«مذكرات نشال».. نظرة بانورامية على مصر في نهاية عشرينيات القرن العشرين
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
3 سنوات كاملة قضاها الكاتب والباحث أيمن عثمان فى التدقيق والتحقيق حول كتاب «مذكرات نشال»، تأليف المعلم عبدالعزيز النص، الذى نشر للمرة الأولى فى نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن الماضى، حيث قرر «عثمان» أن يعود إلى تلك الحقبة الزمنية، ليلقى الضوء من خلالها على فئة من فئات الشوارع الخلفية، ويستعرض من خلالها عوالمهم ومفرداتهم وقوانينهم، ويعيد تقديم المذكرات مرة أخرى بعد البحث والتدقيق فيها، وإلحاقها بملحق من أرشيف الصحافة المصرية، يضم العديد من الحوادث المشابهة التى وقعت فى مصر خلال تلك الفترة.
بعد ما يقرب من 21 يوماً على نشر المذكرات فى معرض الكتاب عام 2024، تلقى أيمن عثمان مكالمة هاتفية من المنتج محمد جبيلى، الذى تحمس للكتاب بشكل كبير، بعد قراءته مباشرةً، وعلى الفور، أجرى الاتصال بالباحث أيمن عثمان، ليكشف له عن رغبته فى تقديم المذكرات بشكل درامى، وسأله عن رأيه فى الرؤية الفنية للعمل، قبل أن ينضم إليهم فى المشروع بعد ذلك، الفنان أحمد أمين.
الكاتب أيمن عثمان: استغرقت 3 سنوات في تدقيق مذكرات «النُّص».. والمنتج محمد جبيلي تحمس لها كثيراً وهو صاحب فكرة تقديمها في عمل درامييستعرض كتاب «مذكرات نشال» سيرة اللص التائب «عبدالعزيز النُّص»، الذى قرر أن يروى سيرته بعد توبته تماماً، على الناشر حسنى يوسف، الذى سبق أن نشر كتاباً بعنوان «مذكرات فتوة»، للمعلم يوسف أبوحجاج، حيث أعجب «النُّص» بمحتوى تلك المذكرات وذهب إلى مكتب «يوسف» فى إدارة مجلة الروايات المصورة، وتحديداً فى 9 مايو من العام 1927، وعرّفه على نفسه باعتباره أكبر نشال فى مصر، وطلب منه أن يقص عليه مذكراته، ويكشف له أسرار عالم النشل، على أن يقوم بصياغتها بطريقة أدبية شيقة، وذلك بحسب ما رواه الناشر فى النسخة الأصلية من الكتاب.
وفتح الكاتب أيمن عثمان باب الشك أمام القراء فى أن شخصية المعلم عبدالعزيز النص شخصية خيالية، بسبب النسخة النادرة من المذكرات التى وصلت للكاتب، التى أهداها الناشر حسنى يوسف للأديب توفيق الحكيم، وكتب على غلاف النسخة «إلى أمير البنان الكاتب العبقرى القصصى المبدع الأستاذ توفيق بك الحكيم، أتشرف بأن أهدى قصتى.. التوقيع حسنى يوسف.. 19 نوفمبر 1938»، حيث يشير هذا الإهداء، من وجهة نظر «عثمان»، إلى أن كلمة «قصتى» تضع احتمالية أن «يوسف» هو الذى صاغ المذكرات من وحى خياله.
وفى تصريحات لـ«الوطن»، قال «عثمان»: «لا أستبعد أن يكون عبدالعزيز النص شخصية غير حقيقية، حيث إن فترة العشرينات شهدت رواجاً كبيراً لنشر مذكرات المهمشين، كانت هناك مذكرات للبغاة، ومذكرات للفتوات، ولكن الطريقة التى كتبت بها مذكرات نشال بها نوع من الاحترافية فى الصياغة، فالمذكرات لها بداية ووسط ونهاية، مما يشير إلى أن كاتبها حكاء ومحترف كتابة، ولكن يظل الأمر غير محسوم»، وأضاف أن «اسم النُّص وغيره من الألقاب المشابهة، يكتسبها النشال فى مهنته، بحسب براعته فيها، وأغلب الظن أنها ليست شخصية حقيقية، وعندما رجعت إلى أرشيف تلك المرحلة، وجدت شخصية النص متماهية مع أكثر من شخصية فى ذلك الوقت، منهم محمد فهمى الدرستاوى، الذى تم توصيفه بأكبر نشال فى مصر، والموجودة صورته على غلاف الكتاب».
وفى الوقت الذى لم يحسم فيه الكاتب أيمن عثمان مدى واقعية شخصية عبدالعزيز النص، إلا أنه أكد بشكل كبير أن الأحداث التى جاءت على لسانه فى المذكرات، هى أحداث حقيقية، موضحاً: «كل الأحداث التى وقعت هى بالفعل أحداث حقيقية، ولها خلفية اجتماعية واضحة وصريحة».
