صحيفة تركية: فطاني التايلندية ساحة الحرب التي لا يراها أحد
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
سلط كاتب في مقال بصحيفة ستار التركية الأضواء على التمييز العنصري، والاضطهاد، والفقر والمحاكمات الجائرة والتذويب الثقافي الذي يعاني منه مسلمو جنوب تايلند.
ويقول الكاتب إسماعيل شاهين في المقال إن المحاولات القسرية لانتزاع الهوية القومية لأقلية عرقية ودينية عادة ما يكون لها صدى في المحافل الدولية وتحركات دبلوماسية للحد منها، غير أن الوضع في إقليم فطاني المسلم جنوب تايلند بالكاد يشق طريقه إلى مسامع المجتمع الدولي والرأي العام.
ويرى شاهين أن ما يحصل في إقليم فطاني ليس مسألة أمنية فقط، بل هو قضية هوية وتمثيل سياسي والمطالبة بحكم ذاتي، غير أن أحداث الشرق الأوسط في هذا الوقت تحول دون تسليط الأضواء الكافية على هذا الإقليم بالإعلام العالمي.
ويوضح الكاتب أن ولايات فطاني ويالا وناراتيوات بجنوب تايلند تعاني من صراع مستمر منذ سنوات. كما أن غياب التنافس الدولي المباشر في تلك الدولة وصورة الأزمة كقضية داخلية يسهم في بقائها خارج الأضواء الإعلامية.
المنطقة الواقعة في شمال ماليزيا وجنوب تايلند، والتي كانت تُعرف سابقا بسلطنة فطاني، تشمل اليوم ولايات فطاني ويالا وناراتيوات، وتتميز بهوية ثقافية ملايوية مختلفة عن باقي تايلند بسبب طابعها العرقي والديني.
إعلانكما أن أكثر من مليون مسلم من سكانها هاجروا إلى دول عدة، خصوصا ماليزيا، نتيجة العنف والاضطهاد والفقر والمحاكمات الجائرة وسياسات التذويب الثقافي.
ويسرد الكاتب شيئا من تاريخ الصراع قائلا إن سلطنة فطاني، التي كانت في السابق كيانا مستقلا، أُلحقت قسرا بسيام (الاسم السابق لتايلند) عام 1906، دون منحها أي شكل من أشكال الحكم الذاتي. ونتيجة لذلك، تحول المسلمون في المنطقة من أغلبية إلى أقلية على أراضيهم.
ومنذ ذلك الحين، تبنت سيام سياسة تهدف إلى تذويب هوية المنطقة ضمن هويتها الوطنية، حيث تم حظر اللغة الملايوية-الفطانية، وتقييد المؤسسات التعليمية الإسلامية، وفرض سياسات قمعية تهدف إلى دمج المنطقة قسرا في الثقافة التايلندية. إلا أن هذه السياسات لم تؤدِّ إلى النتائج المرجوة، بل عززت وعي سكان فطاني بهويتهم.
ويشير الكاتب إلى أن تايلند، التي أصبحت منذ عام 1932 ملكية دستورية، تبنت الأنظمة العسكرية فيها نموذجا للدولة الموحدة والمركزية قائما على "الأمة، الملكية والدين".
وقد تم تعريف "الأمة" بالأغلبية التايلندية، و"الملكية" بسلالة تشاكري، و"الدين" بالبوذية التيرافادية. وشكلت هذه العناصر الثلاثة أساس الهوية الوطنية التي اعتمدتها الدولة لضمان ولاء الشعب للنظام والنخب الحاكمة.
توحيد قسريوفرضت الأنظمة التي توالت على حكم تايلند سياسات تهدف إلى توحيد الدولة عرقيا وثقافيا، حيث أُجبر السكان على استخدام اللغة التايلندية، وتم التركيز على التعاليم البوذية في النظام التعليمي، وأُقر مبدأ قداسة الملك دستوريا.
ولجأت الحكومات إلى إعلان الأحكام العرفية، وتقييد حرية التعبير، وقمع المعارضة للحفاظ على شرعية الملكية. ومن أبرز أدواتها قانون "العيب في الذات الملكية"، الذي كان وسيلة لتعزيز حصانة المؤسسة الملكية ومنع أي انتقاد لها.
إعلانويرى الكاتب أن مسلمي الملايو في جنوب تايلند، خاصة في مناطق فطاني ويالا وناراتيوات، تضرروا بشكل كبير من سياسات الدولة التايلندية التي رفضت الاعتراف بلغتهم ودينهم وفرضت المناهج البوذية في المدارس.
وفي رد فعل على هذه السياسات، ظهرت حركات مسلحة تطالب بالحكم الذاتي أو الاستقلال، مثل "منظمة تحرير فطاني المتحدة" (PULO) و"جبهة الثورة الوطنية" (BRN).
