قيادي بـشين فين يدعو أيرلندا لقيادة حملة عقوبات دولية على إسرائيل
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
دبلن- انتقد مات كارثي، النائب الأيرلندي والناطق باسم حزب "شين فين" للشؤون الخارجية والدفاع، بشدة سلوك الحكومات الغربية، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تجاه "جرائم الحرب" التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين.
وفي حوار حصري للجزيرة نت، وصف النائب الأيرلندي سلوك بريطانيا تجاه الإبادة الجماعية في غزة بأنه "مخيب للآمال بشكل لا يصدق، ولكنه ليس مفاجئا"، مشيرا إلى تاريخ بريطانيا الاستعماري، و"تواطؤ الغرب" مع إسرائيل.
وأضاف أن "هذه الدول، التي تدعّي الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي، تتواطأ بشكل واضح مع جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وتمنحها غطاء سياسيا وقانونيا للاستمرار في انتهاكاتها، وكأنها شريكة لها في هذه الجرائم".
إبادة وتواطؤ
واتهم كارثي إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة، واستنكر عدم اتخاذ المجتمع الدولي إجراءات صارمة لوقف هذه الجرائم.
وقال "لقد وصلنا إلى المدى الذي ترتكب فيه إسرائيل الآن إبادة جماعية في غزة، ويتساءل الجميع كيف وصلنا إلى هذا المدى"، واعتبر أن السبب هو أن لا أحد أجبر إسرائيل على التوقف، وأنها ترتكب جرائم حرب في وضح النهار، والمجتمع الدولي يتفرج عليها وكأنها لا تفعل شيئا.
إعلانوأضاف أن إسرائيل تقتل الأبرياء، وتدمر المنازل، وتقصف المدارس والمستشفيات، ولا تزال تتلقى الدعم من الدول الغربية، وكأنها فوق القانون الدولي، وتستفيد من الحصانة التي يمنحها لها تواطؤ هذه الدول.
وانتقد كارثي بشدة "فشل" الحكومات الغربية في اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف "جرائم" إسرائيل، واعتبر أن "الخطاب وحده لا يكفي".
وقال "إن من العار على المجتمع الدولي أن هذا لم يحدث، فبدلا من اتخاذ إجراءات ملموسة، تكتفي هذه الدول بإصدار بيانات إدانة خجولة لا ترقى إلى مستوى خطورة ما يحدث في فلسطين".
وأضاف أن هذه الدول "تتواطأ بصمت مع إسرائيل، وتشجعها على الاستمرار في انتهاكاتها. إنها تزودها بالأسلحة، وتمنحها الدعم السياسي، وتعرقل أي محاولة لمحاسبتها على جرائمها، وكأنها شريكة لها في هذه الجرائم، وتتحمل جزءا من المسؤولية عما يحدث في فلسطين".
فرض العقوبات
ودعا كارثي أيرلندا إلى "تولي زمام المبادرة" في فرض عقوبات على إسرائيل، مشيرا إلى أن "الضغط الدولي" هو السبيل الوحيد لإنهاء "الاحتلال" و"جرائم الحرب".
واستعرض مبادرة أيرلندا في البدء في فرض العقوبات من أجل مساعدة الحركة التحررية في جنوب أفريقيا والتي تبعها عدد كبير من الدول لاحقا. وتوقع أن يتكرر هذا النموذج في مبادرة أيرلندا من أجل فلسطين.
ويعتقد كارثي أن أيرلندا في وضع جيد لتولي زمام المبادرة وقيادتها وفرض العقوبات. وقال "يجب أن نكون قدوة للدول الأخرى، وأن نثبت أننا لن نتسامح مع هذه الجرائم".
ودعا لفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على إسرائيل، والضغط عليها لوقف عدوانها على الشعب الفلسطيني، وإنهاء احتلالها الأراضي الفلسطينية، تماما مثلما تم مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، الذي لم ينته إلا بفضل الضغط الدولي والعقوبات التي فرضت عليه.
