اليمن: صراع فوق قارب يغرق بالجميع
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
يترآى لي الحل السياسي في اليمن كقارب مهترئ مثقل بالبضائع والركاب يغرق بسرعة أمام أعين الجميع، وسط محيط مضطرب من الأمواج العاتية، وعوضاً عن تعاون ركابه المصابين بالرعب من فكرة إنقاذهم جميعاً وإبحار القارب مرة أخرى فهم منشغلون في تبادل الاتهامات عن مسؤولية الآخر بإحداث الثقوب والكل يصرخ في وجه الكل ويتمنى غرق خصومه بمظنة أنه سينقذ نفسه، ويمسك الجميع بخناق الآخر ويتبادلون الشتائم واللعنات غير عابئين بمن ينتظرون على الشاطئ وقد أعياهم الجوع والمرض آملين أن يصل القارب محملاً بالغذاء والدواء.
يشهد الجميع أن "الشرعية" قدمت سلسلة من التنازلات ليس من باب الحرص على الوطن والمواطن، وإنما بسبب حال الفوضى التي تعيشها والضعف الذي أصابها والوهن الذي اعتراها، والإعياء الذي أنهكها وإفلاس خزانتها بسبب الفساد والعبث، وكذلك بسبب تهديد جماعة "أنصار الله" الحوثية بقصف أية ناقلة تصدير للنفط والغاز إذا لم تحصل على حصة من مبيعاته بزعم تمكينها من سداد المرتبات في مناطق سيطرتها.
والواقع يشهد أيضاً أن "الشرعية" كانت حتى عام 2018 في حال أفضل عسكرياً ومالياً وسياسياً، لكنها أضاعت فرصة الدخول إلى مفاوضات سلام من موقع القوة حين كانت تسيطر على كامل محافظتي مأرب والجوف وأجزاء من البيضاء وكان لها الكلمة الفصل حينها في شبوة وسقطرى وعدن، لكنها تكاسلت بوهم أن اعتراف العالم بها كممثل شرعي ووحيد للشعب اليمني سيكفيها مؤنة الاجتهاد والنضال والوجود الدائم إلى جوار الناس وتقمصت الأداء المزري نفسه الذي أودى بمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الموت السريري.
في القارب كانت "الجماعة" تراهن على العلل المزمنة التي أدمنتها "الشرعية"، ولم تكن في حاجة إلى أكثر من مراقبتها للموقف الذي أشعرها بالطمأنينة، كما أنها استغلت متواليات الصراع داخل صفوف "الشرعية" لتتفرغ لإعادة تنظيم صفوفها وترتيب أوراقها الداخلية، ومنحتها الهدنة فرصة ثمينة بفتح الميناء الرئيس في اليمن (الحديدة) لإدخال المشتقات النفطية ومواد البناء والمواد الغذائية لتحصل منها على إيرادات هي الأعلى والأكثر انتظاماً منذ عام 2015، ولا يعلم إلا الله والراسخون في العلم أبواب إنفاقها ولا يشعر أي مواطن في مناطق سيطرتها بأثر تلك العائدات.
