وعــد ترامــب .. الفشـل حتمــاً!
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
الفشل المحتم يخيم على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لـ«تطهير» غزة من مواطنيها الفلسطينيين.
يستحيل تماماً إجبار أكثر من خمسة ملايين فلسطيني على النزوح من غزة إلى سيناء ومن الضفة الغربية إلى الأردن.
إلغاء القضية الفلسطينية، وهم كامل.
بدا الكلام كله معلقاً في فراغ التفاصيل.
بقدر ما أثارته خطة ترامب من اعتراضات جوهرية واسعة شملت المنظمات الدولية وحلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا وداخل العالم العربي نفسه خيمت سيناريوهات الفشل المبكر عليها.
بوصف الـ«نيويورك تايمز» فإنها: أكثر خطط الرؤساء الأميركيين وقاحة.
هكذا بالحرف.
رغم محاولات معاونيه التخفيف من حمولاتها السلبية على صورة الولايات المتحدة، يعيد ترامب طرحها مرة بعد أخرى دون أدنى اكتراث بردات الفعل السلبية عليها. وجد في نفسه جرأة الادعاء: «الجميع يحبون مقترح غزة».
الأغرب أنه يحاول إضفاء صفة البحث عن السلام على أكثر التصورات والأفكار اختراقاً لأية قيمة إنسانية وقانونية بذريعة أنه يقترح حلاً لحياة آمنة ومستقرة لأهالي غزة خارجها، فيما لا يقدم أحد أي مقترح آخر!
على مدى عقود خامرت أغلب الرؤساء الأميركيين فكرة الحصول على جائزة نوبل للسلام من بوابة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بتسوية ما.
هذه المرة تخامر الرئيس الأميركي العائد تواً إلى البيت الأبيض الفكرة نفسها، لكن بإلغاء أي حق فلسطيني وإنكار قضيتهم.
هناك من يشبه خطة «ترامب» بـ«وعد بلفور»، وزير الخارجية البريطاني الذي صدر عام 1917، وهو الوعد الذي أسس لـ«إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين».
على عكس بلفور لم يلجأ ترامب إلى أية عبارات مراوغة أو مساحيق تجميل.
حسب نص وعد بلفور: «لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر»، وهو ما لم يجر الالتزام به. ذهب ترامب إلى هدفه الحقيقي مباشرة لإلغاء القضية الفلسطينية بتفريغها من سكانها.
الجوهر واحد في الوعدين، لكن مستوى الكفاءة يختلف تماماً.
الأول ينتمي إلى المدرسة الدبلوماسية البريطانية بكل خبراتها المتراكمة في إدارة المستعمرات بالقوة أحياناً وبالمراوغة أحياناً أخرى.
والثاني، يجهل حقائق وتعقيدات أزمات الشرق الأوسط محاولاً العودة إلى الإرث الاستعماري القديم، الذي انقضى تاريخياً وموضوعياً ببطولات وتضحيات حركات التحرر الوطني، التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وتصدرتها مصر بقيادة جمال عبدالناصر خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
بتعبير الزعيم الهندي جواهر لال نهرو أثناء شن العدوان الثلاثي على مصر إثر تأميم قناة السويس العام 1956: «إنه إلغاء للتاريخ».
باستلهام نفس المعنى فإن وعد ترامب هو إلغاء للتاريخ.. وإلغاء ثانٍ للقانون الدولي، وإلغاء ثالث للعدالة الدولية، حيث أعلن الحرب بالمعنى الحرفي على محكمتي الجنائية الدولية والعدل الدولية لمنع ملاحقة نتنياهو أمام الأولى بتهم ارتكاب جرائم حرب ووقف إجراءات محاكمة إسرائيل أمام الثانية بتهمة الإبادة الجماعية.
هذا كله لا يمكن أن يمر ولا العالم يحتمل هذا القدر من التهور والحماقة.
لا يوجد أحد في العالم باستثناء إسرائيل مستعد أن يؤيد خطته.
مأزق ترامب أنه يناقض تصريحاته التي ألزم بها نفسه أثناء حملته الانتخابية بإنهاء الحروب في العالم!
