اختُتِمت فعاليات مؤتمر السلام للمالية الإسلامية، الذي نظّمه مصرف السلام - الجزائر يومي 9 و10 فبراير 2025 في فندق الماريوت - باب الزوار، الجزائر العاصمة. حمل المؤتمر عنوان "المذهب المالكي ودوره في إثراء المعاملات المالية في الفقه الإسلامي"، وشهد مشاركة نخبة من العلماء والخبراء من الجزائر والمغرب العربي.



وتم خلال هذه الفعالية عقد جلسات علمية إلى جانب مناقشات مفتوحة حول أحدث الأبحاث والتطورات في المجال من خلال ثلاثة محاور رئيسية تتعلق بـ "التأصيل الفقهي والاجتهاد في المعاملات المالية في المذهب المالكي"، و"التراث المالكي في القواعد والفروق والتوثيق والنوازل في المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة" و"التراث المالكي في الأعمال الخيرية من خلال مؤسسات الأوقاف والزكاة".

وقد دعا عميد جامع الجزائر، الشيخ محمّد المأمون القاسمي الحسنيّ، في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، إلى تطوير الصيغ التمويلية في المصارف الإسلامية، والتركيز على تمويل المشاريع المنتجة؛ وبذل مزيد من الجهود لتحقيق أهداف الصّناعة المالية الإسلاميّة.



وقال الحسنيّ بخصوص موضوع المؤتمر:  "لقد ثمّنا اختيار الموضوع الّذي يعالجه مؤتمر السّلام هذا العام. فالفقه المالكيّ له خصائص ومميّزات، أهّلته لكي يقدّم إضافات للصيرفة الإسلاميّة. وقد رأينا في العقود الماضية، كيف اعتمدت الفتاوى الصّادرة في كثير من المسائل والنوازل، وجدت لها حلولًا في المذهب المالكي، الّذي يعتمد على الأدلّة النقليّة، وهي: الكتاب، والسنّة، والإجماع، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابيّ، وشرع من قبلنا. ويعتمد الأدلّة العقليّة، وهي: القياس، والاستحسان، والاستصحاب، والمصالح المرسلة، وسدّ الذرائع، والعرف، والاستقراء، ومراعاة الخلاف، والأخذ بالأحوط. ويتّسم المذهب المالكيّ بأنّه مذهب واقعيّ، يعتمد الأصول والقواعد؛ ويراعي واقع العصر ومستجدّات الحياة؛ ونجد فيه مرونة تجعله يتّسع لأعراف النّاس ومصالحهم، على اختلاف منازعهم وبيئاتهم؛ وقد اختار الله سبحانه لهذا الجزء من العالم الإسلاميّ، بلدان المغرب وإفريقيا، أن تتوحّد شعوبها، في عباداتهم ومعاملاتهم، على المذهب المالكي؛ الّذي عُرف بالتوسّط والاعتدال، وتلكم هي سمة الشريعة الإسلاميّة السمحة، تستجيب لحاجات النّاس، في كلّ عصر وفي كلّ مكان؛ قاعدتها الصّلبة الأصيلة: أنّ الدّين والأخلاق والتّشريعات، إنّما تتّجه إلى إسعاد النّاس وسدّ حاجاتهم وتأمين مصالحهم. وكما قال الإمام الشّاطبي، رحمه الله: "أينما تكون العدالة، فتمّ شرع الله". ومن ثمّ، فإنّ ما يشهد له الشّرع من المصالح، فهو المعتبر؛ وما لم يشهد له، فلا اعتبار له".

وثمّن العميد، النتائج التي حقّقتها الصناعة الماليّة الإسلاميّة، وقال: "إنّها تبعث على التفاؤل والارتياح؛ ونعتقد أنّها تمتلك فرصًا كثيرة للنموّ والانتشار." وأهاب بالقائمين عليها أن يبذلوا مزيدًا من الجهود لتحقيق أهدافها".

وذكّر بهذا الصدد: "أنّ الصيرفة الإسلاميّة جزء من المنهج الإسلاميّ، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد جاءت تجسيدا للنظام الاقتصادي الإسلاميّ، وتطبيقًا عمليًّا لقواعده. ويعدّ هذا النظام منهجًا متكاملًا، له مكوّناته، وله هوّيته وخصائصه التي تحكم تطبيقاته. وهو جزء من النظام الإسلامي الشامل، الّذي يجعل العمل والإنتاج مطلبًا دينيا، قبل أن يكون مطلبًا اقتصاديا أو اجتماعيا. ويعتبر العمل والإنتاج ركيزة أساسيّة لعمارة الأرض وتحقيق الخلافة فيها".

