جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-11@21:18:19 GMT

أريج التاريخ.. إلى عِبري

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

أريج التاريخ.. إلى عِبري

 

سالم بن محمد بن أحمد العبري

 

وتُلِحَّ الذكريات على نفسي، واستضوع العطر من أريج التاريخ الذي مضى بحلوه ومُرّه.. والآن أتذكّر ما فعله الشيخ الشاعر الأمير صقر بن سلطان بن سالم القاسمي بالشارقة حين توفي والده الحاكم فقدَّم عمه الشيخ محمد سالم، وذهب إليه مؤكدا أحقيته في الحكم وإنه مؤل للأمر، وربَّما أخذه تصوَّره هذا لكونه قد تعلّم ونهل من معين المعرفة، وصار شاعرا مجيدا مُنذ شبابه، وهذا ما توكده قصائده الأولى، والتي نتذكر منها قصيدته التي ألقاها بين يدي والده وفي حضرة الشيخ سليمان بن حمير وعنوانها (وطن منبت الكرام)، وهي معارضة شعرية لسينيّة البحتري التي يستهلّها بقوله: (صُنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي/وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ)، ويبدو لي أن عمَّه كان من الزهد والترفع والتقدير ما جعله لا يَشقُّ الأمر في بيت مشيخة القواسم ويقوّض الإمارة.

يقول الشيخ صقر القاسمي:

نَحِّ عني المدام تفديك نفسي

فمدامي أضحى عصارة حسي

///
وكسر الجام والدنان فإني

مفرغا حبها بآخر كأس

///
إن نفسي تعذبت في بقاها

أمن الحق أن تداوى برجس

///
يا ابن ودي دع عنك لومي فإني

مولع القلب يا ابن ودي فأسي

///
دهمتني حوادث الدهر حتى

لذ لي من عذابها سكن رمسي

///
يا لها من حوادث شيبتني

في شبابي وزعزعت ركن آنسي

///
والليالي مهما تكر ففيها

يا ابن ودي للمرء أعظم درس

إنّ موقف الشيخ صقر القاسمي يذكرني بما فعله حمد بن مهنا الذي استفز الداخل والخارج واستغل حوادث ليست بتلك الأمية، وليست مستعصية على الحل، ولم يكن العلامة شقيق الشيخ إبراهيم العبري في حكمة وشجاعة الشيخ القاسمي فيجمع أهله وكبار جماعته ويقول لهم هذا أخي حمد يطلب الأمر فقدموه وأنا أكون حكما ومرشدا وقاضيا.

لكن سبق السيف العدل، فقد تمكن المتقوِّلون والمنتفعون والقبائليون من إثارة الفتنة في محيط العبريين، ومحيط الإمام الخليلي ونزوى بل عُمان كلها ضد العلامة الشيخ إبراهيم بن سعيد بن محسن العبري يتقدمهم أخوه من أمه (حمد بن مهنا بن حمد بن محسن العبري)؛ فجمع الإمام الخليليّ أمره ونزل على رغبة كل أولئك، وجمَّعَ أفرادا من القبائل من داخلية عُمان والشرقية والظاهرة وربما من بعض الولايات التي تخضع لسلطنة مسقط الذين قد يتحركون بدوافع الشحن والتقوّل والنقل غير الفاهم والفاحص لما وراء الأكمة من خفايا ومتأثرين ببعض العبريين الذين يصطادون في الماء العكر أو تحركهم بعض المنافع والدوافع الخفيّة، ويركبون كل زفة، مستغلين غياب الحقائق عما جرى في (الحمراء)؛ فالعقلاء كثيرًا لا يجدون من يصغي لقولهم فتسود الرغبات الصغيرة والمنافع الضيقة ويتبعهم كل ناعق؛ لكن العبريين ربَّما لهم السبق في هكذا حالة فلم ينجُ فصل من فصول تاريخ أي فترة إلا وُجدت مثل هذه الحالة التي اُفْتُعِلَت أثناء ترأس العلامة الشيخ إبراهيم بن سعيد بن محسن العبري لزعامة قبيلة العبريين بعد وفاة ابن عمه الشيخ مهنا بن حمد بن محسن الذى كان له بمثابة أخ ومُربّ بعد وفاة أبويهما (حمد وسعيد) ابني محسن بن زهران في سنة ١٣١٧ بسبب مرض (الكوليرا)؛ فتزوج مهنا أم إبراهيم بن سعيد (موزة بنت حميد) فولدت له ولديه حمدا وعليا؛ وحمد هو من ترأس الفتنة والقائل بأنه الأحق بأن يرث زعامة أبيه وأنّ على العبريين إسناد الزعامة له حتى وإن لم يكن يقع عليه الاختيار. وفي هذا الحين كان في مطلع العشرين من شبابه، لكن سوّلت له نفسه اعتلاء مشيخة العبريين وتزعمهم.

لقد وضع الصراع على زعامة العبريين الإمام الخليلي تحت ضغط سياسيّ، وهو لم ينسى أن العلامة الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري هو من مدّ يده بمبايعته إمامًا حين استقرّ رأي أهل الحلّ والعقد بجامع نزوى خلفا للإمام سالم بن راشد الخروصي (ت: 1338هـ) بُعيد اغتياله ليلا في منامه بـ(خضراء بني دفاع) على الطريق المؤدي بين (إزكي) و(المضيبي)؛ غير أنّ الإمام الخليل تحت ضغط الصراع توجّه إلى الحمراء وخلع العلامة الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري من زعامة القبيلة، وقدّم قائد حركة التمّرد حمد بن مهنا بن حمد بن محسن العبري وذلك لتهدأ البلد والقبيلة لشهور ثم تبيّن لهم بعدها أنّهم استبدلوا الذي هو خير بالذي هو أدنى؛ فنسمع حمود بن سعيد العبري أحد حاملي مشاعل التمرد وصهر زعيم العبريين حمد بن مهنا، يقول: (زادنا حمد بن مهنا سُدس أرز فمشين معه، أمَّا العلامة إبراهيم بن سعيد فهو الشيخ والزعيم)، ونسمع أيضا ما قاله عم الزعيم الجديد الشيخ محمد بن حمد بن محسن، وقد استدعاه الإمام الخليليّ ليوليه زعامة العبريين بدلا من (حمد)؛ فيجيب (لا نخالف أمرك يا إمام، أمّا الشيخ والزعيم الأولى بالرئاسة فهو العلامة إبراهيم بن سعيد أمّا نحن فلا نكاد نكتب أسماءنا)، ولم يكد الشيخ محمد بن حمد يشرع في منصبه حتى استغل مشعلو الفتن حربا بـ(وادي السحتن) بدخولهم الخضراء والاستيلاء عليها لسوء فَهْمٍ يمكن حلُّه؛ ولكن جَدّي كان يكرر على مسامعنا (محل الحرب للنظارة)، ثم يأتي العلامة إبراهيم بن سعيد العبري من (صحار)؛ حيث كان قاضيا بها من قِبَل السلطان سعيد بن تيمور فينصح بردِّ (الخضراء) لأهلها امتثالا للحق ورد الجميل للجار؛ لكن مشعلو الفتن صار صوتهم أعلى من صوت العقل والعلم والإصلاح. يقول لي (حمدان بن حميد الخاطري): صلينا الفجر مع الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري فلما انتهى، شرع يصلي على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ثم دعا. قال اليوم (لبني غافر) فإن ظفروا كانت الحرب لهم وإن لم يكن فالأيام التالية ليست لهم. فلم تستكمل الشمس شروقها إلا وقد أخرجوا من الخضراء تحت وطأة شدة القتل لسبعين رجلا، كما يقال، وأصيب الشيخ المهزوم وتحولت الألسن الحِداد التي روَّجت للحرب تحمله المسؤولية فأصابه حزن شديد كان سببا في وفاته وتحمَّل أولاده حملا شديدا ما كانوا يوما سببًا فيه، وظلت الألسن ما تتذكّر اسمه إلا وقد سردوا تلك القصة.

فلمّا تقدم سعيد بن مهنا ولم يكد يتهيأ لأمره حتى انقلبوا عليه وخلعوه بعد ستة أشهر لسبب غير موضوعيّ رغم أنه قد يكون الأنسب، وظل المتابعون من الخارج يتمثلون بما يفعله العبريون ولم يفطنوا أن هذا الأمر (ظاهره الرحمة وباطنه العذاب).

ثم يرسل الإمام الخليلي حاجبيه العشماني والراشدي ليستجليا الأمر. وفي هذا يقول لي المكرم بدر بن سالم بن هلال العبري: كنتُ مرافقا لهما -للحاجبين- وكانت الحمراء خصبة جدا وكنا نذهب لفترة الراحة في أوقات خارج الجلسات المعتادة إلى (المطاريح) عند (النطالة) فكانا يذكران بالمدح من يضيفهم ويتبرمان ممن لا يقابلهما بالضيافة والكرم، فقدَّموا للمشيخة (علي بن مهنا)، وربما آبائي هم من تبرّموا منه، ومؤكدين أن سبب طلبهم لاستبداله كونه مشغولا بتجارته، وقد يبالغون في قولهم فيه ويصفون معاملاته بالربا وذلك تمهيدا لتزكية الوالد (عبد بن مهنا).

