لأنّ المسألة تتجاوز مُجرّد القُدرة التنافسية الاقتصادية إلى قضية سيادة الدول، تسعى القارة الأوروبية التي لا تتحكم في أدواتها الرقمية إلى أن تُصبح عاجلاً أم آجلاً قوة تقنية كُبرى على غرار وادي السيليكون الأمريكي وبشكل أكثر واقعية يرى خبراء ومحللون فرنسيون أنّ بقاء أوروبا يعتمد على مواكبة ثورة الذكاء الاصطناعي.

وفي حدث يُمثّل بالنسبة لقصر الإليزيه جهود أكثر من عام من العمل، ترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قمة عالمية حول الذكاء الاصطناعي يومي 10 و11 فبراير (شباط) الجاري، ليتباهى مسؤولو المكتب الرئاسي، بأنّ فرنسا تُرحّب "بكلّ ما يملكه العالم من باحثين ومفكرين وعلماء وممولين وفاعلين ومستثمرين وقادة أعمال".

Alors que la Paris accueille le Sommet pour l'action sur l'IA, la fuite des talents français, notamment outre-Atlantique, reste une réalité. Témoignages à retrouver sur @Le_Figaro ????#ia #SommetActionIA https://t.co/7W0R6SpkI7

— Jean Kedroff (@JeanKedr) February 10, 2025 مسألة مُستقبل ووجود

 وحول هذه القمة الاستثنائية، يقول الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي لويس هاوسالتر "بالنسبة لقصر الإليزيه، يتمثّل الطموح في تعزيز مُحادثات عالمية حول قضية من شأنها أن تكون هيكلية ومحورية لمُستقبل البشرية، مؤكداً "نحن عند نقطة تحوّل، ولحظة حاسمة حيث يدخل الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية للفرنسيين".

وأشار هاوسالتر إلى تساؤل الرئيس الفرنسي الذي يُريد أن يجعل فرنسا رائدة أوروبا في مجال الذكاء الاصطناعي "هل نحن مُستعدّون للقتال من أجل أن نكون مُستقلّين بالكامل، أم نترك المُنافسة تقتصر على معركة بين الولايات المتحدة والصين؟" مؤكداً أنّ أوروبا "لديها أوراق للعب، بشرط ألا تفرض على نفسها الكثير من القواعد، التي تُولّد خطر خنق الابتكار".

ومع القلق المُتنامي الذي يشعر به الأوروبيون تجاه القوة الجامحة للقُدرات الأمريكية والصينية، يُحذّر سيدريك أوبراين، وزير الدولة الفرنسي السابق للشؤون الرقمية من أنّ "تنظيم هذه القمة هي علامة دولية على مصداقية فرنسا في هذا المجال، ولكن لا ينبغي لنا أن نكتفي بكوننا أصحاب الاستضافة"، مؤكداً أنّ "ما ينتظره مُجتمع الذكاء الاصطناعي هو معرفة خطة أوروبا. وكيف ترتقي إلى مستوى هذا التحدّي؟ إنها مسألة مستقبل ووجود".

Le sommet mondial pour l’action sur l’intelligence artificielle réunit experts et décideurs du monde entier les 10 et 11 février à Paris. ????????

Près de 1 500 participants sont attendus pour deux journées consacrées à cette technologie disruptive. ⬇️https://t.co/QSloGbc5tI

— Gouvernement (@gouvernementFR) February 10, 2025 نحو صحوة أوروبية

من جهتها، ترى الخبيرة في الشؤون السياسية إيزابيل لاسير، أنّ فرنسا لا يُمكنها أن تُفوّت هذه الثورة التقنية العالمية، فاليوم يجتمع كبار خبراء الذكاء الاصطناعي في باريس، وترغب أوروبا في اللحاق بركب السوق التي تُهيمن عليها الولايات المتحدة والصين.

وفي حين أصبح الذكاء الاصطناعي  قضية سيادة حقيقية للدول، فإنّ باريس ترغب في إحداث "صحوة أوروبية"، لوضع القارة على الخارطة العالمية للذكاء الاصطناعي، حيث ستكون الشركات التي تُهيمن على هذه التقنيات في فرنسا وأوروبا من بين الشركات الرائدة عالمياً في المستقبل، حسب الإليزيه.