اقرأ أيضاً محلات الصرافة تعلن التسعيرة الجديدة للدولار والريال السعودي مقابل الريال اليمني دعوة عاجلة لسكان منطقة جبلية شمالي اليمن مهددة بانهيار الصخور عليها والبدء بتفجيرها (صور) حادث مروع لمقيم يمني في السعودية .. والطيران يتدخل لإسعافه (فيديو) الانتقالي يتعهد بتحرير المحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيات الحوثية ويوجه رسالة للتحالف والقوى الوطنية درجات الحرارة في اليمن اليوم الثلاثاء عمان ومساعي السلام في اليمن سياسي سعودي: لا يمكن أن ينجح الحل السياسي في اليمن بوجود منظومة شمال الشمال وجنوب الجنوب قيادات حوثية: أوروبا تحذر من وصول صواريخ الحوثي إلى واشنطن وباريس وصنعاء تصبح دولة نووية! ”فيديو” الاستحضار السياسي وصراع النفوذ في تهامة ..!! محاولة حوثية للإيقاع بالشيخ فارس الحباري والشيخ حنين قطينة بحرب قبيلة للتخلص منهم الكشف عن أسباب نشر صور جواز مواطن يمني والتهديد بحرق جثته في مستشفى بألمانيا (صورة) خطة عبدالملك الحوثي لـ”التغيير الجذري” تدخل حيز التنفيذ.. خرق الهدنة وانسحاب أمريكي من اليمن بعد إعلان ”معركة ذات السراويل”لا يجوز توقع أي تغيير في موازين القوى على الأرض، لأن كل القيادات التي تمثل "الشرعية" تعيش بعيداً من الناس، وهي قضية حاسمة في أية معركة متوقعة، بينما تمكنت "الجماعة" من إحكام قبضتها بقسوة في مناطق وجودها من دون التزام ولا شعور بالمسؤولية الأخلاقية لتقديم أية خدمات فيها، وفي هذا فإنها تتنافس مع شركائها في القارب.
إن الموقف على حاله الراهنة لا يمكن القبول باستمراره بعد أن وصلت الأوضاع المعيشية للناس في كل بقاع اليمن إلى القاع وصارت أغلى الأماني هي فقط إيقاف السقوط إلى ما دون ذلك المنسوب، وهو ما لا يسعى إليه ركاب القارب بجدية وروح المسؤولية الوطنية، بل إن الأقسى من ذلك هو عجز الركاب الأخلاقي في التخلي ولو جزئياً وموقتاً عن تحقيق المكاسب الذاتية، فما زالوا يرفعون شعارات لا علاقة لها بحياة الناس البائسة.
بعد مرور تسع سنوات على اندلاع الحرب ما زالت "الجماعة" تجر المجتمع معها إلى عصور غابرة وتنبش قبوراً دفنها التاريخ وما عادت إلا ذكرى يراجعها المؤرخون، لكنها لا تحسن من حياة المواطنين ولا تخفف من فقرهم ومرضهم، بل المضحك أنها تستثمر هذه المناسبات لحشد الناس إجبارياً وإلهائهم عن مطالبهم الملحة وتوقف دفع مرتباتهم على رغم قدرتها على ذلك ولو على فترات متقطعة.
وتبرر "الجماعة" عجزها المالي بأن الحرب لم تنته فعلياً وأن البلاد ما زالت تمر بمرحلة هدنة (تجاوزت 18 شهراً حتى الآن)، وذاك أمر غير صحيح لأنها استفادت من هذه الفترة الطويلة جداً لتحصيل موارد مهولة من فوارق أسعار بيع الوقود والضرائب والجبايات ومداخيل كثيرة ابتكرتها وفرضتها بالقوة على التجار والمواطنين بتسميات ما أنزل الله بها من سلطان.
"الشرعية" من ناحيتها تعيش في فقاعة "المناشدات" و"التنديد" و"الاستنكار" وتعول في الأقليم والعالم لإخراجها من المستنقع الذي انزلقت إليه وما عادت قادرة، أو لربما ما عادت ترغب في الخروج منه لاعتيادها على العيش وسطه، ولأنه يعفيها من كل مسؤولياتها تجاه الناس.
ومن المثير للشفقة أن "الشرعية" التي أوكل إليها في فجر السابع من أبريل (نيسان) 2022 شأن إدارة الدولة تعيش مرحلة ارتباك وفوضى مردها غياب الرؤية والخيال السياسي، فمجلس القيادة الرئاسي عاجز عن الاجتماع في مكان واحد بحضور كل أعضائه، ويبدو أن من صاغ البيان وضع هذا الأمر في حسبانه، مستفيداً من نتائج فترات الحظر أثناء انتشار جائحة كورونا، فأتاح للغائبين المشاركة عبر منصة التواصل الاجتماعي، وهو أمر معيب حدوثه من أشخاص يفترض فيهم أنهم قادة لبلد منكوب، لكنهم تخلوا عن روح المسؤولية وأداء الواجب.
