ذاكرة الكتب.. «مصر والسودان.. كفاح مشترك» ضد الإمبريالية والاستعمار الإنجليزى
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
نظرًا للأحداث التى يمر بها السودان الشقيق، حاولنا أن نرصد ونؤكد وحدة المصير المشترك بين شعبى مصر والسودان، منذ وقوعهما تحت نير الاستعمار الإنجليزى.. ويرصد الكاتب أحمد حمروش، أحد الضباط الأحرار، مسيرة هذا الكفاح المشترك فى كتاب يعتبر من الدراسات الهامة التى تسلط الضوء على علاقة مصر بالسودان، وما مرا به من تحولات كثيرة.
يقول المؤلف: طوال فترة بقاء جنود الاحتلال البريطانى فى مصر، ٧٤ عاما، وطوال فترة بقائها فى السودان 75 عاما لم يتوقف الكفاح الشعبى المشترك ضد الاستعمار البريطانى، ولكنه لا يمكن القول بأن طبيعة الكفاح المشترك كانت واحدة بين الحكومات الرجعية والإقطاعية المتهاونة من جهة.. وبين جماهير الشعب المصرى والسودانى من جهة أخرى، بل إن الكفاح ضد الاستعمار البريطانى كان يختلف من وزارة إلى أخرى، تبعا للحزب الذى تمثله، وتبعا للظروف الدولية والسياسية فى الفترة التى تتولى فيها الحكم.
ويضيف: كانت نظرة الحكومات المصرية الرجعية لموضوع السودان تعبر عن تناقض فى المصالح الاقتصادية لأبناء الطبقة البرجوازية المصرية وبين الاستعمار.. أكثر مما تعبر عن رغبة أصيلة فى تحرير الشعبين المصرى والسودانى من قيود الاستعمار والتخلف الاجتماعى. ويشير الكاتب إلى أنه قبل الاستعمار البريطانى لم يكن هناك فاصل بين مصر والسودان واللائحة الأساسية التى تقدمت بها وزارة شريف باشا إلى مجلس شورى القوانين كانت تنص على أن أعضاء مجلس النواب ١٢٠ نائبا، منهم ٢٦ من السودان، وكل نائب يعتبر «وكيلا عن عموم الأمة المصرية، وليس فقط عن الجهة التى انتخبته».
ويضيف أن الحركة السودانية للتحرر الوطنى ارتبطت مع الحركة الديمقراطية المصرية للتحرر الوطنى.. يتبادل الاثنان الرأى والعضوية ويجسدان شعار الكفاح المشترك كل بأسلوبه ووسيلته، وكان الكفاح ضد الاستعمار البريطانى فى مصر أكثر ايجابية وأسرع نضجا، حتى تحول بعد حرب فلسطين إلى كفاح مسلح ما كادت تندفع عجلته ويصلب عوده حتی دهمته مؤامرة الاستعمار، وتحول مع حريق القاهرة فى ٢٦ يناير إلى جذوة تعيش فى القلوب تحاول حكومات الرجعية المصرية أن تطفئها دون جدوى، حتى عندما قامت ثورة ٢٣ يوليو لم تتأخر لحظة واحدة فى مواصلة الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية بالقتال. ويشير إلى أنه فى هذه الفترة الطويلة التى امتدت سنوات لم يصل شعب السودان إلى مرحلة الكفاح المسلح، وذلك لعدم نضج الظروف الموضوعية المهيئة لطرح الشعار.. ولعدم وصول القيادات الشعبية إلى مستوى القدرة على تحريك الجماهير، ولأنه لم تتوفر حكومة تخلق جوا ديمقراطيا مساعدا للجماهير، مثل حكومة مصطفى النحاس، هذا إلى جانب قلة عدد القوات البريطانية المعسكرة فى السودان.
وفى هذه الفترة الحاسمة منذ توقيع الاتفاقية فى فبراير ١٩٥٣ إلى إعلان الجمهورية السودانية فى ١٩ ديسمبر ١٩٥٥، وإعلان الاستقلال رسميا فى أول يناير ١٩٥٦.. وضح أن الأحزاب الاتحادية لم تكن جادة فيما ترفعه من شعارات، وإنما كانت تجتلب بذلك أصواتا تساعدها فى الانتخابات لم يكن ذلك- فى رأيى- مفاجئا ولا غريبا بعد أن أصبحت فى مصر حكومة ثورية تختلف فى طبيعتها الاجتماعية ونظرتها للمستقبل عن حكومة السودان التى نبتت من أحزاب تشابه الأحزاب التى انتهت قصتها فى مصر وتكونت من عناصر بورجوازية لا تطمع فى أكثر من كراسى الحكم.
ويوضح الكاتب أن حكومة الثورة فى مصر كانت ترفض رفضا صريحا مشروع أيزنهاور وحلف بغداد واستطاعت أن تحقق خلال السنوات التى سبقت استقلال السودان إنهاء النظام الملكى وتوجيه ضربة حاسمة للإقطاع وفرض اتفاقية فبراير ٥٣ على الاستعمار البريطانى، وهى التى وفرت على الشعب السودانى بعض الجهد فى نضال طويل.
