الجزيرة:
2025-02-11@21:14:51 GMT

ديفيد لينش سيد الغموض وأيقونة السينما السريالية

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

ديفيد لينش سيد الغموض وأيقونة السينما السريالية

ديفيد لينش، أحد أكثر المخرجين تأثيرا في السينما الحديثة، صنع لنفسه مكانة بارزة في عالم الأفلام بفضل أسلوبه الفريد الذي يمزج بين الرمزية والتجريد لاستكشاف النفس البشرية. تنوعه الإبداعي كرسام ومصور ومصمم ديكور أضفى على أعماله عمقًا بصريًا وسرديًا معقدًا، مما جعلها استثنائية ومتميزة.

التعارف الأول مع الجمهور

بدأ لينش مسيرته الفنية كرسام قبل أن ينتقل إلى عالم السينما، وهو ما انعكس بقوة على أسلوبه البصري.

أول أفلامه الروائية الطويلة رأس ممحاة (Eraserhead) عام 1977 كان تجربة غير تقليدية على مستوى السرد والصورة، حيث يدور في عالم كابوسي يعج بالخراب واليأس، متتبعًا رحلة البطل عبر أحداث غرائبية مبهمة.

ديفيد لينش: تميز الفيلم بموسيقاه التصويرية غير المريحة (رويترز)

تميز الفيلم بموسيقاه التصويرية غير المريحة، التي ألفها لينش بالتعاون مع آلان سبليت، إلى جانب الزخارف البصرية الحسية ومشاهد الأحلام اللاعقلانية، وهي عناصر ستصبح لاحقًا من سمات سينماه المميزة. كشف هذا العمل عن شغف لينش بالرموز البصرية المتعددة التأويل، وبرز فيه أسلوبه السريالي الذي يعتمد على الإيحاء والرمزية بدلا من الطرح المباشر للأفكار.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مع تصاعد نجاحات أفلام التيار المحافظ.. هل تضطر هوليود لتغيير جلدها؟list 2 of 2شادية.. أيقونة البهجة التي أخفت آلامها وودّعت الأضواء بصمتend of list الطريقة اللينشية

تمتلئ أفلام ديفيد لينش بجماليات أدبية، سردية، وبصرية مميزة، لكن مصطلح "اللينشية" لا يقتصر فقط على الموضوعات والصور الغرائبية التي تتكرر في أعماله، والتي غالبًا ما تكشف الجانب المظلم من الأساطير التي تروجها أميركا عن عظمتها ورخائها والحلم الأميركي. بل يمتد ليشمل الأزياء، الأماكن، المشاعر، والأداء الفني، ليشكل تجربة حسية متكاملة تغمر المشاهد، وكأنه ينزلق داخل حلم أو كابوس يخص شخصًا آخر.

في علم النفس، يشير مصطلح "أنكاني" (Uncanny)، الذي صاغه علماء مثل إرنست جينتش وسيغموند فرويد، إلى ذلك الشعور بالغرابة أو الغموض الذي ينتاب الشخص عند مواجهة شيء مألوف لكنه يحمل عنصرًا غير مفسر يثير القلق. يظهر هذا الإحساس في منزل يبدو آمنًا لكنه مسكون، أو روبوت يحاكي البشر بطريقة تثير التوتر، أو مرآة مكسورة تعكس صورة مشوهة لما كان جميلا. هذا الشعور المقلق هو جوهر تجربة مشاهدة أفلام ديفيد لينش، حيث يزرع في وعي المشاهد إحساسا دائما بعدم الاستقرار، وكأن الواقع نفسه قد تعرض للانحراف.

ديفيد لينش دمج في أفلامه عناصر السريالية البصرية والسردية مبرزًا التأثير العميق للسريالية الأوروبية الشرقية (رويترز) السريالية السردية والبصرية في أفلام لينش

دمج ديفيد لينش في أفلامه عناصر السريالية البصرية والسردية، مبرزًا التأثير العميق للسريالية الأوروبية الشرقية، بأسلوب يذكّر بأعمال المخرجة التشيكية فيرا شيتيلوفا والقصص القصيرة لفرانز كافكا. هذا التأثير بدا واضحًا في فيلمه "الرجل الفيل" (The Elephant Man) عام 1980، من بطولة أنتوني هوبكنز، جون هيرت، وآن بانكروفت، حيث لعبت الموسيقى التصويرية والمؤثرات البصرية دورًا أساسيًا في تعزيز الأجواء الفيكتورية للقصة.

