لجريدة عمان:
2025-04-17@07:20:18 GMT

سيرة مناضلة

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

سيرة مناضلة

إذن لا يزال هناك فـي هذه الحياة - التي تبدو كالحة بعض الشيء، فـي هذا العصر الذي فقد جميع نقاط استدلاله ومرجعياته والكثير من قيمه، أو بمعنى ما، هذه الحياة التي وكأنها أعلنت لائحة موتها النهائية وانسحابها من صورتها قبل أي شيء آخر- بعض الأبطال الحقيقيين فـيها، أو لنقل بعض البطلات اللواتي نستطيع أن نلتقي بهن فـي الشارع ونتحدث معهن ونتعرف إليهن.

هذا ما يراودنا ونحن نقرأ رواية «ملحمة أنيت» للكاتبة الألمانية أنَّه فـيبر (الصادرة بترجمة عربية جميلة لسمير جريس، عن منشورات «الكرمة»، فـي القاهرة)، وهي الرواية التي حازت «جائزة الكتاب الألماني» لعام 2020، حيث جاء فـي حيثياتها «إنه لأمر مبهر كيف يبدو هذا الشكل الملحمي القديم طازجا، وبأي خفة استطاعت فـيبر تكثيف حياة آن بومانور، المناضلة فـي حركة المقاومة الفرنسية وتحويلها إلى رواية عن الشجاعة، وصلابة المقاومة، والنضال من أجل الحرية».

تخبرنا هذه الجملة السابقة المقتطفة من بيان لجنة التحكيم، ودفعة واحدة، عن أجواء الرواية التي تأخذنا إلى عالم نتناساه «عمدا»؛ نتناساه عمدا بكون كل فعل مقاومة، ضد الاحتلال، أصبح اليوم ملعونا، وكأنه ذلك الشرير الذي يجب التخلص منه.

فـي أيّ حال، وفـي منطقة «الدروم» (الفرنسية) وبالقرب من قرية صغيرة، كان تعيش آن بومانوار (لا يرد اسمها إلا مرة واحدة طيلة الكتاب)، المعروفة باسم أنيت، وهي امرأة صغيرة تبلغ من العمر ما يقرب من مائة عام، ذات عينين لامعتين وخطاب حيوي. انضمت إلى المقاومة الشيوعية ضد الاحتلال النازي لبلادها وهي فـي سن التاسعة عشرة، وخرقت قواعدها من خلال أخذ زمام المبادرة لإنقاذ مراهقين يهوديين. ناضلت فـي مدن عدّة: رين وباريس وليون؛ شاركت فـي تحرير مارسيليا، وبعد فترة قصيرة من حياة بورجوازية - دراسة الطب والزواج والإنجاب - التزمت عميقا بحرب الاستقلال الجزائرية، الأمر الذي أدّى إلى الحكم عليها بالسجن لمدة عشر سنوات. بيد أنها تمكنت من الهروب، «بشكل لا يصدق» فوصلت إلى تونس، ثم إلى الجزائر حيث شاركت فـي أول حكومة مستقلة فـي عهد بن بلة، قبل أن تضطر إلى الفرار مرة أخرى بعد انقلاب بومدين. هكذا كانت حياتها باختصار شديد. من هنا، بدا السؤال الكبير، سؤال الكتابة، كيف يمكن أن نحكي عن منعطفات وتقلبات هذه الحياة البطولية وأعمالها العظيمة وحتى شكوكها؟

من هنا، تلجأ الكاتبة إلى النشيد، فهذه الملحمة الحياتية، تستحق ملحمية الكتابة، لذا نحن لا نقف أمام سردية عادية من سرديات القص، بل وكأننا أمام قصيدة «بطولية»، ترويها أنّه فـيبر، المولودة فـي ألمانيا العام 1964، والتي تعيش فـي باريس، حيث كتبت مجموعة من «الأعمال المبتكرة والمتنوعة، التي تغرف كثيرا من الرواية الأسطورية»، من دون أن تنسى فـيها محاولة «استكشاف أصولها عبر رحلة فـي الزمن»، مع العلم أنها تكتب كل كتاب من كتبها بلغتين: الألمانية والفرنسية، وهي أيضا مترجمة نقلت أعمال كتّاب فرنسيين إلى الألمانية وكتّاب ألمان إلى الفرنسية، فـي رحلة «بين ضفتين».

