خالد فضل
لعل من حسن اختيار المصطلح إطلاق صفة تنسيقية على تواطؤ مجموعات من القوى السياسية المدنية وحركات الكفاح المسلح والمهنيين وشخصيات وطنية من فئات مختلفة ومتعددة . فمثل هذا الطيف الواسع من السودانيين ؛ بخبراتهم الخلافية المتراكمة جيلا إثر جيل , يبدو من العسير إنْ لم يك مستحيلا إستمرارهم في العمل سويا .
من الحقائق أنّ التنسيق تمّ بين فصائل كلها منقسمة , أتذكر (رمية) كما نقول تسبق الأغنية , لكاظم الساهر : نصفي ثلج نصفي نار , لا النار ذوبت لي الثلج لا الثلج طفالي النار النار . كنت أعلّق على هذا المقطع وأشبهه بحالتنا السودانية العصية , بل أعمق من ذلك في شخصيتنا السودانية نفسها , وقد لخّص هذه الحالة مظفر النواب ؛ الشاعر العراقي الراحل , كأنّ الواحد منا يحمل في الداخل ضده . فليراجع كل واحد منّا بالفعل نفسه ويستخدم عقله لا قلبه لتحليل مواقفه فينظر إنْ كانت متسقة أم متضاربة . هل نجرؤ على تبني فكرة الفرد الحُر التي تحدّث عنها الأستاذ الشهيد محمود محمد طه , ومؤداها أنّ الفرد الحر يفكر كما يشاء ويقول كما يفكر ويفعل كما يقول . فهل من يدعو للوحدة مثلا قد فكّر فيها قبل قولها ؟ ثم هل عمل عليها كما قالها ؟ سيجد لدى كل فرد ؛في الغالب وليس على التعميم طبعا , قصورا في أحد الجوانب الثلاثة , ولا يحتاج الموضوع إلى كثير عناء , يمكن لكثير من الذين يتحدثون أو يكتبون أن يضعوا المعايير الثلاثة ثم يقيسوا عليها , ولا ينزعج الناس كثيرا لهذا الأمر , فهو من مسائل الكدح الذاتي التي يمكن للمرء أن يترقى فيها ذاتيا وبدون مدرسة أو وعظ بائخ . فقط فكّر كما تريد , قل ما تفكّر به كما هو , أتبع ذلك بعمل ما قلته , سيحدث إتقان في كثير من الممارسات باستخدام معيار الحرية الفردية , وفي أبسط المعاملات اليومية , فكّر في النظام , قل سأطبقه في نشاطاتي , نفذ قولك . وهكذا كل فرد يفعل وبالنتيجة ستجد طابور الخبز قد انتظم , والجوازات و .. إلخ بل حتى التنسيق والتحالف سينتظم لأنّه يشمل قاعدة حرة مستقيمة .
الفكرة رائعة وعظيمة وراء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية . لكن دار في ذهني سؤال الآن , هل حركات الكفاح المسلّح قوى مدنية ؟ أم أنّها في الحقيقة قوى سياسية مسلّحة . أتصور أنّها تعتمد الكفاح المسلّح لتحقيق غايات نبيلة , وهذا من حقّها طبعا إذ لا يجوز لشخص يرفض الظلم أنْ يحدد للآخرين وسيلة مقاومته , لكن في نفس الوقت لا يمكن أنْ يكون من يكافح عسكريا ضمن تحالف وسيلته الأساسية الكلمة والتعبير السلمي بدون عنف , وقد شهدنا وشهد العالم كله كيف كان الحراك الجماهيري العظيم في ثورة ديسمبر المجيدة وقوامه الأساس الشباب والنساء في المدن بصورة عامة والخرطوم على وجه خاص . صحيح لا يمكن نفي مشاركة عناصر مدنية كثيرة من مناصري حركات الكفاح المسلح في تلك الثورة , وهنا يحضر صوت كاظم الساحر نصفي ثلج نصفي نار .
في تقديري , واحد من أسباب انهيار أي تحالف هو عدم إتساق البنية الأساسية لتنظيماته , المدخل لبناء الدولة المدنية الديمقراطية يتكون من تنظيمات مدنية ديمقراطية , حاصل جمع أعداد سالبة يحقق رقم أكبر لكنه في السالب . وجمع أعداد موجبة مع سالبة يقود إلى الصفر في حالة تساويها مع إختلاف الإشارة فقط . حتى المنظمات الإقليمية تنطبق عليها ذات القاعدة , لذلك نلحظ الفرق الواسع بين الإتحاد الأوربي والإتحاد الإفريقي . وفي تجارب السودايين فشلت إتفاقيتان مشهودتان لتحقيق السلام في السودان (جنوب السودان تحديدا) لأنّ واحدا من أهم عيوبهما هو عدم التماثل في النظام السياسي بين الخرطوم وجوبا , وأوضح الفرق كان على أيام إتفاقية أديس أبابا 1972م , فقد تمتعت الساحة السياسية الجنوبية بحيوية تعددية فيما كان الشمال يعاني من وطأة هيمنة الإتحاد الإشتراكي كحزب آحادي مهيمن على الحكم , وتكررت التجربة مع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بجامع الهيمنة في الخرطوم وجوبا . ولأنّ الهيمنة لا تحقق الحرية للناس , لم يتحقق السلام وانفرط عقد الوحدة الواهي أصلا .
