في الحقبة السوفيتية، لا سيما في سنواتها الأخيرة، كان هناك نقص في السلع بالاتحاد السوفيتي، وغالبا ما اصطفت طوابير طويلة أمام المتاجر كانت تبدأ في الشارع لتنتهي داخل المتجر.

وإذا ما رأى المواطن العادي مثل هذا الطابور، فعليه على الفور أن يأخذ دوره فيه بشكل غريزي، ثم يسأل بعد ذلك من حوله عن المنتج الذي يصطف الطابور من أجله.

إقرأ المزيد ما مدى خطورة سقوط الروبل؟

تذكرني مجموعة "بريكس" بمثل هذا الطابور، حيث تصطف دول العالم في طابور من أجل شيء ما، ضروري للغاية، لكنه نادر في العالم الحديث، يصطفون من أجل السيادة. لقد سئم الجميع من العالم أحادي القطب، ويمكن للجميع أن يروا بالفعل أن الولايات المتحدة والغرب ككل في سبيلهم للغرق في أزمة اقتصادية مميتة، والسفينة الأمريكية تغرق. ثم تظهر فجأة سفينة أخرى – بريكس. لا يعلم أحد إلى أين تبحر هذه السفينة، أو من هو القبطان، وما إذا كان سيتجه صوب شاطئ آمن.. لا أحد يعرف. لكن الشيء الرئيسي هو الفرار من السفينة الغارقة بأسرع وقت ممكن، ثم لنرى ما يحدث بعد ذلك.

كذلك لم يقفز بعض الركاب إلى السفينة الجديدة، حيث يقفون بإحدى قدميهم على السفينة القديمة، والأخرى على الجديدة، في انتظار اتضاح الموقف.

بعضهم يسمي "بريكس" منظمة اقتصادية، لكنه لا يوجد توحيد جاد أو تنسيق على الأقل للسياسة الاقتصادية بين الأعضاء. فموضوع عملة "بريكس" الموحدة، الذي تجري مناقشته لأكثر من 10 سنوات دون نتائج، يصل الآن إلى قمة موجته. ووفقا لتقارير صحفية، يبدو أن أعضاء "بريكس" يناقشون حاليا آلية التسوية الرقمية، إلا أن ذلك سيطبق، وفقا للخطط، في غضون 10 سنوات أخرى، عندما لا يصبح للدولار أو للولايات المتحدة الأمريكية وجود في شكلها الراهن.

إن العملة الموحدة مستحيلة دون فقدان جزء من السيادة، ما يعني أن العملة الموحدة لكتلة من البلدان الساعية إلى زيادة سيادتها هو أمر مستحيل بحكم التعريف.

قد نسمّي "بريكس" منظمة سياسية، لكنها ليست بأي حال من الأحوال كتلة سياسية، وعلى وجه الخصوص، فهي ليست كتلة موجهة ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

ثمة كثير من الضجيج والدعاية حول "بريكس" من كلا الجانبين.

لا أميل إلى الطريقة الأوكرانية في النظر إلى الأمور، والمتجسدة في دائرة "النصر-الخيانة" (بالأوكرانية Peremoga-zrada)، أي تضخيم التوقعات إلى حد غير معقول، ثم الفشل، فاليأس بلا حدود، ثم البحث عمن كان سببا في إضاعة نصر كان "مضمونا". يفعل الأوكرانيون ذلك باحتراف مدهش على مدار سنوات طويلة، ونرى الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل بأم أعيننا في فشل الهجوم الأوكراني المضاد.

دعونا ننظر للأمر بتأنٍ، سيكون في ذلك فائدة أكبر. في رأيي المتواضع، أنه كلما توسعت "بريكس"، كلما قلت قدرتها على أن تكون لاعبا، أو حتى أداة في يد اللاعبين الرئيسيين، أو بالتحديد في يد اللاعب الرئيسي: الصين. فإذا كانت دول "بريكس" ستشكل تهديدا للولايات المتحدة، فسوف تفعل ذلك ككتلة مستندة إلى الصين، حيث أن اليوان الصيني وحده الآن هو الذي يستطيع المطالبة بوضع العملة العالمية. لكن أكبر دول "بريكس" هي الأخرى تريد نفسها أن تكون مركز القوة، وألا تخضع للصين.

