من سوريا إلى السعودية.. المحاولة العثمانية الأخيرة
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
يمكن وصف بناء سكة حديد الحجاز بالمحاولة العثمانية الأخيرة لتعزيز سيطرة الإمبراطورية على الأماكن المقدسة النائية في مكة المكرمة والمدينة المنورة انطلاقا من اسطنبول ومرورا بالقدس.
إقرأ المزيدهذا المشروع الكبير الذي أنجز في عهد السلطان عبد الحميد الثاني كان عمليا أهم محاولة لتأخير مصير "رجل أوروبا المريض" من خلال ربط المنطقة العربية الآسيوية بخط للسكك الحديدية لمواجهة المستجدات وإطالة عمر النفوذ العثماني على المقدسات الإسلامية.
فكرة سكة حديد الحجاز بدأت في التبلور لأول مرة في عام 1864، وكان ذلك في عهد السلطان عبد العزيز الأول، إلا أن المشروع واجه حينها العديد من الصعوبات الهندسية والفنية التي أخرت تنفيذه.
حين تولى السلطان عبد الحميد الثاني عرش الإمبراطورية العثمانية، سعى إلى تجسيد فكرة "الوحدة الإسلامية" من خلال ربط الولايات العثمانية في المنطقة العربية الآسيوية بسكة حديد الحجاز.
لتحقيق هذا الهدف أصدر السلطان في عام 1900 أمرا ببدء بناء سكة حديد حجاز جديدة، عهد ببنائها إلى أحمد عزت باشا العابد، وهو رجل دولة من دمشق، كان يوصف بأنه الأكثر نفوذا بين جميع المستشارين العرب حينها.
كان الهدف الرئيس المعلن من بناء سكة حديد الحجاز ربط عاصمة الخلافة "اسطنبول" بالمدينة المنورة وبقية المناطق التي تسيطر عليها من أجل تسهيل حركة الحجاج والمسافرين بين أجزاء الإمبراطورية، وتقليل المدة التي تتطلبها من 50 يوما إلى 5 أيام فقط، علاوة على ما يترتب عن ذلك من خفض تكلفة وإنعاش مواسم الحج والحماية من قطاع الطرق، علاوة على الفوائد الاقتصادية الكبيرة لمثل هذا الربط بالسكة الحديدة لهذه المناطق الهامة والمترامية.
بطبيعة الحال سكة حديد الحجاز كان لها أهداف استراتيجية أخرى أكثر أهمية وتتمثل في التمكن من إرسال القوات والمعدات بسرعة إلى أطراف الإمبراطورية في المناطق النائية الصحراوية لاسيما في الأماكن المقدسة لمواجهة أي حركات تمرد داخلي أو غزو أجنبي.
الدولة العثمانية المنهكة في ذلك الوقت بالديون واجهت مشكلة في تمويل هذا المشروع الضخم الذي قدرت تكاليفه بحوالي 4 ملايين ليرة عثمانية، وهو مبلغ يوازي ما نسبته 18 في المئة من إجمالي ميزانية الإمبراطورية.
تحاشى السلطان عبد الحميد الثاني زيادة أعباء خزينته الفارغة، ودعا إلى التبرع لإنجاز المشروع مستغلا في ذلك المشاعر الدينية، وأطلق حملة بهذا الشأن في مايو عام 1900 بدأها بتبرعه شخصيا بمبلغ 350 جنيه عثماني وخديوي، تبرع خديوي مصر عباس حلمي الثاني بمواد البناء.
التبرعات شاركت فيها جميع الشرائح من القيادات العليا والموظفين على التجار والجنود والمواطنين المسلمين البسطاء، كما تم بيع جلود الأضاحي وتحويل قيمتها لتمويل سكة حديد الحجاز، إضافة على خصم 10 في المئة من مرتبات العاملين في الخدمة المدنية لصالح المشروع!
تلك التبرعات التي جمعت بمختلف السبل وبنشاط منقطع النظير بما في ذلك ضريبة قيمتها خمس قروش على جميع الرجال، غطت حوالي ثلثي التكلفة الإجمالية للمشروع.
أعمال بناء سكة حديد الحجاز انطلقت رسميا في 1 مايو 1900، وبدأت ببناء خط سكة حديد بين دمشق ودرعا في 1 سبتمبر من نفس العام، فيما أشرف على العمل من الناحية الفنية مهندس ألماني، وقاد فريقا يتكون من 34 مهندسا ألمانيا وعثمانيا، إضافة إلى مهندسين إيطاليين وفرنسيين وبلجيكيين.