إعلان

يدور الفيلم حول الجراح فريدريك تريفز، الذي يلتقي مؤدي العروض جون ميريك، وهو رجل يعاني من تشوهات شديدة في الهيكل العظمي والأنسجة الرخوة، مما يدفع الناس للاعتقاد بأنه معاق عقليا. لكن مع مرور الوقت، يكتشف تريفز أن وراء هذا المظهر المشوه ذكاء، وكرامة، ولطفا إنسانيا عميقا، مما يجعل القصة رحلة مؤثرة في إدراك الجوهر الإنساني المخفي وراء المظاهر الخارجية.

التجريب السينمائي في الإمبراطورية الداخلية

في فيلمه "الإمبراطورية الداخلية" (Inland Empire) عام 2006، قدّم لينش رؤية سينمائية شخصية للغاية، متجاهلا أي مخاوف تتعلق بالمخاطرة في التجريب السينمائي. تخلى عن جودة الصورة الغنية التي ميزت أفلامه السابقة، واختار التصوير بكاميرات فيديو استهلاكية متاحة في الأسواق العامة، مما جعل الفيلم أشبه بتجربة بصرية تجريبية، أقرب إلى شريط سينمائي غامض لم يُستكمل بعد.

تدور القصة حول الممثلة نيكي غريس، التي تجد نفسها على حافة تساؤلات وجودية حول الزمن، الهوية، والسينما ذاتها. من خلال شخصيتها، يأخذنا لينش في رحلة داخل أعمق زوايا اللاوعي الإنساني، حيث تتداخل المشاهد والأحداث في تجربة أقرب إلى الأحلام والكوابيس.

في عام 2023، أُعيد ترميم النسخة الأصلية للفيلم بجودة عالية، لكن جوهر الصورة التجريبية لم يتغير، مما يؤكد أن جودة الصورة المنخفضة لم تكن مجرد صدفة، بل كانت قرارًا فنيا متعمدا من لينش. وكأن الجمهور يشاهد فيلمًا منزليًا، لكن من بطولة لورا ديرن، جيرمي أيرونز، وجاستن ثيرو، مما يزيد من الإحساس الغرائبي والتجريبي الذي يميز الفيلم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات سينما دیفید لینش

إقرأ أيضاً:

مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «15»

(اعتبارًا من هذه الحلقة، ستتوقف مادة «أنساغ» مؤقتًا، وستستأنف صدورها بعد عطلة عيد الفطر السعيد. وكل عام وأنتم بخير).

يستلهم عبدالمجيد حاجي فـي أطروحة الدكتوراة المذكورة فـي الحلقة السابقة من هذه المادة منظري النوع السينمائي الكلاسيكيين، وعلى رأسهم تومس شاتس Thomas Schatz فـي مقاربته التطورية على وجه الخصوص، وفـي هذا فإن حاجي يبحث بنية ما يدعوه «النوع السينمائي الشرقي» (Oriental Genre) عبر دراسة فئاته (الواقعية -الكولونيالية، والسايكولوجية -الاستشراقية، والفنتازية، إضافة إلى تحديد الخصائص البارزة فـي الحبكة، والشخصيات، وأماكن وقوع الأحداث، والأيقونوغرافـيا (1).

ثمة أيضًا أطروحة دكتوراة أخرى أقل أهمية أنجزها باسم عيسى العتوم Basem Essa Alatom. يتكون العمود الفقري لهذه الأطروحة من محاولة إجراء تحليل نصي مقرب لرواية ليون أرسي Leon Ursi «الحاج»، وهي رواية تتعلق بالصراع العربي – «الإسرائيلي» (2) (سأشير لاحقا إلى جهد بحثي يتعلق بدراسات النوع السينمائي فـيما يتعلق بالأفلام التي تتعامل مع «الشرق الأوسط»). يمكن كذلك اعتبار أطروحة دكتوراة أنجزها وليد رعد Walid Raad دليلًا على اهتمام متنام بمختلف جوانب التمثيلات (representations) الثقافـية لمنطقة «الشرق الأوسط» (3).