روابط عميقة
وأكد كارثي على "الروابط العميقة" بين الشعبين الأيرلندي والفلسطيني، مشيرا إلى "التاريخ المشترك" من "الاستعمار" و"النضال من أجل الحرية".
إعلانوقال إن فهم القرابة الأيرلندية مع شعب فلسطين، يتطلب فهم للتاريخ الأيرلندي، معتبرا أنهم لا يشبهون أغلب الأعراق الأوروبية البيضاء الأخرى، وأنهم لم يكونوا مُستَعمِرين قط، بل كانوا مُستعمَرين.
واستحضر الزعيم السياسي المعاناة مع الاحتلال والاضطهاد، وقال "نحن نتفهم معاناة الشعب الفلسطيني. إننا نشعر معهم، وندعم حقهم في تقرير المصير، وإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم التاريخية، تماما كما ناضلنا نحن من أجل حريتنا واستقلالنا".
حياد وضغوطوذكّر كارثي بموقف أيرلندا "المحايد عسكريا"، والذي يعود إلى "تاريخها كدولة مستقلة". وقال إن أيرلندا كدولة مستقلة، كانت محايدة عسكريا. ولم تكن جزءا من تحالف عسكري عدواني طوال تاريخها. وأضاف أنها تؤمن بالسلام، وتسعى لحل النزاعات بالطرق السلمية.
لذلك، يضيف "نحن ندعم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والاستقلال، وندعو إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني كاملة، ويحقق السلام والاستقرار في المنطقة، تماما كما نسعى نحن لتحقيق السلام في أيرلندا".
وكشف كارثي عن تعرض أيرلندا لضغوط بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، لكنه أكد أن هذه الضغوط "مفهومة" و"ستحدث دائما".
وصرح بأن "هناك دولا أخرى تدعم إسرائيل، وتمارس ضغوطا على الدول التي تنتقدها، لكننا لن نتراجع عن موقفنا، وسنظل ندافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، مهما كانت الضغوط، لأننا نؤمن بأن هذا هو الصواب، وأن التاريخ سيشهد لنا على ذلك".
إغلاق السفارة
وفيما يتعلق بإغلاق السفارة الإسرائيلية في أيرلندا، اعتبر كارثي أن "هذا كان ضرورة حتمية"، مشيرا إلى أنه "لا يمكن إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع دولة متورطة في إبادة جماعية".
وفي السياق نفسه، أوضح أن إغلاق السفارة كان أقل ما يمكن فعله، لترسل أيرلندا رسالة واضحة لإسرائيل مفادها ألا تسامح مع جرائمها.
إعلانوقال "يجب أن نوقف جميع أشكال التعاون مع إسرائيل، وأن ندعم الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وسحب سفيرنا من إسرائيل، وطرد السفير الإسرائيلي من أيرلندا، وتعليق جميع الاتفاقيات الثنائية مع إسرائيل".
"فشل" الإدارة الأميركيةوانتقد كارثي "فشل" الإدارة الأميركية في "الالتزام بالقانون الدولي" وإجبار إسرائيل على "التوقف" عن "جرائمها".
وأضاف "نشعر بالاشمئزاز الشديد من تصرفات الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بفلسطين، وفشلها في الالتزام بالقانون الدولي". وقال إنها تدعم إسرائيل بشكل أعمى، وتوفر لها الغطاء السياسي والعسكري لارتكاب جرائمها.
ويرى كارثي أن على الولايات المتحدة أن تتوقف عن دعم إسرائيل، وأن تضغط عليها لوقف عدوانها على الشعب الفلسطيني، والالتزام بالقانون الدولي، وأن تعمل كوسيط نزيه لتحقيق السلام في المنطقة، بدلا من أن تكون شريكا لإسرائيل في جرائمها.
