جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-11@21:24:13 GMT

عن الفينيقيين ومُستعمراتهم (1-3)

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

عن الفينيقيين ومُستعمراتهم (1-3)

د. هيثم مزاحم **

 

في العام 2018 صدر كتاب للباحثة جوزفين كوين أستاذة التاريخ القديم في جامعة أوكسفورد، بعنوان "في البحث عن الفينيقيين" وحمل التساؤل التالي: "من هم الفينيقيون القدماء، وهل كانوا موجودين بالفعل؟".

لقد خاض الفينيقيون غمار البحر الأبيض المتوسط ​​وذلك قبل فترة طويلة من الإغريق والرومان، ومارسوا التجارة، وأنشأوا المستوطنات، وصقلوا فن الملاحة.

تقول الكاتبة إن هوية هؤلاء البحارة الأسطوريون ظلت لفترة طويلة لغزًا؛ فكتابها يزعم أن "الفينيقيين" لم يكونوا موجودين في الواقع.

تجادل الكاتبة بأن فكرة هؤلاء البحارة كشعوب متماسكة ذات هوية مشتركة، وتاريخ، وثقافة هي نتاج أيديولوجيات قومية حديثة، وفكرة شديدة الخلاف مع المصادر القديمة.

وتتتبع الكاتبة كيف أن فكرة "أن تكون فينيقيًا" قد ظهرت لأول مرة في دعم الطموحات الإمبراطورية لقرطاج ثم روما، ولم تتبلور إلّا كمكوِّن للهُويات القومية الحديثة في سياقات بعيدة مثل أيرلندا ولبنان. وتتعمق في الأدبيات القديمة، والكتابية، والنقوشية، والفنية من أجل بناء الهويات من قبل الفينيقيين ومن أجلهم، بدءًا من بلاد الشام إلى المحيط الأطلسي، ومن العصر البرونزي إلى العصور القديمة المتأخرة وما بعدها.

يستكشف الكتاب أيضًا النثر والشعر والرسم والجدل الذي كرّس هؤلاء البحارة الأسطوريين في التاريخ القومي من القرن السادس عشر في إنجلترا إلى القرن الحادي والعشرين في تونس.

تقول الكاتبة إن البريطانيين والإيرلنديين واللبنانيين يزعمون تحدرهم من الفينيقيين القدماء. ولكن فينيقيا القديمة لم توجد قط بحسب زعمها. وهي تعتبر أن القومية الحديثة هي التي خلقت التاريخ على الصورة التي نعرفها اليوم: فكل ما نتعلمه في المدرسة أو ندرسه في الجامعة وجل ما نقرأه في بيوتنا يتشكل وفق أشكال وأنماط دولنا القومية. خذ على سبيل المثال الفينيقيين القدماء المجندين لدعم التواريخ القومية للبنان وبريطانيا وايرلندا.

وبالرغم من إدعاءات العديد من الوطنيين اللبنانيين والبريطانيين والآيرلنديين لتسجيل الفينيقيين كأسلافهم القدماء، ولكن الفينيقيين لم يتواجدوا قط كمجتمع واعٍ ناهيك عن دولة ناشئة، تقول الباحثة.

وهي ترى أنه مع إنشاء "لبنان الكبير" عام 1920 كانت الدولة المقترحة الجديدة كُلًا متناسقًا، ولكنها افتقدت إلى تاريخ مميز لتبرير استقلالها السياسي وعلم اللبنانيون أن الحركات القومية تحتاج إلى شرعنة تاريخية وماضٍ مشترك لبناء نظام حكم مشترك. وصور اللبنانيون الفينيقيين كأبطال للمشاريع الحرة على غرار أنفسهم وحاججوا بأن الجذور الفينيقية القديمة منحت اللبناني هوية غربية ذات تركيز متوسطي تختلف كثيرًا عن الثقافة الإسلامية لمنطقة سوريا الكبرى والتي اعتبروها متخلفة وبغيضة. وكان من صميم أيديولوجيتهم أنهم ليسوا عربًا.

