نظرًا للأحداث التى يمر بها السودان الشقيق، حاولنا أن نرصد ونؤكد وحدة المصير المشترك بين شعبى مصر والسودان، منذ وقوعهما تحت نير الاستعمار الإنجليزى.. ويرصد الكاتب أحمد حمروش، أحد الضباط الأحرار، مسيرة هذا الكفاح المشترك فى كتاب يعتبر من الدراسات الهامة التى تسلط الضوء على علاقة مصر بالسودان، وما مرا به من تحولات كثيرة.

يقول المؤلف: طوال فترة بقاء جنود الاحتلال البريطانى فى مصر، ٧٤ عاما، وطوال فترة بقائها فى السودان 75 عاما لم يتوقف الكفاح الشعبى المشترك ضد الاستعمار البريطانى، ولكنه لا يمكن القول بأن طبيعة الكفاح المشترك كانت واحدة بين الحكومات الرجعية والإقطاعية المتهاونة من جهة.. وبين جماهير الشعب المصرى والسودانى من جهة أخرى، بل إن الكفاح ضد الاستعمار البريطانى كان يختلف من وزارة إلى أخرى، تبعا للحزب الذى تمثله، وتبعا للظروف الدولية والسياسية فى الفترة التى تتولى فيها الحكم.

ويضيف: كانت نظرة الحكومات المصرية الرجعية لموضوع السودان تعبر عن تناقض فى المصالح الاقتصادية لأبناء الطبقة البرجوازية المصرية وبين الاستعمار.. أكثر مما تعبر عن رغبة أصيلة فى تحرير الشعبين المصرى والسودانى من قيود الاستعمار والتخلف الاجتماعى. ويشير الكاتب إلى أنه قبل الاستعمار البريطانى لم يكن هناك فاصل بين مصر والسودان واللائحة الأساسية التى تقدمت بها وزارة شريف باشا إلى مجلس شورى القوانين كانت تنص على أن أعضاء مجلس النواب ١٢٠ نائبا، منهم ٢٦ من السودان، وكل نائب يعتبر «وكيلا عن عموم الأمة المصرية، وليس فقط عن الجهة التى انتخبته».

ويضيف أن الحركة السودانية للتحرر الوطنى ارتبطت مع الحركة الديمقراطية المصرية للتحرر الوطنى.. يتبادل الاثنان الرأى والعضوية ويجسدان شعار الكفاح المشترك كل بأسلوبه ووسيلته، وكان الكفاح ضد الاستعمار البريطانى فى مصر أكثر ايجابية وأسرع نضجا، حتى تحول بعد حرب فلسطين إلى كفاح مسلح ما كادت تندفع عجلته ويصلب عوده حتی دهمته مؤامرة الاستعمار، وتحول مع حريق القاهرة فى ٢٦ يناير إلى جذوة تعيش فى القلوب تحاول حكومات الرجعية المصرية أن تطفئها دون جدوى، حتى عندما قامت ثورة ٢٣ يوليو لم تتأخر لحظة واحدة فى مواصلة الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية بالقتال. ويشير إلى أنه فى هذه الفترة الطويلة التى امتدت سنوات لم يصل شعب السودان إلى مرحلة الكفاح المسلح، وذلك لعدم نضج الظروف الموضوعية المهيئة لطرح الشعار.. ولعدم وصول القيادات الشعبية إلى مستوى القدرة على تحريك الجماهير، ولأنه لم تتوفر حكومة تخلق جوا ديمقراطيا مساعدا للجماهير، مثل حكومة مصطفى النحاس، هذا إلى جانب قلة عدد القوات البريطانية المعسكرة فى السودان.