داخل "الشرعية" أيضاً تطل علينا كيانات مسلحة لا تتبع "الدولة" بل أكثر تنظيماً منها ولها أهدافها وسياساتها وغاياتها التي تتعارض في مسارات كثيرة عما تريده "دولة المواطنة المتساوية"، وأنا هنا أكرر استخدام مفردة "الدولة" للتذكير بها باعتبارها أمراً يفتقده اليمني في كل الجغرافية اليمنية التي تتحول بسرعة هائلة إلى قطاعات تتنازعها وتتصارع داخل حدودها قوى منفلتة كثيرة، وسيتواصل تهشيم هذا الكيان ليبلغ مراحله الأخيرة بينما ركاب القارب يعيشون خداع النفس بقدرتهم بلوغ الشاطئ لوحدهم.
كثيراً ما يتساءل الناس عن الحل ــ المخرج، والواقع أن البداية الأكثر تأثيراً هي وقف الحرب نهائياً وليس الهدنة الهشة، مع ضمان عدم قيام أي طرف بتحركات عسكرية على امتداد اليمن، ويكون متزامناً مع إطلاق العنان للمرحلة الأولى من معالجة الأزمة الإنسانية المرتبطة بفتح كل الطرقات دونما استثناء وربط البنك المركزيين وتيسير الرحلات من مطارات اليمن كلها رأفة بالناس ودفع المرتبات.
*إندبندنت عربية
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: فی الیمن
إقرأ أيضاً:
آفـة الترويض السياسي (1 – 3)
في مقالات سابقة كتبت على “آفات قاتلة” لأي عمل سياسي لعل من أهمها:
“آفة غياب الاستماع”، “آفة الاسهال الفكري”، “آفة الشخصنة”،”آفة الظاهرة القردية”،
“آفة المحصلة الصفرية”، “آفة نشوة السكرة السياسية”، “آفة الاغتراب السياسي”،
و”آفة الاستخفاف بالآخر”.
في تصوري أن كل ناشط (أو عامل) في المجال السياسي سيكون عرضة للإصابة – على الأقل – بواحدة من هذه الآفات، ولكي ينجح ويستطيع تحقيق أهدافة عليه أن يتعرف عليها ويحاول تلافيها.
في هذا المقال سأتحدث على آفة سياسية أخرى، ضارة ومُعدية وقاتلةً، أخذت تنتشر بسرعة، في السنوات الأخيرة، وأصبح من الواجب مواجهتها والسعي للتخلص منها، هذه الآفة هي “الترويض السياسي“، وهي وسيلة ناعمة (وفي بعض الأحيان خشنة) يستخدمها حاكم أو سياسي ما للسيطرة على من حوله من الأفراد وتسخيرهم لخدمته وتحقيق أهدافه الأنانية، بمعنى آخر، هي أداة لإخضاع شخص (أو شخوص) وتهيئته لعمل خاص، وذلك بتغيير (أو ضبط) سلوكه أما بالثواب أو بالعقاب، وجعله مطيعا وخاضعاً لكل ما يُطلب منه.
الأهداف
لعملية الترويض السياسي أهداف عديدة لعل من أهمها:
(1) الإخضاع، أي إخضاع الشخص المُستهدَف لرغبات المُروض.
(2) الاستمرار أي استمرار خضوعِ الشخص المُستهدَف لأوامر المُروض.
(3) التعود أي جعل الشخص المُستهدَف يتعود العيش في المهانة والذل وإرضاء سيده.
(4)الاستقرارأي جعل الشخص المُستهدَف يشعر بأن الاستقرار، في المحيط الذي هو فيه، أهم من العدالة والكرامة والحرية أو أي شيء آخر.
الركائز
لكي تنجح عملية الترويض السياسي مع أي شخص أو في أي دولة أو مجتمع لا بد أن تعتمد – على الأقل – على ركائز ضرورية ثلاث هي:
أولاً: القوة
تعتبر “القوة” أهم ركيزة ضرورية لترويض شخص (أو جماعة أو دولة أو شعب) ما وجعله “مطيعا” و”خاضعاً” و”مُستسلماً”، فعلى سبيل المثال، القوة هي التي أوجدت ما عُرف في التاريخ بـ”مؤسسة العبودية”، لأن مجموعة من الأفراد (في مكان ما) اعتقدوا أنهم “سادة قومهم”، فقاموا بامتلاك عناصر القوة المطلوبة لترويض من حولهم وإجبارهم على أن يكونوا عبيد لهم!
ولكن على المرء أن يعي أن القوة وحدها (وخصوصا الخشنة منها) لا تُحقق الأهداف المنشودة، ولعل خير مثال على ذلك ما عُرف – في السنوات الأخيرة – بــ”الحرب على الإرهاب”، فبالرغم من القوة الخشنة والمتطورة التي تمتلكها أمريكا والدول الأوروبية، إلا أنهم فشلوا ولم يستطيعوا تحقيق هدفهم النهائي والمرغوب، ألا وهو النصر على الإرهاب! وفي هذا الصدد يقول جوناثان إيال، مدير معهد الخدمات الملكية البريطانية (وهو مركز أبحاث عسكري بريطاني): “إن المفهوم الكبير للحرب [على الإرهاب] لم ينجح، وإن هذه الحرب لم تكن حاسمة من الناحية العسكرية البحثة، بل كانت عملية عشوائية إلى حد ما” (توم ريجن, 2004)، لذا لكي تتحقق أهداف الترويض المطلوبة والمرغوب، لابد أن تقترن “القوة” بعوامل ضرورية أخرى، لعل من أهمها الخوف.
ثانياً: الخوف
أما الركيزة الثانية والضرورية لترويض شخص (أو جماعة أو دولة أو شعب) ما وجعله “مطيعا” و”خاضعاً” و”مُستسلماً” هي “الخوف”، إذ يعتبر من أهم الوسائل التي تستخدمها الأنظمة (وخصوصا الدكتاتورية) للسيطرة على شعوبها. ولعلني هنا اتفق مع الكاتب الامريكي هوارد فيليبس (1890 –1937)، المتخصص في الخيال الغريب وخيال الرعب، عندما قال:
“الخوف أقدم وأقوى عاطفة لدى البشر“.
وعليه يمكن اعتبار الخوف أكبر التحديات التي تواجه الإنسان في حياته، ولهذا نجد الرئيس الأمريكي فرانكلن ذي روزفلت (1882- 1945) في خطاب تنصيبه الأول، في 4 مارس 1933، حث شعبه على المزيد من العمل دون تردد قائلاً لهم:
“إن الشيء الوحيد الذي يجب أن نخافه هو الخوف نفسه“.
ومن أشهر الأمثلة على استخدم ’الخوف كسلاح’:
(1) كان الخوف أهم سلاح فيما عُرف بـ”جمهوريات الخوف” التي أسسها الانقلابيين في دول العالم الثالث (وخصوصا الدول العربية) خلال النصف الأخير من القرن العشرين، حيث حكم هؤلاء الانقلابيين شعوبهم بالحديد والنار، وتعاملوا مع كل من حاول معارضتهم أما بالقتل أو بالسجن أو بالتشريد.
