من غزة إلى السعودية وسوريا؟ هل يسعى نتنياهو لتحويل التهجير إلى “خيار استراتيجي”؟
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
يبدو أن بنيامين نتنياهو قرر التخلي عن الحذر الدبلوماسي تمامًا، فلم يعد يحاول حتى تغليف مخططاته بعبارات ملطفة. فبعد سنوات من الحديث عن ضرورة “تحييد غزة” أو “نزع سلاحها”، قفز مباشرة إلى مرحلة جديدة: لماذا لا يتم طرد الفلسطينيين تمامًا إلى مصر والأردن ومن ثم انتقل إلى السعودية أو سوريا؟
هذا الخطاب لم يأتِ من فراغ.
الآن، وبعد حملة التدمير الشامل في غزة، ومع تضييق الخناق السياسي على حكومة نتنياهو في الداخل والخارج، تأتي تصريحات نتنياهو وترامب لتعكس محاولة واضحة لتحويل “مشروع التهجير” من فكرة هامشية إلى استراتيجية رسمية.
بين محاولات التصفية السياسية وصناعة الحقائق الجديدة
عندما يقترح بنيامين نتنياهو أن السعودية تمتلك أراضي فارغة واسعة يمكنها استيعاب سكان غزة، أو أن تهجير الفلسطينيين إلى سوريا قد يكون “خيارًا ممكنًا”، فإنه لا يعبّر فقط عن موقف سياسي مؤقت، بل يكشف عن عقيدة إسرائيلية جديدة في التعامل مع الفلسطينيين: تحويل التهجير إلى سياسة رسمية، بدلًا من أن يكون نتيجة حروب أو أزمات.
هذا التصريح لم يأتِ بمعزل عن سياقات تاريخية، بل يُعيدنا إلى سياسة “تصفير القضية الفلسطينية” التي حاولت “إسرائيل” ترسيخها عبر العقود الماضية. من محاولات طرد الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية في الأردن، إلى الضغط على مصر لجعل سيناء ملاذًا للمهجّرين، وصولًا إلى الفكرة الجديدة: لماذا لا تستقبل السعودية هؤلاء الناس؟ ولماذا لا يكون لسوريا دورٌ في هذا المخطط؟
ما الذي يحاول نتنياهو تحقيقه من خلال هذه التصريحات؟ وما تأثيرها الإقليمي والدولي؟ وكيف تفاعلت السعودية والدول العربية والعالم مع هذا الطرح؟ وهل نحن أمام إعادة إحياء فكرة التهجير الجماعي كسياسة “إسرائيلية” رسمية؟
أولًا: نتنياهو وتحويل التهجير إلى “خيار استراتيجي”
منذ النكبة عام 1948، ظلّ الفلسطينيون متمسكين بالبقاء في أراضيهم رغم المحاولات “الإسرائيلية” المتكررة لإجبارهم على الهجرة. لكن حرب غزة الأخيرة منحت نتنياهو فرصة جديدة: لماذا لا يتم تصدير المشكلة إلى الدول العربية؟
ما الذي يكشفه اقتراحه بتهجير سكان غزة إلى السعودية وسوريا؟
محاولة خلق “شرعية ديموغرافية جديدة”
– منذ سنوات، تروّج بعض الأوساط “الإسرائيلية” لفكرة أن الفلسطينيين ليسوا “شعبًا أصيلًا” في المنطقة، وأن عليهم البحث عن أماكن أخرى. اقتراح السعودية وسوريا يعزز هذه الرواية بأن غزة ليست سوى عبء يجب التخلص منه.
ضرب فكرة “حق العودة” نهائيًا
– إذا تم تهجير سكان غزة إلى السعودية أو سوريا، فإن ذلك يعني عمليًا إلغاء أي مطالبة مستقبلية بعودة اللاجئين إلى فلسطين، وهو ما يتماشى مع الرؤية الصهيونية لمحو القضية الفلسطينية ديموغرافيًا.
توسيع الصراع ليشمل دولًا عربية أخرى
– إذا أصبحت السعودية أو سوريا جزءًا من ملف تهجير الفلسطينيين، فإن ذلك سيخلق أزمة دبلوماسية جديدة في الشرق الأوسط، ما يمنح “إسرائيل” مجالًا للمناورة وسط الانقسامات العربية.
التحايل على المقاومة الفلسطينية
– تهجير سكان غزة يعني ببساطة تفريغ المقاومة من قاعدتها الشعبية. فبعدما فشلت “إسرائيل” في القضاء على الفصائل عسكريًا، يبدو أن التهجير يُطرح الآن كـ”الحل النهائي”.