وفى هذه الفترة الحاسمة منذ توقيع الاتفاقية فى فبراير ١٩٥٣ إلى إعلان الجمهورية السودانية فى ١٩ ديسمبر ١٩٥٥، وإعلان الاستقلال رسميا فى أول يناير ١٩٥٦.. وضح أن الأحزاب الاتحادية لم تكن جادة فيما ترفعه من شعارات، وإنما كانت تجتلب بذلك أصواتا تساعدها فى الانتخابات لم يكن ذلك- فى رأيى- مفاجئا ولا غريبا بعد أن أصبحت فى مصر حكومة ثورية تختلف فى طبيعتها الاجتماعية ونظرتها للمستقبل عن حكومة السودان التى نبتت من أحزاب تشابه الأحزاب التى انتهت قصتها فى مصر وتكونت من عناصر بورجوازية لا تطمع فى أكثر من كراسى الحكم.

ويوضح الكاتب أن حكومة الثورة فى مصر كانت ترفض رفضا صريحا مشروع أيزنهاور وحلف بغداد واستطاعت أن تحقق خلال السنوات التى سبقت استقلال السودان إنهاء النظام الملكى وتوجيه ضربة حاسمة للإقطاع وفرض اتفاقية فبراير ٥٣ على الاستعمار البريطانى، وهى التى وفرت على الشعب السودانى بعض الجهد فى نضال طويل.

كما عقدت حكومة الثورة صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا، فحطمت الاحتكار الاستعمارى للسلاح وقضت على إرهاب وتنظيمات حركة الإخوان المسلمين الرجعية، وألغت الأحزاب التقليدية المصرية التى تهادنت مع الاستعمار، والتى كانت ترتبط بها الأحزاب السودانية، وفى خلال هذه السنوات اتخذ إسماعيل الأزهرى الإجراءات.

ولفت «حمروش» الانتباه إلى أن الهوة اتسعت مرة أخرى بين طبيعة الحكم فى مصر وطبيعته فى السودان، عندما طبقت مصر القوانين الاشتراكية فى يوليو ١٩٦١.. بينما الاستعمار الحديث يمرح ويسيطر فى السودان وتجمعت حوافز الثورة عند شعب السودان، وانطلقت ثورة أكتوبر الشعبية ضد طغيان الديكتاتورية العسكرية.. وانتهى لأول مرة فى العالم الثالث حكم عسكرى بقوة الجماهير العزلاء، العناصر المتعاونة مع الاحتلال، وأبرزت ثورة أكتوبر إلى السطح العناصر التقدمية الوطنية فى الجيش، صفحات النضال الوطنى التقدمى الذى قامت به التنظيمات سرا خلال ظروف شديدة القسوة والضراوة.. ولحق ركب الثورة السودانية بركب الثورة المصرية. ولكن سرعان ما أجهضت ثورة أكتوبر بقوة وتآمر الأحزاب التقليدية والرجعية الطائفية. وهكذا أصبح واضحا بعد حصول السودان على استقلاله وتحرره من الوجود الاستعمارى البريطانى فى أول عام ١٩٥٦، أنه يحكم بحكومات تختلف فى طبيعتها عن طبيعة حكومة الثورة فى مصر، وكان جمال عبد الناصر فى قيادته للثورة المصرية يحقق كل يوم انتصارا جديدا، وذكر الكاتب أنه بعد استقلال السودان تحقق الجلاء الكامل عن مصر أيضا فى ١٨ يونيو ١٩٥٦، وأممت قناة السويس فى ٢٦ يوليو ١٩٥٦ وتعرضت مصر للعدوان الثلاثى فى ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦، ثم تم الجلاء فى ديسمبر من نفس العام، ورفضت مصر محاولات التدخل الأمريكية لدراسة المصالح البريطانية والفرنسية، وأعلن جمال عبد الناصر مقاومته للحصار الاقتصاد الأمريكى. وزادت العلاقات وثوقا مع الاتحاد السوفيتى والدول الاشتراكية بعد تنفيذ مشروع السد العالى، وتحققت الوحدة مع سوريا فى ٢٢ فبراير ١٩٥٨.

