عربي21:
2025-04-16@02:56:09 GMT

السوريون بين متلازمتين

تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT

تخرج الشعوب من الحروب والثورات، جديدة على وطنها، وجديدة على بعضها، وربما جديدة على من حولها من شعوب ودول. لأول مرة يكتشف السوريون بلدهم، فمن هُجّر قبل عقود، لم يعد يُصدق أنه بات لديه وطن، وبات لديه حقوق المواطن، وهو الذي حُرمها لعقود، ونفس الأمر ينطبق على حاضنة النظام البائد، لكن بطريقة مختلفة، لم يعتادوها من قبل، فهي لم تستطع أن تستوعب حتى الآن ربما أن نظامها قد رحل.



وبالتالي فكل امتيازاتها ومصالحها التي شبّكتها مع من رحل، قد اختفت برمشة عين يوم الثامن من ديسمبر الماضي، حين استفاق السوريون والعالم كله على أول تغيير في سوريا منذ وصول البعث إلى السلطة، وبشكل أدق منذ ما أُطلق عليه بالحركة التصحيحية في تشرين ثاني من عام 1970 التي قادها الرئيس السابق حافظ أسد.

كل شيء جديد على السوريين الثائرين، وعلى المكوّعين الذين لم يستوعبوا حجم الصدمة التي أصابتهم، ولا حجم الزلزال الذي تعرضوا له، ولعل أقرب ما يختصر المشهدين في هذا كله، متلازمة البتر الطبية، والتي يمكن أن نسقطها سياسياً، والتي يتعرض لها المريض حين يبتر له الطبيب أحد أطرافه، حينها سيبقى الدماغ ولفترة ليست قصيرة، يرسل إشاراته للعضو على أنه موجود، ولا يزال فاعلاً.

ولكنه في الحقيقة قد اختفى، وهو تماماً ما حصل مع حاضنة النظام البائد التي استفاقت فجأة على فقدان عضوها، وهو النظام البائد، لكن دماغها لا يزال يرسل إشاراته على أن النظام الذي تعوّدت عليه لعقود ما يزال موجوداً حاكماً، بل ويصعب عليها تقبل رحيله، ولذا فهي بحاجة إلى وقت حتى يقتنع دماغها أن نظامها رحل إلى غير رجعة، مما يعني تقبل العهد الجديد، الذي لم تألفه، بل وكانت تعاديه وتقاتله، وتسعى إلى تحطيمه وهزيمته بكل ما أوتيت من قوة، وبكل ما جلبته من قوى الاحتلال والمليشيات الطائفية، فضلاً عن استخدامات لأسلحة غير تقليدية.

بالمقابل هناك صورة المؤيدين للثورة والذين ظلوا يعارضون ويناكفون النظام البائد لعقود، يعودون اليوم إلى دمشق أو المدن السورية المحررة حديثاً، ودماغهم لعقود قد توقف عن إرسال أي إشارة على أن هذه المدن من جسدهم، بعد أن ترسخ لديها وفلعقود أن هذه المدن هي من مزارع آل أسد، وبالتالي فعودة الطرف اليوم كما يُسمى طبياً، يحتاج إلى وقت ليس قليل، لإقناع الدماغ الثوري الذي هجر عن بلده لسنوات وعقود بأن دمشق وحلب والمدن الأخرى قد عادت إلى جسد العهد الجديد.

الواقع في سوريا اليوم بحاجة إلى جهود جماعية ومشتركة جبارة من أجل تقديم الصورة الحقيقية لسوريا التي يحلم بها السوريون، وحلم بها من قبل الشهداء الذين رحلوا دون أن يدركوا هذه اللحظة التي كلفتنا كل ما حدث. سوريا التي تتسامى على الجراح كلها، سوريا التي تتسع لكل أبنائها الأوفياء.