عبر مسار حياتها هذه، تأخذنا الكاتبة إلى مسار آنيت النضالي، الذي لم يتوقف لغاية أيامها الأخيرة، حتى على حساب عائلتها. حياة مثالية، بالنسبة إلى كثيرين منّا؛ حياة مثيرة للإعجاب، من دون أي تنازلات، والأهم من دون أي أخطاء. لكن علينا أن ننتبه إلى أمر أساسي: بالنسبة إلى أولئك الذين يعرفون تلك الفترة من التاريخ، ربما لا يجلب الكتاب لهم أي شيء جديد، إلا صورة هذه المرأة الاستثنائية؛ لكن الكتاب، ومن دون أدنى شك، يقدم الكثير للأجيال الجديدة، التي لم تلتقط إشارات التاريخ ولم تقرأ عنه، إلا ما تحاول بعض وسائل الإعلام تسريبه، وربما تزويره. من هنا تأتي هذه «الشهادة» - وأستعمل هذه الكلمة اصطلاحا؛ لأن الرواية مستمدة من أفضل مصدر: إنها آنّه نفسها من يروي كل ذلك، بعد أن التقت بها الكاتبة وسجلت لها «مذكراتها» - كوثيقة حياتية وفكرية ونضالية عن امرأة ناضلت بصمت من دون أي ضجيج، فالمقاومة، مثل معظم الأشياء التي نقوم بها، وكما نقرأ بما معناه، لا تتأتى (أو تنتج) من قرار نتخذه مرة واحدة وإلى الأبد، ولكن من تحول، إذا جاز التعبير، من تحول غير محسوس وتقدمي نحو شيء لا نملك أي فكرة عنه بعد.

قد يكون أجمل ما فـي هذه «السيرة الملحمية»، أن الأبطال يكونون أعظم بكثير عندما لا يعرفون أنهم أبطال. عندما يتفاجؤون بالغار الذي يوضع على رؤوسهم. فـي أي حال، وعلى الرغم من أن الكاتبة تروي قصة أنيت بدقة شديدة، إلا أنها ترويها «بتواضع»، حيث لا تميل إلى كتابة مشاهد العنف الفجة، وحين تشعر أنها لا تستطيع تجاوز ذلك، نجدها تسكت عبر «وقفة بسيطة»، تاركة لنا، ما لا يمكن وصفه، وراء هذه الكلمة، لتعطي المجال والحيوية لخيالنا بأن يكون قادرا تماما على إكمال بقية الرحلة.

بعيدا عن سيرة البطلة الملحمية، تعود الكتابة هنا، على نوع من أغنية أو نشيد كما أسلفت، وذلك بالمعنى القديم للكلمة. ثمة نشيد وغناء للبطلة، عبر نوع من الشعر الحرّ، يسلط الضوء على قوة وشجاعة هذه المرأة عبر «مغامراتها». قد نشعر فـي البداية بنوع من الزعزعة ما ونحن نقرأ هذا النوع من «الكتابة الروائية»، إلا أنه ما إن تمضي بعض الصفحات حتى يحملنا الإيقاع بعيدا، وبسرعة كبيرة، كذلك تأتي هذه الانقطاعات فـي الخطوط العريضة (ما أشرت إليه سابقا بجعل القارئ يتخيل ما لا يقال) لتجعلنا نهدأ أكثر مما تزعجنا.

هل باحت لنا الحياة بكل أسرارها؟ بالتأكيد لا. لذا فهذا كتاب يقرأ وبخاصة لمن يحب أن يغوص طويلا فـي سيرة المجهول، قبل أن تعود لتطفو على السطح بفضل... الأدب. ربما لأن الأدب يبقى دائما أهم من التاريخ. قلت ربما.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من دون

إقرأ أيضاً:

محمود ديكو.. الإمام الذي يخيف الانقلابيين في مالي

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا سلطت فيه الضوء على شخصية مفتى دولة مالي السابق الإمام محمود ديكو الذي يتخذ من الجزائر موطنًا له بعد أن بات وجوده في مالي يشكل خطرٕا على حياته وعامل تهديد لسلطات مالي.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن حادثة إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسيّرة مالية ليلة 31 آذار/ مارس وأول نيسان/ أبريل في المنطقة الفاصلة بين الجزائر ومالي ولدت أزمة علاقات غير مسبوقة بين الدولتين.

