تهجير أهل غزّة نكبة القرن الجديد
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
أكثر من سبعة عقود ولا تزال الذّاكرة حاضرة لنكبة 15 مايو 1948م، وما سبق هذا اليوم من بدايات التّخطيط والاستيطان والتّهجير، وما أعقبه من مجازر لم تتوقف حتّى حرب غزّة الأخيرة، أمام شعب أعزل محاصر لا لشيء، إلّا أنّه ينتمي إلى هذه الأرض، وشاء القدر أن يولد فيها، ليستبدل بمن لم يولد فيها، ولا أصل له بها، إلّا لتحقيق أساطير دينيّة، وأطماع سياسيّة، في تفرق عربيّ واضح، جعل كلمتهم تتراجع يوما بعد يوم.
نحن اليوم أمام مأساة جديدة، فبعد أوسلو الثّانية 1995م الّتي بها قسّمت المناطق الفلسطينيّة إلى (أ) و(ب) و(ج)، «ولم يكن للسّلطة الفلسطينيّة سيطرة إلا بنسبة ثلاثة بالمائة فقط على الضّفة الغربيّة أمنيّا وإداريّا عدا القدس، وهو (أ)، وإداريّا فقط لا أمنيّا بنسبة خمس وعشرين بالمائة على مناطق أخرى وهي (ب)، وباقي المناطق تحت السّيطرة الإسرائيليّة أمنيّا وإداريّا ليمكنها التّوسع في بناء المستوطنات وهي (ج)».
بعد هذا التّقسيم لم يكن هناك تجمع أشبه بالمستقل إلّا في غزّة، فأدخلت في حصار سياسيّ واقتصاديّ منذ عام 2007م، وبعد 7 من أكتوبر 2023م كانت أكبر إبادة لهذا الشّعب، مدعومة من قبل دول كبرى، ليتحقّق القضاء على أكبر تجمع فلسطينيّ واضح ومستقل، وبه نفهم مراد ترامب اليوم في سياسة امتلاك قطاع غزّة، بمعنى تهجير سكّانها، وامتداد الاستيطان (الاستعمار) اليهوديّ - الإسرائيليّ إليها، في نكبة أخرى، ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين.
أكثر من مليوني إنسان تعرّض في هذا القطاع ولا يزال يتعرض لأكبر مأساة إنسانيّة، من تجويع وإبادة لمدنيين وتهجير ممنهج، مأساة لا يكاد يشبهها مأساة أخرى في التّأريخ، واليوم يفتح مخطّط التّهجير علنا وليس في الخفاء، أمام استفزاز أمّة عربيّة بأكملها، لتضعها في اختبار واضح، فشلت فيه بعد حرب 7 من أكتوبر، وهي تستعد لقمة عربيّة طارئة في السّابع والعشرين من شهر فبراير، أي الشّهر الحالي، فهل هذه القمّة كغالب مثيلاتها من القمم السّابقة لن تتجاوز تسجيل لحظة بيان استنكاريّ للتّأريخ لا يتجاوزه إلى الفعل والضّغط الحقيقيّ؟!
إنّ سقوط غزّة، وتهجير سكّانها؛ يعني بشكل واضح القضاء على ما تبقى من القضيّة الفلسطينيّة، ولكن هذا السّقوط لن يكون نهاية المطاف، بقدر ما يكون بداية الامتداد لتحقيق نبوءات أسطوريّة وخرافيّة، ومحاولات لجعل أحداث ماضوية ظرفيّة في جانبها المطلق، مدعومة كما أسلفتُ بقوى سياسيّة لها أطماعها الاستعماريّة، ليمتدّ الحال إلى مصر ودول الجوار جغرافيّا، وإلى جعل العالم العربيّ ممزقا ومتخلّفا ومتصارعا لعقود مستقبليّة أطول، يسهل الاستيلاء عليه، وأكل خيراته.
الوقوف العمليّ الّذي يتبعه نتائج عمليّة ضاغطة ضدّ اتّجاه ترامب (أمريكا) الجديد، وعدم المساس بغزّة؛ ليست نتائجه إنسانيّة متعلّقة بذات الإنسان في غزّة فحسب؛ بل نتائجه تعود إلى أمن الوطن العربيّ ذاته، من الخليج إلى المحيط، فنكبة تهجير أهل غزّة لم تعد اليوم نكبة في قطعة جغرافيّة صغيرة من عالمنا العربيّ الكبير، بل هي نكبة عربيّة بمعنى الكلمة، لها ما بعدها، حيث الأطماع الصّهيونيّة والغربيّة لن تتوقف عند هذا المقدار، ليس من حيث الامتداد الجغرافيّ فحسب، بل إلى السّيطرة الكاملة لقلب العالم العربيّ، وجعله عالما لا قيمة له معنويّا ولا حضاريّا معاصرا.