وأشار الكاتب إلى ما أن تم من تعاون بين مصر والسودان وليبيا هو نوع من الكفاح المشترك ضد الإمبريالية العالمية، والكفاح المشترك لا يجوز أن يهدأ أو يتوقف.. بل يجب أن ينمو ويتطور.. فإن المؤامرات الاستعمارية لا تركن إلى الهدوء. ويوجه الكاتب نصيحة للدول الثلاث، بأن ما تحقق فى المنطقة أمر يقرب من المعجزات وأى ضربة توجه إلى دولة من الدول الثلاث لابد أن تؤثر فى الدول الأخرى، ولذا فإن خطوات اللقاء والتعاون يجب أن تتم فوق أرض صلبة من الوعى والبحث والدراسة، وبعيدا عن الارتجال، بعيدا عن العواطف السطحية فى حذر شديد مما يبذره الاستعمار وأعوانه من تشويهات. ويختم المؤلف بأن طريق الكفاح المشترك طويل.. وهو بعد الانتصار قد يكون مليئًا بالأشواك والحساسية.. ولكن وعى الجماهير والحكومات وثوريتها هى الضمان الوحيد لاتصال الكفاح المشترك، فإن الجماهير تدرك أن الكفاح المشترك يعنى المصير المشترك.

يسري عبيد – صحيفة المصري اليوم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: مصر والسودان فى السودان فى مصر

إقرأ أيضاً:

مبادرة تكافلية لإعادة استخدام الكتب الدراسية وترشيد النفقات بالوادي الجديد .. صور

أطلقت محافظة الوادى الجديد، مبادرة تكافلية "لإعادة استخدام الكتب الدراسية" مرة أخرى بعد الإنتهاء من العام الدراسى، بهدف ترشيد النفقات وخفض تكلفة احتياج الطلاب من الكتاب المدرسى، تحت إشراف قطاع التربية والتعليم وهيئة الأبنية التعليمية ومديرية التضامن الإجتماعى ومكتبة مصر العامة، حيث يتم استلام الكتب من الطلاب بصفة تطوعية للراغبين فى ذلك، على أن يتم إعادة تغليفها مرة أخرى وتسليمها للطلاب الجدد كمبادرة تكافلية تشجع الطلاب على الحفاظ على الكتب المدرسية من أجل التبرع بها مرة أخرى بعد الانتهاء من العام الدراسي.

بدء تنفيذ المبادره

وجرى تنفيذ جانب من المبادرة التى لاقت استجابة كبيرة من الطلاب وتم تجميع الكتب فى إحدى القاعات بمكتبة مصر العامة، وتفقد اللواء دكتور محمد الزملوط محافظ الإقليم، فعالياتها بحضور المهندسة إيمان صبرى مدير فرع الأبنية التعليمية، ووليد المناخلي وكيل مديرية التربية والتعليم، ووصفي عبد الموجود مدير عام الإدارة التعليمية بالخارجة، وعدد من التنفيذيين المعنيين.


ووجه وكيل التعليم  بتخصيص عدد من مؤدى الخدمة العامة لفرز الكتب وتفقد صلاحيتها لإعادة تجديدها، على أن تسلَّم كل مادة للموجهين المنوطين للإشراف على عملية الفرز، ومنح مكافآت تحفيزية للطلاب والمدارس ذات أعلى نسب في تسليم الكتب بحالة جيدة، واختيار عدد من المدارس لتنفيذ مقترح إنشاء مكتبة فصلية للحفاظ على الكتب الدراسية.

كما وجه بالتعاقد مع مطبعة مركز التكوين المهني لإعادة تجديد الكتب قبل تسليمها مرة أخرى، وذلك بعد أن أعلنت مديرية التضامن الاجتماعي بالمحافظة عن الانتهاء من تنفيذ أول وحدة إنتاجية للصناعات الورقية بالمحافظة، ضمن مشروع التكافل المجتمعى، وتشمل الوحدة تنفيذ مطبعة متكاملة لإنتاج المطبوعات والبوسترات وخطين إنتاج أحدهما لإنتاج الأكواب الورقية صديقة البيئة.