وأضافت الصحيفة أن إسقاط الطائرة المسيرة المالية أسفر عن اتهامات متبادلة بين الجزائر وباماكو. وفي الوقت نفسه، تصاعد الجدل حول الإمام محمود ديكو الذي يعيش في الجزائر منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، وهو شخصية يُنظر إليها على نطاق واسع كأبرز المعارضين لسلطة الرئيس المالي آسيمي غويتا.



في مالي يعتبر محمود ديكو من أبرز الشخصيات الدينية القادرة على حشد الجماهير، إذ أثارت أنباء عودته المحتملة إلى باماكو قلقًا كبيرًا لدى المجلس العسكري الحاكم.

من جانبها، أصدرت وزارة الأمن المالية مذكرة تتهم الإمام بالقيام بـ"أنشطة تخريبية" في الجزائر، وسط تخوف من اعتقاله فور وصوله إلى باماكو. وقد دفعت هذه التهديدات السلطات إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشدّدة في العاصمة، بما في ذلك إغلاق طريق المطار في 14 شباط/ فبراير الماضي. كما أمرت المذكرة الشرطة باتخاذ "كافة التدابير الأمنية اللازمة لمنع أي تجمع" في الأماكن العامة بالعاصمة.

غير أنّ الإمام استجاب لنصائح مقربين له، وقرّر عدم العودة، ما أدّى إلى اعتقال عدد من أنصاره، الذين حُكم على تسعة منهم بالسجن عامًا مع النفاذ بتهمة "الاحتشاد غير القانوني".

في هذا الصدد قال  وزير سابق طلب عدم الكشف عن هويته: "محمود ديكو هو العدو اللدود للسلطة العسكرية. فهو لا يزال يتمتع بقدرات تعبئة كبيرة وبتأييدٍ واسع. كما بإمكانه التقريب بين المسؤولين السياسيين والمدنيين الذين قد تكون لهم آراء متباينة حول الاستراتيجية الواجب اتباعها في مواجهة العسكريين". ويُنظر إليه باعتباره سلطةً أخلاقية ويتمتع بحاسة سياسية حادة، كما لديه شبكة علاقات واسعة وقد سبق له التعامل مع معظم أحزاب البلاد.

محاولة تسميم
وأوردت الصحيفة أن  ديكو الداعية المحافظ، الذي شغل سابقًا منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي، يعارض اليوم بوضوح السلطة العسكرية بقيادة الجنرال غويتا، رغم أنه – من دون قصد – ساعد في تمهيد الطريق لوصوله إلى السلطة خلال انقلاب 18 آب/ أغسطس 2020. ففي النصف الأول من تلك السنة، نزل بفضل دعواته آلاف الأشخاص إلى شوارع باماكو للاحتجاج على حكم الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا. وقد أضعفت تلك التعبئة الضخمة الحكومة وسهلت عمل الانقلابيين الذين نفذوا انقلابهم دون إطلاق رصاصة واحدة وفي ظل ترحيب حار من الجماهير في باماكو.

يضيف الوزير السابق المذكور آنفًا: "بعد سقوط  إبراهيم بوبكر كيتا لم يكن محمود ديكو ليرفض تحمل مسؤوليات سياسية بل أنه لم يكن ليرفض رئاسة المرحلة الانتقالية التي أرادها مدنية وليست عسكرية". في المقابل، لم تكن لدى غويتا ورفاقه الانقلابيين  نية التنحي. وعلى العكس من ذلك، في أيار/ مايو 2021 نفذوا انقلابًا ثانيًا لضمان بقائهم في السلطة والإمساك بزمام المرحلة الانتقالية بأنفسهم.

بعد فترة من الظهور المتحفظ، أصبح الإمام السبعيني من بادالابوغو – وهو اسم الحي في باماكو حيث يوجد مسجده – أكثر انتقادًا. فهو يدعو إلى الحوار مع الجهاديين في وقت تؤيد فيه السلطة العسكرية استخدام القوة، ويعارض تنقيح الدستور الصادر في حزيران/ يونيو 2023،  فضلا عن إدانته التأجيل المتكرر للانتخابات التي كان من المفترض أن تنهي المرحلة الانتقالية، مما فتح الباب لاندلاع حرب بين الكولونيلات الانقلابيين والإمام القادم من منطقة تمبكتو.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2023، غادر محمود ديكو إلى الجزائر. وهناك استقبله الرئيس عبد المجيد تبون شخصيًا. وقبل ذلك، استقبل رئيس الوزراء الجزائري، نذير العرباوي، العديد من قادة الجماعات الاستقلالية في شمال مالي. في المقابل، شجبت السلطات المالية، الأعمال غير الودية الصادرة عن القادة الجزائريين، متهمةً إياهم بلقاء "أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية".