ثانيًا: كيف تعاملت السعودية مع هذه التصريحات؟
الخارجية السعودية أصدرت بيانًا قويًا رفضت فيه تصريحات نتنياهو، مؤكدة أن:
– “العقلية المتطرفة المحتلة لا تستوعب ما تعنيه الأرض الفلسطينية لشعب فلسطين وارتباطه بها”.
– “هذه التصريحات تستهدف صرف النظر عن جرائم الاحتلال في غزة”.
– “السلام لن يتحقق إلا بقبول مبدأ التعايش السلمي من خلال حل الدولتين”.
لماذا ترفض السعودية هذه الفكرة؟
الموقف التاريخي للسعودية من القضية الفلسطينية:
– الرياض كانت دائمًا ضد مشاريع توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم، وأكدت في كل المناسبات الدولية على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم داخل فلسطين نفسها.
التداعيات الإقليمية:
– أي قبول ضمني بهذا المقترح سيخلق أزمة بين السعودية والفلسطينيين، وقد يقوّض علاقة الرياض مع العواصم العربية والإسلامية التي ترى في هذا المشروع تمريرًا لخطط “إسرائيلية” توسعية.
الأبعاد الأمنية والاستراتيجية:
– وجود مئات الآلاف من الفلسطينيين داخل السعودية لن يكون مجرد قضية إنسانية، بل سيكون له تداعيات على التوازن الديموغرافي والسياسي داخل المملكة، وهو ما لن تقبله القيادة السعودية.
التوقيت السياسي الحرج:
– السعودية تسعى حاليًا للعب دور دبلوماسي متوازن بين واشنطن وبكين وموسكو، وأي تحرك نحو تبني مقترح إسرائيلي كهذا سيؤدي إلى انهيار هذا التوازن، ويفتح الباب لاضطرابات داخلية وخارجية.
ثالثًا: ماذا عن فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سوريا؟
هنا تبدو الأمور أكثر تعقيدًا، فإسرائيل تعرف أن الوضع السوري لم يستقر تمامًا بعد، وأن هناك مساحات واسعة خارج سيطرة النظام السوري. لذا، فإن فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سوريا قد تكون بالنسبة لنتنياهو فرصة لجعل القضية الفلسطينية جزءًا من الفوضى السورية المستمرة.
لكن هناك نقاط رئيسية تجعل هذا الاقتراح غير واقعي:
النظام السوري لن يقبل بذلك:
– رغم علاقته المتوترة مع بعض الفصائل الفلسطينية، إلا أن دمشق لم تدعم أبدًا مشاريع توطين الفلسطينيين خارج أرضهم.
روسيا وإيران لن تسمحا بوجود فلسطينيين “مُهجّرين” في سوريا:
– موسكو وطهران تعارضان أي تغييرات ديموغرافية قد تؤدي إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في سوريا.
ماذا عن تركيا؟
– تركيا، التي لها وجود عسكري شمال سوريا، لن تكون مرتاحة لفكرة إعادة توطين الفلسطينيين في مناطق قريبة من حدودها، خشية تغيير التوازن الجيوسياسي في المنطقة.
رابعًا: الانقسام “الإسرائيلي” حول مشروع التهجير
ليس كل “الإسرائيليين” مؤيدين لهذه الفكرة، وهناك انقسامات واضحة داخل الأوساط السياسية والأمنية.
المؤيدون:
– التيار اليميني المتطرف، ممثلًا في شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يرون في التهجير الحل الأمثل لمحو أي وجود فلسطيني في غزة.
– بعض رجال الأعمال والسياسيين المقربين من ترامب، الذين يؤيدون الفكرة باعتبارها “صفقة تجارية” ستغير المنطقة.
المعارضون:
– قيادات أمنية “إسرائيلية” ترى أن التهجير سيخلق مشاكل دبلوماسية غير مسبوقة مع الدول العربية.
– بعض الأصوات في اليمين “الإسرائيلي” المعتدل تحذر من أن تنفيذ مثل هذا المخطط قد يقود إلى عقوبات دولية وعزلة سياسية “لإسرائيل”.
خامسًا: ردود الفعل الدولية – صمت مريب أم دعم خفي؟
التصريحات “الإسرائيلية” حول التهجير لم تقابل بإدانة دولية واسعة، بل جاءت ردود الفعل باهتة إلى حد كبير.
– الاتحاد الأوروبي حذّر من “التداعيات الإنسانية” لكنه لم يتخذ موقفًا صارمًا ضد “إسرائيل”.
– الأمم المتحدة أدانت الفكرة من الناحية الأخلاقية، لكنها لم تقدم أي خطوات عملية لوقفها.
ما يثير القلق هنا هو أن الصمت الدولي قد يكون مؤشرًا على قبول ضمني لبعض هذه الأفكار، خاصة في ظل رغبة بعض العواصم الغربية في “تخفيف التصعيد” بأي وسيلة.
سادسًا: الفلسطينيون يرفضون الرحيل – لماذا؟
رغم الدمار الهائل في غزة، لا يبدو أن الفلسطينيين مستعدون للتخلي عن أرضهم، وهو ما يشكل تحديًا جوهريًا لمخططات التهجير.
لماذا يرفض الفلسطينيون الخروج من غزة؟
التمسك بالهوية الوطنية:
– الفلسطينيون يرون في بقائهم مقاومة، والخروج من غزة يعني إعادة إنتاج النكبة بطريقة جديدة.
غياب أي ضمانات مستقبلية:
– أين سيذهب المهجّرون؟ ومن سيضمن حقوقهم في الدول المستضيفة؟ لا أحد يملك إجابة واضحة.
الخبرة التاريخية مع مشاريع التهجير السابقة:
– من مخيمات لبنان إلى الشتات في الأردن وسوريا، لم تؤدِ التهجرات السابقة إلا إلى مزيد من المعاناة دون حل دائم.
نتنياهو: اللعب على حافة الهاوية
بالنسبة لنتنياهو، فإن اقتراح تهجير الفلسطينيين ليس مجرد فكرة عشوائية، بل هو جزء من استراتيجيته للهروب من مأزقه السياسي.
– يواجه معارضة داخلية حتى من بعض قادة الأمن “الإسرائيليين” الذين يرون أن مشروع التهجير غير واقعي وسيؤدي إلى كارثة دبلوماسية.
– الضغط الأمريكي و” الإسرائيلي ” اليميني يدفعه إلى اتخاذ قرارات أكثر تطرفًا لضمان بقائه في السلطة.
– يريد تحويل الأنظار عن الفشل العسكري في غزة عبر طرح أفكار استثنائية تجذب انتباه الإعلام العالمي.
تهجير الفلسطينيين – هل أصبح سياسة إسرائيلية رسمية؟
ما يفعله نتنياهو اليوم هو إعادة صياغة “النكبة” بلغة أكثر دبلوماسية، لكنها بنفس الأهداف القديمة: طرد الفلسطينيين وخلق واقع جديد.
لكن كما فشلت مشاريع التهجير السابقة، يبدو أن هذا المخطط الجديد يواجه مقاومة عنيدة من الفلسطينيين والدول العربية.
إذا كان نتنياهو يراهن على أن العالم سينسى القضية الفلسطينية مع مرور الوقت، فإن ردود الفعل الشعبية في العالم العربي والإسلامي تشير إلى أن هذه القضية لا تزال حيّة، وأن التهجير لن يكون الحل، مهما حاولت إسرائيل الترويج له.
السؤال الحقيقي الآن ليس هل سينجح هذا المخطط، بل إلى أي مدى يمكن أن يذهب نتنياهو وترامب في مغامرتهم هذه قبل أن تنقلب عليهم؟
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: تهجیر الفلسطینیین القضیة الفلسطینیة الفلسطینیین إلى الدول العربیة إلى السعودیة هذا المخطط لماذا لا سکان غزة یبدو أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
"الملك سلمان للإغاثة" يدشن في الأردن برنامج "سمع السعودية" للأطفال الفلسطينيين في غزة
دشن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في المملكة الأردنية الهاشمية، اليوم الاثنين، برنامج "سمع السعودية" التطوعي لزراعة القوقعة والتأهيل السمعي للأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة ، بمشاركة 18 متطوعًا من مختلف التخصصات الطبية.
جاء ذلك بحضور القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية لدى الأردن محمد بن حسن مؤنس، ومساعد المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية للتخطيط والتطوير عقيل بن جمعان الغامدي، وعدد من المسؤولين، وحشد من وسائل الإعلام.