مبادرة طالب بلا حقيبه

وكانت مديرية التربية والتعليم بالمحافظة، أطلقت أيضا منذ عدة أعوام مبادرة تحت شعار طالب بلا حقيبة تهدف إلى تخفيف العبء عن الطلاب من حمل الحقيبة المدرسية والتى بها جميع الكتب الدراسية، والأدوات بصفة يومية من وإلى المدرسة وعليه فإن يتم عمل خزائن "دولاب"، في كل فصل دراسي بالمدرسة، حيث يكون لكل طالب دولاب يضع فيه أدواته المدرسية، والذي لا يحتاج إليه من الكتب في الدولاب الخاص به في الفصل.

وشملت المبادرة تنفيذ إجراء مع بداية كل يوم يتم تسليمها له عن طريق معلم الفصل ويتم كتابة الواجبات أثناء الحصة الدراسية، وفي نهاية الاسبوع يحمل الطالب معه الحقيبة ويحمل الكتب للمنزل حتى يتسنى لولي الأمر متابعة ما تم دراسته خلال الاسبوع مع إبداء ملاحظاتهم على ما تم تحقيقه بهدف تخفيف العبء على الأهالى من الواجبات المدرسية اليومية، والتى سيتم إنهائها أثناء اليوم الدراسى وإعطاء فرصة أكبر للطالب وحرية أكثر فى ممارسة هوايات وأنشطة خارج المدرسة وعقب إنتهاء اليوم الدراسى.

مديرية التضامن الاجتماعي تشارك في المبادرة 

وتشارك مديرية التضامن الاجتماعي بالمحافظة، فى المبادرة من خلال خدمات مطبعة التكافل الاجتماعي والتى تضم خطوط متكاملة لإنتاج المطبوعات والبوسترات وخطين إنتاج أحدهما لإنتاج الأكواب الورقية بطاقة 80 كوب/ الدقيقة وبتكلفة نصف مليون جنيه ويستهدف الآخر إنتاج الأكياس الورقية وذلك بطاقة إنتاجية 100 كيس/ الدقيقة، ويمتاز المشروع أنه لا يسبب الضوضاء أو التلوث، ويوفر منتجات صديقة للبيئة ويقوم بكافة مراحل الإنتاج آليًا، كما تم تنفيذ أول خط إنتاج لتصنيع الحقائب والأزياء صديقة البيئة بمصنع الملابس، والتي تُصنع من خامات طبيعية كالقطن والكتان والخيش وتخلو من البلاستيك والبوليستر والأصباغ.

وبدأت وحدة تصنيع الاكواب الورقية عملها المنتظم مطلع شهر يناير الماضي وانتظمت فى العمل من خلال تنفيذ خطة إنتاج شاملة لجميع أنواع الاكواب الورقية عالية الجودة وصديقه للبيئه بأرخص سعر رغم الارتفاع الشديد فى المادة الخام، ويتم تخصيص عوائده لصالح الأسر الأولى بالرعاية على مستوى المحافظة، حيث يتم العمل فى أول مرحلة من المشروع حسب الطلبيات المتعاقد عليها تحت شعار صنع في الوادي الجديد من أجل تشجيع الصناعة المحلية الآمنة.

مقالات مشابهة

  • «خزانة الكتب» تقدم 800 عنوان جديد
  • في هندية كربلاء.. ذاكرة تتحدى الزمن بمقاه تقليدية (صور)
  • فلسطين ذاكرة المقاومات.. محمد بنيس يقدم شهادة ثقافية إبداعية
  • رئيس منطقة القليوبية الأزهرية يستقبل موفدة المركز البريطانى بالقاهرة
  • اليوم.. وزارة الثقافة تناقش أم كلثوم ذاكرة أمة وتاريخ شعب بملتقى الهناجر الثقافي
  • العصا والجزرة جريمة القرن في غزة
  • مبادرة تكافلية لإعادة استخدام الكتب الدراسية وترشيد النفقات بالوادي الجديد .. صور
  • دار الكتب والوثائق القومية تعلن عن برنامج فعاليات شهر رمضان 2025
  • بعد 47 عاما من استعراض الكتب أسبوعيا.. مايكل ديردا يطوي صفحة
  • رئيس الوزراء: الشركات المصرية مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار السودان