أما الاستثناء المهم الآخر فهو عمل جاك شاهين Jack Shaheen الذي كان له سبق الريادة فـي دراسة صورة العربي فـي التلفزيون الأمريكي، والذي يحاجج فـيه أن «التلفزيون (الأمريكي) ينزع لإدامة أربع أساطير أساسية عن العرب: إنهم جميعًا أثرياء بصورة خرافـية، وأنهم بربريون بلا ثقافة، وأنهم مهوسون جنسيون مولعون بالرقيق الأبيض، وأنهم يجدون متعة بالغة فـي الإرهاب». ويرى شاهين أن جذور هذه الصور النمطية توجد فـي أفلام هوليود، ولذلك «فإن النتيجة هي أن العربي التلفزيوني يصبح إعادة عرض لإعادة عرض» (4). ولشاهين أيضا كراس مطبوع ومحدود التوزيع عن الصور النمطية للعرب والمسلمين فـي الثقافة الأمريكية (5)، كما أن له مساهمات ذات علاقة بالموضوع منشورة فـي مطبوعات متخصصة وعامة (6).

بيد أن مساهمة شاهين الرئيسة الأكبر، من الناحية التوثيقية، هي كتابه الذي صدرت ترجمته العربية فـي جزأين مترجمين إلى العربية بعنوان «الصورة الشريرة للعرب فـي السينما الأمريكية» (7). والكتاب عبارة عن «كاتلوغ» توثيقي ضخم يشمل أكثر من تسعمائة فـيلم روائي غالبيتها العظمى أمريكية إضافة إلى عدد قليل من الأفلام غير الأمريكية أنتجت بين عام 1896 وعام 2001. وتتضمن مواد هذا الكتاب مراجعات سينمائية موجزة و/أو معلومات حول الإنتاج للسواد الأعظم من الأفلام التي تتضمنها قائمة الكتاب، حيث يختار شاهين ويعزل مقاطع من حوارات ومشاهد من أجل تقديم أدلة توضح تشويه صورة العربي فـي تلك الأفلام التي يتقاسمها، فـي تصوره، خمسة أنواع من العرب: أشرار، وشيوخ، ومصريون (وهو يقصد بذلك المصريين القدماء)، وعذارى، وفلسطينيون.

ويصف المؤلف «شيوخ» هوليود فـي أفلامها الميلودرامية الرومانسية بأنهم «أضحوكات ملتفة بملاءات كيفما اتفق، قذرين، حكام طويلي الأنوف المحدبة عازمين على أسر شقراوات ذوات وجوه شاحبة وضمهن إلى حريمهم». ويقترح شاهين أن شيوخ هوليوود قد ورثوا سلوكهم الشائن من أسلافهم الذين أساءت لهم السينما الأمريكية بدورها: الإفريقي الأمريكي «الزنجي/ العبد»، والآسيوي «الحيواني»، و«اللاتيني الداعر» (8). غير أن شاهين يرصد الملامح والتغيرات التي طرأت على صورة «الشيخ» عبر عقود من الزمن من «كان يا ما كان فـي قديم زمان ألف ليلة وليلة... التي تري شيوخا متبطلين، مرتخين على العروش. لكن الأفلام المعاصرة تري شيوخًا نفطيين، محاربين، متباهين بجلستهم المسترخية فـي سيارات الرولز رويس، تواقين لشراء أجزاء من أمريكا» (9). وإضافة إلى الأنواع السينمائية «العربية» الخمسة الرئيسة المتفشية فـي السينما الهوليودية التي يقترحها شاهين، والتي سبق أن أشرت إليها، فإن هناك فئة سادسة، ولكنها عامة، يرسم خطوطها على أنها مستمدة من تلك الأنواع الخمسة، وهي فئة الظهور السينمائي العابر، الـ«كاميو» (10).

وللنقاش صلة.

---------------------------------

(1): Abdelmajid Hajji, “The Arab in American Silent Cinema: A Study of a Film Genre.” Diss. University of Kansas, 1993.

للوقوف على مقاربة شاتس بالتفصيل، انظر:

Thomas Schatz, Hollywood Genres: Formulas, Filmmaking, and the Studio System (New York: Random House, 1981).

(2): Basem Essa Alatom, “Orientalist Stereotyping in Modern American Popular Culture.” Diss. University of Texas at Arlington, 1997.

(3): Walid Raad, “Beirut... (a la foile): A Cultural Analysis of the Abduction of Westerners in Lebanon in the 1980s.” Diss. University of Rochester, 1996.

(4): Jack Shaheen, The TV Arab (Bowling Green: Bowling Green State University Popular Cultural Press, 1985), 4, 5.

(5): Jack Shaheen, Arab and Muslim Stereotyping in American Culture (Washington, D. C: The Center for Muslim-Christian Understanding of Georgetown Univesity, 1985).

(6): من تلك المساهمات:

“TV: Arab as Terrorist,” Cineaste 17, no. 1 (1989): 3-12, «The Hollywood Arab,» Journal of Popular Film and Television 14, no. 4 (1987): 148-157 and «My Turn: The Media›s Image of Arabs,» Newsweek, 29 February 1988, 10.

(7): جاك شاهين، «الصورة الشريرة للعرب فـي السينما الأمريكية»، ت، خيرية البشلاوي (القاهرة: المركز القومي للترجمة)، 2013.

(8): Jack Shaheen, Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies Arabs (New York: Olive Branch Press, 2001), 19.

كما أصدر شاهين لاحقا كتابا متعلقا بصورة العربي فـي أفلام السينما الأمريكية التي انتجت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 هو:

Gulity: Hollywood’s Verdict on Arabs after 9/11 (New York: Olive Branch Press, 2008).

(9): Jack Shaheen, Reel Bad Arabs, 21.

(10): الـ»كاميو» (cameo) أو «ظهور الكاميو» (cameo appearance) فـي الاصطلاح السينمائي: ظهور سريع لممثل أو مخرج سينمائي مشهور فـي الفـيلم بنوع من التوقيع الذاتي, وبطريقة لا تمس جوهر الأحداث (كما كان يفعل ألفرد هتشكك Alfred Hitchcock فـي كل الأفلام التي أخرجها)، أو أن يكون ذلك الظهور السريع لشخصية لامعة من خارج حقل السينما، ويأتي ذلك على نحو التوقير والتبجيل ذوي الصلة الوثيقة بموضوع الفـيلم (كما فـي حالة ظهور المناضل الأفريقي وأول رئيس أسود لجنوب أفريقيا نلسن ماندلا Nilson Mandella ممثلا دور نفسه فـي فـيلم سبايك لي Spike Lee «مالكم إكس» [Malcolm X]، الولايات المتحدة الأمريكية، 1992، وذلك من حيث الصلة الكفاحية بين الرمزين التاريخيين الكبيرين). وغالبًا ما يلجأ المنتجون والمخرجون السينمائيون إلى «ظهور الكاميو» لأغراض رمزية، وتسويقية، وتجارية.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني

مقالات مشابهة

  • منصة “إكس” في “اكسبوجر” 2025 تستضيف عدداً من الخطابات لأبرز رواة القصص البصرية
  • حقوق المرأة في السينما المصرية ضمن نقاشات ثقافة الفيوم
  • ندوة ثقافية تكشف أهمية العمارة في السينما المصرية
  • ديفيد هيرست: تصريحات ترامب ونتنياهو تدفع ابن سلمان لتغيير خطابه
  • ديفيد هيرست: تصريحات ترامب ونتنياهو تدفع ابن سلمان على تغيير خطابه
  • مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «15»
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية
  • فاينانشال تايمز: الشركات الأوروبية تحذر من الغموض بشأن الرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب
  • وداعاً ساحر السينما المستقلة.. دافيد لينش