روى مسؤول في منظمة إنسانية عالمية تفاصيل زيارة له لسوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، مؤكدا أن جولته كشفت له حجم الدمار الذي خلّفته الحرب، وعمق الأزمة الإنسانية، والمخاوف بشأن المسار السياسي وضمان حقوق الأقليات، لكنها كشفت له أيضا مدى صمود السوريين وتضامنهم وتمسكهم بمستقبل أفضل.

وعبّر برونو نيري، المدير الإقليمي لمنظمة "أرض الإنسان" في إيطاليا، في تقرير نشرته صحيفة "إل مانيفستو"، عن مخاوفه من أن يؤدي قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقليص حجم المساعدات الإنسانية إلى تدهور الوضع في مخيمات النازحين واحتمال اندلاع موجة عنف جديدة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تلغراف: قادة إيرانيون يطالبون خامنئي بإلغاء فتواه ضد الأسلحة النوويةlist 2 of 2هآرتس: تصريحات ترامب لعب بالنارend of list

وقال الكاتب إنه عاد إلى سوريا في أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، مع زملائه في المنظمة لمعاينة الوضع الإنساني، موضحا أن البلاد ما زالت تعاني آثار الحرب المدمرة التي غيرت حياة سكانها بشكل جذري.

وأكد أنه خلال رحلته التي شملت دمشق وحلب وإدلب، لمس مشهدا معقدا، تمتزج فيه الآمال مع التحديات الجسيمة التي يواجهها السكان، مضيفا أنه رغم وعود الحكومة الانتقالية بالشمول وإجراء انتخابات حرة، لا يزال العديد من السوريين، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، متشككين بشأن المستقبل، وينتظرون إجراءات ملموسة تثبت أن التغيير ليس مجرد وعود.

إعلان

آثار الحرب في كل مكان

يقول الكاتب إن العاصمة دمشق استعادت وتيرة الحياة الطبيعية تقريبا، لكن ندوب الصراع لا تزال واضحة في كل مكان، مثلما تبدو آثار الحرب جلية على الطريق إلى حلب، مرورا بحماة وحمص.

لكن دمار الحرب لم يُفقد المدن والأرياف نبض الحياة -حسب الكاتب- إذ تتناوب التضاريس بين تلال قاحلة وسهول مزروعة بالفستق والزيتون واللوز، وهي محاصيل كانت يوما ما موارد أساسية لاقتصاد البلاد، فقد كانت سوريا قبل الحرب واحدة من أكبر مصدري زيت الزيتون والفواكه والخضروات والقطن في الشرق الأوسط، لكن تلك القطاعات دُمرت بسبب الحرب والحصار.

وضع صعب في حلب

تابع الكاتب بأن مدينة حلب الأسطورية، إحدى أقدم وأروع مدن العالم، ما زالت تحمل آثار الحرب التي دمرت مبانيها، وهي صورة تختزلها قلعتها المصنفة ضمن التراث العالمي، ما بين مبان تم ترميمها وأخرى لا تزال أنقاضا تروي ضراوة المعارك.

وحسب الكاتب، فقد زاد الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 فبراير/شباط 2023 من تعقيد الوضع، متسببا في أضرار جسيمة وخسائر إضافية.

ورغم كل ذلك، تبقى حلب -حسب الكاتب- مدينة لا تستسلم، فالأسواق تعج بالحياة، وتذكره بأجواء مدينة نابولي بكل ما فيها من فوضى وحيوية. وفي الأحياء الجانبية، حيث تدير منظمة "أرض الإنسان" مراكز للعلاج الطبي والدعم النفسي والاجتماعي منذ سنوات، يعاني السكان من الفقر ويعتمد العديد منهم على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة.

وأشار الكاتب إلى أن التعليم يمثل تحديا كبيرا، حيث دُمرت العديد من المدارس، وأصبحت المدينة تواجه نقصا حادا في المرافق التعليمية. كما لفت إلى تصاعد التوتر في حلب بين العائدين من لبنان والمقيمين في المدينة، إذ احتل العديد من النازحين داخليا المنازل المهجورة بعد فرار أصحابها إلى الخارج، وهو وضع قد يعمق الانقسامات الاجتماعية في مدينة تعاني بالأساس من وضع اجتماعي هش.

