التطرف والمسارات المعقدة لمأزق الحداثة
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
تشغل قضية التطرف العالم أجمع، حتى كأنها صارت أكبر القضايا التي تهدد استقرار المجتمعات وأمنها ومسارها نحو المستقبل. هذا الأمر يطرح أهمية قراءة هذه القضية بشكل عميق يذهب إلى أصل نشوء التطرف وأسبابه.
لقد شهد العالم خلال القرن الماضي تداخلًا كبيرًا في الحدود بين الهويات الوطنية والثقافات التي أنتجتها العولمة ما جعل الأنظمة رهينة لتحولات اقتصادية غير مستقرة، وجد فيها التطرف مساحة مناسبة ليعيد إنتاج نفسه بوصفه نتيجة مباشرة لاختلالات أعمق في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الهوية والانتماء، وبين السلطة والفرد.
لكن السؤال الجوهري هنا: كيف يمكن للمجتمعات أن تتصدى لهذه الظاهرة دون أن تقع في فخ القمع أو إعادة إنتاج أسباب التطرف ذاتها؟ إن الإجابة لا تكمن في حلول جزئية، بل في تبنّي نهج فكري وسياسي يستهدف الجذور لا الفروع، وهذا يعني ضرورة بناء أنظمة تعليمية تُحرر العقول لا تقيّدها، وسياسات اقتصادية تُقلّص الفجوة بين الفئات الاجتماعية بدل أن تعمّقها، ومؤسسات ثقافية تُعيد الاعتبار للفكر النقدي كممارسة يومية لا كترفٍ نخبوي.
إن سلطنة عُمان أحد النماذج المهمة التي لا بد أن تُقرأ عالميًّا في سياق فهم آليات التعامل الناجح مع التطرف والعنف؛ فهي أحد النماذج الناجحة التي استطاعت بكثير من الكفاءة أن تخلق توازنًا بين ترسيخ الهُوية الوطنية والانفتاح على العالم، وبين صيانة الاستقرار وتعزيز الحريات، وبين الالتزام بالقيم الأصيلة والانخراط الواعي في العصر الحديث. وهذه المقاربة باتت اليوم ضرورة وجودية في هذا العالم الذي يتآكل فيه المعنى وتتصاعد فيه التوترات التي إن لم تُفهم أسبابها بعمق ستظل تنتج العنف في صور أكثر تعقيدًا وخطورة.
ولا بد من فهم أن مقاومة التطرف ليست حربًا على أشخاص أو جماعات، بل هي معركة طويلة مع المفاهيم المشوهة، ومع الهويات المضطربة، ومع بنى القهر والظلم التي تجعل العنف خيارًا ممكنًا، بل في بعض الأحيان خيارًا وحيدًا، ولأن الفكر هو السلاح الأول في هذه المواجهة، فإن أي جهد لا ينطلق من تفكيك التناقضات العميقة في هذا العالم الذي نعيشه، سيظل مجرد استجابة سطحية لمشكلة لا تزال تتجذر في صميم الحداثة ذاتها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
تكريم «تريندز» بجائزة المؤسسة الرائدة في مكافحة التطرف
حاز مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» جائزة المؤسسة الرائدة في مجال مكافحة التطرف، التي يمنحها منتدى العلاقات الخارجية في بريطانيا.
وسلم الجائزة عضو البرلمان البريطاني دانيال كاتشينسكي، للدكتور محمد العلي، الرئيس التنفيذي لـ«تريندز»، خلال حلقة نقاشية عُقدت في مجلس اللوردات البريطاني، بحضور عدد من أعضائه وباحثين وخبراء، وبحثت أهمية مواجهة الفكر المتطرف وخطر الجماعات والتنظيمات الإرهابية على الاستقرار العالمي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين.
وهذه المــرة الثانية التي يكـرّم «تريندز» تحت قبة البرلمان البريطاني، لمساهماته الفاعلة فـي التصــدي للأفكـــار المتطرفة، وتعزيز الخطاب المعتدل المستند إلى البحث والتحليل العلمي. (وام)