(2) استخدام الخوف كسلاح لم يقتصر على الدول الدكتاتورية فقط، بل استخدمته بعض الدول الديمقراطية أيضا، فعلى سبيل المثال، ما عُرف في خمسينيات القرن الماضي بــ’المكارثية’ لخير ذليل على ذلك، وهي سياسة تبنتها الولايات المتحدة لمواجهة ما عُرف بـ”المد الشيوعي أو الخوف الأحمر”، وهي حملة قادها السيناتور جوزيف آر. مكارثي، من ولاية ويسكونسن، حيث ادعى أنه يمتلك قائمة بأسماء 205 شيوعيين يعملون في وزارة الخارجية الأميركية، ومنذ تلك اللحظة أصبح السيناتور مكارثي محارباً شرساً ضد الشيوعية، ولأنه كان رئيسًا للجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات بمجلس الشيوخ، فقد أجرى جلسات استماع عديدة بشأن التخريب الشيوعي في أمريكا، وحقق في التسلل الشيوعي المزعوم للقوات المسلحة” (روث روزن, 2003).
وكنتيجة لهذه الحملة على الشيوعية، استطاعت السلطات الفيدرالية تخويف الشعب الأمريكي وترويضه تحت ذريعة حمايته من المد الماركسي اللإلحادي الذي يهدد وجود أمريكا، ونتج عن تلك الحملة اتخاذ العديد من السياسات الفيدرالية لعل من أهمها:
(أ) التأكيد على أن أمريكا دولة مُتدينة تؤمن بالله وتثق به، ولأول مرة في تاريخ أمريكا استُخدمت عبارة ’ثقتنا في الله’ (In God We Trust) على العملات الورقية عام 1957، كرد فعل انفعالي على الخوف الأحمر الذي أثاره السياسيين المحافظين في تلك الفترة لتمييز الأمريكيين عن “الشيوعيين الملحدين”.
(ب) التأكيد على أن أمريكا دولة رأسمالية وأن ’السوق الحر’ هو العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي، وبالتالي لا بد من رفض ومحاربة الأنظمة الاشتراكية أو أي اقتصادي آخر.
مما تقدم يمكن استخلاص النصائح الآتية، لكل من يرغب في ممارسة السياسة:
أن يدرك أن الخوف عامل ضروري ومهم في حياة الانسان. أن يعي أن الخائف لا ينفع معه المنطق. من الخطأ افتراض “أن الإنسان إذا عرف كل الحقائق سيتصرف وفقاً لذلك”. الإيمان بأن الخوف، في أغلب الأحيان، أهم وأكثر تأثيرا من القوة!!! وقد عبر عن هذه الحقيقة الصحفي ميك هيوم رئيس تحرير مجلة سبايكد، في مقال له بعنوان: “الخوف والانهزامية يصيبان الغرب” قال فيه: “إن الخوف والانهزامية يصيبان الغرب ورغم تفوقهما العسكري الساحق في أفغانستان، وآلاتهما المتطورة لإدارة وسائل الإعلام، فإن الحكومتين الأميركية والبريطانية تشعران بقلق بالغ إزاء خسارة الحرب الدعائية”( ميك هيوم,2001). معرفة أن الخوف يزداد قوة عندما يقترن بالجهل، فمثلاً، انتشار مناخ الخوف الذي روجت له إدارة الرئيس جورج بوش (الابن) في أعقاب هجمات 11 سبتمبر2001، كان له تأثير واسع النطاق على العرب والمسلمين وخصوصا المقيمين بأمريكا، وذلك لأن الرئيس بوش نجح في ربط قضية مكافحة الإرهاب بالحريات العامة واعتبرها معركة من أجل الحريات والحقوق، وبذلك نجحت حملته في إقناع الأغلبية الساحقة من الأمريكان، فقد “أظهرت استطلاع الرأي التي أجرتها مؤسسة “قالب بول” أن أربعة من كل خمسة أميركيين على استعداد للتخلي عن بعض حرياتهم في مقابل المزيد من الأمن.”( دينيس جيت, 2002).ثالثاً: التوريط
أما الركيزة الثالثة والضرورية لترويض شخص (أو جماعة أو دولة أو شعب) ما وتحويله إلى شخص “مطيعا” و”خاضعاً” و”مُستسلماً” هي “التوريط“! أي عملية إشراك أو إقحام شخص ما في مشروع فساد، أو ممارسة عمل غير أخلاقي، أو تجنيده للقيام بأعمال غير قانونية، أو تشجيعه على ارتكاب جرائم معينة.