ومن هذا المنطلق، كما قال: "فإنّ المصارف الإسلامية تعتبر مؤسّسات لتجميع الأموال وتوظيفها، طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فيما يخدم المجتمع المتكافل، ويحقّق عدالة التوزيع، ووضع المال في مساره الصحيح، وتحقيق مشاركة العمل ورأس المال معًا، من أجل إحداث التنمية الحقيقية في المجتمعات الإسلامية".

وعن أخلاقيّة الاقتصاد الإسلامي ومنطلقاته وغاياته، قال: "إنّ الأساس الّذي يقوم عليه النّظام الاقتصادي في الإسلام: يتمثّل في عدم الفصل بين أمور الدّين وأمور الدّنيا. فكما يجب مراعاة ما شرعه الله في العبادات، يجب مراعاة ما شرعه الله في المعاملات، بإحلال ما أحلّه، وتحريم ما حرّمه. إنّه اقتصاد أخلاقيّ. منطلقات نظامه ربانيّة، وغاياته ربانيّة. الإنتاج فيه من الطيّبات، والاستهلاك فيه من الطيّبات. الكسب فيه من الحلال، والإنفاق منه في مجال الحلال. والالتزام بتشريعات الإسلام لهذا النّظام يؤدّي إلى تحقيق الإنتاج الكافي، والتوزيع العادل؛ وبناء مجتمع العدل والكفاية والتّكافل".

وفيما يتعلق بتأسيس الصيرفة الإسلامية في الجزائر، ذكر الشيخ القاسميّ أنّ السعي لهذا المشروع بدأ في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان له، بفضل الله، نصيب من هذا المسعى. كانت الخطوات وئيدة؛ ثمّ صارت حثيثة؛ وقيّض الله الرجال، وهيّأ لهذا المشروع الأسباب؛ فكان تأسيس بنك البركة الجزائريّ، الذي لقي صدى ارتياح في أوساط المواطنين؛ وقد مضت أربعة وثلاثون عاما على نشاطه. ثمّ تعزّزت هذه المسيرة بتأسيس مصرف السّلام بالجزائر؛ ثمّ كانت الإجراءات الأخيرة، الّتي اتّخذتها الدّولة، في السنوات الماضية؛ فيسّرت السبيل لتعميم الصناعة المالية الإسلامية.



وبخصوص مسيرة المصارف الإسلاميّة، خلال نصف قرن، قال: "لقد حقّقت نجاحا، سواء من حيث نشاطها المصرفي، أو انتشارها العالمي، أو مجالات استثمارها، أو عدد وحداتها، أو عدد المتعاملين معها، أو إنشاء فروع إسلاميّة، في كثير من المصارف التقليدية، أو شهادة المؤسسات الدولية المتخصّصة بجدوى الصناعة الماليّة الإسلاميّة. ويؤكّد الواقع أنّها فرضت نفسها على خريطة الاقتصاد العالمي، بانتشارها وتناميها، بشكل ملحوظ، واستطاعت أن تنافس بقوّة، وتثبّت أقدامها في السوق المصرفيّة، في المستويين المحلّي والعالمي؛ وأن ترفع كثيرا من التحديات التي واجهتها على امتداد مسيرتها. كما تمكّنت من اجتذاب فئات كثيرة من المتعاملين الّذين كانوا يتورّعون عن الرّبا، فيسّرت لهم سبل التعامل الحلال، واستطاعت أن ترقى بخدماتها إلى مستوى يغني عملاءها عن المعاملات الربويّة".

وعن القبول بالتّعايش مع نظام المصارف التّقليديّة، قال العميد: "أودّ هنا أن أوضّح رؤيتنا للتعايش مع نظام المصارف التقليدية، بناء على نظرة الإسلام إلى التعامل مع الآخر، فكرا ونظاما؛ ودعوته إلى التعامل مع الغير، والاعتراف بحقّه في العيش والحضور والممارسة. فالمصارف الإسلامية تشترك مع البنوك التقليدية في كثير من المنتجات والعمليات المصرفية؛ وتتميّز بالتعامل، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية؛ وتخضع للرقابة المصرفية، فضلا عن الرقابة الشرعية. إنّ المصارف الإسلامية جزء من النظام المصرفي، المحلّي والدولي، تؤثّر بدورها في الاقتصادات المحلية والعالمية؛ ومن ثمّ فإنّ التعاون مطلوب بينها وبين المصارف التقليدية، لخدمة الأهداف الوطنية. والمجالات كثيرة للتعاون بين النظامين، في المعاملات التي ليس فيها مخالفات لأحكام الشريعة الإسلامية. وقد أثبتت التجربة الماليزية أنّ أفضل وسيلة للتحوّل من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية تتمثّل في التعايش بين النظامين، جنبا إلى جنب".