ولكن مع هذا لا بد من عدالة انتقالية ومصالحة وطنية، تسعى إلى معالجة كل الجروح الاجتماعية الغائرة التي حفرها النظام السابق وعلى مدى 61 عاماً. تركة ثقيلة وثقيلة جداً، إن كان على مستوى حقوق الدم والمال والأعمال والعقارات، وحقوق قد لا تخطر على قلب بشر خارج سوريا، فاليوم نحن أمام مجازر اجتماعية تتفجر بشكل يومي أمامنا جميعاً، فهنا عقار قد سطا عليه البعث لأهله قبل نصف قرن، ويأتي الأحفاد مطالبين به، وهناك عقارات بيعت لأكثر من شخص، بينما ملكيته الحقيقية لثوري غادر وطنه قبل سنوات وربما قبل عقود، وهناك من قتل على يد مجرم في الثمانينيات، وعلى يد مجرم آخر في التسعينيات وما بعدها، فأعان الله كل من يبتليه الله بالحكم اليوم.

كل هذا تركة ومهمة ثقيلة للعهد الجديد، وباعتقادي أن هذه المهمة لا يمكن أن تقوم بها الدولة، فهي أكبر منها، وبالتالي لا بد من تشكيل هيئة عليا للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، هذه الهيئة يكون لها صندوق مالي للتعويض عن كل من أصابهم الظلم والحيف طوال سنوات الثورة، وقد يمتد هذا التعويض لكل من أصابهم الظلم منذ وصول آل الأسد والبعث إلى السلطة، فمعالجة الجروح الاجتماعية الغائرة في الجسد السوري، التي خلفها النظام البائد مهمة ثقيلة وعميقة وخطيرة من أجل بناء سوريا الجديدة.

هذه الهيئة العليا لا بد أن تشارك فيها الدولة، والقوى المجتمعية الحية من نخب ومحامين وإعلاميين ووجهاء، بحيث تقوم كل منطقة، وربما كل حي بتشكيل لجنة فرعية من هذه النخب، ليقوموا بدورهم في المصالحة الوطنية والتعويض، إلى جانب دور الدولة والقضاء في محاكمة كبار المجرمين، وربما ما جرى في رواندا وجنوب أفريقيا استرشاداً لنا في معالجة هذه الجروح المتقيحة التي تركها النظام البائد.

سوريا الجديدة بحاجة إلى جهود جبارة، وبحاجة إلى نخب تتسامى على الجراح، وتتكاتف، وتعالج الجروح الغائرة، وترضي الجميع، أما سوريا الثأر والانتقام بهدف الدم ونحوه، وسوريا المتسترة على المجرمين والقتلة والشبيحة، فلا مكان لها اليوم، كل سيأخذ حقه من الدم أو المال وربما من التعويض، وحتى من الاعتذار والندم عما ارتكب، كل بحسب جريمة ارتكبها...

الشرق القطرية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا سوريا العدالة الانتقالية الشرع سقوط الاسد سياسة مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام البائد

إقرأ أيضاً:

سوريا ولبنان.. من الجوار الصعب إلى التعاون

منذ استقلالهما عام 1943، شابت العلاقة بين سوريا ولبنان توترات دائمة لأسباب سياسية وأيديولوجية، حيث رأت النخب السورية أن لبنان امتداد طبيعي لسوريا، في حين تبنّى لبنان نظاما سياسيا واقتصاديا مختلفا.

وسلطت ورقة تحليلية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "سوريا ولبنان.. من الجوار الصعب إلى التعاون" للباحث زياد ماجد الضوء على تاريخ العلاقة بين سوريا ولبنان، ومستقبل هذه العلاقة والتحديات التي تواجهها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 23 انسحابات من المنظمة الفرنكفونية.. خطوة جديدة للقطيعة مع فرنساlist 2 of 2إسرائيل تُطوّق الفلسطينيين في الضفة الغربية بـ"السور الحديدي"end of list

شهدت العلاقة محطات تاريخية فارقة انعكست على كل منهما، بدءًا من الانفصال الجمركي عام 1950، مرورا بمسلسل الانقلابات في سوريا، وصولا إلى قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا وانقسام اللبنانيين تجاهها وتجاه حلف بغداد.