وأمام العملاقين الأمريكي والصيني، فإنّ الاتحاد الأوروبي، غائب في الوقت الراهن، حسب خبراء عالميين، حيث استثمرت دوله القليل في الذكاء الاصطناعي، وهي مُقيّدة اليوم بالتكلفة العالية للطاقة، وأسعار الإنتاج الباهظة، وانخفاض شهيتها للمُخاطرة، وهوسها بالتنظيم الذي يُولّد التباطؤ والتراجع.

ويُحذّر أوبراين، من أنّه إذا لم نتفاعل، فإنّ الآخرين سوف يُسيطرون علينا، لذا يجب على فرنسا التي تتمتع بالموهبة والخبرة أن تُثبت مصداقيتها على الساحة العالمية، و"إذا أردنا اللحاق بالآخرين، يتعيّن علينا التحرك فوراً".

Le Figaro - à lire : «La France ne peut pas passer à côté de cette révolution»: le gratin mondial de l’intelligence artificielle a rendez-vous à Paris https://t.co/g04PLz5OEL

— hollebeke michel (@hollebekemichel) February 9, 2025 معركة أمريكية صينية

وفي حين كانت الولايات المتحدة تُهيمن على السوق حتى الآن، فإنّ أوروبا ترى في ظهور الصين دليلاً على أنّه من الممكن العودة إلى السباق إذا ما تمّ توفير الوسائل اللازمة. لكن هناك من يعتقد أنّ الاتحاد الأوروبي خسر المعركة بالفعل، وأن الأوروبيين لن تكون لديهم الوسائل لمواكبة الاستثمارات الضخمة التي قامت بها الشركات الأمريكية.

ومن جهته، المحلل السياسي الفرنسي في "لو موند" فيليب ريكارد، قال: إنّ "فرنسا تُنظّم اجتماعاً عالمياً حول الذكاء الاصطناعي في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إبعاد الصين عن هذه التكنولوجيا"، مُشيراً إلى أنّ هذه القمة تُشكّل تحدّياً كبيراً، حيث تسعى أمريكا بقيادة دونالد ترامب، وبالتحالف مع شركات التكنولوجيا العملاقة الأمريكية، إلى الهيمنة على قطاع الذكاء الاصطناعي في مواجهة الصين، وتحدّي الطموحات التنظيمية للاتحاد الأوروبي.

Le Sommet pour l’action sur l’IA de Paris, un défi dans un monde fragmenté https://t.co/svXKSKDWaa

— Vince A2P (@vinceA2P) February 9, 2025 بقاء أوروبا يعتمد على الذكاء الاصطناعي

أما افتتاحية "لو فيغارو" بقلم الكاتب الصحافي جاك أوليفييه مارتن، فقد حذّرت بدورها من أنّه لا يُمكن لأوروبا أن تتجاهل ثورة الذكاء الاصطناعي، وأنّ "بقاؤها يعتمد على ذلك"، مُشيرة إلى أنّ القارة العجوز تبدو اليوم عاجزة أمام الثورة التكنولوجية الجديدة.

لكنّ اليومية الفرنسية أكدت أنّ أوروبا، ورغم افتقارها إلى الأسس المادية للتحوّل التكنولوجي، لديها العديد من الباحثين المرموقين والمهندسين الموهوبين والعلماء من ذوي الذكاء العلمي من الطراز الأول، مُتساءلة "هل فات الأوان بالفعل؟ وهل خسرنا المعركة ضدّ اللاعب الصيني الجديد الذي يجعل عمالقة الغرب يرتعدون؟" لتُجيب بالقول إنّه من خلال عقد قمة عالمية حول الذكاء الاصطناعي في باريس، تعتزم فرنسا وأوروبا التأكيد على أنّهما لم تخرجا من اللعبة.

L’Europe veut-elle se cantonner au rôle de régulateur en rédigeant les codes de la route des technologies conçues ailleurs ?
L’éditorial de Jacques-Olivier Martin: «L’indispensable révolte numérique de l’Europe»https://t.co/XxqIgqa2WX
par @Le_Figaro