 وحتى في الهيكل القديم لـ "بريكس"، نرى كيف تهدد التناقضات بين الصين والهند بشلّ عملية تطوير بعض الإجراءات المشتركة. ومع توسيع العضوية، سيقل تجانس المنظمة، وتصبح أقل قدرة وبلا أسنان. حتى أن بعض المحللين يجادلون بأن توسع "بريكس" ليس سوى حصان طروادة أمريكي، تحاول به الولايات المتحدة من خلال حلفائها تحييد هذه المنظمة.

إقرأ المزيد وبدأت مرحلة الانكسار المعنوي في أوكرانيا

تنظر الولايات المتحدة إلى "بريكس" بوصفها تهديدا، وتحاول إغراق هذه المنظمة وتقسيمها، فيما ينظر معارضو الولايات المتحدة إلى "بريكس" بوصفها الأمل في تحرير العالم من الهيمنة الأمريكية. وكلا الرؤيتين هي حرب دون كيخوتية مع طواحين الهواء، أي تضخيم كيان ما بخصائص خيالية.

واقع الأمر، في رأي المتواضع، أن "بريكس" هي ترمومتر لقياس الحرارة، اختبار مرئي يظهر الرغبة في الابتعاد عن الولايات المتحدة. وبهذه الصفة، فإن المنظمة تشكل تهديدا حقيقيا للولايات المتحدة، نظرا لأن الاقتصاد، ودور الدولار في العالم، يعتمد إلى حد كبير على فكرة غالبية الناس حول قوة الولايات المتحدة. وإظهار عدد كبير من الدول الرغبة في القفز من السفينة الأمريكية إلى سفينة أخرى يقضي على الإيمان بالهيمنة الأمريكية، وبالتالي بالدولار.

وهذا بالتحديد هو الخطر الحقيقي من قبل منظمة "بريكس" نفسها، ومن توسعها. وليس من المهم ما إذا كان بوسع "بريكس" اتخاذ ولو قرار واحد على الأقل (أعتقد أن بإمكانها فعل ذلك فقط في أكثر القضايا حيادية وأقلها ضررا)، وإنما الأمر الرئيسي هو أن دول "بريكس" ينظر إليها كبديل للولايات المتحدة، وأن دخول عدد متزايد من الدول يعتبر من قبل الكوكب بوصفه انتقالا إلى عالم جديد بدون هيمنة أمريكية. فـ "بريكس" ليست كتلة أو منظمة بقدر ما هي فعل، فعل استعراضي لتحدي الولايات المتحدة الأمريكية، ممتد على مساحة من الوقت.

لهذا، دعونا نحتفي بـ "بريكس"، ودعونا نرحب بتوسيعها، لكن، وفي الوقت نفسه، دعونا لا نتوقع منها الإنجازات والمعجزات.

إنها الحرب بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على أراضي أوكرانيا، وحرب الصين المستقبلية (وربما روسيا أيضا) مع كتلة AUKUS في المحيط الهادئ، هي ما سيضع حدا لهيمنة الولايات المتحدة. أما "بريكس" بتكوينها المستقبلي الموسع، فليست سوى سفينة نوح للبلدان التي تريد فقط أن تعيش، وألا تدفن حية في القبر مع الفرعون الميت القديم.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: كورونا الولايات المتحدة الهجوم الأوكراني المضاد ألكسندر نازاروف ألكسندر نازاروف الأزمة الأوكرانية الجيش الروسي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بريكس وزارة الدفاع الروسية المتحدة الأمریکیة للولایات المتحدة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

بوتين يعرض بيع المعادن للولايات المتحدة بما في ذلك من مناطق أوكرانيا المحتلة

فبراير 25, 2025آخر تحديث: فبراير 25, 2025

المستقلة/- مع رفض فولوديمير زيلينسكي لمحاولة دونالد ترامب الحصول على المعادن الأرضية النادرة الحيوية في أوكرانيا، يحاول الكرملين إقناع رئيس الولايات المتحدة بأن روسيا يمكن أن تقدم صفقة أفضل.

صرح الزعيم الروسي فلاديمير بوتين لوسائل الإعلام الرسمية مساء الاثنين، “نحن مستعدون للعمل مع شركائنا، بما في ذلك الأميركيون” للوصول إلى احتياطيات المعادن – بما في ذلك في أوكرانيا المحتلة من قبل روسيا. كما اقترح أن روسيا يمكن أن تستأنف بيع الألومنيوم للولايات المتحدة، قائلاً إن موسكو مستعدة لتزويد “حوالي 2 مليون طن إلى السوق الأميركية”.