ويؤكد الكاتب أن هذه الحركات كانت تركز على الحفاظ على الهوية المحلية ولم ترتبط بالجماعات الجهادية العالمية. وعلى الرغم من تصنيفها منظمات إرهابية من قبل الدولة التايلندية، فإن المجتمع الدولي يتعامل معها كصراع عرقي وديني محلي.
وعلى الرغم من أن حركات المقاومة في فطاني فقدت تأثيرها في التسعينيات بسبب ضغوط الأمن التايلندي، وسياسات الاندماج، والانقسامات الداخلية في المنظمات، أعادت بعض الجماعات مثل "جبهة الثورة الوطنية" إحياء النضال المسلح في 2004 ضد قوات الأمن التايلندية.
ويشير الكاتب إلى أن سياسات الاندماج تحت حكم رئيس الوزراء تاكسين شيناواترا في 2001 زادت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث اعتُبرت المدارس الإسلامية في فطاني مراكز للتطرف، مما أدى إلى تصعيد القمع. وأسفرت الفترة بين 2004 و2019 عن مقتل أكثر من 7 آلاف شخص في هجمات عنيفة بمناطق يالا وفطاني وناراتيوات.
حرب باردةويقول الكاتب إن الوضع في فطاني اليوم يشبه الحرب الباردة، حيث تزايدت الضغوط الأمنية التي تفرضها الدولة ما أدى إلى تفاقم التوترات بين الشعب الذي يسعى للحفاظ على هويته الملايوية الإسلامية والسياسات التايلندية الهادفة إلى الاندماج الثقافي، وسط عدم اهتمام دولي وغض الطرف عن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، والنظر إلى تايلند عادة على أنها "قوة مستقرة".
إعلانويضيف الكاتب أن ماليزيا قد بدأت منذ 2013 في استضافة المحادثات بين الفصائل الفطانية والحكومة التايلندية، حيث تمكّنت المحادثات في 2020 من الحصول على طابع رسمي. ورغم أن الطريق لا يزال صعبا، فإن هناك رغبة من الطرفين في التوصل إلى اتفاق.
ويرى الكاتب أن اعتذار رئيس الوزراء التايلندي في أكتوبر/تشرين الأول 2024 عن مذبحة "تاك باي" التي راح ضحيتها 78 مسلما يعد خطوة مشجعة نحو تحقيق السلام. وقد تشير الموافقة على خطة "السلام الشامل" إلى تقدم مهم نحو التوصل إلى حلول سياسية وتقليص العنف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات الکاتب أن
إقرأ أيضاً:
الكوار وعمي التاريخ في دار حياد
قبل نشوب الحرب بسنين قلنا أن الدولة السودانية وحكومتها ممتلئتان بالعيوب حد السقف ولكن في كل الظروف ليس الحل في التعويل علي ميليشيا همجية وغزاة أجانب.
والان في هذه الحرب لا يعني الوقوف مع حق الدولة السودانية ومؤسساتها في الوجود أن هزيمة الميليشيا الغازية سيعقبه واقع سوداني مثالي. من المؤكد أن عالم ما بعد الجنجويد سيكون مليئا بالمشاكل والتحديات والعيوب والانتهاكات وسيكون من واجبنا مقاومتها والسعي لتأسيس سودان معافي مدركين أن بناء دولة عملية معقدة تحتاج لعقود واحيانا قرون.
لذلك يدهشنا من ينتظرون إنتهاكات الجيش الآن أو في فترة ما بعد الميليشيا لمهاجمة المدافعين عن الدولة السودانية كمبرر لحيادهم تجاه غزو أجنبي علي رماح ميليشيا إبادة جماعية وعنف جنسي واسع النطاق. هذه العقلية تتبني عمليا عيوب الدولة السودانية وقبل وبعد الحرب للتبرير للحياد تجاه الغزاة وهكذا يصير الموقف من السيادة الوطنية وضد االهمجية قابلا ن للتفاوض حسب الظروف. وهنا يصير رفض الغزو والهمجية قضية إختيارية سياقية وليست قضية مبدئية.
في الحرب العالمية الثانية حارب الشيوعيون بكل دولهم ومدارسهم جنبا إلي جنب مع الدول الرأسمالية لهزيمة النازية لأنها أشد خطرا وهمجية من الرأسمالية. ولم يكن في توحيد جيوش الشيوعيين مع الراسمالية أي اعتراف منهم بقبول مطلق بالرأسمالية ولا نسيان لعيوبها قبل أو بعد الحرب. كان الموقف فقط هو أن النازية لو انتصرت ستعيد المجتمع قرونا للوراء ما يعني أن النضال من أجل العدالة والكرامة الإنسانية سيبدأ مجددا من منصة أدني كثيرا من منصة النضال من داخل نظم رأسمالية في مرحلة حضارية وإنسانية أعلي بما لا يقارن.