— Jacques-Olivier Martin (@jocjom) February 9, 2025

ودعا أوليفييه مارتن في مقالته أوروبا إن أرادت بناء إمبراطوريتها على غرار الولايات المتحدة والصين، إلى أن تفهم أخيراً أنّه من الضروري إنفاق المليارات وكسر الحواجز لتجهيز نفسها بالبُنى التحتية الجديرة بالذكاء الاصطناعي، وتشجيع التحالفات عبر الحدود، وإظهار عمالقة التكنولوجيا الخاصة بها من خلال مُساعدتهم بشكل كبير، في رأس المال وفي الوصول إلى البيانات.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ماكرون الذكاء الاصطناعي فرنسا أوروبا أمريكا الصين ماكرون الذكاء الاصطناعي فرنسا أوروبا أمريكا الصين الذکاء الاصطناعی فی الولایات المتحدة الذی ی التی ت إلى أن

إقرأ أيضاً:

مطالب بحماية حقوق المبدعين في قمة باريس العالمية حول الذكاء الاصطناعي

تشكل الضمانات التي يطالب بها مؤلفو الأعمال الفنية والثقافية لحماية حقوقهم أحد المواضيع المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وذلك عشية القمة العالمية حول الذكاء الاصطناعي التي تستضيفها باريس الاثنين والثلاثاء. إذ يثير تطور هذه التكنولوجيا قلق الممثلين والموسيقيين والكتاب وسواهم، خشية تراجع دورهم أو استخدام إبداعاتهم.

وقبل ذلك، في السبت والأحد، تُستبق القمة بـ"نهاية أسبوع ثقافية" في فرنسا، والتي كانت أول بلد يضع قانونا لحماية حقوق المؤلف، والذي كان وراءه الكاتب المسرحي الفرنسي "بومارشيه". ورغم أن الثقافة من غير المتوقع أن تكون على جدول أعمال المناقشات بين رؤساء الدول والحكومات، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد اهتمامه بهذا الموضوع.

وقال ماكرون في مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية مناطقية نشرت الجمعة: "أسمع هذا الخوف، وأريد أن أقول في هذا الصدد إن فرنسا ستظل صاحبة صوت واضح، يحمي خصوصية العبقرية والموهبة والاعتراف بالحقوق وحماية الملكية الفكرية".

دعوات لإجراءات ملموسة

وفي هذا السياق، دعت 38 منظمة دولية تمثل جميع القطاعات الإبداعية والثقافية، في بيان أصدرته الجمعة، إلى التحرك لاتخاذ إجراءات ملموسة، داعية للقيام بـ"أفعال لا مجرد أقوال".

إعلان

وشدد البيان الذي ضم اتحادات من مختلف القطاعات على أن "لا وجود لذكاء اصطناعي يحترم الأخلاقيات من دون التراخيص التي يمنحها أصحاب الحقوق".

وفي مقال نشرته صحيفة "لو باريزيان" على موقعها الإلكتروني، حذر 34 ألف فنان فرنسي من مختلف القطاعات، كالموسيقى والسينما والمسرح والأدب والفنون البصرية وغيرها، من النهب المنهجي لأعمالهم، داعين إلى إيجاد "حلول عادلة ودائمة"، وكان من بينهم المغني الفرنسي "جان جاك غولدمان".

إضرابات قلقة

وقد شهدت الولايات المتحدة منذ عام 2023 إضرابين بارزين، طالبا بضمانات في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك في مدينة صناعة السينما "هوليود" ثم في قطاع ألعاب الفيديو، بدعوة من نقابة الممثلين الأميركيين "ساغ- أفترا" (SAG-AFTRA).

وتعد حقوق ممثلي الدبلجة من أكثر القضايا إثارة للجدل، إذ يشعر هؤلاء بأن حقوقهم المتعلقة بالملكية الفكرية تُنتهَك كل يوم، وأصواتهم تُنسخ أو تُقلد من دون موافقتهم أو من دون مقابل مالي، نتيجة لهذا التقدم التكنولوجي. ولحماية حقوقهم، أطلق هؤلاء المدبلجون في فرنسا حملة بعنوان "لا تلمس النسخة الفرنسية الخاصة بي" (#TouchePasMaVF)، وقد أبدوا انزعاجهم بأن مطالبهم طالما قوبلت بالتجاهل.

في هذا الصدد، علّقت الممثلة الفرنسية "بريجيت لوكوردييه" لوسائل الإعلام في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي معبرة عن ضيقها قائلة إن: "الوزارة لم تستقبلنا حتى الآن. ونحن 5 آلاف ممثل نحاول، بطريقة أو بأخرى… ولا شيء ينجح. يبدو أن الأمر لا يهمهم".