وفي ختام كلمته، قال الشيخ محمّد المأمون القاسمي الحسنيّ: "أغتنم هذه المناسبة لأذكّر بما كنّا ندعو إليه القائمين على المصارف الإسلاميّة،  ونجدّد الدّعوة إليه، في هذا المنبر، من مراعاة المآلات والمقاصد الشرعية لهذه المؤسّسات، كي لا يسود الاعتقاد بأنّ تحقيق الأرباح هو المقصد والمآل؛ فتنحرف عن وجهتها، وتبتعد عن مقاصدها، لا سمح الله".

وأضاف "إنّنا نتطلّع إلى أن تصبح المؤسّسات الماليّة الإسلامية، في الجزائر وفي البلاد الإسلامية، هي الواجهة التي تعكس بصدق صورة الإسلام، كنظام صالح لكلّ زمان ومكان؛ وهو ما يرجوه كلّ مسلم يحرص على أن يعيش حياته الروحية والمادّية، في ظلّ تعاليم الإسلام وشريعته السمحة؛ الّتي أقامت دولة العدل والإحسان؛ وشادت حضارة العلم والإيمان. فنحن نعتقد أنّه لا مخرج للمسلمين في مواجهة مشاريع العولمة، والتحّدي الاقتصادي والحضاريّ، إلاّ بتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي، الّذي يقدّم البديل السهل الميسور، المتمثّل في إحلال المشاركة في الربح والخسارة محلّ المداينة بالفائدة؛ ومن ثمّ اعتماد الربح كآليّة فاعلة رشيدة، لإدارة النشاط الاقتصادي المعاصر"، وفق تعبيره.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير مؤتمر الجزائر المصارف الإسلامية الاقتصادية اقتصاد الجزائر مؤتمر تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المصارف الإسلامیة الشریعة الإسلامی المصارف الإسلامی المذهب المالکی فی المعاملات ة الإسلامی ة ة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

لاتهامه بازدراء الدين الإسلامي.. «الجنح» تقضي بحبس يوتيوبر 3 سنوات

قضت محكمة جنح بولاق الدكرور بالجيزة، بمعاقبة يوتيوبر شهير بالسجن 3 سنوات لاتهامه بازدراء الدين الإسلامي والشريعة والسخرية من الدين في بولاق الدكرور.

وكشف أمر الإحالة في القضية رقم 27319 لسنة 2024 جنح بولاق الدكرور، أن اليوتيوبر الشهير «أ.إ» قام بالاستهزاء بالقرآن الكريم والأنبياء عن طريق صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» وتطاول كذلك على النبي محمد صلي الله عليه وسلم، وتحريف القرآن الكريم، كما أنه يسمح لأتباعه أن يبايعونه على أنه المهدي المنتظر.

وأوضح أمر الإحالة أن المتهم ادعى أنه رسول من عند الله وأن الله عزوجل أخفاه عن الأنظار، بمعجزة وأنه مُسخر له الطير والجن والأنس وغيرها من خرافات وإدعاءات يقوم بنشرها علي مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضاًضبط تجار مخدرات بالمنوفية غسلوا 50 مليون جنيه في عقارات وأراضي

بحضور مفتي الجمهورية.. «حرب الشائعات وأثرها على المجتمع والأمن القومي» ندوة بجامعة سوهاج

مقالات مشابهة

  • مصرف "أبو ظبي الإسلامي مصر" يعزز مكانته في الصيرفة الإسلامية بنمو قياسي خلال 2024
  • سياسي أنصار الله: الثورة الإسلامية الإيرانية جسدت التغيير الاستراتيجي في المنطقة
  • أمين البحوث الإسلامية: القرآن كتاب الله الخالد وحجته البالغة
  • ناطق أنصار الله يبارك لإيران ذكرى انتصار الثورة الإسلامية
  • إيران تحيي ذكرى مرور 46 عاما على الثورة الإسلامية
  • المركزي يطلق المنصة الرسمية المخصصة لـ«المصارف والمؤسسات المالية»
  • بيان لـحزب الله بمناسبة الذكرى الـ46 للثورة الإسلاميّة في إيران
  • الإعجاز العلمي بالبحوث الإسلامية: النباتات لديها القدرة على التواصل بين بعضها
  • لاتهامه بازدراء الدين الإسلامي.. «الجنح» تقضي بحبس يوتيوبر 3 سنوات