دولة فلسطينية حرة
وجدد كارثي التأكيد على دعم الشعب الأيرلندي لحق الشعب الفلسطيني في "دولة حرة مستقلة" قائلا "أعتقد أن الشعب الفلسطيني يريد دولة حرة مستقلة. ويريد أن يكون بوسعه أن يتمتع بالحقوق نفسها التي تتمتع بها كل الدول والأمم الأخرى في العالم، وهو حق مشروع له".
وختم "يجب على المجتمع الدولي أن يدعم هذا الحق، وأن يعمل على تحقيقه في أقرب وقت ممكن، من خلال الضغط على إسرائيل، وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني، والاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير، وبناء دولته المستقلة على أرضه التاريخية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الشعب الفلسطینی هذه الجرائم على إسرائیل مع إسرائیل هذه الدول مشیرا إلى وأضاف أن من أجل
إقرأ أيضاً:
هيرست: بإمكان إسرائيل حظر كل الأفلام.. الصوت الفلسطيني لن يُخمد
نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا لرئيس تحريره الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، تحدث فيه عن تأثير الاحتلال الإسرائيلي على الإعلام الغربي فيما يتعلق بالرواية حول حرب الإبادة في قطاع غزة.
وقال هيرست بعد حذف هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" فيلما بعنوان " "غزة: كيف تنجو في محور الحرب"، إنه "بإمكان إسرائيل أن تحظر كل الأفلام التي تريد. لا يمكن للصوت الفلسطيني أن يُخمد".
وتابع أنه "في وسط تراجع هائل في الدعم العالمي، ينتاب إسرائيل وأنصارها حالة من الهلع، فراحوا يعملون على مدار الساعة لإخفاء الدليل على جرائمها".
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
في كل الضجة التي أثيرت حول وثائقي البي بي سي بعنوان "ٌغزة: كيف تنجو في ساحة حرب" لم تُكتب كلمة واحدة حول ما الذي يقوله لنا هذا الفيلم حول الطريقة التي ينجو بها الفلسطينيون من حرب ظلت تدور رحاها لسنة ونصف.
لا يبدو أن أياً من الأصوات التالية سُمعت في خضم النزاع الذي نشب حول عرض هذا الفيلم.
امرأة تهرب وهي تحمل في يدها قارورة ماء فارغة، بعد صدور أمر إسرائيلي آخر بالإجلاء، تصيح بأعلى صوتها دون أن توجه كلامها إلى أحد بعينه: "لعنكم الله جميعاً. الله يلعنك يا [قائد حماس يحيى] السنوار.
غلام يقول للكاميرا بصوت متجهم: "رأينا الناس أمواتاً أمام أعيننا. أحدهم أمعاؤه تتدلى من بطنه. هل نحن في مكان آمن؟"
زكريا، ولد في الحادية عشرة من عمره يحصل على قوت يومه من العمل في غسيل سيارات الإسعاف في مستشفى الأقصى، يشرح كيف يعمل جنباً إلى جنب مع الإعلاميين والأطباء والمسعفين قائلاً: "أحب أن أعمل متطوعاً. أود أن أتطوع في إحدى وحدات الإسعاف."
مسعف يضع سماعات على رأس كوسيلة لعزل نفسه عن الجحيم الذي يتأجج من حوله، يقول متأملاً: "أحتاج لغسل هذا القميص. الأطفال أنقياء وأبرياء. رؤيتهم وهم جرحى من أصعب الأمور التي يشهدها المرء. السماعات هي أهم شيء على الإطلاق. إنها تساعدني على الهرب من الحرب، وبؤس المستشفى، والتفجيرات، والموتى، والجرحى".
رفع محمد طاهر، جراح العظام والأعصاب من لندن، ذراعاً بترها من ولد عمره عشر سنين، وقال: "انظر إلى ما يفعله الإسرائيليون بالأطفال في غزة. هذا ما وصل إليه الحال. لا حول ولا قوة إلا بالله."
ولكن هذا، بالطبع، هو الغرض من إلغاء وثائقي كهذا ينال سمعة إسرائيل.