وفي عقود من الصراع ناضل كل اليسار الفلسطيني جنبا إلي جنب مع الحركات الإسلامية لتحقيق حلم دولتهم وإنهاء الإحتلال. وفي انتخابات الجامعات يخوضها اليسار في لستة موحدة مع الأحزاب الإسلامية لإدراكهم إنها لحظة وطنية وليست مذهبية. وهذا التحالف المرحلي لا يعني أن اليسار الفلسطيني قد تبني وجه نظر الأحزاب الإسلامية حول الحجاب أو الحدود أو أي شيء آخر.
العمل المشترك بين أصحاب الخلفيات الأيديلوجية المختلفة سنة راتبة وليس بدعة كما يعتقد طهرانيو السياسة السودانية في يومنا هذا الذين تهمهم بتولية أخلاقية سطحية النقاء أكثر من مصير شعب وأمة.
ومن فضل الحزب الشيوعي السوداني أنه كان قد أعلن في أيام حكم البشير رفضه لأي غزو غربي للسودان، علي نهج غزو العراق، واعلن استعداده للانخراط في الدفاع عن السودان لو حدث هذا الغزو في أيام البشير. ولا أعتقد أن قول الحزب الشيوعي هكذا قد تغاضي عن إجرام البشير السابق واللاحق. ولا يعطي قوله هذا أي أحد حق المزايدة عليه بأي جرم ارتكبه البشير قبل أو بعد. أيضا لن يحق لاحد المزايدة علي المدافعين عن الدولة السودانية بأي أخطاء يرتكبها الجيش أو حلفائه أثناء أو بعد هذه الحرب.
وهذا التوجه ليس حكرا علي الحزب الشيوعي فكل الأحزاب المختلفة تتحالف معا لتحقيق هدف مرحلي. فقد تحالفت جل أحزاب السودان سابقا في التجمع الوطني أو نداء السودان أو قوي الحرية والتغيير أو تقدم. ولم يكن التحالف المرحلي يعني أن الحزب الجمهوري قد لبس جناح أم جكو وامن برسالة المهدي ولم يعن أن الحزب الشيوعي قد أمن بالرسالة الثانية من الإسلام ولا أن ود الفكي قد أعتنق القرنقية ولا أن التكنوقراط المستنيرين تبنوا أوراد السيد علي الميرغني. لذلك لا أدري مشروعية تفسير الدفاع عن الدولة السودانية كتماه مع حكم عسكري أو أخواني أو غيره. هذا كوار إما عن فساد فكر أو سوء نية.
المسكوت عنه في خطاب الحياد هو الافتراض الضمني إنه موقف يضمن عدم انتصار أحد طرفي النزاع وان أجسام ديمقراطية مثالية سترث الأرض حينها. وهذا وهم غليظ. هذه الحرب أما أن ينتصر فيها الجيش أو الجنجويد وسيكون للمنتصر القدح المعلي في تشكيل مشهد ما بعد الحرب.
القوي الوطنية المثالية لن ترث السلطة بعد الحرب لو أنتصر الجيش أو الجنجويد أو اتفقا علي اقتسام الكيكة. وفي كل الأحوال عليها مواصلة النضال من أجل الديمقراطية والعدالة. الخيار الواقعي أمامها هو ما إذا كانت تفضل مواصلة النضال من منصة إحتلال أجنبي جنجويدي يفكك الدولة وأسس المجتمع أم من منصة يعلو فيها كعب الجيش السوداني الذي خبرته وعاشت في ظله منذ الإستقلال وصارعته.
كان موقف الشيوعية العالمية إنها تفضل مواصلة النضال في ظل نظم رأسمالية لان درك النازية يعني النضال لعقود أو قرون فقط للعودة لنقطة راسمالية ما قبل هتلر. وكذلك موقف اليسار الفلسطيني إنه يفضل النضال من داخل دولة مستقلة ينازع فيها الاسلاميين والليبراليين من داخل دولة يحتاجها الجميع بغض النظر عمن يسود في مرحلة ما.
خلاصة القول أن الوقوف مع الدولة السودانية لا يعني الذهول عن أي انتهاكات من قبل الجيش أو من معه قبل أو بعد الحرب فلا داعي للمزايدة إلا إذا كان المزايد يعتقد أن الجنجويد هم الحل. واجب الجميع التصدي للغزو الأجنبي الجنجويدي ومن ثم مواصلة النضال الجماعي من أجل كل تفاصيل التنمية والحكم الرشيد.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب