الجزيرة:
2025-02-11@21:00:24 GMT

هل يستقي ترامب أفكاره من مشروع 2025؟

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

هل يستقي ترامب أفكاره من مشروع 2025؟

 

"إننا في طور الثورة الأميركية الثانية، التي ستظل بلا دماء في حال سمح لها اليسار بذلك".

هكذا لخَّص كيفن روبرتس، رئيس مؤسسة هيرِتيدج (التراث)، الرؤية التي يعالجها الكتاب الذي أطلقته مؤسسته عام 2023 بعنوان "تفويض القيادة: الوعد المحافظ"، وهو كتاب يندرج ضمن "المشروع الرئاسي لعام 2025" الذي أعدّته "هيرِتيدج" للفائز بالانتخابات الأميركية من مرشحي الحزب الجمهوري، وركز على الدعوة لملء المناصب الرئيسية والصف الثاني في الحكومة بالموالين للرئيس، وتطهير الوزارات من الأقسام والموظفين الداعمين لسياسات إدارة بايدن.

أثار الكتاب ضجة كبيرة، وهو ما دفع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن للقول "إن مشروع 2025 يجب أن يخيف كل أميركي، فهو سيمنح ترامب سلطة لا حدود لها على حياتنا اليومية، ويسمح له باستخدام الرئاسة للانتقام من أعدائه، وإلغاء الضوابط والتوازنات التي تجعل من أميركا أعظم ديمقراطية في العالم".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2يربك العالم بأفكاره عن الجغرافيا.. كيف يفكر ترامب "جيوسياسيا"؟list 2 of 2"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟end of list

ومن جهته، حاول ترامب التملُّص من المشروع والقائمين عليه قائلا في منتصف عام 2024: "أيًّا كان ما يفعلونه، أتمنى لهم التوفيق، لكن ليس لي أي علاقة بهم".

وبعيدا عن مسار الاتهامات والنفي المضاد، فإن ما هو مؤكد، أن العشرات ممن عملوا في إدارة ترامب الأولى شاركوا في تأليف الكتاب، وعلى رأسهم كريستوفر ميلر، القائم بأعمال وزير الدفاع سابقا، وريك ديربورن المدير التنفيذي للفريق الانتقالي لترامب في انتخابات 2016، وبول دانس، أحد الوجوه المتصدِّرة لمشروع 2025، وستيفن غروفز، نائب السكرتير الصحفي للبيت الأبيض في عهد ترامب، مما يشير إلى وجود روابط وطيدة بين الكتاب والمقربين من ترامب وأعضاء حملته.

إعلان تجربة في عهد ريغان

لقد لعبت مؤسسة "هيرِتيدج " دورا مهما في توجيه إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان بداية توليه السلطة عام 1981، حيث أعدّت كتابا ضخما بعنوان "تفويض القيادة" تضمن أكثر من ألفَيْ توصية لكيفية إدارة الحكومة وتنفيذ سياسات محافظة لتجاوز إرث الرئيس جيمي كارتر، الذي شهد اهتزازا للنفوذ الأميركي على وقع احتجاز موظفي السفارة الأميركية في طهران، واجتياح الجيش السوفياتي لأفغانستان. وبحسب مؤسسة "هيرِتيدج، "، فقد حوَّلت إدارة ريغان أكثر من 60% من توصيات التقرير إلى سياسات بنهاية العام الأول لها في الحكم.

يرى كتاب "تفويض القيادة: الوعد المحافظ" أن التهديد الأكبر حاليا لأميركا يأتي من الداخل لا الخارج، وأن الثقافة اليسارية انتشرت عبر المؤسسات الحكومية الأميركية، وأن الحكومة الفيدرالية أصبحت وحشا مسلحا يستهدف المواطنين والقيم المحافظة، فالمجتمع يتعرض لتهديد وجودي عبر إنكار الحقيقة البيولوجية المتمثلة في وجود جنسين فقط؛ ذكر وأنثى، بينما تنتشر الإباحية وإدمان المخدرات، وتُستهدف حريات المواطنين عبر منعهم من قيادة السيارات التي تعمل بالغاز بحجة مكافحة تلوث المناخ، والسيادة مهددة بمنح سلطة صنع السياسات للخبراء البيروقراطيين اليساريين بالحكومة، فضلا عن وجود تحديات خارجية في مقدمتها صعود الصين التي تهدد الهيمنة الأميركية عالميا.