ولعل خير مثال على ذلك هو ما قامت به إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، وذلك بتوريط الشعب الأمريكي خاصة، وشعوب العالم عامة، في معركة عالمية وعدو غير منظور (الإرهاب) ولا يوجد إجماع على من هو هذا العدو؟! وما هي درجة الخطر التي تمثله؟! وكنتيجة لهذه الهجمات أعلنت إدارة بوش ضرورة غزو أفغانستان، للدفاع عن النفس، وطلب من دول وشعوب العالم الوقوف مع أمريكا في هذه الحرب، ورفع شعار “معنا أو ضدنا“، ليس هذا فقط، بل قام بشن حرب ثانية على العراق…
لماذا؟!
لأن صدام حسين, كما يقول بوش،
(قد) يمتلك أسلحة دمار شامل،
و(قد) يستخدمها ضد عدو غير محدد في وقت ما، في المستقبل!
ولأننا (لسنا) متأكدين من ذلك،
فلا بد أن نشن حرباً استباقية ضدها” (رووث روزن, 2003).
بهذه الحروب العبثية ’ورط’ الرئيس بوش أمريكا والعالم في حروب لا نهاية لها، وفي هذا الصدد يقول البروفسور بروفيدنس، بجامعة براون، رود آيلاند، بالولايات المتحدة الأمريكية، وفقًا لتقرير صادر عن مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون بأنه “بعد ما يقرب من 20 عامًا من غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، بلغت تكلفة حربها العالمية على الإرهاب:
8 تريليون دولار,
و900 ألف حالة وفاة.
أما الأستادة كاثرين لوتز (Catherine Lutz)، المديرة المشاركة لبرنامج تكاليف الحرب وأستاذة الشؤون الدولية والعامة في جامعة براون، فتقول إن “الحرب طويلة ومعقدة ومروعة وغير ناجحة، ولا تزال مستمرة في أكثر من 80 دولة” (جل كيمبال، 2021).
ليس هذا فحسب بل نتج عن “موجات التخويف وحملات التوريط” التي شنتها أمريكا والدول الأوربية على “الإرهاب”، أصبح الإسلام كدين يمثل – في نظرهم – ظاهرة “مُخيفة” و”خطيرةً” ولابد من محاربتها! وأصبح الشباب المسلم (وخصوصا الملتزم بالإسلام) متهم ولا يثق فيه حتي يثبت العكس!!!
في الجزء الثانى من هذا المقال
سوف أحاول الحديث عن
مراحل آفة الترويض السياسي عبر التاريخ.
يتبع…
والله المســتعان
=============
المراجع
Tom Regan | csmonitor.com
Politics of ‘fear over vision’ explored on British television
October 18, 2004
Ruth Rosen. The Politics of Fear
http://www.voxpopuli-ne.com/2003_01/page68.html
دينيس جيت عميد المركز الدولي بجامعة فلوريدا.
By Dennis Jett, The politics of fear, June 17, 2002 edition
http://www.csmonitor.com/2002/0617/p09s01-coop.html
جل كيمبال (Jill Kimball)
PROVIDENCE, R.I. [Brown University]
https://www.brown.edu/news/2021-09-01/costsofwar
ميك هيوم , هو رئيس تحرير مجلة سبايكد , ورقة بعنوان: “الخوف والانهزامية يصيبان الغرب.”
في مؤتمر سبايكد بعنوان “بعد الحادي عشر من سبتمبر: الخوف والكراهية في الغرب”،
عقد يوم 26 مايو, 2001. معهد بيشوبس جيت في لندن.
http://www.spiked-online.com/Articles/00000002D27C.htm
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.