كما عقدت حكومة الثورة صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا، فحطمت الاحتكار الاستعمارى للسلاح وقضت على إرهاب وتنظيمات حركة الإخوان المسلمين الرجعية، وألغت الأحزاب التقليدية المصرية التى تهادنت مع الاستعمار، والتى كانت ترتبط بها الأحزاب السودانية، وفى خلال هذه السنوات اتخذ إسماعيل الأزهرى الإجراءات.
ولفت «حمروش» الانتباه إلى أن الهوة اتسعت مرة أخرى بين طبيعة الحكم فى مصر وطبيعته فى السودان، عندما طبقت مصر القوانين الاشتراكية فى يوليو ١٩٦١.. بينما الاستعمار الحديث يمرح ويسيطر فى السودان وتجمعت حوافز الثورة عند شعب السودان، وانطلقت ثورة أكتوبر الشعبية ضد طغيان الديكتاتورية العسكرية.. وانتهى لأول مرة فى العالم الثالث حكم عسكرى بقوة الجماهير العزلاء، العناصر المتعاونة مع الاحتلال، وأبرزت ثورة أكتوبر إلى السطح العناصر التقدمية الوطنية فى الجيش، صفحات النضال الوطنى التقدمى الذى قامت به التنظيمات سرا خلال ظروف شديدة القسوة والضراوة.. ولحق ركب الثورة السودانية بركب الثورة المصرية. ولكن سرعان ما أجهضت ثورة أكتوبر بقوة وتآمر الأحزاب التقليدية والرجعية الطائفية. وهكذا أصبح واضحا بعد حصول السودان على استقلاله وتحرره من الوجود الاستعمارى البريطانى فى أول عام ١٩٥٦، أنه يحكم بحكومات تختلف فى طبيعتها عن طبيعة حكومة الثورة فى مصر، وكان جمال عبد الناصر فى قيادته للثورة المصرية يحقق كل يوم انتصارا جديدا، وذكر الكاتب أنه بعد استقلال السودان تحقق الجلاء الكامل عن مصر أيضا فى ١٨ يونيو ١٩٥٦، وأممت قناة السويس فى ٢٦ يوليو ١٩٥٦ وتعرضت مصر للعدوان الثلاثى فى ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦، ثم تم الجلاء فى ديسمبر من نفس العام، ورفضت مصر محاولات التدخل الأمريكية لدراسة المصالح البريطانية والفرنسية، وأعلن جمال عبد الناصر مقاومته للحصار الاقتصاد الأمريكى. وزادت العلاقات وثوقا مع الاتحاد السوفيتى والدول الاشتراكية بعد تنفيذ مشروع السد العالى، وتحققت الوحدة مع سوريا فى ٢٢ فبراير ١٩٥٨.
وأشار الكاتب إلى ما أن تم من تعاون بين مصر والسودان وليبيا هو نوع من الكفاح المشترك ضد الإمبريالية العالمية، والكفاح المشترك لا يجوز أن يهدأ أو يتوقف.. بل يجب أن ينمو ويتطور.. فإن المؤامرات الاستعمارية لا تركن إلى الهدوء. ويوجه الكاتب نصيحة للدول الثلاث، بأن ما تحقق فى المنطقة أمر يقرب من المعجزات وأى ضربة توجه إلى دولة من الدول الثلاث لابد أن تؤثر فى الدول الأخرى، ولذا فإن خطوات اللقاء والتعاون يجب أن تتم فوق أرض صلبة من الوعى والبحث والدراسة، وبعيدا عن الارتجال، بعيدا عن العواطف السطحية فى حذر شديد مما يبذره الاستعمار وأعوانه من تشويهات. ويختم المؤلف بأن طريق الكفاح المشترك طويل.. وهو بعد الانتصار قد يكون مليئًا بالأشواك والحساسية.. ولكن وعى الجماهير والحكومات وثوريتها هى الضمان الوحيد لاتصال الكفاح المشترك، فإن الجماهير تدرك أن الكفاح المشترك يعنى المصير المشترك.
يسري عبيد – صحيفة المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: مصر والسودان فى السودان فى مصر
إقرأ أيضاً:
الأدب يهزم القُبح.. ويبقى ذاكرة للحروب (2)
الصادق أحمد عبيدة / باريس
———————————-
تحت هذا العنوان تناولتُ في الأيام الماضية فوز الكاتب كمال داؤود بجائزة (الغونكور) الأدبية الفرنسية كأول كاتب جزائري يفوز بها، عن روايته "الحوريات" التي إستدعى فيها فظائع الحرب الأهلية في الجزائر.