تضيف: ومن أجل تقديم نموذج أولي وموازٍ للبنان الحديث أصر اللبنانيون على أن الفينيقيين كانوا على الدوام شعبًا مفردًا مستقلًا أو حتى أمة وحدتها الجغرافية والثقافة والدين وهوية مشتركة.

لكن لغة "الأُمَّة" ترجع إلى فترة القرون الوسطى في أوروبا بالترافق مع أفكار الشخصية القومية. ويجادل بعض علماء القومية بأننا نستطيع إرجاع تعاطفات مماثلة إلى العصور القديمة. وأوضح كتاب أنثوني د. سميث الكلاسيكي "الأصول العرقية للأمم" (عام 1986) أن المجتمعات العرقية الواعية لذاتها تواجدت منذ الألف الثالث قبل الميلاد وأن هذه المجموعات "تشكل النماذج والأساس لبناء الأمم" في العالم الحديث. ورغم أنها لا تشكل أممًا بالمغزى الحديث تشاركت هذه المجموعات بارتباطات ثقافية وعاطفية واسم مشترك وأسطورة الأصل المشترك والذاكرة التاريخية المشتركة والارتباط بأرض محددة.

وكانت فينيقيا أحد الأمثلة التي قدمها سميث مع "الولاء السياسي لولاية الفرد". واكتشف "وحدة ثقافية وعاطفية مع أقارب الفرد حيث يُفسر ذلك بالأساطير الراهنة للأصل والمحتدر…المؤسس على تراث مشترك من الدين واللغة والفن والأدب والمؤسسات السياسية واللباس وأشكال الترفيه".

تقول الباحثة: لكن ذلك كلّه إضافة إلى إدعاء سميث كان ليفاجئ الفينيقيين القدماء وهم مجموعة متباينة من الولايات المتجاورة والمتناحرة غالبًا والتي تنفصل عن بعضها البعض في معظم الأحوال بوديان الأنهار العميقة. ولم يروا أنفسهم كشعب أو مجموعة عرقية مفردة وهو النوع الذي قد يقدم "الأرضية" لبناء أمة.

تزعم الكاتبة أنه لا توجد حادثة معلومة ادعى فيها أحد الفينيقيين بتسمية أنفسهم بالفينيقيين أو أي مصطلح جماعي، وقد وصفوا أنفسهم في نقوشهم بمعايير عوائلهم الفردية ومدنهم. ولا يبدو أنهم امتلكوا ثقافة مشتركة؛ بل طورت الموانئ الفينيقية ثقافات فنية ومدنية منفصلة مستقية من أمثلة وعلاقات أجنبية مختلفة: مثلًا اتجهت جبيل (بيبلوس) نحو النماذج المصرية، بينما نحت أرادوس نحو النماذج السورية، واشتقت العمارة الصيدونية من فارس واليونان، بينما ارتبطت صور بعلاقات سياسية وتجارية وثيقة مع القدس.

كان مصطلح "فينيقي" وسم عام ابتكره المؤلفون اليونانيون القدماء يعني بحارة بلاد الشام الذين صادفوهم خلال اكتشافاتهم البحرية. ولكن بعض الكتاب الإغريق لم يستخدموا ذلك المصطلح قط لوصف مجتمع عرقي ثقافي متفرد، بحسب الكاتبة.

يتحدث المؤرخ هيرودوتس مثلًا في كثير من الأحيان– بإعجاب كبير- عن الفينيقيين ولكنه لم يكتب قط وصفًا إيثنوغرافيًا لهم، كما يفعل مع المجموعات الأخرى، مثل المصريين والإثيوبيين والفُرس. وتخلُص الباحثة إلى أن الفينيقيين لا يمثّلون الأصول العرقية القديمة للأمم الحديثة، ولكنهم يمثّلون الأصول القومية الحديثة لعرقية قديمة واحدة على الأقل. وذهبت كوين إلى أن قصة تواشج الفينيقيين القدماء مع القومية الحديثة قد بدأت مع لبنان القرن العشرين.

