الشاعر والإعلامي العربي زاهي وهبي يكتب لـ “أثير”: عبء الإرث العظيم!
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
أثير – الشاعر والإعلامي العربي زاهي وهبي
أصعب سؤال يواجه الكاتب، أي كاتب، هو ما الذي يضيفه إلى ما كتبه السابقون؟. فالكتابة، أي كتابة، لا معنى لها إن لم تضف جديداً ما، سواء أكان ذلك على صعيد المعنى أو المبنى. عدم الإضافة يغدو نوعاً من التكرار والتقليد. حين يكون الإرثُ عظيماً ينوء الوارث بثقل ما يرث، وبعض الورثة لا يدرك أحياناً قيمة ما ورِثَ، ويبدده في فترة وجيزة.
الكاتب مُمتحَن كلما أمسك بالقلم والورقة (أو بأي لوح ذكي). كل جملة يخطها واقعه حكماً تحت عبء ما كُتَب قبلها في الموضوع ذاته. هاجس الإضافة والتجديد هو هاجس كل كاتب حقيقي يحاول أن ينأى بنفسه عن التكرار والتقليد. فالكاتب الجاد لا ينظر للكتابة بوصفها مهنة أو صنعة، بل هي لديه أبعد وأعمق من ذلك بكثير، هي محاولة سبر أغوار الوجود، وتفسير العالم، والنظر إلى ما وراء الظاهر. معظم الابتكارات العلمية بدأت أفكاراً مجنونة في أخيلة الأدباء، خصوصاً أولئك الذي كتبوا ما يُسمّى أدب الخيال العلمي. الذي كنا نقرأه أطفالاً وفتياناً في كتب الخيال العلمي بوصفه ضرباً من المستحيل صار بين أيدينا وجزءاً من حياتنا اليومية!.
الشِّعر ديوان العرب، والمعلقات جزء من ماضينا التليد. وقصائد الأسلاف عابرة للزمن. لذا قد يكون الشعراء هم أكثر مَن يرزح تحب عبء أسلافهم، لا لِعيب في الأسلاف وفي ما تركوا، بل لِعظَمة ما تركوا. الشِّعر العربي ميراث نفيس فيه من الكنوز الإبداعية ما لا يُقدَّر بثمن، سطوة هذا الشِّعر العظيمة جعلت كل محاولة للخروج من تحت عباءته محكومة بالفشل أو بالاتهام. الذين قلّدوا الأسلاف حكموا على أنفسهم بالفشل المسبق، المقلِّد مهما أوتي من براعة لن يبلغ مرتبة المقلَّد. الذين غامروا وجازفوا بالبحث عن أشكال جديدة للكتابة الشعرية نالهم من الاتهام ما بلغ حدَّ التخوين وشُبهة تخريب لغة الضاد، وهي كما تعلمون لغة الوحي والقرآن الكريم.
لو كان ميراثنا من الشِّعر عادياً أو رديئاً لَسَهُلَ علينا الخروج عليه وتجاوزه، لكنه على هذا القدر من الرفعة والسمو، من الإمتاع والمؤانسة، من السحر والغواية. والى هذا الحد نابع من صميم الحياة اليومية لأسلافنا ومعبِّر عنها، مُسطّر بطولاتهم وفروسيتهم ومعاركهم ووقائع عيشهم وقصص عشقهم. ولأنه ديوانهم كما أسلفنا، كان وما يزال من الصعب البناء فوقه لأنه عمارة شاهقة ينبغي لكل مَن يرغب بإلإضافة إليها الإرتقاء أولاً الى مستواها، وهذا ما لا تقوى عليه إلا قلّة قليلة ونادرة. وكذلك الحال لمن يريد الفكاك منها ومن قواعدها وبحورها وأوزانها، عليه بناء عمارة جديدة لا تقل متانة ورسوخاً وارتفاعاً عن العمارة التقليدية. ولأن شِعرنا العربي العظيم راسخٌ رسوخ الجذر في تربته، وملتصق بذاكرة أهله التصاق اللحم بالعظم، كان الشِّعر الحر أو ما عُرِف بقصيدة النثر أمام تحدٍّ هائل وبالغ الصعوبة، ما جعله يواجه حتى اليوم، وبعد مضي أكثر من ستة عقود على بداياته، تهمة المروق والعقوق، ويتم التعامل معه من قِبل كثيرين بوصفه لقيطاً لا حق شرعياً له في الميراث.