ولا يقتصر الأمر على إلغاء الوثائقي، بل وأي وسيلة يتمكن الفلسطينيون من خلالها من التعبير عن الوحشية غير العادية التي يعانونها على أيدي أمة تأسس وجودها على التظلم – على كونهم ضحايا قرون من معاداة السامية الأوروبية، وضحايا المحرقة، وضحايا الهجوم الذي شنته حماس يوم السابع من أكتوبر 2023.
جماعة البي بي سي
تركز الغضب مثل شعاع الليزر على عبد الله اليازوري، راوي الفيلم الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، وذلك أنه في نظر آلة الدعاية الإسرائيلية ارتكب ثلاث خطايا كبرى: أما الأولى والأهم فهي أنه مازال على قيد الحياة. أكثر من 14،500 طفل لم يبقوا على قيد الحياة.
أما خطيئته الثانية فهو أن يتحدث الإنجليزية بطلاقة، مما يكسبه صدقية لدى الجمهور الغربي. هذا أمر يحتكره أنصار إسرائيل، ولابد من إبقائه كذلك.
خطيئة عبد الله الثالثة هي أنه موضوعي وغير سياسي. فهو الذي يبلغ البيانات التي تصدر عن الجيش الإسرائيلي بعد كل مذبحة يرتكبها جنوده ضد المدنيين.
العبارة الوحيدة التي ينطق بها عبد الله ولا تكاد تجد أحداً خارج غزة يختلف معها هي: "هل خطر ببالك ما الذي ينبغي أن تفعله إذا ما تعرض عالمك للتدمير؟"
الإنقاذ، ووضع حد لكابوس ظهور أصوات ذات مصداقية من غزة ضمن برامج ساعات الذروة في تلفزيون البي بي سي، جاء من خلال معلومة تفيد بأن والد عبد الله كان يشغل منصب نائب وزير الزراعة في الحكومة التي تديرها حماس.
تداعت البي بي سي كما لو كانت علبة من الورق.
والد الغلام، واسمه أيمن اليازوري، تكنوقراط، ومع ذلك تم الترويج على نطاق واسع من قبل المعلقين والمنصات الإخبارية في بريطانيا بأنه مسؤول كبير في حماس، أو زعيم في الإرهاب.
ولكن، وكما كشف عن ذلك موقع ميدل إيست آي الشهر الماضي، لليازوري خلفية علمية وليس خلفية سياسية. كان قد عمل من قبل في وزارة التعليم الإماراتية – والتي لا تحب ولا توظف أي شخص يرتبط من قريب أو بعيد بالإخوان المسلمين. واليازوري حاصل على الدكتوراه من جامعة بريطانية.
لو تشكلت أي حكومة في غزة بعد هذه الحرب، فإنها سوف تدار من قبل تكنوقراط من مثل اليازوري.
بالنسبة للجيش الإسرائيل، كل من يعمل في غزة – سواء كان تكنوقراط أو أستاذ جامعي، أو مسعف، أو صحفي، أو موزع إغاثة – فهو هدف. لقد تعمد جنوده قتل أصحاب هذه المهن. والأدلة التي تثبت ذلك وفيرة.
ولكن بالنسبة للمجتمع الدولي، والذي يتضمن بريطانيا، يعتبر التكنوقراط من مثل اليازوري الحل الوحيد لحكم غزة ما بعد الحرب. لا البي بي سي ولا القناة الرابعة، لو كانوا صادقين في التزامهم بمواثيق الخدمة العامة، يجوز لهم اعتماد الدعاية والأخبار الكاذبة التي تبثها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في ضبط سياستهم التحريرية.
زعم سخيف
لا تعتبر أي من المؤسستين الإعلاميتين المذكورتين جميع الفلسطينيين في غزة مذنبين وينبغي أن يبادوا، وإن كان ذلك هو الرأي السائد داخل إسرائيل. ينبغي أن تكون المؤسستان قادرتين على التمييز بين موظف حكومة وعضو في حماس، وكذلك من هو بالفعل عضو في الجناح العسكري، كتائب القسام، المنظمة التي تحظرها بريطانيا وبلدان أخرى باعتبارها جماعة إرهابية.