وفى الوقت الذى تدور فيه المذكرات حول مغامرات «النُّص» فى النشل، وتكوين ثروة هائلة، ثم التوبة بعدها، قرر صناع المسلسل إضافة خط درامى مختلف حيث يقرر «النُّص» المشاركة فى تنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإنجليزى، وقال «عثمان»: «الدراما ليست عملاً وثائقياً ملتزماً بكل ما جاء فى الكتاب والمذكرات، ولكن الدراما عمل إبداعى مختلف، قد يختار بعض الشخصيات، ويبدأ فى إيجاد شخصيات أخرى، وهو ما حدث بالفعل»، موضحاً أن قارئ الكتاب قد يجد شخصيات على «أفيش» المسلسل ليست موجودة بداخله، منها شخصية الضابط، فلم يكن لها وجود ضمن الأحداث.
وأشاد الكاتب أيمن عثمان باعتماد صناع الدراما، خلال الفترة الماضية، على الأعمال الأدبية المصرية، لتقديمها فى قوالب فنية، قائلاً إن هذا الأمر يؤكد الريادة المصرية، ومن أسس القوة الناعمة، بينما تساعد فى اكتشاف العديد من الكتاب والموهوبين، وأضاف: «عندما يتم الاعتماد على أعمال أدبية مصرية، تحكى حكاية مصرية خالصة، فى ذلك الوقت فقط نقدم دراما مصرية حقيقية، بعيداً عن تمصير أو تعريب الأدب أو الدراما الغربية، وعندما تشهد الدراما حالة من التغريب، أكون من أنصار تحويل الأعمال الروائية إلى أعمال درامية، حتى تكون الدراما معبرة عن الشعب المصرى والعربى».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: النص المتحدة أحمد أمين رمضان 2025 عبدالعزیز النص مذکرات نشال
إقرأ أيضاً:
حافلة مثقوبة بالرصاص في بيروت.. تذكار مؤلم للحرب الأهلية
كان يومًا عاديا في بيروت، ففي أحد أحياء العاصمة اللبنانية تم تدشين كنيسة جديدة بحضور زعيم حزب الكتائب المسيحي، وفي حيّ آخر نظّمت الفصائل الفلسطينية عرضًا عسكريا. وكان الكتائبيون والفلسطينيون قد اشتبكوا مجددًا في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم.
ما حدث بعد ذلك في 13 أبريل/نيسان 1975 غيّر مجرى لبنان إلى الأبد، وأدى إلى اندلاع حرب أهلية دامت 15 عامًا، وأسفرت عن مقتل حوالي 150 ألف شخص، وفقدان 17 ألفًا، وتدخلات خارجية متعددة، وأصبحت بيروت مرادفة للقناصين والاختطاف والسيارات المفخخة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مقال بوول ستريت جورنال: أيريد ترامب أن يُعزل مجددا؟list 2 of 2صحف عالمية: جحيم يتكشف بغزة وشكوك إزاء تفكيك برنامج إيرانend of listلبنان لم يُواجه حتى اليوم إرث الحرب بشكل كامل، ولا يزال يعاني من تداعياتها بعد مرور نصف قرن، وستُحيي الحكومة اليوم الأحد الذكرى بلحظة صمت.
المجزرةكانت التوترات تتصاعد؛ فالمسلحون الفلسطينيون بدؤوا يشنون هجمات على إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وبينما تعاطف اليساريون والعديد من المسلمين في لبنان مع القضية الفلسطينية، اعتبر المسيحيون الفلسطينيين تهديدًا.
في ذلك الوقت، كان محمد عثمان في 16 من عمره، لاجئا فلسطينيا في مخيم تل الزعتر شرقي بيروت.
3 حافلات غادرت المخيم صباحًا، تقلّ طلابًا مثله بالإضافة إلى مقاتلين من فصائل فلسطينية منشقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، مرورا بحي عين الرمانة من دون مشاكل، ثم انضموا إلى العرض العسكري.
إعلانكان من المفترض أن تعود الحافلات معًا، لكن بعض المشاركين تعبوا من المسير وأرادوا العودة باكرًا. فاستأجروا حافلة صغيرة من الشارع، كما يروي عثمان، وركبها 33 شخصًا.
لم يكونوا يعلمون أن اشتباكات صغيرة اندلعت في وقت سابق من اليوم بين فلسطينيين وعناصر من حزب الكتائب كانوا يحمون الكنيسة في عين الرمانة. وقد قُتل حينئذ أحد حراس زعيم الحزب بيار الجميل.
فجأة، أُغلق الطريق وبدأ المسلحون بإطلاق النار على الحافلة "من كل الجهات"، كما يتذكر عثمان.
كان بعض الركاب يحملون أسلحة من العرض العسكري، لكنهم لم يتمكنوا من استخدامها بسبب الازدحام داخل الحافلة.
سقط جار لعثمان ميتًا فوقه، وقتل أيضًا ابن الجار البالغ من العمر 9 سنوات. أُصيب عثمان برصاصة في كتفه.