إعلان أزمة إنسانية في إدلب

يستكمل الكاتب رحلته متجها نحو إدلب، المحافظة التي كانت معروفة قبل الحرب بمزارع الزيتون ومناظرها ذات الطابع المتوسطي، وتجاوزت محاصيلها السنوية في مرحلة سابقة 176 ألف طن من زيت الزيتون.

ويقول الكاتب إن إدلب اليوم واحدة من أكثر المناطق تضررا من الصراع، وتواجه أزمة إنسانية حادة، مضيفا أن حركة المرور في المدينة فوضوية والأسواق مليئة بالبضائع والمتسوقين.

وما لفت انتباهه بشكل خاص هو انتشار معارض بيع السيارات الحديثة والمستعملة، والتي يبدو أنها مستوردة من تركيا أو الخليج، إلى جانب انتشار تجارة الأسلحة، حيث يمكن بسهولة شراء بندقية كلاشينكوف.

وذكر الكاتب أن محافظة إدلب تستضيف منذ 14 عاما نحو 1200 مخيم للاجئين، يقطنها ما يقارب مليوني شخص فروا من مختلف المدن السورية خلال الحرب. وتتكون هذه المخيمات من خيام هشة، تعيش فيها العائلات في ظروف قاسية، في ظل غياب نظام فعال لجمع النفايات، إضافة إلى نقص الخدمات الصحية والتعليمية.

وأوضح الكاتب أن الخيام أصبحت بعد 14 عاما من الاستخدام متهالكة وغير صالحة للإيواء، ولا توفر حماية ضد برد الشتاء القارس، فتضطر العديد من العائلات إلى حرق الأخشاب أو أي مواد متاحة للتدفئة والطهي، ما يزيد من أخطار اندلاع الحرائق والتعرض لحروق خطيرة.

وأكد الكاتب أنه عندما دخل مع زملائه السوريين إلى المخيمات، تجمع حولهم الأطفال بملابس خفيفة لا تقيهم من البرد القارس، وعكست أعينهم قصصا صامتة من الألم والصمود، شاهدةً على عمق الأزمة التي يعيشها النازحون في مخيمات إدلب.

وتابع بأن ندرة المدارس من أكبر التحديات التي يواجهها سكان المخيمات، حيث يتضرر الأطفال بشدة من غياب التعليم المناسب، وهو أمر تعاني منه الفتيات بشكل خاص، حيث يتم تكليفهن بالأعمال المنزلية، ما يخلق فجوة تعليمية متزايدة بين الأولاد والبنات.

إعلان دور المنظمات الإنسانية

وأشار الكاتب إلى أن منظمة "أرض الإنسان" وغيرها من المنظمات غير الحكومية تلعب دورا حيويا في هذه المخيمات، حيث تسعى جاهدة لتقديم الدعم الفوري للعائلات الأكثر ضعفا من خلال توفير المساعدات الغذائية والمساحات الآمنة لتعليم الأطفال.

وأكد الكاتب أن هذه المنظمات تركز على منح الفرص للفتيات والأطفال ذوي الإعاقة للحصول على تعليم أساسي، مما يعزز الاندماج الاجتماعي ويمنحهم أملا في مستقبل أفضل، معتبرا أن الأمل يبقى قائما في تحسين حياة النازحين رغم حجم التحديات، وهو الدافع الذي يحفز العاملين في المجال الإنساني لمواصلة العطاء.

تأثير قرارات ترامب

يؤكد الكاتب أن رحلته إلى سوريا في يناير/كانون الثاني كانت تجربة مؤثرة، حيث حجم الدمار الواسع، لكنه لمس أيضا قوة وصمود الشعب السوري، ولمس بوادر المستقبل المشرق الذي يغذيه تضامن السوريين وصمودهم.