قامت القناة الرابعة أيضاً بإجراء مقابلة مع عبد الله.
جاء في بيان صادر عن القناة هذا الشهر ما يلي: " في صيف عام 2024 تنامى إلى علم فريق مراسلي الشؤون الخارجية المتمرس في القناة الرابعة أن والده يشغل منصباً تكنوقراطياً في حكومة حماس واتخذوا قراراً بعدم ظهوره على شاشة القناة مرة أخرى."
وأضاف البيان: "بمجرد أن تنامى ذلك مؤخراً إلى علم فريق كبار المسؤولين في القناة الرابعة، تم اتخاذ إجراء بتوفير سياق إضافي إلى النسخة المحفوظة في الإنترنيت للتقارير الذي ظهر فيها عبد الله."
وبهذا يتم التعامل مع عبد الله ومع والده كما لو كانا رائحة كريهة. ولكن لم يصدر عن أي منهما ما هو خطأ.
كما لا يوجد ما يثبت أن حماس تدخلت بأي شكل من الأشكال للتأثير على وثائقي البي بي سي، والذي كتب نصه في لندن. لو أن حماس كان لها أي علاقة به لربما لم يظهر فيه المقطع التالي: "لقد قتلوا أطفالنا، وقتلوا نساءنا، بينما [السنوار] مختبئ تحت الأرض."
لا نعرف ما هي آراء الأب حول حركة حماس. ولكن دعونا نفترض أنه يدعم أهدافها. هل يعني ذلك تلقائياً أن ابنه غير مؤهل للظهور في برنامج الغاية منه هي تقديم الرواية الفلسطينية، وخاصة أن الرواية الإسرائيلية يتم التعبير عنها يومياً بشكل كامل ومتكرر؟
من الحقائق المعروفة جيداً في المجتمع الفلسطيني أن الأبناء لا يتبعون بشكل تلقائي المعتقدات السياسية لآبائهم، ومن الشائع أن تجد الأبناء في فتح والآباء في حماس.
شقيق الزعيم الفتحاوي جبريل رجوب، واسمه نايف رجوب، من رموز حماس، وابن الزعيم الحمساوي البارز حسن يوسف، واسمه مصعب يوسف، يُحتفى به من قبل الإسرائيليين لانقلابه على الحركة، وكثيراً ما يقتبسون أقواله بحرية.
ولذلك من السخافة أن يزعم أحد أن الابن يحمل أوزار والده.
معايير مختلفة
من واجب البي بي سي والقناة الرابعة تحري الحياد في جميع ما يصدر عنهما من مادة تحريرية. وهذا يعني تطبيق نفس المعايير التحريرية على الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولكنهما لا يفعلان ذلك.
في الذكرى السنوية الأولي لهجوم حماس يوم السابع من أكتوبر، عرضت البي بي سي برنامجاً وثائقياً حول شهادات الناجين من مهرجان نوفا للموسيقى. كان الوثائقي، وعنوانه "لسوف نرقص ثانية" يدمي قلب من يشاهده.
ولكن لم يكن أحد ليجرؤ على التشكيك بصدقية الشهادات التي قدموها من خلال الإشارة إلى ما فعلته عائلاتهم أو فعله آباؤهم. ولم يُسأل أي من الشهود الذكور، وهم في سن الخدمة العسكرية، عما فعلوه كجنود.
بدلاً من ذلك، قيل ما يلي: "ما يقرب من 3500 مشارك ذهبوا إلى مهرجان نوفا الموسيقي، والمعروف باسم يونيفيرسو باراليلو، قتل من بينهم 364 بينما أخذ منهم 44 رهائن."
استخدام كلمة "قتل" صياغة مبررة بالكامل لوصف ما جرى يوم السابع من أكتوبر لمدنيين عزل كانوا يحضرون مهرجاناً موسيقياً، ولكن الوثائقي الذي عن غزة يقول فقط إن أكثر من 46،800 فلسطيني ماتوا في غزة.
