موقع النيلين:
2025-04-17@10:52:11 GMT

جمهورية الكدمول: للافتراس نهج (2-2)

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

جمهورية الكدمول: للافتراس نهج (2-2)
عبد الله علي إبراهيم
ملخص
جاء كتاب “جمهورية الكدمول” لخطاب الحرب بتحليل اقتصادي اجتماعي هو من الفرائض الغائبة في خطاب الحرب عندنا. فلا تجد أحداً من بين الصفوة على ضفتي الحرب من استصحب علم الاقتصاد والمجتمع في فهمها. فـ”الدعم السريع” في تحليلهم حال سياسية عسكرية بحتة في طلاق بيِّن مع اقتصادها وديناميكيته.

فحتى الحزب الشيوعي، الذي في عقيدته أن الاقتصاد محرك التاريخ، لا يرى منه سوى الوجه العسكري السياسي، بينما يمزج الباحثون غيرنا اقتصاده وسياسته وعسكريته مزجاً. فمنظمة “غلوبال وتنس” وصفته بـ”المركب الصناعي الميليشياوي” وسماه المتخصص في علم السودان ألكس دي وال بـ”شركة الارتزاق الخاصة العابرة للأمم”.
صدر خلال شهر يناير الماضي كتيب بعنوان “جمهورية الكدمول” (غطاء رأس أفراد ’الدعم السريع‘) من وضع جشوا كريز ورجاء مكاوي من هيئة مسح الأسلحة الصغيرة في سلسلة تقاريرها حول التقديرات المبدئية للأمن الإنساني. وعززه فريق من المراسلين من داخل السودان المغيبين اسماً ممن قاموا بالبحث الذي من ورائه. فدرس التقرير لدراسة الآليات الاقتصادية التي يدير بها “الدعم السريع” المدن التي احتلها. وسمى اقتصادها، لجهة توحشه من حيث تحول القادة العسكريين أنفسهم إلى مستثمرين، بالاقتصاد السياسي الافتراسي لقيامه على النهب، والفدية عن الرهائن ومنهوب المال، والإثقال في الضريبة.
ويثير هذا الاقتصاد الافتراسي الذي كشف عنه “جمهورية الكدمول” مسألتين شاغلتين. فالمسألة الأولى هي المنهج حيال جماعات من المتعاونين مع “الدعم السريع” خلال احتلاله أحيائهم لنحو عامين. فجنح المتضررون منهم إلى أخذ القانون بيدهم بعد اقتلاع الجيش لـ”الدعم السريع” من أحيائهم والثأر لأنفسهم منهم. وحذرت الدولة، التي تستعيد آلتها حيث وجدت القوات المسلحة بصعوبة، دون هذا الانفلات، ودعت لإحالة المتهم بالتعاون إلى الحكومة.
وقد نحتاج للوعي الأمثل بهذا التعاون المنكر مع “الدعم السريع” برده إلى اقتصاد التنمر السياسي الذي كشف عنه تقرير “جمهورية الكدمول”، فنرى منه أن “التعاون” لم يكن خياراً للمتعاونين بل كان كرهاً لهم. فأقام “الدعم السريع” من فوق أنقاض الاقتصاد الذي هدمه شبكات عمالة جعلت ألا مناص لمن وقعوا تحت حكمه من السكان المفقرين من الاندماج فيها كلياً. فصار عليهم أن يتعاملوا في نطاق هذا الاقتصاد القائم في النهب الافتراسي كمنتجين إما خوفاً أو للحاجة لدخل. ففرض “الدعم” على بعضهم التجنيد إكراهاً وبسلاح التجويع. فانتمى إليه من الناس من خلا طرفه من المدخرات وانقطع معاشه، لو كان من أربابه، لـ”الدعم” لحماية نفسه أو أسرته في غيبة أي نظام بديل للعمل.
