لجريدة عمان:
2025-02-11@21:17:24 GMT

التطرف والمسارات المعقدة لمأزق الحداثة

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

التطرف والمسارات المعقدة لمأزق الحداثة

تشغل قضية التطرف العالم أجمع، حتى كأنها صارت أكبر القضايا التي تهدد استقرار المجتمعات وأمنها ومسارها نحو المستقبل. هذا الأمر يطرح أهمية قراءة هذه القضية بشكل عميق يذهب إلى أصل نشوء التطرف وأسبابه.

لقد شهد العالم خلال القرن الماضي تداخلًا كبيرًا في الحدود بين الهويات الوطنية والثقافات التي أنتجتها العولمة ما جعل الأنظمة رهينة لتحولات اقتصادية غير مستقرة، وجد فيها التطرف مساحة مناسبة ليعيد إنتاج نفسه بوصفه نتيجة مباشرة لاختلالات أعمق في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الهوية والانتماء، وبين السلطة والفرد.

ولأن كل فعل عنيف يستبطن داخله سردية تبريرية، يصبح من الضروري ألا نكتفي بإدانة الظاهرة في مظاهرها السطحية، بل أن نتعمق في بنيتها، وفي نشأتها، وفي المناخات التي تجعلها ممكنة. وقدّمت الكثير من الدراسات المتخصصة التي قرأت البُنى الإمبريالية وأثرها في تشكيل الهويات المشوهة، فهمًا جوهريًّا لمشكلة التطرف، خلصت إلى حقيقة أن الإقصاء الثقافي والاقتصادي عادة ما يولّد لدى الأفراد والجماعات شعورًا مستمرًا بالاغتراب، يُنتج بدوره نزعة رفض جذري تجاه منظومة الحداثة السائدة. فالحداثة، التي تُقدَّم غالبًا بوصفها مشروعًا تحرريًّا، كانت -في كثير من الحالات- مشروعًا إقصائيًّا فرض نفسه من خلال العنف الرمزي والمادي، ما أدى إلى خلق توترات لم تُحسم بعد، بل أُعيد إنتاجها في أشكال مختلفة، من الإرهاب العابر للحدود إلى القوميات الانعزالية، ومن التطرف الديني إلى التطرف الأيديولوجي. إن مقاربة التطرف العنيف من زاوية أمنية بحتة تفشل في إدراك التعقيد الذي يحكم هذه الظاهرة؛ فالعنف لا ينشأ في فراغ ولا من فراغ، وإنما هو رد فعل على منظومة يشعر الأفراد بأنها سلبتهم القدرة على تقرير مصيرهم، سواء عبر السياسات الاقتصادية، أو الأنظمة التعليمية التي تكرّس الامتثال على حساب التفكير النقدي، أو الإعلام الذي يُعيد إنتاج الصور النمطية، أو حتى المؤسسات الدينية التي تفرغ الخطاب الديني من أي محتوى تحرري ليصبح أداة لتبرير الصور النمطية لا لمساءلتها.. في هذه البيئة، يصبح العنف، بالنسبة للبعض، الوسيلة الوحيدة لفرض الذات، حتى لو كان ذلك عبر التدمير الذاتي والجماعي.

لكن السؤال الجوهري هنا: كيف يمكن للمجتمعات أن تتصدى لهذه الظاهرة دون أن تقع في فخ القمع أو إعادة إنتاج أسباب التطرف ذاتها؟ إن الإجابة لا تكمن في حلول جزئية، بل في تبنّي نهج فكري وسياسي يستهدف الجذور لا الفروع، وهذا يعني ضرورة بناء أنظمة تعليمية تُحرر العقول لا تقيّدها، وسياسات اقتصادية تُقلّص الفجوة بين الفئات الاجتماعية بدل أن تعمّقها، ومؤسسات ثقافية تُعيد الاعتبار للفكر النقدي كممارسة يومية لا كترفٍ نخبوي.

إن سلطنة عُمان أحد النماذج المهمة التي لا بد أن تُقرأ عالميًّا في سياق فهم آليات التعامل الناجح مع التطرف والعنف؛ فهي أحد النماذج الناجحة التي استطاعت بكثير من الكفاءة أن تخلق توازنًا بين ترسيخ الهُوية الوطنية والانفتاح على العالم، وبين صيانة الاستقرار وتعزيز الحريات، وبين الالتزام بالقيم الأصيلة والانخراط الواعي في العصر الحديث. وهذه المقاربة باتت اليوم ضرورة وجودية في هذا العالم الذي يتآكل فيه المعنى وتتصاعد فيه التوترات التي إن لم تُفهم أسبابها بعمق ستظل تنتج العنف في صور أكثر تعقيدًا وخطورة.

ولا بد من فهم أن مقاومة التطرف ليست حربًا على أشخاص أو جماعات، بل هي معركة طويلة مع المفاهيم المشوهة، ومع الهويات المضطربة، ومع بنى القهر والظلم التي تجعل العنف خيارًا ممكنًا، بل في بعض الأحيان خيارًا وحيدًا، ولأن الفكر هو السلاح الأول في هذه المواجهة، فإن أي جهد لا ينطلق من تفكيك التناقضات العميقة في هذا العالم الذي نعيشه، سيظل مجرد استجابة سطحية لمشكلة لا تزال تتجذر في صميم الحداثة ذاتها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

محمد بن راشد يلتقي كلاوس شواب ويؤكد أهمية تمكين الحكومات من مواكبة التغيرات الجذرية التي يشهدها العالم

التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، اليوم، البروفيسور كلاوس شواب، رئيس مجلس أمناء المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس»، وذلك ضمن أعمال اليوم التمهيدي للقمة العالمية للحكومات 2025 التي تنطلق غداً وتستمر حتى 13 فبراير الجاري تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل».

ورحب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بمشاركة البروفيسور شواب في أعمال القمة العالمية للحكومات 2025، مثمناً سموه دور منتدى «دافوس» في تعزيز التعاون الدولي، وفتح آفاق جديدة أمام أصحاب القرار في العالم لتمكينهم من مواجهة التحديات التنموية والاقتصادية.
وجرى، خلال اللقاء الذي حضره سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، رئيس مجلس دبي للإعلام، وسمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي الرياضي، ومعالي محمد عبد الله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات، استعراض سبل توثيق الشراكات بين حكومات العالم، وصياغة رؤى مشتركة عبر الحوار وتبادل التجارب والخبرات، وكيفية استثمار الفرص الكبيرة التي تتيحها التجمعات العالمية الكبرى مثل القمة العالمية للحكومات، ومنتدى «دافوس» من أجل الارتقاء بالعمل الحكومي والأداء المؤسسي، بما ينعكس إيجابياً على الاقتصاد العالمي.

أخبار ذات صلة رئيس الدولة ومحمد بن راشد يرحبان بضيوف الإمارات المشاركين في القمة العالمية للحكومات 2025 أول تأشيرة بيئية للسائح المسؤول تعرضها «القمة العالمية للحكومات»

وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التزام دولة الإمارات الدائم بالعمل على تطوير رؤية عالمية موحدة لاستشراف التحديات المقبلة، واستكشاف الفرص الاستثمارية والاقتصادية، بما يضمن تحقيق المستهدفات التنموية في مختلف المجتمعات، وتعزيز ثقة الأجيال الجديدة بالمستقبل.
وأشار سموه إلى أن القمة العالمية للحكومات، تتزايد أهميتها من خلال دور محوري مؤثر في تمكين الحكومات لتكييف أدوارها وأدواتها لمواكبة التغيرات الجذرية التي يشهدها العالم، وتعزيز قدراتها على الاستفادة من هذه التغيرات للنهوض بواقع مجتمعاتها نحو الأفضل.
من جانبه، أشاد البروفيسور كلاوس شواب بالدور الحيوي لدولة الإمارات في دعم التعاون الدولي وبناء جسور متينة بين حكومات العالم، بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي على مستوى العالم.

ونوه شواب بالمكانة المرموقة للقمة العالمية للحكومات، وقدرتها على حشد جهود الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية من أجل مواجهة التحديات التنموية، والقضايا المُلحّة التي تشغل العالم.
ويشارك البروفيسور كلاوس شواب، في أعمال القمة العالمية للحكومات 2025 عبر جلسة رئيسية بعنوان: «الحكومات في عصر الذكاء الاصطناعي».
وتجمع القمة العالمية للحكومات 2025 أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة، وأكثر من 80 منظمة دولية وإقليمية، إضافة إلى 140 وفداً حكومياً ونخبة من قادة الفكر والخبراء العالميين، وبحضور أكثر من 6000 مشارك.
وتضم أجندة القمة 21 منتدى عالمياً تبحث التوجهات والتحولات المستقبلية العالمية الكبرى في أكثر من 200 جلسة رئيسية وحوارية وتفاعلية، يتحدث فيها أكثر من 300 شخصية عالمية من الرؤساء والوزراء والخبراء والمفكرين وصُنّاع القرار، إضافة إلى عقد أكثر من 30 طاولة مستديرة واجتماعاً وزارياً، بمشاركة أكثر من 400 وزير، فيما تُصدر القمة 30 تقريراً استراتيجياً بالتعاون مع شركاء المعرفة الدوليين.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • التطرف والإرهاب.. ومعاناة العالم الكبيرة
  • حمدان بن محمد: القمة العالمية للحكومات تمثل الإمارات التي تجمع العالم
  • روسيا: سلطات كييف «تتفاخر» بالأعمال الإرهابية التي تنفذها
  • محمد بن راشد يلتقي كلاوس شواب ويؤكد أهمية تمكين الحكومات من مواكبة التغيرات الجذرية التي يشهدها العالم
  • محمد بن راشد يلتقي كلاوس شواب ويؤكد أهمية تمكين الحكومات من مواكبة التغيرات التي يشهدها العالم
  • صحف العالم .. ترامب يذهب بالجميع إلى التطرف .. ورفض أوروبي لدعوات الرئيس الأمريكي المتكررة حول غزة
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية
  • علي تقدم إحداث تغيير في مواقفها
  • هكذا انكشف قناع الغرب أمامنا