جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-11@21:31:40 GMT

الحياة بين الاختيار والقرار

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

الحياة بين الاختيار والقرار

سلطان بن ناصر القاسمي

حين تتأمل حياتك، ستجد أنها مليئة بالخيارات، ولكن السؤال الأهم: هل كان الاختيار وحده كافيًا لتحقيق السعادة؟ هنا تكمن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون، وهي أن السعادة ليست مجرد نتيجة للاختيارات، بل هي قرار يُتخذ بإرادة قوية ووعي عميق. نعم، قد تبدأ حياتك وأنت تبحث عن الاختيار الصحيح، سواء في مسارك الأكاديمي، أو قراراتك العملية، أو حتى في بناء علاقاتك، لكنك لن تصل إلى السعادة ما لم تتخذ القرار الواعي الذي يضمن لك تحقيق ما تطمح إليه.

فالاختيارات وحدها ليست كافية، بل يجب أن يرافقها قرار حاسم يمكّن الإنسان من المضي قدمًا نحو تحقيق أهدافه بسعادة وثقة.

وهنا، يتجلى مفهوم الاختيار والقرار منذ مرحلة الطفولة، فالطالب في المدرسة قد يختار النجاح، لكنه لن يحققه إلا إذا قرر التفوق والاجتهاد. وهنا نلحظ أن الدعم الأسري عامل مساعد، لكنه ليس الحاسم، إذ نجد في بعض العائلات المفككة أبناءً استطاعوا اتخاذ قرار النجاح والتفوق رغم الظروف، بينما في عائلات أخرى، رغم توافر الدعم، يتخذ الأبناء قرارات غير موفقة تودي بهم إلى الفشل. لذا، لا يمكننا اختزال النجاح في مجرد اختيار، بل هو نتاج قرارات حاسمة يتخذها الإنسان في حياته. وفي كثير من الأحيان، نجد أن البيئة ليست العامل الأساسي، بل ما يقرره الإنسان بنفسه ليحقق النجاح. فمنهم من يتحدى ظروفه، ومنهم من يستسلم لها، والفرق بين الاثنين يكمن في القرار الذي يتخذه كل منهما حيال حياته ومستقبله.

وعند التأمل في أقدارنا، نجد أن بعض الاختيارات لا يد لنا فيها، مثل العائلة التي ننتمي إليها، المدينة التي ولدنا فيها، أو لون بشرتنا وصفاتنا الشخصية، فكلها أمور خاضعة للقدر، ولكن حتى في هذه الجوانب، يظل القرار هو الفارق الحقيقي. فمن يرضى بقدره ويسعى لاستثماره بشكل إيجابي، يكون قد اتخذ القرار الصحيح، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل حين قال: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى" (متفق عليه). بل حتى النجاح أو الفشل، النشاط أو الكسل، كلها أمور تجري بقدر، لكننا مسؤولون عن قراراتنا في التعامل معها. فالتعامل مع الواقع بقبول وحكمة يجعل الإنسان أكثر قدرة على الاستفادة من الفرص، بدلًا من تضييعها في الحسرة والتذمر.

ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن يعيش حياته راضيًا سعيدًا ما لم يتخذ القرار بأن يكون كذلك. فالنجاح في العمل اختيار، لكن السعي لتحقيقه قرار. والتفوق في الدراسة اختيار، لكن الاجتهاد لتحقيقه قرار. بل حتى الالتزام بالصلاة والطاعات هو اختيار متاح للجميع، لكن القرار بممارستها والتقرب بها إلى الله هو ما يحدد طبيعة حياة الإنسان. وفي المقابل، فإن اختيار التهاون والتكاسل ناتج عن قرار سيء، يحمل الإنسان تبعاته لاحقًا. فالفرق بين شخص وآخر ليس في توفر الفرص، بل في القرار الذي يتخذه كل منهما إزاء الفرص المتاحة. فمنهم من يستثمرها ويستفيد منها، ومنهم من يهدرها ويتذمر من حياته.

وعندما يتعلق الأمر بالسعادة، نجد أنها لا تأتي من فراغ، بل تحتاج إلى قرار واعٍ يجعل الإنسان يعمل لتحقيقها في جميع جوانب حياته. فقرار التفوق والسعي للمراكز الأولى، وقرار تحديد الأهداف والسير نحوها بخطوات ثابتة، وقرار عدم الاستسلام للعقبات، كلها عوامل تؤدي إلى تحقيق السعادة الحقيقية. فالإنسان الذي يتخذ القرار بالعمل الجاد والتطور المستمر، هو الذي يجني ثمار السعادة ويحقق أهدافه. والسعادة ليست في تحقيق الأهداف فحسب، بل في الشعور بالرضا خلال الرحلة نحو تحقيقها. فالإنسان الذي يعيش وفق قرارات صحيحة لا ينتظر السعادة تأتي إليه، بل يصنعها بنفسه من خلال خطواته اليومية وإصراره على تحقيق الأفضل.

وحين يصل الإنسان إلى مرحلة اختيار شريك الحياة، فإنه يكون قد انتقل إلى مستوى آخر من القرارات التي تؤثر بشكل مباشر على حياته المستقبلية. وهنا، يتجلى الفارق بين الاختيار والقرار بوضوح، فاختيار شريك الحياة قد يكون سهلاً، لكن استمرار العلاقة الزوجية بسعادة يحتاج إلى قرارات صائبة. ولضمان حياة زوجية سعيدة ومستقرة، هناك ثلاثة مبادئ رئيسية يجب الالتزام بها:

أولًا: تعلم كيف تصمت عند الغضب، فالردود السريعة والعفوية أثناء الانفعال قد تكون خاطئة وتؤدي إلى خسائر لا تُعوض، بينما يمنحك الصمت لحظة للتفكير قبل اتخاذ أي موقف. فكم من خلاف صغير تحول إلى مشكلة كبيرة بسبب كلمة قيلت في لحظة غضب، وكم من مشكلة عولجت بالحكمة والتروي.

ثانيًا: عند وقوع الخلاف، ابحث أولًا عن دورك في المشكلة بدلًا من إلقاء اللوم على الطرف الآخر. فالنظر إلى الذات وتحليل الأخطاء الشخصية يجعل الحلول أكثر منطقية وواقعية. فالتغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، والبحث عن الحل بدلاً من تبادل الاتهامات هو مفتاح العلاقات الناجحة.

ثالثًا: ابحث عن دورك في الحل، وليس عن أخطاء الطرف الآخر. فالكثير من الخلافات تظل قائمة بسبب إصرار كل طرف على تحميل المسؤولية للطرف الآخر، في حين أن الحل يبدأ عندما يسأل الإنسان نفسه: "ما الذي يمكنني فعله لحل المشكلة؟" بدلاً من البحث عن أخطاء الشريك.

رابعًا: احتفظ دائمًا بذكريات المواقف الإيجابية لشريكك، ولا تجعل الذكريات السلبية تسيطر على تفكيرك. فتراكم المواقف الجيدة هو ما يحافظ على استقرار العلاقة ويمنحها القدرة على الاستمرار. فالتركيز على العيوب فقط يجعل العلاقة مهددة بالتوتر المستمر، بينما التقدير والتسامح يعززان من استمراريتها.

وإذا التزم الإنسان بهذه الأسس، فإنه سيتخذ قراره الصحيح بالسعادة في حياته الزوجية، بدلاً من تركها للظروف والمتغيرات. فالزواج لا يُبنى على الحب فقط، بل على القرارات الحكيمة التي يتخذها الطرفان لإنجاحه، وجعل كل يوم فيه فرصة جديدة للسعادة والتفاهم.

وعلى نطاق أوسع، يتحمل كل فرد مسؤولية قراراته، فلا ينبغي لأحد أن يُلقي بؤسه على الآخرين أو يحمّل القدر تبعات أخطائه. فالإنسان، بعقله وإرادته، هو الذي يحدد مسار حياته، وقد يكون اختياره صحيحًا لكنه يواجه ظروفًا صعبة، وهنا يكون القرار هو العنصر الحاسم: إما الاستمرار في المعاناة، أو إعادة النظر في الاختيار السابق واتخاذ قرار جديد أكثر صوابًا. فالاستمرار في الألم والمعاناة ليس مفروضًا على أحد، بل هو خيار شخصي ناتج عن قرار يُمكن تغييره في أي لحظة.

وفي نهاية الأمر، لا بد أن يدرك الإنسان أن السعادة ليست حدثًا عابرًا، بل هي موقف ذهني وقرار داخلي. فكل فرد يستطيع أن يخلق السعادة لنفسه، ليس بانتظار الظروف المثالية، بل بصنعها من خلال قرارات واعية وإيجابية. وحين يدرك الإنسان هذه الحقيقة، فإنه لن يكون مجرد متلقٍّ للأحداث، بل صانعًا لحياته كما يريد، وساعيًا خلف أهدافه دون تردد أو خوف. فالحياة مليئة بالاختيارات، ولكن ما يصنع الفارق هو قراراتنا تجاهها، وقرارك اليوم هو الذي يحدد سعادتك غدًا. فاجعل قراراتك واعية ومدروسة، واستثمر كل لحظة في بناء حياة سعيدة ومليئة بالإنجازات.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عبدالمنعم سعيد: نحن أمام لحظة حرجة.. والقرار الفلسطيني لا يجب أن يبقى بيد حماس

القاهرة - مصراوي:

قال الدكتور عبدالمنعم سعيد، المفكر السياسي وعضو مجلس الشيوخ، إن التصريحات المتداولة من مختلف الأطراف، سواء من الولايات المتحدة أو إسرائيل أو حركة حماس، تحتاج إلى تحليل دقيق لفهم دلالاتها الحقيقية.

وأوضح، خلال مداخلة على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن أي تصريح يصدر عن رئيس الولايات المتحدة يجب أخذه بجدية، حتى وإن بدا أنه يحمل طابعًا هزليًا، مشيرًا إلى أن هناك اتصالات دبلوماسية مكثفة تجري على مدار الساعة بين الأطراف المعنية، خاصة في ظل مشاركة أمريكية - قطرية - مصرية في عملية التفاوض.

وأضاف "سعيد" أن هناك دعوة أمريكية متعلقة بملف التهجير، وهو أمر ترفضه مصر بشكل قاطع.

وأشار إلى أن المشهد الحالي شديد التعقيد، حيث يقف الجميع أمام خيارين: إما استئناف الحرب، أو تنفيذ الاتفاق كما جرى التفاوض عليه، محذرًا من أن حماس "تلعب بالنار"، حيث سبق لها أن اتخذت قرارات خطيرة، مؤكدًا أن مصالح الشعب الفلسطيني على المحك، ولا يجب أن تُترك رهينة لقرارات حماس بشأن الإفراج عن الرهائن أو غير ذلك من التكتيكات قصيرة المدى.

كما شدد "سعيد" على أن الوضع في الولايات المتحدة معقد، حيث يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطًا داخلية كبيرة لا تتعلق بالقضية الفلسطينية، بل بأسباب داخلية بحتة، لكن في النهاية، هذا هو الرئيس الذي اختاره الأمريكيون، ويجب التعامل مع الواقع بحكمة ودقة شديدة.

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

الدكتور عبدالمنعم سعيد القرار الفلسطيني حماس إسرائيل قناة القاهرة الإخبارية ملف التهجيرأمر ترفضه مصر

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الخبر التالى: "شباب النواب" توافق مبدئيًا على تعديلات قانون المهن الرياضية المقدم من الحكومة الأخبار المتعلقة فيديو مستر بيست.. مدير لجنة مصر للأفلام يكشف عن مفاجأة بشأن طلبات التصوير أخبار عمرو أديب: اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل يقترب من الانهيار أخبار هل كانت إسرائيل وراء غلق حسابات الشيخ عبد الله رشدي؟ أخبار عبدالمنعم سعيد: هذه وجهة نظري في الأحزاب الجديدة أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

عبدالمنعم سعيد: نحن أمام لحظة حرجة.. والقرار الفلسطيني لا يجب أن يبقى بيد حماس

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك بالرقم القومي.. نتيجة مسابقة الأزهر للابتعاث للخارج في رمضان عاجل| السعودية: قرار بمنع اصطحاب الأطفال في حج 2025 17

القاهرة - مصر

17 11 الرطوبة: 36% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • عبدالمنعم سعيد: نحن أمام لحظة حرجة.. والقرار الفلسطيني لا يجب أن يبقى بيد حماس
  • عبدالمنعم السعيد: نحن أمام لحظة حرجة.. والقرار الفلسطيني لا يجب أن يبقى بيد حماس
  • مفكر سياسي: نحن أمام لحظة حرجة.. والقرار الفلسطيني لا يجب أن يبقى بيد حماس
  • ورحلت” الرضية”
  • إذا تزوجت المرأة مرتين فمع أي زوج ستكون في الجنة؟.. عضو العالمي للفتوى تجيب
  • بدء تقديم طلبات إساءة الاختيار والانتقال من تخصص لآخر ومن كلية لأخرى / رابط
  • بسبب الفشل المستمر.. أسدلت الستار عن أحلامي
  • علاج الوسواس القهري الذي يصيب الإنسان.. تخلص منه في الحال
  • خالد البلشي يتقدم بأوراق ترشحه بانتخابات الصحفيين.. ويؤكد: "الاختيار لأصحاب الكلمة والقرار"