في ذلك في المؤسسات التي تجمعه مع حلفائه، مثل حلف شمال الأطلسي «الناتو». كما حملت تصريحاته وتصريحات إيلون ماسك الذي عينه وزيراً للكفاءة الحكومية اتهامات للوكالة بأنها تقع تحت قبضة يسار متطرف، وأن من يديرونها «حفنة أشرار» وإن كان المأخذ الأساسي للجمهوريين المتطرفين أن الوكالة تعمل على نشر الأجندة الليبرالية في العالم، وأن هذا ليس من أولويات واشنطن. كما ظل الصراع يدور لسنين طويلة بين الديمقراطيين والجمهوريين حول وضع الوكالة، حيث يريد الديمقراطيون أن يعطوها قدراً من الاستقلالية، بينما يرغب الجمهوريون في إخضاعها بشكل مباشر للإدارة الحكومية، بخاصة وزارة الخارجية.
تأثير تجميد عمل الوكالة، وربما تمهيداً لتصفيتها أو إغلاقها، امتد مباشرة لمنظمات الأمم المتحدة المختلفة، مثل بعثات حفظ السلام، وبرامج دعم اللاجئين والنازحين، وبرامج التحصين ومكافحة الأمراض، ودعم برامج الدمقرطة وحقوق الإنسان، هذا إلى جانب الوقف الفوري والانسحاب من مجلس حقوق الإنسان، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة دعم اللاجئين والنازحين الفلسطينيين «أونروا».
ومن المتوقع أيضاً الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، ووقف دعم برامج البيئة والمناخ ومكافحة الفقر. كما سيتأثر برنامج الغذاء العالمي، «اليونيسيف»، والمفوضية السامية للاجئين. التقارير الموثقة تقول إن أكثر الدول المتضررة هي دول أفريقيا جنوب الصحراء، التي كانت قد استقبلت في العام الماضي 6.3 مليار دولار لمكافحة الفقر، بما في ذلك عيادات توفير الأدوية المجانية لمرضى الإيدز.
وفي أميركا اللاتينية تعتبر دول المكسيك، كولومبيا، كوستاريكا، غواتيمالا أكبر المتضررين، بخاصة برامج توطين المهاجرين. بعض المؤيدين لقرار ترمب لم ينطلقوا من منطلقاته ذاتها، بل فعلوا ذلك لأنهم يظنون أن القرار يضعف الناشطين السياسيين والمدنيين، وبالتالي يحقق فرصة للتيارات الأخرى والنظم الديكتاتورية لتتحرك بشكل أكبر، بينما هلل البعض للقرار باعتباره سيوقف التدخل الأميركي «الإمبريالي» في الشؤون الداخلية للدول. لكن المؤكد أن أكثر المتضررين هم الفقراء واللاجئون والنازحون وضحايا المجاعات وفشل الحكومات الفاسدة في العالم الثالث.
كل الاحتمالات الآن واردة، منها تقليل ميزانية المعونة الأميركية وترشيد برامجها ووقفها عن بعض الدول، مع إخضاعها لسلطة وزارة الخارجية، وهذا أخف الأضرار، بينما هناك احتمال تصفيتها بالكامل وحصر برامج المساعدات الخارجية في يد وزارة الخارجية، وهنا ستحدث أضرار كبيرة لم يتم حسابها حتى الآن.
noradin@msn.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی العالم
إقرأ أيضاً:
الأونروا: انهيار الوكالة سيحرم جيلاً كاملاً من التعليم
حذّر المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة، لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، أمس الخميس، من أنّ انهيار الوكالة سيتسبّب بحرمان جيل كامل من الأطفال الفلسطينينين من التعليم، ما سيؤدّي لزرع بذور مزيد من التطرّف.
وقال لازاريني إنّ "هناك خطراً حقيقياً يتمثّل بانهيار الوكالة وانفجارها، إذا ما استمرّت ضائقتها المالية الشديدة". وأضاف أنّه "إذا انهارت الأونروا فإننا بالتأكيد سنضحّي بجيل من الأطفال الذين سيحرَمون من التعليم المناسب".
الأمم المتحدة تؤكد أن التقدم الذي تحقق خلال الأسابيع الأولى لوقف إطلاق النار يستمر بالتراجع، حيث يخيم شح الغذاء والماء والخدمات الصحية على قطاع #غزة بعد 11 يوما من وقف دخول المساعدات الإنسانية.https://t.co/gODVzAIKdg
— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) March 12, 2025ومنذ أكثر من 7 عقود، تُقدّم الأونروا إلى اللاجئين الفلسطينيين مساعدات أساسية وإنسانية وخدمية مثل التعليم والرعاية الصحية.
ووصف لازاريني الأونروا بأنّها "شريان حياة" لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني، يتوزّعون على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن وسوريا.
وكان لازاريني قال الإثنين الماضي، إنّه لا يمكن استبدال الأونروا إلا بمؤسسات فلسطينية، بعدما أعلنت إسرائيل أنها تشجع منظمات أخرى على "تولّي المسؤولية" في غزة. وأضاف خلال مؤتمر صحافي في جنيف "إن البديل ليس منظمة غير حكومية، وليس منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة"، مشدداً على أنّ "البديل الوحيد القابل للاستمرار هو المؤسسات الفلسطينية التابعة للدولة الفلسطينية".
Philippe #Lazzarini, the Commissioner-General of the United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees (#UNRWA), warned that the collapse of the agency would deprive an entire generation of #Palestinian children of education, "which would lead to planting the seeds of… pic.twitter.com/DbNR3ZYDxI
— Mideast.Discourse.News (@news_mideast) March 14, 2025وفي قطاع غزة الذي دمّرته الحرب التي استمرت 15 شهراً، توظف الأونروا 13 ألف شخص وتدير عمليات إنسانية لمنظمات أخرى.
وفي نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، علّقت إسرائيل عمل الأونروا على أراضيها بموجب قانون أقِرّ في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، يحظر نشاط الوكالة في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
وتتّهم السلطات الإسرائيلية موظفين في الأونروا بالتورط في هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ودفعت هذه الاتهامات كبار المانحين إلى تعليق تمويلهم الوكالة. وخلص تحقيق أجرته الأمم المتحدة في أغسطس (آب) 2024، إلى أن 9 من موظفي الأونروا "ربما كانوا متورطين" في الهجوم.
وقال لازاريني أمس الخميس: "نحن نقدّم في المقام الأول خدمات شبيهة بالخدمات الحكومية". وأضاف "من هنا فأنا لا أرى أيّ منظمة غير حكومية أو وكالة أممية، تتدخل فجأة لتقديم خدمات عامة".
وحذّر المسؤول الأممي من أنّ فقدان الخدمات التعليمية التي تقدمها الأونروا قد تكون عواقبه وخيمة. وقال "إذا حرمتَ 100 ألف فتاة وصبي في غزة، على سبيل المثال، من التعليم، وإذا لم يكن لديهم مستقبل، وإذا كانت مدرستهم مجرد يأس ويعيشون بين الأنقاض، فأنا أقول لك إنّنا نزرع بذلك بذور مزيد من التطرف". مضيفاً "أعتقد أنّ هذه وصفة لكارثة".