لقد حشدت "هيرِتيدج" نحو 400 باحث وخبير، فكتبوا "تفويض القيادة" عبر تناول ثلاثين ملفا، تبدأ من إدارة البيت الأبيض وتطوير وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات وصولا إلى التعليم والزراعة، بحيث يمكن للرئيس من خلال تنفيذ التوصيات المقدَّمة له أن يسيطر على السلطة التنفيذية، ويستعيد قيادة الحكومة من يد البيروقراطيين كي ينقذ أميركا من أزمتها، بحسب مقدمة الكتاب.

رونالد ريغان (يمين) ودونالد ترامب (غيتي) تجهيز الموظفين

يشدد كتاب "تفويض القيادة" على أن الرئيس المحافظ لا يكفيه للنجاح أن يتبنّى خطة مدروسة ومنسقة وموحدة، فبمجرد توليه منصبه يجد أمامه بيروقراطية مترامية الأطراف تُنفِّذ في كثير من الأحيان خططها وتفضيلاتها السياسية الخاصة بها، ولذا لا بد أن يعتمد الرئيس على كادر مدرب وملتزم من الموظفين لتنفيذ أجندته، وهو ما يتطلب تزويد هؤلاء الموظفين بالأدوات والمعرفة والدعم. ولذا عملت "هيريتيج" على إعداد قاعدة بيانات بموظفين محافظين مع تأهيلهم بحيث يكونون جاهزين للعمل مع الرئيس في اليوم الأول لتوليه المنصب.

إعلان

ويشير الكتاب إلى وجود ثلاثة آلاف منصب سياسي يعيّنهم الرئيس في إدارته، فضلا عن ألف منصب يتطلب التعيين فيها موافقة مجلس الشيوخ، ويوضح أن إدارة ترامب الأولى عيَّنت أقل عدد من المعيّنين السياسيين في الأشهر الأولى من عمرها مقارنة بأي إدارة رئاسية أخرى، نظرا لعدم تجهيزها للموظفين المناسبين، وهو ما يعمل "مشروع 2025" على تلافيه عبر تجميع وتجهيز جيش من الموظفين المحافظين المتمرسين والمدربين للعمل منذ اليوم الأول لتفكيك "الدولة الإدارية".

وهنا نستعرض محاور كتاب "تفويض القيادة":

 

أولا: استعادة الأسرة باعتبارها محور الحياة الأميركية

بحسب الكتاب، تعيش الأسرة الأميركية اليوم أزمة حقيقية، حيث إن 40% من الأطفال يولدون لأمهات غير متزوجات، ويمثل غياب الأب أحد المصادر الرئيسية للفقر والجريمة والأمراض العقلية وانتحار المراهقين وإدمان المخدرات وترك مقاعد الدراسة، مما يقود نحو الانهيار الاجتماعي. ومن جهتها، تخفق البرامج الحكومية المصمَّمة لعلاج تلك المشكلات في تحقيق أهدافها، لأنها لا تعالج أصل الأزمة المتمثل في المشكلات الناجمة عن أزمة الزواج والأسرة.

ولذا يشدد الكتاب على ضرورة حذف كل ما يتعلق بالإجهاض والتنوع الجنسي والصحة الإنجابية من أي وزارة أو مؤسسة فيدرالية أو عقد أو منحة، وتجريم المواد الإباحية وسجن مَن يُنتجونها ويوزعونها، وإغلاق شركات الاتصالات والتكنولوجيا التي تُسهِّل انتشارها، واعتماد سلطة الوالدين على تعليم الأبناء باعتبار أن المدارس تخدم الوالدين وليس العكس، وقطع التمويل الفيدرالي عن الولايات والمدن ومجالس المدراس والمعلمين الذين لا يتفقون مع هذا المبدأ.

مشروع 2025 (أسوشيتد برس) ثانيا: تفكيك الدولة الإدارية

يشدد الكتاب على أن الطريقة الأكثر أمانا لإعادة الحكومة الفيدرالية إلى العمل لصالح الشعب الأميركي تتلخص في تقليص حجمها ونطاقها لتصبح أصغر حجما، وهو ما يتطلب التخلص من أعداد كبيرة من الموظفين البيروقراطيين الذين يعملون في الحكومة ويصوغون سياسات غير مقبولة من المحافظين مثل مكافحة تلوث المناخ، ومساعدة المهاجرين، وتوفير المنح والمساعدات من أموال دافعي الضرائب لدعم أجندات يسارية مثل تجنيد "المثليين" في الجيش، وتخصيص حصص لهم في المناصب الحكومية.

إعلان ثالثا: الدفاع عن السيادة والحدود والموارد ضد التهديدات العالمية

يَعتبر كتاب "تفويض القيادة" الصين عدوا شاملا للولايات المتحدة، وليست شريكا إستراتيجيا أو منافسا، وأن التجارة غير المقيدة مع الصين كارثة جعلت حفنة من الشركات تحقق أرباحا هائلة، لكنها فرّغت القاعدة الصناعية الأميركية من محتواها، وبالتالي يدعو لإنهاء التعاون الاقتصادي مع الصين، وحظر معاهد كونفوشيوس الثقافية وتطبيق تيك توك.

كما يشدد الكتاب على ضرورة تركيز جهود الإدارة الأميركية على الصين وإيران وفنزويلا وروسيا وكوريا الشمالية، مع مراعاة أولوية حصول إسرائيل على العتاد العسكري والدعم السياسي الذي تحتاج إليه في مواجهة خصومها، ووقف تمويل السلطة الفلسطينية، كما يدعو إلى بذل جميع الجهود لتحويل الصناعة من الأماكن البعيدة، وتوجهيها إلى أماكن أقرب مثل دول أميركا الوسطى والجنوبية بهدف تأمين سلاسل التوريد الأميركية، وتعزيز الوجود في غرينلاند لمتابعة الديناميكيات السياسية والاقتصادية المحلية في القطب الشمالي والاستفادة مما فيه من أسماك ومعادن وموارد طاقة.

كذلك يشدد الكتاب على ضرورة الانسحاب من المنظمات الدولية التي لا تنسجم مع المصالح الأميركية، مثل منظمة الصحة العالمية بحجة فشلها في مواجهة جائحة "كوفيد-19″، ووقف أي دعم مالي للمنظمات التي تقوض المصالح الأميركية مثل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وحجب التمويل عن أي مؤسسات أو مبادرات دولية تروج للإجهاض والتحول الجنسي، ومنح الدعم للمنظمات التي تتماشى مع مصالح واشنطن.

نماذج للتوصيات

تتناول الفصول الثلاثون من كتاب "تفويض القيادة" مجالات متعددة، سنتناول منها مثلا ما يتعلق بمجلس الأمن القومي ووزارات الأمن الداخلي والدفاع والخارجية، ووكالة التنمية الدولية، نظرا لتداعيات ذلك على بقية أنحاء العالم، فالسياسات الأميركية في تلك الملفات لا يمكن وصفها بأنها ملفات داخلية فقط، إنما تتأثر بها العديد من الدول والشعوب.

إعلان

يشدد الكتاب على ضرورة خضوع موظفي مجلس الأمن القومي للفحص الدقيق من حيث الخبرة والبصيرة في السياسة الخارجية والأمنية، نظرا لأدوارهم في تقديم المشورة للرئيس في قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي، وهذا أمر بديهي ومتفهم. لكن الجديد هو التشديد على أهمية تقليص عدد موظفي مجلس الأمن القومي، الذي تناقص أصلا من 400 موظف في عهد أوباما إلى 150 موظفا في عهد بايدن، عبر إلغاء الإدارات وإبعاد الموظفين المهنيين الذين لا يتبنون أجندة الرئيس، وبالأخص فيما يتعلق بتغير المناخ والتحول الجنسي.

وفي الفصل الخاص بوزارة الأمن الداخلي التي تأسست في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، والذي كتبه كين كوتشينيلي القائم بأعمال نائب وزير الأمن الداخلي في إدارة ترامب الأولى، فقد دعا إلى سن تشريع لتفكيك وزارة الأمن الداخلي ونقل مهامها إلى جهات أخرى مثل وزارتَيْ النقل والدفاع ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وذلك لتسهيل التركيز على المهام وتقليص النفقات العامة وتقليل حجم الحكومة.

وفيما يخص وزارة الدفاع (البنتاغون)، يقول الكتاب إنها أحد أكبر الأجهزة البيروقراطية في العالم، حيث يعمل بها ما يقرب من 3 ملايين شخص يخدمون في الجيش أو في وظائف مدنية، وتبلغ ميزانيتها نحو 900 مليار دولار، ويجادل بأنها تركز على السياسات اليسارية على حساب الجاهزية العسكرية، وهو ما يتطلب تغيير مسارها.

وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) (الجزيرة)

ويشير كريستوفر ميلر الذي شغل عدة مناصب خلال إدارة ترامب الأولى، بما في ذلك منصب القائم بأعمال وزير الدفاع ومدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، في الفصل الذي كتبه عن الوزارة، إلى أهمية توخي الحذر من الانجرار إلى صراعات تتسبب في نزيف مالي كبير أو سفك قدر كبير من الدماء الأميركية، وأكد ضرورة زيادة تقاسم أعباء الدفاع مع الحلفاء، بحيث تنشر دول حلف الناتو القوات التقليدية اللازمة لردع روسيا، مع الاعتماد على الولايات المتحدة فيما يتصل بالردع النووي، وأن تتولى كوريا الجنوبية زمام المبادرة في دفاعها التقليدي ضد كوريا الشمالية، فيما تتولى دول الخليج العربي المسؤولية عن دفاعاتها الساحلية والجوية، وإعطاء الأولوية لتعزيز قدرة الحلفاء والشركاء على تولي زمام المبادرة في مكافحة الإرهاب في مناطقهم.

إعلان

وفي ظل التطور التقني المتسارع، شدد ميلر على أهمية تعزيز تمويل البحوث والابتكارات في مجال الصناعات العسكرية، والابتعاد عن برامج التسليح المطولة التي يُخطَّط لها قبل عامين أو ثلاثة أعوام من البدء في تنفيذها، فقد لا تكون مناسبة لاحقا للتعامل مع متطلبات الميدان حين تبدأ عمليات التسليم.

وفي تقاطع مع اهتمامات ترامب بالإيرادات، يتحدث ميلر بأسى عن انخفاض المبيعات العسكرية الأميركية الخارجية، وعزا ذلك إلى البيروقراطية المعقدة، والجداول الزمنية المطولة لإبرام العقود في وزارة الدفاع، التي تبلغ عادة نحو 18 شهرا، والتكاليف المرتفعة للأسلحة الأميركية، ولذا دعا إلى تقليص الوقت المطلوب لفحص العقود عبر إلغاء إخطار وزارة الخارجية مسبقا بعمليات نقل الأسلحة المحتملة قبل إخطار الكونغرس رسميا، كما أوصى بتصنيع المكونات والمنتجات النهائية محليا وبالتعاون مع الحلفاء لتحفيز تطوير المصانع وزيادة الوظائف الأميركية.

ولم يفت ميلر أن يتطرق إلى القضايا الخلافية مع اليسار، فدعا إلى إعادة العسكريين المسرّحين من الخدمة بسبب رفضهم تلقي لقاح كوفيد، وإلغاء السياسات التي تسمح للأفراد المتحوّلين جنسيا بالخدمة في الجيش.

التركيز على وزارة الخارجية

إن الوزارة التي حظيت بقدر كبير من السخط في كتاب "تفويض القيادة" هي وزارة الخارجية، قد كتبت الفصل الخاص بها كايرون سكينر، التي شغلت منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية بإدارة ترامب الأولى، وأشارت سكينر إلى أن وزارة الخارجية التي تضم ما يقرب من 80 ألف موظف يخدمون في 275 سفارة وقنصلية ومكاتب أخرى حول العالم، غير فعالة، وذلك لانتشار اعتقاد وسط موظفيها بأنها مؤسسة مستقلة تعرف ما الأفضل لأميركا، وتحدد سياستها الخارجية بنفسها، ولا تحتاج إلى توجيهات من رئيس منتخب.

وتجادل سكينر بأن وزارة الدفاع تعاني في مواجهة سياسات يسارية مفروضة عليها من الأعلى، لكن الأزمة في وزارة الخارجية تنبع من داخلها، حيث تسيطر على موظفيها الأجندة اليسارية، مما يتطلب من الرئيس اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة لإعادة تشكيل الوزارة.

إعلان

وبحسب سكينر، يوجد نوعان من السفراء؛ سفراء سياسيون تعيّنهم الإدارة الرئاسية، وسفراء مهنيون تدرَّجوا في الخدمة بوزارة الخارجية. وفي حين أن كل السفراء ملزمون بتقديم خطابات استقالة عند بداية الإدارة الجديدة، فقد اعتادت الإدارات الجمهورية السابقة قبول استقالات السفراء السياسيين فقط، والسماح للسفراء المهنيين بالاحتفاظ بمناصبهم.

وتقترح سكينر أن تقبل إدارة ترامب استقالات كل السفراء السياسيين وتراجع سريعا السفراء المحترفين، بحيث تستبعد كل مَن أظهر العداء لأجندة الإدارة الجديدة، وأن تكون الأولوية لتعيين سفراء جدد يدعمون أجندة الرئيس، مع مراعاة أن يكون السفراء السياسيون في أماكن مهمة مثل أستراليا واليابان والمملكة المتحدة والأمم المتحدة ممن تربطهم علاقات شخصية قوية بالرئيس.

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (الفرنسية)

وتشدد سكينر على ضرورة أن يأمر وزير الخارجية بتجميد فوري لكل الجهود الرامية إلى تنفيذ المعاهدات والاتفاقيات الدولية غير المصدق عليها، وتجميد المساعدات الخارجية، والعقود والمدفوعات المحلية والدولية، وقرارات التوظيف، وما إلى ذلك، في انتظار مراجعة يقودها المعيّنون السياسيون لضمان انسجام مثل هذه الجهود مع سياسات الإدارة الجديدة، وهو ما نفَّذه بالفعل وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو بمجرد توليه منصبه.

الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)

تأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عام 1961 في عهد الرئيس جون كينيدي. وفي ذروة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، عملت الوكالة على تقديم المساعدات لشعوب الدول النامية لوقف المد الشيوعي، وتقدم حاليا المساعدات في حالات الكوارث، وترعى مبادرات لتوسيع أسواق الصادرات الأميركية.

يتهم ماكس بريموراك، مساعد مدير مكتب المساعدات الإنسانية في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سابقا، في الفصل الذي كتبه، إدارة بايدن باستخدام الوكالة وتمويلاتها للترويج لأجندة يسارية تعزز الإجهاض وسياسات المناخ والتحول الجنسي مما يخالف القيم الأميركية. ويجادل بأن تغير المناخ لا يسبب الفقر، إنما تسببه الحروب والفساد والسياسات الاقتصادية السيئة، كما يتهم الوكالة بأنها من خلال تقديم المساعدات لا الاستثمارات تُبقي الدول المتلقية للأموال متخلفةً ومعتمدةً على المساعدات الأجنبية لسنوات قادمة.

إعلان

يدعو بريموراك إلى تقليص دور الوكالة على المستوى العالمي، وإغلاق الأقسام الخاصة بأجندات التنوع والمساواة والشمول، ووقف البرامج التي تُموِّل المساواة بين الجنسين والصحة الإنجابية، والاهتمام بدلا من ذلك بتمويل البرامج المصمَّمة لمواجهة النفوذ الصيني.

واتساقا مع تلك التوصيات، نجد أن ترامب بمجرد توليه منصبه أصدر قرارا تنفيذيا بتجميد جميع المساعدات الخارجية لمدة تسعين يوما، إلى أن يقرر المسؤولون أن كل برنامج يتوافق مع السياسة الخارجية للرئيس، مع استثناء المساعدات العسكرية المقدَّمة لإسرائيل ومصر، كما كلَّف ترامب وزير الخارجية ماركو روبيو بالإشراف على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ثم منح روبيو معظم موظفي الوكالة إجازات إدارية.

هل مشروع 2025 يُمثِّل إستراتيجية كبرى؟

يدور الجدل ابتداء حول مصطلح "الإستراتيجية الكبرى"، فبينما ورد في "دليل أكسفورد للإستراتيجية الكبرى" تعريفه بأنه "مجموعة الخطط والسياسات التي تُشكِّل الجهود التي تبذلها الدولة لتسخير الأدوات السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية معًا لتعزيز مصلحتها الوطنية". ويجادل آخرون بأنه مصطلح وهمي، حيث تميل الحكومات عادة إلى الارتجال وفق تطورات الأحداث والفهم البديهي لاحتياجات اللحظة دون الالتزام لمدة طويلة بتوجهات إستراتيجية.