هيمنت ثيمة الحروب وقبحها على المشهد الأدبي كأروع ما كُتِب هذا العام! ووصلت رواية "جَاكَراندا" Jacaranda للكاتب الرواندي الفرنسي Gaël FAYE غاييل فآي إلى القائمة القصيرة (للغونكور) منافِسةً "لحوريات" داؤود. ثم تُوِّجت بعد ذلك رواية "جاكَراندا" بجائزة (رونودو) Renaudot التي لا تقل ألَقاً ولا بريقاً من سابقتها. وقد إستدعى فيها الكاتب واحدةً من أقبح حروب القرن.. وهي مذبحة التوتسي في رواندا في 1994.
• فاي :
ولد غاييل فاي عام 1982 في بوجومبورا عاصمة بورندي حيث نزحت والدته من رواندا عقب حملة التطهير العرقي الأولى ضد قبيلتها التوتسي، ووالده فرنسي الجنسية.
عندما إندلعت الحرب الأهلية في بورندي في عام 1993، وتصاعدت وتيرة المذابح ضد قبيلة التوتسي في رواندا عام 1994، كان الصبي غايبل آنئذٍ في الثالثة عشر من عمره. فتم تسجيل إسمه في قائمة الفرنسيين المرشحين إلى الإجلاء إلى فرنسا فراراً من الحرب. وصل الصبي إلى فرنسا ومعه أخته الصغيرة ، وتم إيداعهما، بواسطة مؤسسة رعاية الطفولة، في كَنف أسرةٍ حاضنة إلى أن التأم شملهما مع والدتهما التي إستقرت بهما في ضاحية فيرساي Versailles، حيث عاش الجزء الثاني من شبابه ، ودرس المرحلة الثانوية. ساعدته موهبته وإهتمامه بالموسيقى على تخطي آلام الغربة وفَقْد الأحبة ومرتع الصِبا.
واصل تعليمه العالي حتى نال درجة الماجستير في دراسات التأمين في المدرسة الوطنية للتأمينات. وعمل بعد ذلك في كبرى الشركات في لندن، ثم إستقال من منصبه ليتفرغ للكتابة والتأليف الموسيقي.
أصدر في العام 2016، روايته الأولى Petit Pays "بلدٌ صغير" إستدعى فيها أحداث الحرب الأهلية في رواندا، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي صدر في 2020 بنفس الإسم، و قد ساهم هو في كتابة سيناريو الفيلم..يمكن مشاهدة الفيلم الآن عبر منصة النيتفيليكس.
• جاكَراندا :
تتناول الرواية، الصادرة عن دار "غراسيه"، قصة حياة الصبي "ميلان" وهو فرنسي من جهة الأب، رواندي من جهة الأم، نشأ في مدينة فيرساي ، يكتشف عبر التلفزيون مأساة التطهير العرقي في رواندا عام 1994، وتهيمن على عقله قصص ذلك البلد الصغير، وتلِحُ عليه
الأسئلة، ويقرر البحث عن حقيقة ماجرى لأسرة والدته هناك..لكن أمه التي تنتمي إلى قبيلة التوتسي ، كانت تتهرب طوال سنوات من الإجابة على هذا السؤال إذ أنها دفنت تلك الأحداث في أعماقٍ سحيقةٍ من سراديبِ الذاكرة ، و كغيرها من ضحايا الحروب، ضربت علي نفسها جداراً سميكاً من الصمت .
وخلال 25 عام قام ميلان بالبحث عن ما جرى ، وذلك من خلال رحلاته المتعددة إلى رواندا وإستنطاقه للشجر، والحجر، والطير، حتى الأموات وما تبقى من الأحياء المكفنين بالصمت..
أراد الكاتب من خلال رواية الجاكراندا أن يحكي لهذا الجيل قصة هذا (البلد الصغير) الذي عاش أسوأ الظروف ، وأبشع الفظائع، ومع ذلك استطاع أن يحقق التصالح والوحدة، وينهض من رماده، ويتكاتف أبناؤه ليصبح بعد ثلاثين عاماً بالتمام والكمال (1994-2024) واحداً من أكثر الدول الحديثة إزدهاراً وتقدماً..
إذن هي قصة نهضة رواندا وإزدهارها خلال ربع القرن الذي مضى حيث بلغت نسبة النمو فيها أكثر من 7 في المائة .
وقد فسر الكاتب إختياره لإسم شجرة (جاكراندا) عنوانا لروايته، بأنها الكلمة الفرنسية المحببة لنفسه، ولأنها الشجرة التي تحمل كثيراً من الأسرار وترمز إلى رواندا التي تحمل سر البقاء ، حيث تمر السنوات ولكنها تبقى شاهدة على كل ما مرت به من أحداث .
- الحروب :
وهكذا، مرة أخرى ، في عالم اليوم الذي انطمست فيه الحدود الفاصلة ما بين الحروب الإفتراضية عبر لعبة البليستيشن، والدمار الحقيقي الذي نعيشه أصبح التعايش مع القبح روتيناً يومياً أو كاد.. وهنا تأتي عبقرية الأدب الذي يقبض على هذه اللحظات الهاربة مع الزمن ليبقيها ذاكرةً "إبداعية" للأجيال.
elsadiq007@gmail.com