اعتمد بناء المشروع على جنود الجيش العثماني، وشارك باستمرار نحو 6 آلاف من هؤلاء بإشراف نحو 200 مهندس، ولتقليل التكاليف خفضت السلطات أجور الجنود وعوضتهم عن ذلك بتقليل فترة تجنيدهم!
وصلت سكة حديد الحجاز إلى عمان في عام 1903، ثم امتدت إلى معان في عام 1904، وبدأت أول رحلة قطار بين دمشق ومعان في عام 1905.
خط سكة حديد الحجاز وصل إلى المدينة المنورة في 31 أغسطس 1908، وأثناء عملية مد خط سكة الحديد في المدينة المنورة سُمح فقط للعمال والمهندسين المسلمين بدخول المنطقة من دون مشاركة المهندسين الألمان.
أول قطار من دمشق إلى المدينة المنورة وصل في 23 أغسطس عام 1908، وقطع المسافة في 5 أيام فقط، إلا أن حفل الافتتاح تم تأجيله لمدة أسبوع ليتزامن مع ذكرى جلوس السلطان عبد الحميد الثاني على العرش.
سكة حديد الحجاز لم تعمر طويلا، وبعد 10 سنوات من بدء نشاطها تعرضت مرافقها لأعمال تخريب أثناء انتفاضة الشريف حسين، بمشاركة العميل البريطاني "لورانس العرب"، فتقطعت أوصالها واتلفت قاطراتها وفجرت خطوت التلغراف الموازية لها وتحولت كما يقول المثل، إلى أثر بعد عين!
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: كورونا أرشيف المدينة المنورة مكة المكرمة فی عام
إقرأ أيضاً:
الضرب بيد من حديد.. حملة أمنية مكبرة تستهدف حي الضواحي ببورسعيد
شنت الأجهزة الأمنية بمحافظة بورسعيد حملة مكبرة بدأت مع غروب شمس أمس الثلاثاء، واستمرت حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، برئاسة اللواء تامر السمري مدير الأمن، واللواء ضياء زامل مدير المباحث.
تضمنت الحملة تنفيذ قرارات إزالة إشغالات ضخمة كانت تغلق شوارع حي الضواحي، ولم تتمكن الأجهزة التنفيذية من إزالتها إلا بوجود سيارات ورجال الشرطة. وقاد حملات التعديات المقدم شادي محروس، كما تم تنفيذ مداهمات مفاجئة لمناطق الأمل ونفيسة والرحاب ومحيط مسجد سرحان بحي الضواحي، وذلك لفرض السيطرة الأمنية وضبط الخارجين عن القانون.
وخلال تنفيذ الحملة، قاد اللواء ضياء زامل مدير مباحث المديرية، حملات لمواجهة الخارجين عن القانون، وقام العقيد هيثم ماجد مفتش مباحث دائرة الضواحي، والمقدم عمر الخولي رئيس مباحث الدائرة، بفرض الانضباط، وتمكنوا من ضبط عدد من الخارجين عن القانون، وكذلك تحرير محاضر لحائزي المواد المخدرة والأسلحة.
كما فرض العميد كريم لهيطة مدير إدارة المرور ببورسعيد، والمقدم حسام وهدان رئيس مباحث المرور، والعقيد محمد شتيلا، حملات مرورية مكبرة بالتزامن مع الحملة، وتمكنوا من ضبط دراجات نارية دون ترخيص، وسيارات مخالفة، وتمت مصادرة عدد من الدراجات النارية، وتحرير مخالفات لعدد من السيارات. كذلك تمكن رجال المباحث من ضبط عدد من قائدي السيارات والركاب لمخالفتهم القانون وحيازتهم لممنوعات.
وشدد اللواء تامر السمري مدير أمن بورسعيد على الضباط والجنود بضرورة اليقظة، مؤكدًا أن الحملات مستمرة، وأن أحدًا لن يستطيع مخالفة القانون، وأن كل من تسول له نفسه حمل السلاح أو المخدرات، أو مخالفة قواعد المرور، أو استغلال الشوارع بالإشغالات، سيجد نفسه أمام بطش سيف القانون.
كما شدد اللواء ضياء زامل مدير مباحث بورسعيد، خلال حديثه مع الضباط أثناء الحملة، على تكثيف الأكمنة الثابتة والمتحركة في كافة أحياء المحافظة، وضبط كل من تسول له نفسه حمل السلاح أو المخدرات، أو ارتكاب أي صورة من صور الجرائم المختلفة، وإحالته إلى جهات التحقيق.