جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-14@18:00:48 GMT

المسرح العُماني: إبداع بلا صناعة!

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

المسرح العُماني: إبداع بلا صناعة!

معاوية الرواحي

 

قبل أن أبدأ في سرد هذا الفيضان من الأفكار المُتهاطِلة على رأسي بسبب حضوري للعرض المسرحي "إصبع روج" في مسرح كلية الدراسات المصرفية والمالية، دعني أضع بعض السياق العُماني على هذا الحدث.

يبدو عاديًا للغاية، حضور ما يمكن أن يُسمى مجرد مسرحية أخرى. ليست الحقيقة هكذا، الحقيقة هي حكاية حركة فنية تعرضت لضربة قاسية عندما حلَّ ذلك الوباء المهول والمُهوَّل على كوكبنا العجيب.

هذا النمط من المسرحيات التي تجمع بين السهولة اللوجستية، ورمي كامل ثقل نجاح العمل الإبداعي على كاتب النص، والمتلقي، وبعدها إلى مواهب التمثيل والتي قد "تضبط" معك أحيانًا، وقد تصنع هذا التناغم المجنون في كل المكونات التي كانت في النهاية أكبر من مجموع أجزائها، تركت المعنى في عقولنا، والتأثير في قلوبنا، وأيضا ذلك الأمل خارج الموضوع، الأمل بالنهضة الإبداعية، والثقافية القادمة في الطريق، كما آمل، وكما يأمل كثيرون في عُمان.

قليلٌ من الأثاث، بطلان اثنان، وقطع أثاث، وإضاءة، ومؤثرات صوتية، هذه كل المكونات المادية التي أعطت لنا هذا العمل الفني، وأي موضوع يُعالجه هذا العمل الفني؟ موضوع يشطر العالم إلى نصفين الآن، أزلي من حيث طبيعته، جدلي من حيث حضوره، وإنساني من حيث معالجته. المسرحية تعالج موضوع الاضطراب الجِندَرِي (نوع الجنس)، هذا الذي كان مرضًا حتى قررت التشريعات الغربية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وما بعده، ومع تغلُّب اليسار الليبرالي، حتى أصبحت الحقائق البيولوجية لا تعني أي شيء، إنه عصر اختيار الجنس. وعلم النفس هُنا حاضر بقوّته الوصفية، وبقراراته العلمية التي حَرَمَت البشر من علاجٍ كان يُمكن أن يكون قد تطور في هذه اللحظة ليقدم حياةً مختلفةً لكثيرين، على الأقل بعضهم لم يكن يريد ما يحدث له.

الاضطراب الجندري سؤال جوهري في عصرنا المدني الحديث، ولكن أين وصلت إجابات هذا السؤال؟ لا داعي للكثير من الشرح التاريخي، بكل بساطة وصل إلى تجنبه كمشكلة ومعالجة الجوانب العرضية، ولاحقًا إلى الامتثال الجراحي بسبب الضغط السياسي، قرار تشريعي، وتحول إلى حقيقة عالمية تثير استغراب هذا الكوكب الذي عندما يسمح للترف بالحدوث تأتي معه هذه العجائب التي تُنذر بالتغيير، وبالصدامات بين الصفائح التكتونية المكونة للمجتمعات. هذا هو السياق الموضوعي لهذه المسرحية العجيبة بمعنى الكلمة!

المسرحية تتناول بطلين يتناوبان الأدوار، يظهر فيه الممثل وليد المغيزوي وهو يلبس ملابس وردية توحي بذكر مُتأنِّث، ومعه الشخصية الأخرى التي تتولى مختلف الأدوار. الكاتب احتفظ بأسرار الحقيقة لنفسه وبعثر القلق عبر المُمثلين على المُتلقين، على الجمهور الذي كنتُ أرصدُ رِدات فعله بفضول شديد. لم تكن معالجة موضوع التحول الجندري ضحلة، أو تافهة، أو مليئة بالعموميات التي تجعلك تغادر العرض قبل أن يصل إلى رُبعه، المعالجة الداخلية كانت مليئة بالتساؤل وبالشرح لماهية هذا الموضوع، والبطلان، أداءً ونصَّا توليا بكل اقتدار تقمُّص كل هذه الأدوار المتتالية، تارةً شخصية الأم، تارة شخصية الأب، والحبكة تتصاعد، وتتصاعد، حتى تصل إلى تلك المنطقة المتأزمة التي تجمع جميع المعطيات الاجتماعية والثنائية بين البطلين.