كانت تلك التصريحات الانتخابية أقرب إلى النكاية بسلفة بايدن، الذي استغرق بنزعة عسكرية مفرطة في حربي أوكرانيا وغزة.
بعد وعد تطهير غزة بالتهجير قسرياً أو طوعياً فإنه يستحق الحصول مناصفة مع بايدن على «جائزة نوبل في القتل».
التعبير للأديب الكولومبي غارسيا ماركيز.
في كانون الثاني 2002 أصدر بياناً باسمه وحده، «لا يوقع عليه سواي»، لم يأخذ حقه من الذيوع والانتشار في العالم العربي رغم قوة منطقه واسم صاحبه.
دعا فيه ساخراً ومتألماً لمنح ما اسماها «جائزة نوبل في القتل» لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرئيل شارون.
«إنه لمن عجائب الدنيا حقاً أن ينال شخص، كمناحيم بيغن جائزة نوبل للسلام، تكريماً لسياسته الإجرامية التي تطورت في الواقع كثيراً خلال السنوات الماضية على يد مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة. إلا أن الموضوعية تفرض أن نعترف بأن الذي تفوق على الجميع هو الطالب المجد آرئيل شارون».
باستلهام ماركيز فإن نتنياهو يستحق الحصول على ذات الجائزة، فهو تفوق على شارون وبيغن معاً في ارتكاب جرائم الحرب بدعم كامل من الإدارة الأميركية، التي يحاول ترامب الآن استكمالها بإلغاء الوجود الفلسطيني كله.
«أعجز تماماً عن فهم هذه الخطة».
كان ذلك تصريحاً لافتاً للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.
في النهاية الحقائق سوف تقول كلمتها الأخيرة.
المثير في القصة كلها أن ترامب لم يستشر فريقه المعاون، وكله تقريباً يؤيد إسرائيل، ولا أطلع وزير خارجيته عليها!
لا يوجد أي تصور يجيب عن أكثر الأسئلة جوهرية: إذا لم يكن مستعداً لإرسال قوات ضخمة إلى غزة، خشية التورط في مستنقعها، فمن سوف يملأ فراغ «حماس»، الذي يصر نتنياهو دون جدوى على الإجهاز النهائي عليها؟
لا أحد في العالم مستعد أن يلعب هذا الدور بالنيابة.
بقوة الحقائق الماثلة الخطة فاشلة لا محالة، لكن وجه خطورتها إنها تفسح المجال أمام حكومة نتنياهو للتملص من اتفاق وقف إطلاق النار وعدم استكماله بكل مراحله والعودة إلى الحرب.
الأيام الفلسطينية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب غزة نتنياهو غزة نتنياهو الاحتلال التهجير ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جائزة نوبل فی العالم
إقرأ أيضاً:
سياسي أميركي: هذا ليس هو ترامب الذي انتخبته أميركا
يرى بن رودس نائب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما أن قرارات الرئيس دونالد ترامب السياسية تسرع "انحدار مكانة الولايات المتحدة عالميا"، وتدفع حلفاءها نحو الصين، وتفكك الأسس الدولية التي تحمي العالم من الفوضى.
وأكد الكاتب في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز أن السياسة الخارجية نافذة للتعرف على عقلية الدولة، وأن أميركا التي أسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بقيادة الرئيس جون كينيدي في 1962 كانت ذات رؤية موسعة تهدف للدفاع عن الحرية وكرامة الإنسان والمؤسسات الدولية، أما أميركا ترامب فهي "تنهش في جسد" كل هذه الأسس، وأكبر مثال على ذلك مقترح الرئيس "تطهير غزة عرقيا".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مستقبل الحرب يبدأ هنا.. تايمز: روبوتات أوكرانية تقاتل رجالا روساlist 2 of 2دبلوماسي بريطاني مستقيل يكشف عن "صفقات الموت" والتواطؤ في جرائم الحرب بغزةend of list سوء تدبيروقال الكاتب إن البلاد، تحت حكم ترامب، متجهة من ضعف إلى ضعف، وإن قراره بحل الوكالة يظهر سوء تدبيره وعدم إلمامه بضروريات السياسة الدولية، وبينما جعل كينيدي ومن بعده المساعدات المالية أداة لتوسعة النفوذ الأميركي ومنع انتشار الإرهاب والحد من نفوذ الخصوم مثل الصين، فإن قرار ترامب سيرمي بحلفاء الولايات المتحدة والدول المستفيدة من المساعدات إلى أحضان الصين، وفق المقال.
وضم الكاتب رد كينيدي "ذي الرؤية الفذة والمتطلعة" على كل من عارض إنشاء الوكالة، وقوله إن "كل من يعارض المساعدات لا يعي أنها مصدر قوة كبيرة لنا، فهي تغنينا عن إرسال القوات الأميركية إلى العديد من المناطق التي قد تتعرض فيها الحرية للهجوم، ويحل العاملون فيها محل الجنود المقاتلين، بل هم بالأهمية نفسها".
إعلانوانتقد الكاتب، في مقاله الذي اختار له عنوان: "ليس هذا هو ترامب الذي انتخبته أميركا" تهجم ترامب "الصادم" على غزة، قائلا إنه يتجاهل حق مليوني فلسطيني في أرضهم، وقد يزعزع استقرار الدول العربية المجاورة عبر إجبارهم على المشاركة في التطهير العرقي لغزة.
تراجع أميركاوحذر الكاتب من أن ترامب مع تقدم عمره أصبح يشبه الصورة النمطية لرجل قوي يريد التوسع وتعزيز سلطته وترسيخ إرثه قبل انقضاء حكمه، وأنه بهذا يتجه بالعالم نحو الفوضى والصراعات عكس وعوده بإنهاء الحروب.
وأكد الكاتب أن ترامب وعد بجعل البلاد عظيمة مجددا وباستعادة مكانتها العالمية، إلا أن "سياسته العدوانية" من احتلال غزة والسيطرة على غرينلاند وقناة بنما وحلّ وكالة التنمية، واستهدافه لمن لا حول له ولا قوة، لم يكن قط جزءا من حملته الانتخابية، وهو بالحقيقة يظهر ضعف البلاد.
وقال في إشارة منه إلى دور إيلون ماسك في تفكيك الوكالة، إن أي دولة يستطيع "أثرى رجل في العالم" إضعاف مكانتها الدولية وتفكيكها من الداخل بهذه السهولة، هي دولة "هشة" فقدت تماسكها السابق وأسسها القانونية وضوابطها على قوة ذوي السلطة.
خطر حقيقيوتساءل الكاتب عن نظرة العالم للولايات المتحدة تحت حكم رئيس يتجاهل "سيادة الدول" في وقت يحاول فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم أجزاء من أوكرانيا، ويعمل الرئيس الصيني شي جين بينغ على سيطرته على تايوان، ويريد بعض الساسة الإسرائيليين ضم قطاع غزة والضفة الغربية، وكل ذلك تحت ستار الأمن القومي، فإذا "كانت الولايات المتحدة تريد استثناء نفسها من القواعد، فلماذا تتبعها الدول الأخرى؟".
ويرى الكاتب أن أميركا اليوم قوة عظمى متدهورة تتطلع إلى استعادة مكانتها المفقودة، مبرزا أن التحالف بين ترامب وماسك -القائم على مزيج من التظلم والقومية والليبرالية المتطرفة- قد يؤدي إلى مستقبل يتمتع فيه الرؤساء بسلطة شاملة بعيدا عن الضوابط المؤسسية.
إعلانواختتم الكاتب بالتذكير بأن تاريخ النصف الأول من القرن العشرين يُظهر العواقب الكارثية للقومية المتطرفة، عندما لا تكون مقيدة بالقوانين والمؤسسات والقيم، وإن حكم "القوميين المستبدين" في الدول الكبرى يؤدي بالضرورة إلى صراعات ومعاناة إنسانية، ويتعين على المتوجسين مما يخبئه المستقبل أن يدركوا أنه لن يكون هناك عودة إلى الماضي ولا أمل في استعادة النظام الذي تمخض عن الحرب العالمية الثانية.