لعل سائل يقول ما هذه العمارة الشاهقة التي انصرف عنها معظم بنيها. بل أن كثيرين من بني العرب يرطن بلغات الكون ويتلعثم حين يأتي دور لغته الأمّ. ردنا عليه، لا يغرنَّك ما تعيشه لغة الضاد الآن من يُتمٍ على يد أبنائها، ولا ما يصيب الشِّعر من شحوب واصفرار. هذه حقبة انحطاط لا بد زائلة. ولا تنفي أبداً عَظَمة ما قاله الأسلاف خصوصاً على المستوى الشعريِّ. وهذه العظَمة تجعل مهمة الكتابة الشعرية أكثر صعوبةً ولكن أكثر إمتاعاً. ماذا نكتب؟ وهل ترك لنا أجدادنا الشعراء ما نكتبه؟.
قبل محاولة الإجابة على السؤال لا بد من التذكير بأن أهم ما في الكتابة هو أن تكون صادقة، ونابعة من صميم كاتبها. فلا تكون استنساخاً أو مجاراة لموضة (أو ترند بتعابير اليوم). الكتابة تكون أعمق وأجمل حين نكون أنفسنا ونكتب ذواتنا. فكلما اقترب الكاتب من ذاته اقترب من ذات الآخر. جميعنا تقريباً نفرح للأمور ذاتها ولها نحزن، لذا كلما كان الشاعر صادقاً مع نفسه كلما أمسى لسان حال كثيرين، ولئن قالت العرب قديماً أعذب الشِّعر أكذبه. فمن باب الغلو والمبالغة، قد يحق للشِّعر أن يكذب كذباً أبيض لمضاعفة الجمال والسحر والغواية، لكن ثمة فارقاً كبيراً بين أن يكذب الشِّعر وأن يكذب الشاعر(!)، كذب الشِّعر محمود أما كذب الشعراء فمذموم.
قولُ الذات والصدق معها والاقتراب منها لا يعني الانغلاق على هذه الذات، ولا إغلاق الأبواب في وجه الآخر وعدم الانفتاح عليه. على العكس تماماً، التلاقح بين الثقافات والأفكار والآراء ضروري وملحّ ومطلوب، خصوصاً في عالم اليوم المشرع أبوابه على مصاريعها، شريطة أن يكون هذا الانفتاح وفق مقولة غاندي “يجب أن أفتح نوافذ بيتى لكى تهبّ عليه رياح كل الثقافات بشرط ألّا تقتلعني من جذوري”.
إذا لم يكن لدى الكاتب إيمان بأن ما يكتبه يحمل إضافةً ما أو جديداً ما، لا ضرورة لأن يكتب. فكلُّ كاتب على ثقة بينه وبين نفسه بأن لديه جديداً ما يقوله أو يضيفه، لولا هذا الاعتقاد لما كتبَ أحدٌ حرفاً. الثقة ضرورية للكاتب، لكن مسألة التجديد والإضافة من عدمهما متروكة للزمن الكفيل بالغربلة. مَن يعرف حقاً كم شاعراً كان زمنَ المتنبي ونظرائه؟ البقاء للأشعر. هذا ما تُعلِّمنا إياه الأيام، وتقوله لنا قصائد العظماء التي ما تزال أصواتهم في مسامعنا حتى الآن.
لم يترك الأسلاف باباً لم يطرقوه ولا موضوعاً لم يتناولوه. كتبوا الحياة والموت وما بينهما. لذا علينا أن نبتكر مقاربات جديدة لشؤون الحياة وشجونها، وأن نكتب الموضوعات التي لم تكن مطروحة في زمن أسلافنا، أو أن نعيد كتابة ما كتبوه ولكن بطرائقنا الخاصة وأساليبنا المعاصرة، وكلما كان النصّ نابعاً من الذات بصدق وشفافية حمل في داخله بذرة بقائه واستمراره عبر الزمن، وما نكتبه اليوم بصدق وشفافية يكون غداً مرجعاً لمن سوف يأتي بعدنا، مثلما هي نصوص الأسلاف مرجعنا حين نود معرفة كيف عاشوا وماذا فعلوا.
الإرث العظيم يجعل العبء أكبر، لكنه يجعل التحدي أجمل.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء ماليزيا يعتبر مذكرة اعتقال نتنياهو بالنصر العظيم
الثورة نت/
اعتبر رئيس الوزراء الماليزي “أنور إبراهيم”مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت بأنها “نصر عظيم”.
وقال إبراهيم اليوم : إن مذكرة الاعتقال “نصر عظيم لكل من يدافع عن العدالة والإنسانية” وإنها ستخفف من معاناة الشعب الفلسطيني.
ولفت إلى أن قرار المحكمة “منطقي”.
وشدد على “ضرورة اعتقال نتنياهو إذا سافر خارج “إسرائيل”.
والخميس، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم تتعلق بـ”ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” خلال حرب الإبادة المتواصلة على غزة منذ أكثر من عام.