وهكذا يتم تطبيق معايير تحريرية مختلفة تماماً، ناهيك عن أن وثائقي "غزة: كيف تنجو في ساحة حرب" لم يبق سوى أربعة أيام على الهواء ثم سُحب.
دعونا نكون واضحين إزاء هذا الذي يجري.
يستحيل أن تكون إسرائيل قد تمكنت من شن حرب تضمنت بشكل منتظم ومفتوح وجريء ارتكاب جرائم حرب – مثل منعها حالياً دخول المساعدات الإغاثية، وقطعها للكهرباء والماء عن غزة بهدف إجبار حماس على إطلاق سراح جميع الرهائن – بدون التزام وسائل الإعلام الرئيسية بالصمت.
تشتري إسرائيل هذا الصمت من خلال ما لم تزل منذ عقود تقدمه من رعاية وامتيازات لأعداد كبيرة من المحررين، رجاء أن ينتهي المطاف بواحد أو اثنين من هؤلاء في مواقع مهمة داخل غرف التحكم بالمحتوى. وهي تفعل نفس الشيء مع جميع النجوم السياسية الصاعدة في كل واحد من الأحزاب السياسية الكبرى.
ولا تتورع عن ممارسة التخويف والترهيب معهم كلما تمكن الصوت الفلسطيني من اختراق الحجب التي تفرضها.
في الحالات النادرة التي يحدث فيها ذلك، فإن الصوت الفلسطيني لا يقل فصاحة واتزاناً وصلاحاً عن صوت أي شعب مضطهد عبر التاريخ.
"ليس لدينا أرض أخرى"
لقد كتبت تقارير من مسافر يطا، تلك القرى الواقعة جنوب تلال الخليل في الضفة الغربية المحتلة، والتي أعلنها الجيش الإسرائيلي ميداناً للرماية، مثلها مثل مناطق أخرى كثيرة، عندما لم يحظ خبر الطرد الجماعي المستمر للفلسطينيين بانتباه العالم.
بعد أن تدمر الجرافات بيوتهم، يلجأ سكان القرى في مسافر يطا إلى الكهوف يتخذونها سكناً.
تطلب جذب الاهتمام بما يجري لهذه القرى فيلماً وثائقياً بعنوان "لا أرض سواها" من إنتاج فريق يتضمن المخرج الفلسطيني باسل أدرى والصحفي الإسرائيلي يوفال آبراهام. فاز فيلمهم بجائزة في مهرجان برلين للأفلام ثم مؤخراً فاز بأوسكار.
استغرق إخراج هذا الوثائقي إلى النور سنين، وهو فيلم يوثق شهادات على التصميم السلمي والهادئ لما يقرب من ألف فلسطيني (نصفهم من الأطفال) في ثمان قرى على البقاء في قراهم. بدأ العمل في الفيلم في عام 2019.
تقف النساء في مواجهة الجنود. ويجلس الأطفال التلاميذ في فصلهم الدراسي عندما تهجم جرافات الجيش على كوخهم، فتجبرهم على القفز من الشبابيك للنجاة بأنفسهم.
تسأل امرأة فلسطينية جندياً إسرائيلياً ألا يشعر بالخزي وهو يهدم بيتها، فيرد عليها قائلاً: "هذا هو القانون. ولماذا أشعر بالخزي."
تُسأل قروية أخرى لماذا لا تغادر، فتجيب: "ليس لنا أرض أخرى."
تم تسجيل الفيلم قبل هجوم حماس في أكتوبر 2023. كل العنف الذي يظهر فيه هو عنف تمارسه الدولة الإسرائيلية. لا يوجد لدى الفلسطينيين في جنوب تلال الخليل سوى الكلمات وحقهم الأخلاقي في أن يبقوا على أرضهم لمواجهة التمدد المستمر للدولة الإسرائيلية داخل الضفة الغربية المحتلة.