وبوصول حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا عام 1970، استُخدم لبنان كأداة لتعزيز نفوذ النظام السوري خارجيا، خاصة بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. كما لعب وجود منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت دورا في تدخل الأسد، الذي تفاقم مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، والتي استغلها الأسد للتدخل عسكريا تحت غطاء عربي وأميركي. لاحقا، ساعد التحالف مع إيران في إنشاء "حزب الله" بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.

إعلان

بانضمام سوريا إلى التحالف ضد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 1990، مُنحت دمشق هيمنة سياسية وأمنية في لبنان، استمرت حتى 2005. أما عام 2004، فقد كان حافلا بالصراع السياسي بين معسكر مؤيد لسوريا وآخر معارض، ما أدى لاحقا إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، وتفجّرت احتجاجات شعبية دفعت سوريا لسحب قواتها من لبنان.

في السنوات التالية، تغيرت التحالفات، وتحالف "التيار الوطني الحر" مع "حزب الله"، بينما تحالف معارضوه مع السعودية والغرب. وحصلت اشتباكات داخلية في 2008، تبعتها "اتفاق الدوحة"، الذي هدف إلى تهدئة الوضع السياسي.

سقوط النظام السوري

على الجانب السوري، بدأت عام 2011 انتفاضة شعبية تحوّلت إلى ثورة، ثم حرب شاملة ضد نظام بشار الأسد. تدخّلت إيران وحزب الله لدعم الأسد، ثم روسيا في 2015، مما ساعد النظام على استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد. ولكن منذ 2019، ومع تصاعد العقوبات والفساد والانهيار الاقتصادي، بدأت مؤشرات ضعف النظام تظهر، خصوصا مع تراجع الدور الروسي بعد حرب أوكرانيا وتراجع الحضور الإيراني.

في أواخر عام 2024، ومع هجمات فصائل المعارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، انهارت دفاعات النظام وسقطت المدن تباعا وصولا إلى دمشق، وأُعلن في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 عن فرار بشار الأسد وسقوط النظام، ودخلت سوريا مرحلة انتقالية بقيادة زعيم الهيئة أحمد الشرع الذي صار رئيسا انتقاليا لسوريا، لكن بقي ربع الأراضي السورية تقريبا تحت سيطرة القوى الكردية في الشمال الشرقي والشرق، مع استمرار وجود القوات الأميركية هناك أيضا.

وقد رافق هذه التطورات مستجد خطير وهو القصف الإسرائيلي الجوي العنيف، كما وسعّت إسرائيل بعد ذلك احتلالها لجبل الشيخ وللمناطق السورية المتاخمة للحدود اللبنانية.

إعادة تشكيل السلطة في لبنان

بموازاة التطورات في سوريا، انطلق في لبنان مسار جديد، وذلك بعد الاتفاق على وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحزب الله، وكان هذا الأخير قد أضعفته الحرب وقتلت أمينه العام، حسن نصر الله، والعديد من قياداته السياسية والعسكرية والأمنية.

إعلان

وباتت الحاجة ملحة إلى ضبط الأوضاع في ظل الأزمة الاقتصادية والمصرفية المستمرة منذ عام 2020، والشلل السياسي منذ آخر عام 2022، وبعد هذه الحرب التي دمرت خلالها إسرائيل عشرات البلدات في الجنوب مع بناها التحتية، وأصابت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي البقاع بأضرار جسيمة، وهجّرت مئات ألوف اللبنانيين.

أفضى التعامل مع مجمل هذه الظروف القاسية، والضغط الأميركي والسعودي، والمواكبة الفرنسية والقطرية والقبول الإيراني، ليدفع بالقوى السياسية اللبنانية الرئيسية أخيرا، نحو انتخاب قائد الجيش، جوزيف عون، رئيسا للجمهورية، ثم تكليف القاضي في محكمة العدل الدولية وسفير لبنان السابق في الأمم المتحدة، نواف سلام، بتشكيل حكومة إنقاذ وإصلاح.

من جانبها، واصلت إسرائيل خروقاتها واحتلت 5 نقاط جديدة داخل لبنان، رافضة الانسحاب، في ظل موقف أميركي قد يشترط تطبيع سوريا ولبنان مع إسرائيل وانضمامهما إلى اتفاقات أبراهام مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي الجديدة التي اجتاحتها.