نحن اليوم أمام نقطة فارقة من حيث كونها إنسانيّا عالميّا، وأمنيّا عربيّا، فلا مقارنة من خلال الواقع بين نكبة 1948م، وبين ما يراد أن تكون نكبة جديدة في العالم اليوم، فالمعايير اختلفت بين واقع العالم العربيّ في بداية القرن العشرين، وبين واقعه اليوم وهو في بداية القرن الجديد، فمائة عام فترة كافية لجعله مدركا لحقيقة هذه السّياسات، وخبيرا بحقيقة تفكيرها ونتائج أطماعها وغاياتها، فغالب الشّعوب العربيّة اليوم متعلّمة وفاعلة في الواقع المعيش، ومرّت بتجارب وتفاعلات مخاضيّة مختلفة، وتجاوزت التّأثير المحلّي إلى التّأثير العالميّ والإنسانيّ.
وإذا كان إسرائيل شاحاك ونورتون ميزفينسكى في كتابهما: «الأصوليّة اليهوديّة في إسرائيل»؛ يرون أنّ تحكّم إسرائيل بما ينشر دوليّا، وإن كان في معرض آخر، حيث يقول: «وهذه الحقائق نادرا ما تذكر أو توصف بدقة في التّغطية الإعلاميّة الهائلة لإسرائيل في الولايات المتحدة، وفي أماكن أخرى»، أي فيما يتعلّق بالإبادة وجرائم الحرب والاستيطان والتّهجير غير الإنسانيّ، إلّا أنّ هذا الاتّجاه فشل اليوم أمام الإعلام الجديد، مع محاولات شركات (السّوشيال ميديا) أو وسائل التّواصل الاجتماعيّ تكتيم أيّ صوت آخر يبرز مثل هذه الجرائم غير الإنسانيّة، بيد أنّ الخطّ الأفقيّ اليساريّ ضدّ الاتّجاهات اليمينيّة المتشدّدة، أصبح اليوم أكثر تمدّدا عالميّا، ولم يعد محصورا في زاوية إعلاميّة معينة، لها أيدولوجيّتها الخاصّة.
فسياسات العالم العربيّ اليوم عليها أن تدرك أنّ اللّحظة التّأريخيّة الّتي تعيشها في واقعها المعيش هي لصالحها، فعليها أن تستثمر هذا الوعي والالتفاتة الإنسانيّة في وقف هذه الإبادة، مع التّعجيل في إقامة دولة فلسطينيّة لها استقلالها داخليّا، وبها تحقّق كرامة وإنسانيّة شعب مهجّر، وهذا متحقّق اليوم أمام تخبّط غربيّ وإسرائيليّ داخليّ أصبح ظاهرا في الحرب الأخيرة على غزّة، الّتي لم تتجاوز حركة الاغتيالات السّياسيّة، وقتل المدنيين الأبرياء، فإذا مرّت هذه اللّحظة التّأريخيّة والمهيأة عالميّا إنسانيّا، وشعبيّا عربيّا، ولم تستثمر؛ فإنّ الأجيال القادمة لن ترحم، ولكلّ شيء له ما بعده إذا لم يحسن استغلال اقتضاءات الواقع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العالم العربی الیوم أمام إنسانی ة عربی ة
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية: توافق عربي على رفض تهجير الفلسطينيين
أكد وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبدالعاطي، التوافق العربي الكامل على رفض تهجير الفلسطينيين، مشددًا على ضرورة إيجاد أفق سياسي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
استعرض عبدالعاطي جهود مصر في تنفيذ وقف إطلاق النار بغزة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار دون إخراج الفلسطينيين من أرضهم.
وكان الدكتور بدر عبد العاطي أكد هاتفيا لنظيره البرتغالي الأولوية التي توليها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشددًا على ضرورة معالجة الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة.
وأضاف “عبد العاطي” أن أي تصورات لليوم التالي يجب أن تكون في إطار وحدة الضفة الغربية وغزة وأن تشمل عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.
كما أكد وزير الخارجية المصري ضرورة بقاء الفلسطينيين فى غزة خلال مرحلة التعافى المبكر وإعادة الإعمار.