وأشار الغامدي في كلمة له خلال التدشين بالحضور، مشيرًا إلى أن هذا البرنامج التطوعي يأتي امتدادًا لدور المملكة العربية السعودية الريادي في العمل الإنساني والإغاثي، مؤكدًا حرص المملكة على تكريس جهودها لدعم المجتمعات المتضررة والفئات الأكثر ضعفًا حول العالم، حتى أصبحت من أوائل الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والتنموية عالميًا، بإجمالي إنفاق تجاوز 134 مليار دولار أميركي خلال السنوات الماضية، وبتنفيذ أكثر من 7.562 مشروعًا في 172 دولة.
وأضاف أنه منذ تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة عام 2015، عمل المركز في 106 دول بأكثر من 3.393 مشروعًا بقيمة إجمالية تقارب 8 مليارات دولار أميركي؛ وذلك لتلبية الاحتياجات الإنسانية حول العالم في جميع مسارات العمل الإنساني والإغاثي والخيري والتطوعي، كما يعمل المركز على دعم القدرات وبنائها، ونقل المعرفة وتأهيل منظمات المجتمع المدني في البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض، بمشاركة خبراء وكوادر سعودية مختصة لتنفيذ المشاريع والعمل جنبًا إلى جنب مع المختصين المحليين.
وأشار الغامدي إلى العمل التطوعي في مركز الملك سلمان للإغاثة الذي أصبح نموذجًا رائدًا على مستوى العالم، فمنذ عام 2018، تم تنفيذ 892 برنامجًا تطوعيًا في مختلف قطاعات العمل الإنساني، استفاد منها أكثر من مليونين و120 ألف فرد، وأجرى خلالها حوالي 231 ألف عملية في 52 دولة حول العالم، على أيدي المتطوعين السعوديين البالغ عددهم أكثر من 78 ألف متطوع ومتطوعة مسجلين في البوابة السعودية للتطوع الخارجي.
وأردف الغامدي: "هذا العام تم اعتماد خطة العمل التطوعي لعام 2025 التي تشمل 642 برنامجًا في 67 دولة حول العالم، والتي تستهدف بحول الله تعالى حوالي مليون مستفيد، وما يقارب 900 ألف ساعة تطوعية، من خلال 13 ألف متطوع ومتطوعة، بقيمة إجمالية تتجاوز 600 مليون دولار، يأتي برنامج "سمع السعودية" التطوعي من ضمن هذه الخطة بعدد 76 مشروعًا في 37 دولة تتم من خلالها زراعة 1.900 قوقعة، وتدريب 3.800 فرد من ذوي أسر الأطفال المستفيدين من البرنامج وتأهيلهم، بالإضافة إلى برامج تأهيل النطق والتخاطب.
كما أشار مساعد المشرف العام على المركز للتخطيط والتطوير إلى أن برنامج "سمع السعودية" التطوعي للأطفال الفلسطينيين في المملكة الأردنية الهاشمية الذي تم إطلاقه اليوم، يستهدف في مرحلته الأولى إجراء عمليات زراعة القوقعة لـ40 طفلاً فلسطينيًا، إلى جانب توفير خدمات تأهيل النطق والتخاطب لهم وتأهيل أسرهم، بما يسهم في دمجهم في المجتمع ل فتح آفاق جديدة وتوفير حياة كريمة، مبينًا أن هذه المبادرة التطوعية تأتي ضمن أولويات مركز الملك سلمان للإغاثة في دعم الفئات الأشد احتياجًا، وهي تجسد إيمان المملكة الراسخ بأهمية دعم الإنسان.
وفي ختام كلمته، أوضح الغامدي أن المملكة العربية السعودية تثمن جهود الأردن وشعبها في استضافة عدد كبير من اللاجئين، وتسهيلها تنفيذ المشاريع الإنسانية، متقدمًا بالشكر الجزيل لسفارة المملكة لدى الأردن ممثلة بالقائم بالأعمال محمد بن حسن مؤنس، ولكل من أسهم في إنجاح هذا المشروع الإنساني.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين حماس: مستعدون لإطلاق سراح كافة الرهائن وهذه هي المشكلة الصليب الأحمر: الوضع في غزة جحيم على الأرض ومكاتبنا استهدفت بشكل مباشر إصابة شاب بالرصاص الحي خلال اقتحام الاحتلال بلدة الخضر في بيت لحم الأكثر قراءة الجيش الإسرائيلي يُقر باستهداف المصور حسن اصليح بشكل مباشر تفاصيل مُخرجات "القمة الثلاثية" لبحث الأوضاع الخطيرة في غزة الصحة في غزة تُحذّر من تداعيات خطيرة جراء انعدام الأدوية حماس تردّ على المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025