الآن انفرط عقد التنسيق بين مكونات تقدّم , وليس في الأمر غرابة أو شماتة , القضية ليست مكاواة بين مشجعي الريال وبرشلونة _ الهلال والمريخ _ في السودان سابقا . المسألة خيارات سياسية يراها كل فريق بأنها الأصوب ولم يتوصلا لنقطة تلاق حولها . وهي مسألة قيام حكومة في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع , إسوة بالسلطة التي يهيمن عليها الجيش في مناطق سيطرته . النتيجة واحدة وهي تشكيل حكومة تحت هيمنة القوات المسلحة , كون الدعم السريع يوصف بالمليشيا المتمردة أو غيرها من صفات القدح , هذا لا يغيّر من الحقيقة في شئ . كون الدعم السريع ارتكب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان , هذا المعيار لم يتخذ في أي وقت من التجارب السودانية المبذولة كرافعة لتولي الحكم , ودوننا الرئيس البشير وعبدالرحيم محمد حسين وأحمد هرون الذين كانوا حكامنا تفرش لهم البسط الحمراء ويستقبلون بالهتافات والأناشيد الجهادية في كل منطقة يزورونها , بينما يقبع من يقول إنهم متهمون بإنتهاكات حقوق الإنسان في السودان في السجون .
هذا مربط الفرس كما يقال , أي صنف من الحكام يريد السودانيون ؟ أي نظام يفكرون في أنّه سينقلهم لخانة العيش في العصر الحديث في كنف عهود ومواثيق واتفاقات حقوق الإنسان ذات الطبيعة العالمية . نظام الهيمنة العسكرية بسمعتها السيئة في مضمار الإنتهاكات أم نظام مدني ؛ يبدأ ضعيفا ثم يكبر وينمو ويقوى بمشاركتنا الجماعية فيه عبر الوسائل السلمية التي توفر لنا البيئة المناسبة لنفكر كما نشاء ونقول كما نفكر ونفعل كما نقول من منطلق حريتنا الفردية , لأن الفرد هو نواة المجتمع الأولى فإن صحّ صحّ المجتمع وإن مرض مات المجتمع .
الوسومخالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد فضل
إقرأ أيضاً:
محافظ السويس يوجه بسرعة التنسيق لإرسال قافلة للدعم والإغاثة لصالح الشعب الفلسطيني في قطاع غزة
عقد اللواء أ.ح طارق حامد الشاذلي محافظ السويس، إجتماعًا بقاعة المحافظة الرئيسية، حضره ممثلي المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، والمنطقة الحرة ومدينة السويس الجديدة والغرفة التجارية المصرية للتنسيق والإعداد لإرسال قافلة الإغاثة والمساعدات الإنسانية على مستوى المحافظة لدعم الشعب الفلسطيني، والتي تشمل شاحنات محملة بالمواد الغذائية والأدوية وبطاطين والملابس تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية.
وأكد محافظ السويس خلال الاجتماع أن هذه المبادرة تأتي في إطار الواجب الإنساني مع الأشقاء الفلسطينين، مشيرًا إلى أن المحافظة ستواصل تقديم كل الدعم الممكن بالتنسيق مع الجهات المعنية لتنفيذ المبادرة.
وخلال الاجتماع أكد محافظ السويس على مؤسسات المجتمع المدني بالتنسيق والتعاون المستمر لدعم مثل هذه القضايا الهامة، مؤكدا علي أهمية تكثيف الجهود لضمان تجهيز القافلة وإرسالها بسرعة للأشقاء في غزة.
وأعرب المحافظ عن أهمية دعم أخواننا في غزة مؤكدا علي أن المحافظة تعمل جاهدة على دعم وارسال المساعدات الغذائية والطبية وتدبير الشاحنات الكاملة التي تشمل ( ملابس وأدوية وبطاطين ومواد غذائية )، مؤكدا ان هذا العمل مهمة قومية تؤكد دور وجهود مصر في دعم غزة ويعكس موقفا انسانياً ثابتاً.
جاء ذلك بحضور الدكتور عبد الله رمضان نائب المحافظ، واللواء أحمد الاسكندراني السكرتير العام للمحافظة و عبد العال البدرى السكرتير العام المساعد والنائب احمد خشانة والنائب حافظ شوشة عضوا مجلس الشيوخ ومديري مديرية التضامن الاجتماعي، ورئيس الاتحاد الإقليمي للجمعيات الأهلية ورؤساء بعض الجمعيات ورئيس الغرفة التجارية المصرية بالسويس وأعضاء مجلس الادارة بالغرفة وممثلي المنطقة الحرة ومدينة السويس الجديدة.