الذكاء الاصطناعي.. بين دفتين

أما الكتّاب، ورغم أنهم أقل اتحادا، فإنهم يدركون أيضا أن أعمالهم تستغل من دون مقابل مالي، وبطرق يصعب اكتشافها. ولكن على عكس ممثلي الدبلجة، فإن بعضهم يستفيدون من أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "تشات جي بي تي" (ChatGPT) و"جيميناي" (Gemini) و"ديب سيك" (DeepSeek) و"لو تشات" (Le Chat).

إعلان

وعن هذا، صرح أحدهم مشترطا عدم ذكر اسمه "أن هذه الأدوات تساعدني على إنجاز عملي التوثيقي بصورة أسرع".

ورغم ذلك فإنهم يُجمعون تقريبا على رفضهم استخدام كتبهم لتوفير إجابات لمؤلفين آخرين، ويدعمون إيجاد حل يتمثل في إعطائهم الحق في الاعتراض على هذا الاستخدام، فيما يُعرف بـ"الانسحاب الاختياري" (Opt-Out).

وفي الخميس الماضي، طلبت جمعية الأدباء في فرنسا والتي تمثل المؤلفين من "الجهات المعنية بالذكاء الاصطناعي"، احترام "قائمة الأعمال التي لا يحق لهم استخدامها"، والتي تخص أعضاءها، والتشاور معها عند الحاجة.

وفي سياق متصل، أثارت جمعية "إس إيه سي دي" (SACD)، المعنية بالمسرح والسينما، ضجة كبيرة بعد توقيعها اتفاقا مع شركة "جيناريو" الفرنسية الناشئة، لتوفير المساعدة في كتابة السيناريوهات باستخدام الذكاء الاصطناعي. ورغم أن الاتفاق نص على منح المؤلفين بدلات مالية مقابل استخدام أعمالهم، فإن بعض كتّاب السيناريو وصفوا هذا الأمر بـ"النهب".

الموسيقى والذكاء الاصطناعي

وفي مجال الموسيقى، تتوفر إغراءات قوية أمام تلك الصناعة بسبب الإمكانات الكبيرة التي يوفرها لها الذكاء الاصطناعي، إذ يمكنه إعادة إنتاج أصوات الفنانين وإنشاء ألبومات مزيفة، مثل الألبوم المزيف لفرقة "أويسيس"، وأغنية فرقة البيتلز التي أعيد صوغها باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بعد أكثر من 40 عاما من وفاة "جون لينون". فقد حصلت، الأحد الماضي، الأغنية التي تحمل عنوان "ناو أند ذن" (Now and Then) على "جائزة غرامي" (Grammy Awards).

وكمثال آخر على ذلك، تستغل الملحنة الفرنسية دولورينتيس إمكانات التكنولوجيا الحديثة في أعمالها، وستقدم عرضا في ختام "نهاية الأسبوع الثقافية".

وصرحت دولورينتيس لوكالة الصحافة الفرنسية أنه "عندما تكون ملحنة مثلي وحدها في الأستوديو، وترغب في الحصول على أصوات ذكورية، من الرائع أن يكون لديها أداة تفعل ذلك من أجلها". ولكن في ما يتعلق بمسألة الأخلاقيات، أعربت الملحنة عن أسفها لغياب الفنانين عن النقاشات حول تلك الأخلاقيات المرتبطة بهذه التكنولوجيا.

إعلان

مقالات مشابهة

  • طهي الكبسة باستخدام الذكاء الاصطناعي.. فيديو
  • ماكرون يدعو لاستراتيجية قوية للذكاء الاصطناعي باستثمارات تصل لـ 109 مليارات يورو.. تفاصيل
  • «ماكرون» يثير الضحك خلال قمة «الذكاء الاصطناعي» في باريس
  • فرنسا تعتزم استثمار 109 مليارات يورو في الذكاء الاصطناعي
  • نقابات عمالية تدعو ماكرون لعقد قمة عاجلة لمواجهة تهديدات الذكاء الاصطناعي على العمال
  • ماكرون يعلن استثمارات قياسية في الذكاء الاصطناعي بفرنسا
  • ماكرون: فرنسا ستستثمر 109 مليارات يورو في مجال الذكاء الاصطناعي
  • فرنسا تعلن استثمارا ضخما في الذكاء الاصطناعي
  • مطالب بحماية حقوق المبدعين في قمة باريس العالمية حول الذكاء الاصطناعي