ويقول "لم يتوقف إطلاق النار طوال 45 دقيقة، حتى ظنوا أن الجميع مات". وأضاف أن المسعفين الذين وصلوا لاحقًا دخلوا في مواجهة مع مسلحين حاولوا منعهم من إسعافه.
قُتل 22 شخصًا في تلك المجزرة.
روايات متضاربةبعض اللبنانيين يرون أن المهاجمين كانوا يردّون على محاولة اغتيال للجميل من قِبل مسلحين فلسطينيين بينما يقول آخرون إن الكتائبيين نصبوا كمينًا متعمدًا لإشعال الصراع.
الصحفي اللبناني الفرنسي مروان شاهين، الذي ألّف كتابًا عن أحداث 13 أبريل/نيسان 1975، يقول إنه لا يصدق أيًّا من الروايتين.
وأكد شاهين أنه لم يجد دليلًا على محاولة اغتيال للجميل الذي كان قد غادر الكنيسة عند إطلاق النار على حارسه. وأضاف أن الهجوم على الحافلة كان على الأرجح تصرفًا من "شباب مسلحين متهورين وليس عملية مدبرة".
وأردف قائلا "وقعت مواجهات من قبل، لكن أظن أن هذه الحادثة أخذت هذا الحجم لأنها جاءت بعد سلسلة من الاشتباكات وفي وقت كانت فيه سلطة الدولة ضعيفة جدا".
الجيش اللبناني كان قد تراجع عن ممارسة دوره، تاركًا الساحة للمليشيات، وكانت الفصائل الفلسطينية قد أصبحت أكثر ظهورًا بعد طرد منظمة التحرير من الأردن عام 1970، في حين تسلّحت الجماعات المسيحية اللبنانية أيضًا.
إعلانقال شاهين إن "الكتائب كانوا يقولون إن الفلسطينيين دولة داخل الدولة. لكن الحقيقة كانت أن هناك دولتين في دولة، ولا أحد كان يلتزم بالقوانين".
سليم الصايغ النائب في البرلمان عن حزب الكتائب، وكان عمره 14 عامًا ويعيش في عين الرمانة آنذاك، قال إن الحرب كانت حتمية منذ أن تراجع الجيش عن السيطرة على المخيمات الفلسطينية قبل عامين.
وقال إن رجال الحاجز في ذلك اليوم رأوا الحافلة الممتلئة بالفلسطينيين "وظنوا أنها موجة ثانية من العملية" التي بدأت بقتل حارس الجميل.
اندلاع الحربانفجرت الحرب بسرعة وتغيّرت التحالفات، وتكوّنت فصائل جديدة، واحتلت إسرائيل وسوريا أجزاء من لبنان، وتدخلت الولايات المتحدة، واستُهدفت السفارة الأميركية وثكنات مشاة البحرية بتفجيرات، وانقسمت بيروت إلى شطرين: مسيحي ومسلم.
وبعد الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني أوائل الثمانينات، أُسّس حزب الله وهو جماعة مسلحة شيعية بدعم إيراني، وأصبح من أقوى الجماعات المسلحة غير الحكومية في المنطقة.
كان حزب الله الوحيد الذي سُمح له بالاحتفاظ بسلاحه بعد الحرب، بصفته "قوة مقاومة" لأن إسرائيل كانت لا تزال تحتل الجنوب. ولكن بعد تضرره في حرب مع إسرائيل العام الماضي، والتي انتهت بوقف إطلاق نار، تصاعدت الدعوات لنزع سلاحه.
الناجونقال محمد عثمان إنه أصبح مقاتلًا لأنه "لم يعد هناك مدارس أو شيء آخر نفعله". لكنه لاحقًا تخلّى عن السلاح وأصبح صيدليا.
ويتذكر كيف شعر بالدهشة عندما أنهت اتفاقية الطائف الحرب في 1989 قائلا "كل هذه الحرب والقصف، وفي النهاية صفقة؟! وخلص؟!".
من بين العشرة الذين نجوا من الهجوم على الحافلة، يقول إن 3 قُتلوا بعد عام عندما هاجمت مليشيات مسيحية مخيم تل الزعتر، وواحد قُتل في تفجير السفارة العراقية عام 1981، وتوفي البعض لأسباب طبيعية، وواحد يعيش في ألمانيا، وقد فقد أثر البقية.
إعلان الحافلة الناجيةنجت الحافلة أيضًا، لتبقى تذكارا مؤلما.
وقبيل الذكرى الخمسين للمجزرة، سحبت من مزرعة كانت مركونة فيها إلى متحف نابو الخاص في منطقة حري شمالي بيروت، والتقط الزوار صورًا بجانبها وتفحّصوا الثقوب الناتجة عن الرصاص في جوانبها الصدئة.
وقالت غيدا مرجي فقيه، المتحدثة باسم المتحف، إن الحافلة ستُعرض بشكل دائم لتكون "جرس إنذار" ليتذكر اللبنانيون ألا يعودوا إلى طريق الحرب.
وقالت إن "الحافلة غيّرت تاريخ لبنان كله، وأخذتنا إلى مكان لم يكن أحد يريد أن يصل إليه".