ورد الإمام في مقطع فيديو صُوِّر في غرفة بمستشفى في العاصمة الجزائرية. وبحسب مقربين منه، فقد تعرّض لمحاولة تسميم. أما هو، فقد هاجم الكولونيلات الحاكمين واستنكر مرحلة انتقالية "بلا مسار" ودون نهاية.

عندما يعود "سيكون بطلا"
وذكرت الصحيفة أنه في بداية آذار/ مارس 2024، حلّت الحكومة الماليّة تنسيقية الحركات والجمعيات والمناصرين التابعة للإمام محمود ديكو، والتي انضمت لتوها إلى تحالف معارض واسع للسلطة العسكرية.

وفي منتصف تموز/ يوليو، اعتُقل المنسق السابق لها، يوسف دابا دياوارا، في باماكو ووجّهت إليه تهمة "معارضة السلطة الشرعية" بعد مشاركته في مظاهرة غير مرخصة. ولم يُفرج عنه إلا في بداية  تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بعد أن حُكم عليه بالسجن شهرين مع وقف التنفيذ.

وفي منفاه بالجزائر، يلتزم الإمام الصمت، لكنه لم يغيّر مواقفه إطلاقًا. فما زال عازمًا على معارضة السلطة العسكرية بقيادة الجنرال غويتا. وعلى الرغم من فشل عودته منتصف شباط/ فبراير، ما زال يريد العودة إلى مالي.

قبل حادثة الطائرة المسيّرة التي أثارت موجة توتر جديدة بين الجزائر وباماكو، جرت اتصالات سرية لإيجاد حل. لكن  في ظل الوضع الراهن، يرى المقربين منه أن العودة تبدو مسألة صعبة.

ويقول أحد مقربيه: إن الإمام يقيم تحت رعاية السلطات الجزائرية التي تستخدمه كورقة ضغط على السلطة العسكرية المالية عبر التلويح بعودته المحتملة. ويطلب منه مضيفوه أيضًا عدم الإدلاء بتصريحات، رغم أنه أعرب في العديد من المناسبات عن رغبته في الحديث عن الوضع في مالي، بما في ذلك عن حادثة الطائرة المسيّرة.



ويشير يوسف دابا دياوارا: "إنه قلق بشأن بلاده وسكانها الذين يعانون. إنه يعتقد أنه ينبغي أن تتغير الأمور. لقد حان الوقت لتنصيب مرحلة انتقالية مدنية، ولعودة العسكريين إلى ثكناتهم".

وفي ختام التقرير أشارت الصحيفة إلى أن ديكو يتلقى الدعم في الجزائر خصوصًا من ابنه عابدين الذي يرافقه. كما يجري اتصالات منتظمة مع مناصريه في مالي الذين يجهزون لعودته. في الأثناء يقول أحد المقرّبين منه: "كل يوم يمضي يزداد قوة. سيعود في النهاية. وعندما يعود، فسيكون بطلاً".

مقالات مشابهة

  • خالد حمادي.. رجل الأعمال الذي باع (طريق الشعب) في الإشارات الضوئية !
  • محمود ديكو.. الإمام الذي يخيف الانقلابيين في مالي
  • ترامب وقّع 185 قرارًا تنفيذيًا منذ توليه الرئاسة.. ما الذي شملته؟
  • شبوة بعد حضرموت.. ما الذي تعد له السعودية في الجنوب ..! 
  • ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟
  • من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة
  • حماس: فوجئنا بأن المقترح الذي نقل لنا يتضمن نزع سلاح المقاومة
  • حماس: فوجئنا بأن المقترح الذي نقلته لنا مصر يتضمن نزع سلاح المقاومة
  • تيلستار.. القمر الصناعي الذي غيّر شكل كرة القدم
  • علي جمعة يكشف عن اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب