كييف- منذ أن اعتلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب سدة الحكم في واشنطن، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو يكيل له عبارات المديح والثناء، حتى أن "الصديقين" اتصلا ببعضهما مؤخرا، فقطعا شوطا كبيرة بعد طول جفاء وقطيعة بين البلدين، على خلفية الحرب في أوكرانيا.

وبين تبادل ترامب وبوتين الغزل -إن صح التعبير- وتأكيدهما استعدادهما بحث تسوية تنهي من القتال دون عودة إليه، تبدو كييف خائفة متوجسة مع نهاية ثالث سنوات الحرب، حتى وإن أظهرت غير ذلك.

وتتعلق أولى المخاوف الأوكرانية بإمكانية تجميد الحرب، بأن يتوقف القتال من دون أي انسحاب روسي، ويكون ذلك أشبه "بفترة راحة"، لكلا الجانبين، لكنه يصب في صالح الروس أكثر، وفي هذا الصدد، حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن روسيا تحشد حاليا نحو 100 ألف جندي، استعدادا لحرب جديدة إذا ما جمدت الحرب الراهنة.

خيار التجميد

يقول الخبير العسكري والعقيد في قوات الاحتياط أوليغ جدانوف للجزيرة نت "لنكن صادقين، حتى اليوم لا أحد يعرف ماهية خطة ترامب لوقف الحرب، ولصالح من ستكون؟ أوكرانيا لا تريد وقفها وحسب، بل منع تكرارها، لأن القادمة ستكون أكبر وأسوأ".

ويضيف في السياق ذاته "تجميد الحرب يعني أن الروس سيعيدون حساباتهم، ويحشدون مزيدا من الصواريخ والآليات والقوات المدربة، ليهجموا على أوكرانيا مجددا بعد سنوات، متداركين أخطاء منعت تحقيق كامل أهدافهم في هذه الحرب".

إعلان

وفي حال جُمدت الحرب، يتحدث بعض المراقبين عن احتمال لجوء روسيا إلى سيناريو "الاستحواذ على أبخازيا" لتطبيقه في أوكرانيا، ويوضح الخبير في المعهد الأوكراني للمستقبل إيهور تيشكيفيتش، في حديثه للجزيرة نت، "يبدو أن هذا العام سيشهد مفاوضات وتوقيع بعض الوثائق، التي ستكون بمثابة خريطة طريق، تتعلق بقضايا إنسانية واقتصادية وحتى سياسية في الأراضي المحتلة".

ويضيف "هذا أمر يذكرنا باتفاقيات مينسك المرفوضة أوكرانيا، ولكني أعتقد أن موسكو ستكون سعيدة بالعودة إليها حتى جزئيا، لأنها ستخول الروس فعل ما يشاؤون داخل 4 مقاطعات أوكرانية، الأمر الذي قد ينتهي كما حدث في أبخازيا عام 2008، بهجرة الأوكرانيين، ووجود أغلبية روسية مجنسة، وتثبيت قواعد روسية بحكم الأمر الواقع، وبالتالي ولاء طويل الأمد، يصعب على كييف تغييره".

وحسب رأي الخبير، فإن "هذا قد يحد من غضب وتفاعل الغرب مع كييف أيضا، حتى وإن لم يعترف بشرعية سيطرة ووجود روسيا".

كييف تشترط عدم قطع الدعم المالي والعسكري عنها قبل الدخول في مفاوضات (رويترز) الضمانات قبل المفاوضات

وحتى لا يكون كل ما سبق، أو للحد منه، تبدي أوكرانيا تشددا لافتا في التصريحات والمطالب، فهي تدرك أن جل أمرها اليوم بيد داعميها الأميركيين على الأرجح، وأن الحيلة ضعيفة لتغيير هذا الواقع، حتى أن إصرارها على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) تراجع مؤخرا، أو حتى تلاشى.

ويؤكد الرئيس الأوكراني أنه "مستعد لأي شكل من أشكال المفاوضات"، وهذا في حد ذاته تراجع كبير إلى الوراء، لأن القانون الأوكراني يجرم التفاوض مع بوتين منذ أواسط 2022.

لكن اشتراطات زيلينسكي لذلك تنحصر في أمرين، أولهما عدم قطع الدعم المالي والعسكري عن أوكرانيا، والآخر منحها ضمانات تمنع أي اعتداء روسي عليها في المستقبل، حتى أنه قال "إذا تأخرت عملية انضمام أوكرانيا إلى الناتو، فامنحونا أسلحة نووية وعددا كافيا من الصواريخ".

إعلان

وهنا، بدأت أوساط تحليلية وشعبية الخوض في شخص الرئيس بين مدح وذم، بين واثقين بقدرته على وقف الحرب دون أن يكون في ذلك نصر مبين لروسيا، وآخرين يرون أنه يتشدد لأن شعبيته ستنهار بعد الحرب، فبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز رازومكوف للدراسات، فإن شعبية زيلينسكي هوَت من 85% في 2019 إلى حدود 53% مع نهاية العام الماضي.

لكن استطلاعا آخر لمجموعتي "بيزنيس كابيتال" و"نيو إيميج"، بيّن أن شعبية الرئيس ستتراجع إلى ما دون 20% في حال توقفت الحرب، ودخل الانتخابات منافسون جدد، على رأسهم رئيس هيئة الأركان السابق وسفير أوكرانيا الحالي لدى بريطانيا فاليري زالوجني، الذي تصل شعبيته إلى نحو 27%.

وتحدث زيلينسكي حول موضوع الانتخابات مؤخرا، لا سيما بعد أن طالب بها المبعوث الأمريكي كيث كيلوغ، فأكد أنه "لا يخشى الانتخابات على الإطلاق، لكن تنفيذها يقتضي تعليق الأحكام العرفية، وهذا سيؤدي إلى خسارة الحرب".

خيارات كييف

أثرت الحرب على شعبية زيلينسكي، الذي لن يكون في وضع يحسد عليه إذا أحجمت إدارة ترامب عن دعم أوكرانيا بالكم الذي يريد أيضا، لذلك يرفع نداءات إلى الأوروبيين، ويحثهم على لعب دور البديل، "إذ يستطيع الأوروبيون مضاعفة حجم إنتاجهم العسكري بواقع 2-3 أضعاف، لكنهم لم يفعلوا ذلك حتى الآن" وفقا له.

ويشكك الخبير في المعهد الأوكراني للمستقبل إيهور تيشكيفيتش في قدرة الأوروبيين على فعل ذلك، ويقول "خفضت الدول الأوروبية إنفاقها الدفاعي كثيرا في الفترة ما بين 2008 و2018، وطريق العودة إلى الإنتاج الكبير صعب وطويل، حتى وإن خصص له 500 مليار دولار، كما دعت المفوضية الأوروبية".

وأضاف أن "دعم الأوروبيين يصل اليوم إلى 30% من حاجة أوكرانيا، وأعتقد أن النموذج الدانماركي هو الأفضل لزيادة هذه النسبة، من خلال الاستثمار في المجمعات الدفاعية الأوكرانية، الأمر الذي تسوقه كييف، ويعود بالمنفعة على كل الأطراف".

ويبقى كل من المال والسلاح عقدة أوكرانيا في حربها وعلاقاتها مع الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، وهذه حقيقة باتت تدفع سلطاتها للاعتراف بالعجز عن تحرير كل الأراضي التي احتلتها روسيا منذ عام 2014.

إعلان

يقول كاتب الشؤون السياسية في موقع "نوفا فريميا" إيفان ياكوفينا للجزيرة نت "نعم، يستطيع ترامب الضغط علينا ومساومتنا على المال والسلاح، إنه يجيد فعل ذلك، لكنه أيضا يستطيع ممارسة الضغط السياسية والاقتصادي على روسيا إقليميا ودوليا، ولهذا من السابق لأوانه الحديث عن سلام مجحف، أو سلام يفرض علينا وحدنا".

ومن وجهة نظره، يرى ياكوفينا أن "بوتين يجامل ترامب، ويحاول إعادة بناء علاقات جيدة معه"، ويقول إن "دعاة الحرب ومروجيها في روسيا يقولون اليوم إن السلام جيد والحرب سيئة، وإن الوقت حان لوقف القتال، هذا دليل أن نوعا من الضغط يمارَس عليهم بنجاح"، على حد قوله.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

زيلينسكي: العقوبات الشاملة ضد روسيا وضمانات الأمن ضرورية لإنهاء الحرب بسرعة

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الأحد إن العقوبات الشاملة ضد روسيا وضمانات الأمن القوية لأوكرانيا ضرورية لإنهاء الحرب بسرعة.

كاراسين ينتقد عرض زيلينسكي لترامب: بيع الموارد الأوكرانية مقابل "ضمانات أمنية" زاخاروفا ترد على تصريح زيلينسكي: "إجابته واضحة لإنهاء النزاع في أوكرانيا"

جاء ذلك في تصريحات للرئيس زيلينسكي لإذاعة "آي تي في نيوز" البريطانية نقلتها وكالة (يوكرينفورم) الاوكرانية .

وردا على سؤال عما إذا كان من الممكن إنهاء الحرب في 2025 ، قال زيلينسكي: "بالطبع، نرغب في ذلك كثيرًا، وفي كل عام، بصراحة، نود حقًا أن يكون لدينا الشجاعة من شركائنا الغربيين لإجبار بوتين على إنهاء الحرب"،مضيفا " في الواقع، أعتقد أن هناك فرصة كبيرة لذلك الآن، في رأيي، يريد ترامب إنهاء الحرب بسرعة".

وشدد الرئيس الأوكراني ،في الوقت نفسه، على أن الأمريكيين والأوروبيين بحاجة إلى العمل معًا من أجل إنهاء الحرب، .

وقال زيلينسكي: "نحن نتحدث عن العقوبات، لقد تم فرض العقوبات بفضل شركائنا،ورغم أن هذه التدابير كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد الروسي، إلا أنه تمكن من التكيف مع بعض العقوبات، متسائلا: لماذا؟ وأجاب" لأنه كان هناك دائما فجوة، فقد تم فرض عقوبات على البنوك، على سبيل المثال، لكن ليس على جميع البنوك، وتم فرض عقوبات على الزراعة، لكن أسطول الظل لا يزال يعمل"، مضيفا "الآن تم فرض عقوبات على أسطول الظل، ونحن ممتنون لشركائنا، وخاصة بريطانيا، لذلك، ولكن مرة أخرى، ليس على جميع سفنهم، ونحن نتحدث عن مئات، وليس عن عشرات السفن".

وخلص الرئيس الأوكراني إلى أن العقوبات يجب أن تكون شاملة، وأن "الانهيار قد يحدث في روسيا" نتيجة لذلك، وقال: "الجميع يرى ذلك، الجميع يفهمه، لكن ليس الجميع يفعل ذلك"، مشددا على أن العنصر الثاني من أجل السلام الدائم والعادل هو ضمانات الأمن لأوكرانيا.

زيلينسكي: الانتخابات لن تجرى إلا بعد انتهاء المرحلة الساخنة من الصراع

صرح فلاديمير زيلينسكي ردا على سؤال حول شرعيته في مقابلة مع الصحفي البريطاني بيرس مورغان، بأن الانتخابات في أوكرانيا لن تجرى إلا بعد انتهاء المرحلة الساخنة من الصراع.

 

ولفت مورغان خلال المقابلة إلى أن روسيا تشير إلى عدم شرعية زيلينسكي، كما تأتي الدعوات لإجراء انتخابات أيضا من الولايات المتحدة.

وقال زيلينسكي: "لقد قلت دائما إنني منفتح على أي انتخابات. ولكن لا يمكن أن تكون هناك انتخابات أثناء الحرب. يجب تغيير الدستور.. ستنتهي المرحلة الساخنة، وسينتهي الحكم العسكري، ثم ستُعقد الانتخابات"، مشيرا إلى أنه "إذا انتهت الأحكام العرفية الآن فإن معظم أفراد الجيش سيعودون إلى بيوتهم وعائلاتهم".

 

وفي وقت سابق، قال المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص إلى أوكرانيا كيث كيلوغ، إن واشنطن تريد إجراء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية قبل نهاية العام الجاري، خاصة إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع روسيا.

 

ومن جانبه، قال النائب في البرلمان الأوكراني "رادا" ألكسندر دوبينسكي إن الانتخابات الرئاسية الأوكرانية ستكون "كابوسا" يثقل رأس نظام كييف فلاديمير زيلينسكي.

 

وكانت وكالة "رويترز" قد أشارت في وقت سابق إلى أن فريق ترامب يجري مشاورات حول آليات إقناع كييف بتنظيم انتخابات رئاسية كجزء من هدنة محتملة مع روسيا.

 

تجدر الإشارة إلى أن ولاية زيلينسكي الدستورية انتهت في 20 مايو 2024، غير أن الانتخابات الرئاسية لم تُجرَ، ويبرر عدم إجرائها بظروف الحرب والأحكام العرفية، وقد صرح زيلينسكي بأن تنظيم الانتخابات في هذه المرحلة "ليس في أوانه".

 

من جانبه، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن البرلمان الأوكراني ورئيسه يمثلان السلطة الشرعية الوحيدة المتبقية في البلاد.

 

وأكد أنه إذا كانت أوكرانيا تسعى إلى إجراء انتخابات رئاسية بصورة قانونية، فعليها أولا إلغاء قانون الأحكام العرفية، مشيرا إلى أن استمرار العمل بهذا القانون يتيح تمديد ولاية الرئيس، وفقا لما ينص عليه الدستور الأوكراني.

مقالات مشابهة

  • ترامب يتحرك نحو أوكرانيا: محادثات مع زيلينسكي ومبعوث خاص إلى كييف قريبًا
  • “سي إن إن”: ترامب وبوتين لن يأخذا زيلينسكي في الاعتبار خلال المفاوضات حول أوكرانيا
  • "سي إن إن": ترامب وبوتين لن يأخذا زيلينسكي في الاعتبار خلال المفاوضات
  • إشارات إيجابية.. روسيا تتجاوب مع خيارات أمريكية لإنهاء حرب أوكرانيا
  • أوكرانيا تتهم روسيا بتنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة على كييف وسومي
  • أول تواصل بين ترمب وبوتين بشأن إنهاء حرب أوكرانيا
  • خطة ترامب لوقف حرب أوكرانيا.. زيلينسكي يطالب بضمانات أمنية
  • زيلينسكي: العقوبات الشاملة ضد روسيا وضمانات الأمن ضرورية لإنهاء الحرب بسرعة
  • زيلينسكي: تجميد الحرب يمنح روسيا فرصة لاستغلال معادن أوكرانيا لشن هجوم جديد