ديكارت ورحلة الشك.. هل يمكن أن تكون حياتنا مجرد وهم؟
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
حين تتساءل: “هل كل ما أراه وأشعر به حقيقي؟”، فأنت تتبع خطى رينيه ديكارت، الفيلسوف الفرنسي الذي يصادف ذكرى وفاته اليوم حيث أحدث ثورة في الفكر الغربي بمنهجه الشكي، في زمن كان الناس يقبلون الحقائق كما هي، قرر ديكارت أن يهدم كل شيء ليعيد بناء المعرفة على أسس يقينية لا تقبل الشك. لكن هل نجح؟
الشك في كل شيء: البداية نحو اليقينفي كتابه الشهير “تأملات في الفلسفة الأولى”، بدأ ديكارت رحلته الفكرية بطرح سؤال جوهري: “كيف أميز بين الحقيقة والوهم؟”، رأى أن كل ما نعرفه يأتي من الحواس، لكن الحواس قد تخدعنا، فعلى سبيل المثال، العصا المغموسة في الماء تبدو مكسورة رغم أنها مستقيمة، والأحلام تبدو واقعية حتى نستيقظ.
لم يكن ديكارت يسعى إلى إنكار كل شيء، بل استخدم “الشك المنهجي” كأداة لتنقية المعرفة من الأخطاء، وضع فرضية متطرفة تقول: “ماذا لو كان هناك كائن خبيث (شيطان مخادع) يخدعني باستمرار؟” ربما العالم من حولي مجرد وهم، وربما كل ما أؤمن به خاطئ.
اليقين الوحيد: “أنا أفكر، إذن أنا موجود”وسط هذا الشك الجارف، وجد ديكارت حقيقة لا يمكن دحضها: “أنا أفكر، إذن أنا موجود”. فحتى لو كان هناك من يخدعه، فهو على الأقل مدرك لوجوده ككائن مفكر. ومن هنا، بدأ في إعادة بناء المعرفة على هذا الأساس الصلب.
الحواس والعقل: من يملك الحقيقة؟بعدما أثبت وجوده ككائن مفكر، تساءل ديكارت: هل يمكن للحواس أن تقدم معرفة يقينية؟ توصل إلى أن العقل أكثر موثوقية من الحواس، لأن الأحكام القائمة على التفكير المنطقي أكثر دقة من الإدراك الحسي.
لكنه لم يرفض الحواس تمامًا، بل رأى أنها قد تكون صحيحة إذا تم التحقق منها بالعقل. فمثلًا، لو رأيت الشمس تغرب، قد أعتقد أنها تتحرك، لكن العقل والعلم يخبراني أن الأرض هي التي تدور.
كيف أثّرت أفكار ديكارت على الفلسفة والعلم؟منهجه الشكي أسس للفلسفة العقلانية الحديثة، وألهم مفكرين مثل إيمانويل كانط وجون لوك. كما كان لشكه المنهجي دور في تطوير المنهج العلمي، حيث أصبحت التجربة والبرهان العقلي أساس البحث العلمي، بدلًا من قبول المعرفة التقليدية دون تفكير.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الفلسفة الحواس الفيلسوف الفرنسي المزيد
إقرأ أيضاً:
ما ورد عن السرقة البيضاء
اختلف الناس عبر العصور في نظرتهم إلى سرقة الكتب؛ فمنهم من يعدها سرقة مكتملة الأركان، ومن يعدها سرقة بيضاء، وثالث لا يعدها سرقة على الإطلاق! وفي استعراض قصير لما ورد عن ذلك في بعض الكتب، يتبدى اختلاف النظرة إلى سارق الكتب من زمن لآخر، ومن مجتمع لآخر.
يقول الكاتب الشهير، ومؤرخ القراءة ألبرتو مانغويل، في كتابه (تاريخ القراءة، ص 385): لم تكن سرقة الكتب جريمة يعاقَب عليها، إن لم يقم السارق ببيع الكتب، حسب رأي الكاتب الاجتماعي من القرن السابع عشر تالمان دي ريو. ويضيف مانغويل: إن الشعور بحيازة كتاب ثمين، وتقليب صفحاته بهدوء، الصفحات التي لا يحق لكل من هبّ ودبّ أن يمسها، كان- دون شك- أحد الدوافع وراء أفعاله.
ويسمى المصاب بهوس سرقة الكتب علميًّا (bibliokleptomania) ببليوكليبتومانيا، وهو يختلف عن الوصف الذي يطلق على هوس جمع الكتب، الذي يسمى الببلومانيا، ويصنفه البعض أنه نوع من الوسواس القهري.
كما يورد مانغويل سرقات للكتب قام بها الرومان، حين سرقوا المكتبة المقدونية، ومكتبة مثريداس من بونتوس، ومكتبة آبيليكون من تيوس، ونقلوها برمتها إلى روما. (المصدر نفسه، ص 272).
ومن أطرف سرقات الكتب التي ذكرها، سرقتها من أجل استخراج الذهب من أغلفتها، ذلك أنه “خلال حملات السلب والنهب التي شنها الفايكنك على إنكلترا الأنغلو-سكسونية، سرقوا الكتب المصورة من الرهبان طمعًا في نزع الذهب من أغلفتها” (المصدر، ص 272).
وقد عُلق تحذير في مكتبة دير سان بدرو في برشلونة آنذاك، قد نراه اليوم لطيفًا، جاء فيه: من يسرق كتبًا، أو يحتفظ بكتب كان قد استعارها، عسى أن يتحول الكتاب الموجود في يده إلى أفعى رقطاء، وعسى أن يصاب بشلل ارتجافي قاهر، وأن تُشل جميع أطرافه، عسى أن يصرخ عاليًا طالبًا الرحمة، وعسى ألا تنقطع آلامه إلى أن يتحول إلى رمّة متفسخة، وأن تعشعش الديدان في أحشائه مثل دود الموتى الذي لا يفنى. وعندما يمثل أمام يوم الدين، لِتلتهمْه نار جهنم إلى الأبد. (ص 273)
أما الكاتب العراقي علي حسين فقد تحدث عما يسمى سرّاق المعرفة، في كتابه (غوايات القراءة، ص11)، وذكر أن الناقد الإنجليزي وليم هازلت يسميهم “سراق المعرفة الذين يطيلون الوقوف أمام أكوام الكتب ليقرؤوا بمتعة وتلذذ”، حيث يؤكد هازلت أن “سرقة المعرفة، هي السرقة المشروعة الوحيدة في حياة المجتمع”، وكان جبرا (يقصد الروائي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا)- باعترافه- واحدًا من هؤلاء السراق حين تختفي النقود من جيبه فلا يجد بديلًا من أن يقف ساعات ليقرأ بمتعة وتلذُّذ فقرة هنا أو فقرة هناك.
هذه مقتطفات فقط من بعض ما كُتب عن السرقات التي تسمى بيضاء، لكنها مقولة لا تصمد أمام التشريعات التي تجرّم ذلك، ولا تضعه في منزلة أخرى، رغم أن أهدافها نبيلة ومن أجل اكتساب المعرفة.
وتتبقى لدينا مقولة أن “القارئ لا يسرق، والسارق لا يقرأ”، التي لا تصمد أيضا أمام سيل من القصص التي تحكي عن قراء يسرقون كتبًا رغم قدرتهم على دفع أثمانها، وعن سراق رأيناهم يقرؤون، وربما سرقوا الكتب لكي يتكسبوا من بيعها.
yousefalhasan@