إذن.. وقد غصت طرقات الحمراء بالرجال الذين لم تألفهم من قبل، إنهم وجوه مثلت خلق الله وتصاويره وألوانه واحتبست النساء بالبيوت تشرف من نوافذها على الغادي والرائح والمبتسم والمقفهر وتذبح الذبائح احتفاء بالإمام وكان الحمراء مدينة عكا حل بها أغراب مستجلَبون، ولعلَّ نفر ممن كان في الجمع أحس بشبه المقارنة لكن دفع الناس بعضهم ببعض وضبط الأمر وأعاده لنصابه؛ فإذا بالشيخ الحميري ينزل ببيت الشيخ ناصر بن سالم بن بدر بن محمد بن زهران فحال عن هدمه كما تمنى البعض من داخل الحمراء والبعض ممن احتشدوا وأقسموا. وهل الشيخ سليمان فعل ذلك بفطنته ومراعاة وحفظ الجميل؟ أم مبارك بن بدر النبهاني جد الشيخ ناصر طلب منه ذلك التصرف الذي حول الدخول إلى مرور عابر والجيش آكل جله خبزا وتمرا وشربا من فلج الحمراء أول مرة، أما الإمام والمشايخ فقد ضيفوا من كل الأعيان حتى إن الوالد الشيخ محمد بن مهنا قد باع ربع أثر ماء من آثاره التي ورثها عن أبيه ليكون في مقدمة الكرماء بينما بعض الأغنياء في حينها بالحمراء أبوا أن يتقدّم للاستضافة كما فعل ابن مهنا رغم إصرار البعض من أولاده، ولم أتبين حينها إن كان جدي قد ضايفهم أم هم ظلوا في موقع المتربص ينظرون إلى أين ستمرُّ القاصمة التي هو في هوجها فالعلامة إبراهيم بن سعيد العبري انحاز لوادي السحتن، ثم إلى السلطان سعيد بن تيمور الذى وجد في أفعال نزوى كهذه فرصة لتأليف الرجال والقادة حوله فيحتضنهم.

أما مشايخ بني مهنا وعلى رأسهم الشيخ علي بن هلال فرأوا في فعل الشيخ سليمان تصرفا ضبطَ الأمر وأهجع فريق العبريين المناوئ للعلامة إبراهيم فأبوا من خشي بعض أموال أولاد محسن بن زهران وأبروا قسم الغلاة والمُصرّين بأن خشيت نخلة واحدة من قطعة نخيل بالنطالة كانت ملكا للوالد عبدالله بن مهنا.

وعاد الإمام وقد عمدت أرجل المارين والمتقاضين والمستأذنين إلى بيت الشريعة أي بيت الشيخ حمد بن مهنا وقد تحقق له ما طلب وسعى، لكن الأمر لم يعمر معه فما هي إلا شهور ويأتي راشد بن سليمان من نزوى حاملا أمتعة للسوق ويأتي ببروة لخلع حمد وتقديم عمه محمد كما أشرنا سابقا وصدقت نبوءة مرهون بن راشد الخاطري حين قال مازحا لشيخهم حمدا: (العلامة إبراهيم الذي أتت عُمان كلها لخلعه أما أنت فأنت ستأتي بروة مع رشود لخلعك)، فلما بلغته الرسالة قال لعن الله مرهون).

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وفاة العلامة محمد فاضل رئيس المجلس العلمي الجهوي بمراكش بعد معاناة طويلة مع المرض

 

بقلم: زكرياء عبد الله

توفي، صباح اليوم، العلامة محمد فاضل، رئيس المجلس العلمي الجهوي بمراكش، عن عمر يناهز السبعين عامًا، بعد معاناة طويلة مع المرض. ويعد الفقيد من أبرز الشخصيات العلمية والدينية في المغرب، حيث ترك إرثًا زخمًا من خلال محاضراته ومساهماته في نشر العلوم الشرعية.

وقد تلقى جل القيمين الدينيين ومؤسسة الأوقاف خبر وفاته ببالغ الحزن والأسى، إذ عرف الفقيد بتواضعه وعلمه، وكان يُعتبر مرجعًا دينيًا يساهم في نشر تعاليم الإسلام السمحة، وينشر الفكر المعتدل في المجتمع. عُرف الفقيد بنضاله الدائم من أجل ترسيخ قيم الاعتدال والوسطية في كل ما يتعلق بالأمور الدينية والاجتماعية.

وعلى مدى سنوات طويلة، شغل العلامة محمد فاضل عدة مناصب مهمة داخل المؤسسة الدينية بالحوز ومراكش، حيث كان في بداياته إمامًا لمسجد مولاي إبراهيم، وشغل عضواً بالمجلس العلمي للحوز، ثم رئيسًا للمجلس العلمي الجهوي بمراكش، وهو ما جعله أحد الوجوه البارزة في مجال التعليم الديني. كما شارك في العديد من الندوات ونشر المواعظ على المستويين المحلي بالحوز وجهة مراكش.

نسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يلهم أسرته وأحباءه الصبر والسلوان.

مقالات مشابهة

  • الاوقاف تدشن حملة تستهدف جميع المساجد قبل رمضان
  • وفاة العلامة محمد فاضل رئيس المجلس العلمي الجهوي بمراكش بعد معاناة طويلة مع المرض
  • مفتي السلطنة: نؤكد على ضرورة مواجهة التعنت الصهيوني من خلال استمرار مقاطعة كل ما يتعلق به
  • النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء يعزي الفريق الرويشان
  • الصليب الأحمر: الأوضاع الإنسانية في غزة صعبة
  • هشام مهنا: حياد الصليب الأحمر لا يعني الصمت عن الانتهاكات
  • العلامة فضل الله: لا نريد ان تحمل الحكومة أكثر من طاقتها ولكن!
  • استشاري يوضح 5 علامات تدل على وجود مشكلة في غدة البروستاتا .. فيديو
  • موجة سخرية في الإعلام العبري من ترامب ونتنياهو بسبب خطط التهجير | تقرير