ويشدد رونالد كريبس في الفصل الذي كتبه عن "الشعبوية والإستراتيجية الكبرى" في دليل أكسفورد على أن الشعبوية تقوم على خيال سياسي يستند إلى ادعاء التمثيل الأخلاقي الحصري للشعب في مواجهة النخب الفاسدة والمؤسسات الحاكمة، وأن الزعيم وحده لديه القدرة على التحدث نيابة عن المواطنين، مما يعزز الاستقطاب المجتمعي والانقسامات الداخلية، ويعوق تبنّي سياسات واقعية تتيح التعامل مع الواقع المعقد والمتغير.

ويخلص كريبس إلى أن الشعبوية تعمل ضد الإستراتيجية الكبرى، فالأخيرة تحرص على دمج العقلانية في صنع السياسات، وبالأخص السياسة الخارجية والدفاعية، بينما الشعبوية تميل إلى دغدغة مشاعر الجماهير وتبنّي سياسات غير مدروسة وأحيانا مستحيلة، وهو ما نجد مثاله في مقترحات الرئيس ترامب بتهجير سكان غزة وسيطرة الولايات المتحدة على القطاع لبناء مشاريع عقارية.

إعلان

ويذهب بيتر دومبروفسكي في دراسته المنشورة بعنوان "ترامب ومشروع 2025 والإستراتيجية الأميركية الكبرى" إلى أن الحفاظ على جيش كبير وفاعل عالميا أمر مستحيل في غياب دولة إدارية قوية، كما يحاجج بأن إقصاء الموظفين المهنيين أصحاب الكفاءة لصالح الموظفين الموالين يؤدي إلى إزالة المكابح وتآكل المؤسسات الحاكمة مع فقدانها للخبراء، وأشار إلى أن تفكيك بعض الوزارات مثل وزارة التعليم كما ورد في كتاب "تفويض القيادة" يمكن أن يؤدي إلى تقويض الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، باعتبارها علوما أساسية للابتكارات التي تحافظ على التفوق العسكري الأميركي.

إن المتتبع لقرارات ترامب التي أصدرها بمجرد توليه منصبه، سواء فيما يخص السياسة الخارجية ومكافحة الهجرة وتجميد المساعدات الخارجية وتقويض وكالة التنمية الدولية، يجدها تتقاطع مع التوصيات الواردة في كتاب "تفويض القيادة"، مما يرجح أن يكون بمنزلة دليل عمل لإدارته الجديدة، ويفيد الاطلاع عليه في فهم الخلفيات الكامنة خلف قرارات إدارة ترامب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد

إقرأ أيضاً:

ترامب وماسك.. ثنائي مفاجئ يُهدد بكشف أسرار الحكومة الأميركية

ترامب وماسك.. ثنائي مفاجئ يُهدد بكشف أسرار الحكومة الأميركية

مقالات مشابهة

  • تفاصيل لقاء الرئيس الأمريكي والعاهل الأردني في واشنطن
  • نائب الرئيس الأمريكي: إدارة ترامب ستضمن بناء أقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي في بلادنا
  • الهيئة السعودية للمياه تحصل على شهادة الآيزو في إدارة الابتكار
  • مدير عام فرع وزارة الخارجية بمنطقة مكة المكرمة يستقبل القنصل العام لجمهورية جامبيا بجدة
  • 1254 مشروعًا حتى 2025.. رئيس الوزراء يتابع تنفيذ مشروعات وزارة الصحة
  • ماكرون: لا ينبغي على الرئيس الأمريكي الإضرار باقتصاد الاتحاد الأوروبي
  • ترامب وماسك.. ثنائي مفاجئ يُهدد بكشف أسرار الحكومة الأميركية
  • دبلوماسية البلقان التي تنتهجها إدارة ترامب الجديدة في كوسوفو تثير التساؤل والحيرة
  • عاجل | نيويورك تايمز: الخارجية الأميركية أخطرت الكونغرس بعزمها المضي في بيع أسلحة بأكثر من 8 مليارات دولار لإسرائيل