وأضاف أنه يجب دعم المجتمع المدني السوري، الذي يواصل التظاهر سلميا للمطالبة بحقوق الأقليات العرقية والدينية، وحقوق النساء، وتعزيز التماسك الاجتماعي.

ونبّه الكاتب في المقابل إلى أن الأخبار القادمة من الولايات المتحدة، مثل خفض المساعدات الدولية لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، يهدد بشكل خطير قدرة هذه الهيئات على دعم صمود الفئات الأكثر ضعفا.

فبعد صدور تعليمات ترامب بتخفيض ميزانية العديد من الوكالات الإنسانية بنسبة 30%، أصبحت المشاريع الإنسانية حول العالم معرضة للخطر، بما في ذلك إدارة مخيمات اللاجئين في سوريا، مثل مخيم الهول في محافظة الحسكة، الذي يأوي 40 ألف شخص، بمن فيهم نساء وأطفال مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية.

وختم الكاتب بأن نقص التمويل يمكن أن يؤدي إلى إغلاق المخيم وعودة 18 ألف عراقي و4 آلاف مقاتل أجنبي إلى العراق، وقد يشعل حربا أهلية جديدة في العراق وسوريا، ويعمّق معاناة الفئات الأكثر ضعفا، ويفرز تداعيات تهدد الاستقرار العالمي.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات آثار الحرب العدید من الکاتب أن

إقرأ أيضاً:

الخطاب السياسي الذي أشعل الحروب في السودان

الخطاب السياسي لدولة السادس والخمسين منذ مجيئها إلى حيز الوجود، قبل إعلان (الاستغلال) ببضعة أشهر ساهم في اندلاع جميع الحروب، ابتداء من حرب الجنوب الأولى – تمرد توريت – وانتهاء بالحرب القائمة الآن، دشن السياسيون الشماليون خطاباً عدائياً تجاه نخب الجنوب السياسية، وتمركز التوجه العام لهذا الخطاب حول الكراهية العرقية والدينية والفرز الجهوي، واشتغلت الأجهزة الإعلامية والصحفية على ترميز الجنوب والجنوبيين على أساس أنها شعوب بدائية لم تبلغ الحلم، وبالتالي لابد من وجود كفيل يقوم برعايتها، استمر ذلك الخطاب طيلة مدة اشتعال حروب الجنوب الثلاث، وتم تغييب وعي المجتمعات الشمالية، فتبنت السردية المجحفة بحق شقيقهم شعب الأبنوس الجميل، فالحروب بالشرق الأوسط وافريقيا تندلع بدوافع التباينات الجغرافية والدينية والعرقية، فأخذ الجنوبيون حظهم من الفرز الوطني بحجة أن غالبهم يعتنق المسيحية، فعمل الخطاب السياسي للشمال المسلم ما في وسعه لقطع صلات التلاقي الاجتماعي بين الجهتين، ولا يجب أن ننسى الدور الفاعل الملعوب من الإدارة البريطانية، وقرارها ببذر بذور الشقاق وسياسة فرق تسد والمناطق المغلقة، ولكن، ما كان يجب على النخبة الحاكمة بعد ذهاب "الخواجة" أن تواصل فيما خلّفه المستعمرون من سياسات ظالمة، وأيضاً لا يستقيم منطقاً أن يكون هذا مبرراً للفاشلين من الحكام لإخفاقهم في حل مشكلة الجنوب.
تمددت الحرب شمالاً وغرباً لذات السبب – الخطاب السياسي الرافض للآخر والمشيطن له، وجميعنا يستحضر خطاب الدكتاتور عمر البشير بعد انفصال جنوب السودان، ووصفه لفترة حكومة الوحدة الوطنية (بالدغمسة) – عدم الوضوح، في إشارة لانعدام الإرادة الوطنية من جانبهم لاستكمال اهداف اتفاق السلام الشامل، والدكتاتور في حقيقة قوله يعني خروج الجنوب المسيحي، وبقاء الشمال (المسلم) خالصاً لأهله لإقامة (دولة الخلافة الراشدة)، متناسياً المسيحيين المتبقين بالشمال، فالخطاب السياسي الداعم لخط الانحياز الديني أدى لتقطيع الوطن إلى جزئين، مختلفاً عن الخطاب الموجه للسودانيين بعد تمرد دارفور حيث دق إسفين العروبة والأفريقانية، بين المكونين الاجتماعيين اللذين عاشا ردحاً من الزمن، في تماسك اجتماعي واقتصادي وسياسي، أما الخطاب المدشن بعد اندلاع الحرب بين الجيش المختطف من الحركة الإسلامية وقوات الدعم السريع، لم يجد منظروه بداً من وصف أفراد القوة العسكرية الشقيقة بأنهم غزاة أجانب، في مهزلة مضحكة للطفل قبل الشيخ الهرم، إذ كيف لرمز سيادة البلاد أن يكون سيّداً وأجنبياً في آن واحد؟، فالخطاب الأخير جاء غير مقنع لقطاعات عريضة من المجتمعات السودانية، وفضح الجذر المتأصل للمأساة الممتدة من بدايات تأسيس دولة السادس والخمسين، والذي عمل مصدروه بكل جهد لتفكيك وحدة البلاد واستمراء المضي قدماً في ذات الاتجاه السالب.
الفشل الكبير للخطاب السياسي المركزي عبر الحقب، ظهرت آخر مخرجاته في القفز على الواقع الداخلي وإصدار التهم للدول الجارة والشقيقة، التي تضامنت مع السودانيين في محنهم، فبعد أن أكدت الحرب المشتعلة بين الجيشين على سقوط السيادة الوطنية، وخروج الدولة من الفاعلية الإقليمية والدولية، بفقدانها لنظام الحكم الشرعي الذي كان قبل انقلاب أكتوبر، اصبح الجيش المختطف من جماعة الاخوان يتأرجح مثل الذي يتخبطه الشيطان من المس، في نهاية منطقية للاستمرار في توجيه هذا الخطاب الفطير داخلياً، والمحاولة اليائسة لتسويقه خارجياً، لقد صنع هذا الخطاب كادر حزبي وعسكري لا يعي أهمية العلاقات الدبلوماسية ولا الروابط الودية بين الشعوب، فأساء هذا الكادر للوشائج الأزلية بين السودان وجواره العربي والإفريقي، وعمّق الأزمة الوطنية ودولها وأقلمها، فزيادة على كارثة الحرب التي ما يزال المواطنون يدفعون ثمنها الباهظ، خلق توترات حدودية ودبلوماسية لا مبرر لها مع بلدان مباركة لمساعي الحل السلمي التفاوضي، ولها أياد بيضاء في ساحة العمل الإنساني السوداني، ومارس فوضوية في خلط الأوراق لدرجة أن المراقبين والمحللين والمسهّلين دخلوا في حيرة من أمرهم، جراء هذه المهزلة الحكومية التي ألمت بالسودانيين، والتي آخرها تلعثم مندوب جيش الاخوان وهو يقدم دعواه الباطلة أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

   

مقالات مشابهة

  • منظمة “إنسان”: استهداف المصانع يعكس مستوى الانحطاط الذي وصل إليه العدوان الأمريكي
  • زيلينسكي يدعو ترامب إلى زيارة أوكرانيا لرؤية حجم الدمار الذي خلفته الحرب
  • المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية يلتقي مدير الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي
  • لماذا اليمن في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث المخاطر التي تواجه عمل المنظمات الإنسانية؟
  • عامان على الحرب الأهلية في السودان: مأساة إنسانية مستمرة ونزوح جماعي مريع
  • الخطاب السياسي الذي أشعل الحروب في السودان
  • وزير صحة الخرطوم يقف على حجم الدمار الكبير والتخريب الذي الحقته المليشيا المتمردة بمستشفى بن سينا
  • الاتحاد الأوروبي والأونروا يحذران من كارثة إنسانية وشيكة في غزة
  • يحي سعد الدين نايلي مديرًا عامًا جديدًا لمجمع “صيدال”
  • الدمار يفوق الوصف.. وزير الخارجية الأردني: نسعى لوقف الحرب في غزة