غير أن تسمية الإغريق للبحارة الكنعانيين بالفينيقيين لا يعني عدم وجودهم التاريخي كشعب وقومية وإن كانوا تحت تسمية الكنعانيين. لكنهم تمكنوا من تأسيس مدن ومستوطنات وحضارات في آسيا وأفريقيا وأوروبا من لبنان وسوريا إلى قبرص وتونس وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وآيرلندا.

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: القومیة الحدیثة

إقرأ أيضاً:

إنشاء مجلس أعمال مشترك بين المملكة وكينيا

الرياض : البلاد

 وقّع رئيس اتحاد الغرف السعودية حسن بن معجب الحويزي ورئيس الغرفة الوطنية الكينية للتجارة والصناعة الدكتور إريك روتو، اتفاقية إنشاء مجلس أعمال سعودي – كيني مشترك في خطوة لدفع مسار التعاون الاقتصادي بين البلدين، وذلك في إطار زيارة وفد من القطاعين العام والخاص إلى كينيا لبحث الفرص الاستثمارية.

 وأوضح الحويزي أن تأسيس مجلس أعمال بين المملكة وكينيا، يسهم في رفع حجم التعاون الاقتصادي بين البلدين، ويوفر منصة لرجال الأعمال السعوديين والكينيين للتعريف والتسويق لأنشطتهم وإقامة شراكات تجارية واستثمارية فاعلة.

 وسيُعنَى مجلس الأعمال المشترك بفتح مجالات نوعية جديدة للتعاون الاقتصادي وتسهيل التفاعل المستمر بين قطاعي الأعمال بالبلدين وتبادل المعلومات حول الفرص والأسواق وتنظيم المعارض والمؤتمرات وزيارات الوفود التجارية.

 وفي السياق ذاته، التقى وفد الأعمال السعودي بوزير الاستثمار الكيني لي كنيانجوي، الذي أكّد انفتاح كينيا على الاستثمارات السعودية، مستعرضًا الفرص المتاحة للمستثمرين السعوديين في عدة قطاعات من بينها الزراعة والثروة الحيوانية.

 من جهته أوضح رئيس اتحاد الغرف السعودية أن 25 مستثمرًا سعوديًا يعتزمون الاستثمار بكينيا في مجال الثروة الحيوانية والزراعة والتطوير العقاري والموانئ لتصدير المنتجات السعودية إلى الدول الأفريقية.

 يذكر أن حجم التبادل التجاري بين المملكة وكينيا بلغ 6 مليارات ريال في العام 2023 ، وتمثل الصادرات السعودية 91%، فيما تمثل الواردات الكينية للمملكة 9%.

مقالات مشابهة

  • شرطة تعز تعلن تسلمها مطلوبا أمنيا ضمن تنسيق أمني مشترك مع شرطة عدن
  • إنشاء مجلس أعمال مشترك بين المملكة وكينيا
  • حفريات تكشف مفاجأة صادمة.. الأوروبيون القدماء تغذوا على أدمغة أعدائهم
  • محافظ قنا يشهد احتفال يوم الشهيد ويكرّم أسر الأبطال ومصابي العمليات الحربية
  • أستاذ تاريخ: نسب بناء الأهرامات للكائنات الفضائية تطاول على المصريين القدماء
  • في «البيت» الذي ينكأ الجراحات القديمة
  • جمعية المحاربين القدامي تُكرم محاربي وأسر شهداء قنا
  • روسيا: إمداد الولايات المتحدة أوكرانيا بالأسلحة الحديثة جعل واشنطن طرفا بالصراع
  • مواطن يكشف عن هوايته لتجديد السيارات القديمة .. فيديو