السؤال الكبير ليس لماذا النص؟ وليس مشاكله، وليس أخطائه، السؤال الكبير هو كيف يمكن لهذا الحد الأدنى من الصناعة أن يصنع عملًا مسرحيًا مُؤثِّرًا لهذا الحد. موضوع سيكولوجي، عالمي، عُولج من ملامحه الإنسانية دون أن يقوم بتلقين المتلقي المواقف السياسية، والمرافعات، والجدالات على الجاهز، إن لم تكن هذه وظيفة العمل الإبداعي فماذا تكون وظيفته؟

كيف كانت خاتمة هذا العمل، كانت "زبالة" نعم كانت الخاتمة زبالة، وهذه ليست صفة متعلقة بالعرض، هذه إحدى المشاهد التي رمى فيها البطل بعد نهاية التفاعلات نفسه القديمة في "زبالة" حرفيًا، وتخلَّص منها تمامًا. الحقيقة أنَّ هذا الموضوع، كما وصفه البطل في نهاية العرض: خذله العالم. وهنا نأتي إلى الموضوع النفسي في حقيقته، المرتبط بكل التعقيد الاجتماعي، والديني، والجنون الجراحي في هذا العصر الحديث، المساق العلمي الذي بُتر تراكمه بأعذارٍ كلها تذهب للمارسات القديمة في العلاج النفسي، من الذي يستطيع أن يتكلم غير في تطبيق (X) بهذا المقال؟ لا أحد، إلّا أن تنشرَ في جهة آمنة من شرور الليبراليين وقمعيتهم، وهُنا قبلة الشرق تتجلى بشكل شاحبٍ كمنبرٍ يبدو عاديًا بالنسبة لأيامنا العربية، لكن بالنسبة للعالم؟ هُنا يتغير الكلام، هذا العمل لو كان في منطقة غربية لكان الآن مخرجه، وممثلوه عرضة للهجوم غير المُتوقَّف من اليسار المسعور.

آلاف الكلمات في رأسي، عشرات الأفكار تضرب في بعضها البعض، تخرُج من هذه المسرحية إلى السياق الكبير المُتعلِّق بالثقافة في عُمان، قُلت قبل عامين: المسرح هو الحل! هو البداية التي قد تُخرجنا من تلك الرؤية المُترَفة للإبداع؛ باعتباره صلة للعقل الفرد بمعطيات الخلود للتاريخ، ونعم قد يكون للإبداع هذه الوظيفة الوجودية، وربما حتى علاقته بالفناء، ولكن لو شئنا أن نرى تحوُّل الإبداع إلى مهنة حقيقية المسرح، من أوباما وعهده، إلى بايدن، إلى كاميلا هاريس، إلى قرارات مُنظمات علم النفس، إلى تواطؤ المنصات الرقمية، إلى انقسام العالم الحديث، كل هذا يعبُر في عقولنا ونحن نرى هذا العمل الذي يبدو عاديًا في منبرنا العربي، وأصبح صعبًا للغاية في تلك المنابر "الحُرَّة" التي تُعلِّمُنا معاني الحرية كشعوبٍ متأخرة حتى هذه اللحظة تؤمن بتلك الخرافات القديمة والتي من ضمنها (البيولوجيا) المنطقية!

نحن نعيش في عالم غريب، وهذه المسرحية قدَّمت لنا التفاعل الوجداني للفرد، وعذابات من خذلهم العالم حقًا عندما وضعهم أمام خيارات صعبة للغاية، فقدوا تراكمًا علميًا تسابقَ التواطؤ الرأسمالي، والسياسي لقمعه وتحويله إلى جبهة قتال فكرية يدفع ثمنها في النهاية كل هؤلاء الذين ماتوا على هامش الحدث في طريقهم الى التحول إلى "باربي" مُتحوِّلة تُعرض في جميع المنابر.

هذه المسرحية امتدادٌ لأشياء العالم في الناس، لكل ما يمكن أن يقدمه عمل إبداعي، يستحق أن تنتبه له الصناعة هذه التي تؤمن بالمسؤولية الاجتماعية في تنظيف الشواطئ، لإسناد هذه الحركة المسرحية التي تعرَّضت لضربة كورونا، والتي الآن تستعيد أنفاسها بأدوات صناعية بسيطة لوجستيًا، وعظيمة كتأثير لكل هؤلاء المبدعين الذين يكاد بعضهم أن يكون متطوعًا يتلقى التعليمات المُترفة من العقول الثقافية العظيمة التي تُقنعهم أن الإبداع لا يمكن أن يكون مهنةً، وأن التمثيل أداة حضور اجتماعي وليست مسارًا مهنيًا طويل المدى، ليست مهنة.