إخفاق الدعاية
ما تفعله إسرائيل ينتهك جميع القوانين الدولية.
ومع ذلك، حينما فاز هذا الفيلم بإحدى الجوائز الكبرى في مهرجان برلين، أثار عاصفة سياسية في ألمانيا.
بررت وزيرة الدولة للثقافة في ألمانيا، كلوديا روث، تصفيقها لمخرجي الفيلم حينما تسلما الجائزة بالقول إنها كانت تصفق للإسرائيلي فقط، وليس للفلسطيني. سرعان ما تحول موقفها العنصري ذلك باعترافها إلى كارثة في العلاقات العامة.
أنهى أبراهام خطاب تسلمه للجائزة بالدعوة إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإلى "حل سياسي لإنهاء الاحتلال" – فقط لا غير.
وصف عمدة برلين كاي فيغنر الخطابات التي ألقيت في ختام مهرجان برلين بأنها "مغرقة في النسبية لدرجة لا تحتمل". وأضاف في حسابه عبر منصة إكس: "إن المسؤولية الكاملة عن المعاناة الشديدة في إسرائيل وفي قطاع غزة تتحملها حماس."
طالب موفد من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كلوديا روث بالاستقالة، بينما اقترح سياسي من الحزب الديمقراطي الحر بأنه ينبغي ألا يتلقى مهرجان الأفلام تمويلاً من الدولة بعد اليوم.
انتقد مدير المهرجان المنتهية ولايته، الإيطالي كارلو تشاتريان، المؤسسة السياسية الألمانية متهماً إياها باستخدام خطاب معاداة السامية سلاحاً من أجل تحقيق مكاسب سياسية. كما واجه مهرجان برلين لهذا العام دعوات بالمقاطعة بسبب صمته إزاء غزة وبسبب الطريقة التي تعامل بها مع ردود الفعل المناهضة لفيلم "لا أرض سواها".
الخبر السار هو أن الدعاية الإسرائيلية لم تعد تجدي نفعاً. فالرأي العام في جميع البلدان الغربية التي تمارس وسائل إعلامها ومهرجاناتها هذه الرقابة يتحول سريعاً ضد إسرائيل ولصالح الفلسطينيين.
يبدو هذا التوجه أكثر حدة في الولايات المتحدة حيث يتعاطف 59 بالمائة من الديمقراطيين مع الشعب الفلسطيني – ما يمثل ارتفاعاً قدره 16 نقطة عن السنة الماضية – بينما يتعاطف 21 بالمائة مع إسرائيل، ما يمثل انخفاضاً قدره 14 نقطة. في الولايات المتحدة ككل، ارتفعت النسبة المئوية للأمريكيين الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين ست نقاط عما كانت عليه في العام الماضي لتصل إلى 33 بالمائة، بينما وصل الدعم الذي تحظى به إسرائيل إلى أدنى معدلاته خلال 24 سنة. 46 بالمائة فقط من الأمريكيين الذين استطلعت آراؤهم قالوا إنهم يتعاطفون مع إسرائيل.
إن التبدل في الدعم الشعبي غير مسبوق في كل العقود التي شهدها هذا الصراع. لا عجب إذن أن تصاب إسرائيل وجيشها وداعموها بالهلع. إنهم في الجانب الخطأ من التاريخ.
عندما ينتهي هذا الصراع في آخر المطاف ويكون للفلسطينيين دولتهم التي يستحقونها عن جدارة، سوف ينظر إلى هذه الحقبة الزمنية باعتبارها أحلك ساعات إسرائيل ووسائل الإعلام الغربية الليبرالية.
أين كنتم وماذا كنتم تفعلون عندما كانت غزة والضفة الغربية المحتلة تتعرض للسحق وتُحول إلى رماد. هذا ما سوف يسأله أبناء الجيل القادم لآبائهم. سوف يكون مثيراً للاهتمام أن نسمع الإجابة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)