جاء العرض وسط محاولة من جانب إدارة ترامب للحصول على وصول تفضيلي إلى معادن حيوية بقيمة مئات المليارات من الدولارات في أوكرانيا كتعويض عن المساعدات التي تم توفيرها سابقًا، في حين لم تقدم أي ضمانات أمنية واضحة أو آفاق للأموال المستقبلية في المقابل.

وفي حديثه في مقابلة تلفزيونية بعد عقد اجتماع حول تطوير صناعة المعادن الأرضية النادرة يوم الاثنين، قال بوتين إن صفقة المعادن الحيوية المحتملة لأوكرانيا مع الولايات المتحدة “لا تهمنا” – لكنه زعم أن موسكو لديها المزيد لتقدمه لترامب مما قدمته كييف.

وقال بوتين “إننا مستعدون للتعاون مع شركائنا الأميركيين… إذا أبدوا اهتمامهم بالعمل معاً”، مضيفاً أن روسيا “تمتلك موارد من هذا النوع أكثر بعشر مرات من تلك الموجودة في أوكرانيا”.

وقد ذكر احتياطيات المعادن في شمال روسيا والقوقاز والشرق الأقصى ــ وكذلك في دونباس، المنطقة الأوكرانية التي تحتلها القوات الروسية.

وقال بوتين “فيما يتعلق بالأراضي الجديدة”، في إشارة إلى أجزاء من أوكرانيا استولت عليها روسيا، “نحن مستعدون لجذب الشركاء الأجانب ــ وفي ما يسمى بالأراضي التاريخية الجديدة، التي عادت إلى الاتحاد الروسي، هناك أيضا احتياطيات معينة هناك. ونحن مستعدون للعمل مع شركائنا الأجانب، بما في ذلك الأميركيون، هناك”.

وقال بوتين إن روسيا ستنظر في العمل مع الولايات المتحدة لإنتاج الألمنيوم. وأشار إلى أنه إذا عملت الشركات الأميركية مع موسكو، فإنها “ستجني أموالا طيبة، وستدخل الكميات المقابلة من الألمنيوم السوق المحلية بأسعار سوقية مقبولة تماما”.

وتعهدت إدارة ترامب بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا في أقرب وقت ممكن، في حين رددت مؤخراً رواية الكرملين حول استفزاز كييف لموسكو لبدء الصراع.

في يوم الاثنين، عرض الاتحاد الأوروبي صفقة المعادن الخاصة به على أوكرانيا، حيث قال المفوض الأوروبي للاستراتيجية الصناعية ستيفان سيجورني بشكل واضح خلال رحلة إلى كييف: “القيمة المضافة التي تقدمها أوروبا هي أننا لن نطالب أبدًا بصفقة لا تعود بالنفع المتبادل”.

مقالات مشابهة

  • يونيسف: 292 ألف طفل معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا في ولاية النيل الأبيض، الكوليرا تشكل تهديدا مميتا للأطفال ويمكن أن تكون قاتلة في غضون ساعات
  • إدارة ترامب تخطط لخفض عدد السفارات الأمريكية حول العالم
  • ترامب ينشر فيديو تخيليًا لتحويل غزة إلى «ريفيرا» مملوكة للولايات المتحدة|شاهد
  • مصير مجهول للسوريين طالبي اللجوء في الولايات المتحدة الأمريكية
  • “الوحش الناعم” للولايات المتحدة الأمريكية
  • زيلينسكي : ليس هناك قرضا يجب إعادة دفعه في اتفاق المعادن مع الولايات المتحدة الأمريكية
  • خبير بالهجرة إلى الولايات المتحدة يتحدث عن “البطاقة الذهبية” الأمريكية
  • الكرملين: لم ترد أي تصريحات رسمية بشأن زيارة زيلينسكي للولايات المتحدة
  • بوتين يعرض بيع المعادن للولايات المتحدة بما في ذلك من مناطق أوكرانيا المحتلة
  • ارتدى التاج ويحلم بالبقاء .. هل يهدد ترامب الديمقراطية الأمريكية؟