وهنا أغلق المقال ببدايته، سؤال عُمان الكبير عن الثقافة والاستمرارية فيها، عن الصناعة، والنمو، وتنافس المسارح، وبنائها في كل ولاية، وصناعة هذا النمط الإبداعي، ومواجهة مقاومة التغيير، كل هذا، جزء من المعركة التي تجعل المُبدع مُبدعًا، بدلًا من ملاحقته للدعم، أن يكون للناس، ومن الناس، وإليهم.

ماذا أقول في النهاية؟ أقول: أتمنى، وغيري يتمنى، وتابعت مسرحية جميلة للغاية أتمنى أن أرى حركتها المسرحية القادمة تصنع شيئًا مختلفًا في جمود القوالب الجاهزة التي يحفل بها مكاننا العُماني العجيب!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: هذه المسرحیة هذا العمل أن یکون التی ت

إقرأ أيضاً:

تألق محمود الليثي بحفل كامل العدد

شهدت إحدى الخيم الرمضانية، ليلة فنية استثنائية، حيث امتلأت المقاعد بالكامل وسط حضور جماهيري ضخم، استمتع بعرض فني متنوع اختتمه النجم محمود الليثي بحفل غنائي أشعل الأجواء.

انطلقت الليلة بعرض التنورة التقليدي الذي أضفى لمسة تراثية على الأجواء، تبعه أداء مميز لفرقة التخت الشرقي، مما مهد الطريق لاستقبال النجم محمود الليثي بحفاوة كبيرة من الحضور.

صعد محمود الليثي إلى المسرح ليبدأ الحفل بأغنيته الشهيرة "سوق البنات"، وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي ترك أماكنه واحتشد أمام المسرح، تبعتها مجموعة من أشهر أغانيه، منها "عم المجال"، "بونبوناية"، وقدم بأسلوبه الخاص أغنية "هيجيلي موجوع" لتامر عاشور، مما أضفى لمسة مختلفة على الحفل.

وأثناء غنائه، عبر الليثي عن سعادته بأجواء رمضان، قائلاً: "إيه رمضان الحلو ده اللي إحنا فيه؟"، ليزيد من حماس الجمهور الذي تفاعل معه بقوة، خاصة عندما غنى "صعبان عليا كتر القاسية".

حفل محمود الليثيحفل محمود الليثي20 عامًا من الفن.. واسترجاع الذكريات

استغل الليثي الحفل ليحتفل بمسيرته الفنية التي تمتد لأكثر من 20 عامًا، قائلاً: "من 20 سنة كنت بقولكم صبرا صبرا.. والنهاردة بقولكم عم المجال كله"، ليغني بعدها مقطعًا من "صبرا"، ثم يشعل المسرح بأغنية "عم المجال".

واصل الليثي الحفل بمجموعة من أشهر أغانيه، حيث غنى "لخبطلي حالي"، "عم يا صياد"، كما قدم تحية للصعايدة بأغنية "صعيدي" بأسلوبه المميز. ولم ينسَ جماهير الأهلي، حيث سأل عن "الأهلاوية" ثم قدم أغنية "سطلانة".

توالت الأغاني وسط تفاعل كبير، حيث غنى "روح وقول اللي مقويك"، "أندال"، "عارفينهم عيال مفيش منهم"، و"على رمش عيونها"، إلى جانب "حبيبي جيت أنا"، ثم فاجأ الجمهور بأداء أغنية "أنا مش عارفني" لعبد الباسط حمودة.

 

مقالات مشابهة

  • تألق محمود الليثي بحفل كامل العدد
  • المنتخب السوداني يتعادل مع نظيره العُماني بدون أهداف
  • مفتي عام المملكة: تصوير وبثّ الصلوات على الهواء مباشرة مسألة خطيرة قد تنافي الإخلاص الذي يعد شرطًا أساسيًّا لقبول العمل
  • وزارة النفط تناقش التحديات التي تواجه الشركات النفطية في البصرة لرفع كفاءة عملها
  • «تعليم الطائف» يكرم المتأهلين لنهائي «إبداع 2025»
  • الاجتماع الأول للجنة العليا لمهرجان «الفضاءات المسرحية المتعددة».. صور
  • إدراج "أسياد للنقل البحري" ببورصة مسقط.. و22.3 مليون ريال عُماني أرباحًا متوقعة
  • "الغرفة": "إكسبو اليابان" فرصة لتعزيز وجود المنتج العُماني بالأسواق الدولية
  • دراما الأجزاء.. استثمار نجاح أم إبداع؟
  • ما هو العمل الذي ندم على تقديمه؟.. الفنان أحمد التهامي يوضح