التحديات في سوريا ولبنان

في سوريا:

ضبط الأمن ومنع الانتقام. توحيد الجيش ودمج الفصائل ضمن مؤسسة أمنية جديدة. تحقيق العدالة الانتقالية والكشف عن مصير المعتقلين. حل المسألة الكردية والاتفاق على انسحاب القوات الأجنبية. إعادة الإعمار ورفع العقوبات. العودة الطوعية للاجئين. وضع خطة إنقاذ اقتصادية. ضبط الحدود مع العراق وتركيا والأردن وترسيمها بشكل واضح مع لبنان. صياغة دستور وإجراء انتخابات. التصدي للعدوان الإسرائيلي واستعادة الأراضي المحتلة.

في لبنان:

إنقاذ مالي وهيكلة القطاع المصرفي. جذب الاستثمارات العربية والدولية وإيجاد حلول لأزمات الكهرباء والاتصالات والمياه. إعادة إعمار الجنوب والضاحية. ترسيم الحدود مع سوريا وإسرائيل، ورفض التطبيع مع الأخيرة. إطلاق حوار وطني حول الإستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله وسيادة الدولة على قرارات الحرب والسلم. تنظيم عودة اللاجئين السوريين. تحسين أوضاع المخيمات الفلسطينية. إصلاحات دستورية وقضائية وإدارية. إعلان مجالات التعاون بين سوريا ولبنان:

وبخصوص مستقبل العلاقة بين سوريا ولبنان، فإن البلدين يحتاجان تنسيقا وثيقا في 5 مجالات مطروحة على الأقل:

عودة اللاجئين بتنسيق بين البلدين. إعادة الإعمار والتعاون في المساعدات التي يمكن استقدامها والتي سيستفيد منها البلدان. ترسيم الحدود البرية بما فيها منطقة مزارع شبعا المحتلة من قبل إسرائيل، وضبط أمنها ووقف التهريب وإقفال المعابر غير الشرعية. ترسيم الحدود البحرية والتعاون في عمليات التنقيب عن النفط والغاز المحتمل وجوده قبالة ساحل البلدين. التنسيق الدبلوماسي فيما يخص مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. أفق التعاون

رغم الاختلاف في فلسفة الحكم ومشروعيته بين لبنان وسوريا، فإن التعاون بين البلدين ممكن، بل ضروري، خاصة اقتصاديا وأمنيا.

ويمكن للتقارب المنظم أن يعزز فرص الاستقرار ويُخرج البلدين من أزماتهما المتراكمة، خصوصا مع الدعم العربي والدولي.

[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة عبر هذا الرابط]

مقالات مشابهة

  • مراسل سانا: وصول وفد طبي سعودي من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال ‏الإنسانية مؤلف من أطباء اختصاصيين بالجراحة والقثطرة القلبية إلى مطار دمشق الدولي لدعم القطاع الطبي في سوريا
  • ضمن حملة إزالة مخلفات النظام البائد: إزالة نصب ساحة الساعة القديمة في حمص
  • عجلة الإعمار والتعافي تنطلق في بصرى الشام بريف درعا مع استتباب الأمن والأمان
  • الفارس عدنان القصار… خبرة ومهارة في رياضة قفز الحواجز غيبتها سجون النظام البائد
  • سوريا ولبنان.. من الجوار الصعب إلى التعاون
  • عاجل| سانا عن مصدر أمني سوري في طرطوس: نصب كمين بمنطقة دريكيش بعد معلومات عن تجمع لفلول النظام البائد في قرية بقعو
  • “حفار القبور” يكشف هويته (محمد عفيف نايفة)
  • إزالة الحواجز الإسمنتية التي وضعها النظام البائد أمام مبنى أمن الدولة في حي المحافظة بمدينة حلب وفتح الطرقات المحيطة لتسهيل حركة مرور الآليات
  • خدمات اجتماعية وصحية في حمص للمحررين من سجون النظام البائد
  • آثار الدمار في المشفى الوطني بمدينة الحولة بريف حمص جراء قصف النظام البائد‎