فاندماج الحرب في السوق، التي صارت الدولة ومجتمع الموارد، أغرى بالارتزاق كالخدمة الوحيدة المعروضة في هذه السوق. فالمخبر لـ”الدعم” عن العدو يصدق له “الدعم” بكشك لتجارته الصغيرة أو درداقة (لنقل البضائع في الأسواق)، ثم هناك العمال الذين يرشدون إلى بيوت أهل المال ولهم من الغنيمة نصيب، وهناك طبقة الحرامية الموكول لهم بنهب البيوت. وظهرت النعمة على كثير من الأسر التي خدمت في هذه الأشغال مع “الدعم السريع”. وهكذا تخلصت إدارة “الدعم السريع” بالدفع عيناً من نظم المواهي.
وأثار كتاب “جمهورية الكدمول”، ناظراً إلى الاقتصاد الافتراسي لـ”الدعم السريع”، سؤالاً حول إن كان بوسعه الالتزام باتفاق للسلام ينعقد معه في هذه الحرب. فمع تكلف آل دقلو بأجور جنود “الدعم السريع”، في قول الكتاب، إلا أن النهب هو المصدر الأكبر لدخول منتسبيه مع ذلك. فالنهب في “الدعم السريع”، واصل الكتاب قائلاً، ليس حدثاً عارضاً من أعراض الحرب بل مكون ضروري لنظام الأجور في “الدعم السريع”. ولا يغرنك، في رأي الكتاب، قولهم إنما ينهبون مال دولة 56 الحلال على الهامش، فالنهب طاول مدن الهامش أيضاً مثل نيالا وزالنجي في ولاية دارفور.
وخلص الكتاب إلى أنه إذا كان النهب عصب اقتصاد “الدعم السريع” فالتوسع في الحرب وحده هو ما يكفل لهم تدفق المال لملاقاة أجورهم. وربما كان مصداق هذا في الاقتران أخيراً بين شكاوى من أفراد من “الدعم السريع” عن عدم قبضهم رواتبهم لشهور على فيديوهات منشورة، مع نداءات منهم لحميدتي لفك اللجام والأمر بـ”فتح” ولايات النيل والشمالية. وكأنهم يريدون حقولاً بكراً لتغنيمها بعد تجفيفهم لموارد الخرطوم والجزيرة. فـ”الدعم السريع” في قول الكتاب، في حال مقيم من الأزمة ودائماً ما كان في حاجة إلى إقليم جديد لغزوه. ويظل يخيم عليه شبح تداعي مكوناته إذا لم يجدد حقول افتراسه. وقال الكتاب إن “طبيعة الوحش” هذه إحدى المخاوف من استدامة أي وقف نار أو سلام ينعقد.
جاء الكتاب لخطاب الحرب بتحليل اقتصادي اجتماعي هو من الفرائض الغائبة في خطاب الحرب عندنا. فلا تجد أحداً من بين الصفوة على ضفتي الحرب من استصحب علم الاقتصاد والمجتمع في فهمها. فـ”الدعم السريع” في تحليلهم حال سياسية عسكرية بحتة في طلاق بيِّن مع اقتصادها وديناميكيته. فحتى الحزب الشيوعي الذي في عقيدته أن الاقتصاد محرك التاريخ لا يرى منه سوى الوجه العسكري السياسي. خلافاً لهذا يمزج الباحثون غيرنا اقتصاده وسياسته وعسكريته مزجاً. فمنظمة “غلوبال وتنس” وصفته بـ”المركب الصناعي الميليشياوي” وسماه المتخصص في علم السودان ألكس دي وال بـ”شركة الارتزاق الخاصة العابرة للأمم”.
ولن نبعد النجعة إن قلنا إن الطلاق بين اقتصاد “الدعم” وعسكريته في سياسات قوى الحرية والتغيير (قحت) هي التي قادت إلى هذه الحرب. فقررت “قحت” في سياق الإصلاح الأمني والعسكري في الاتفاق الإطاري (يناير 2023) دمج “الدعم السريع” في الجيش. وهذه غفلة كبرى لأن ثروة حميدتي التي رأينا شبكاتها قيد المقاطعة الأميركية كانت ستذهب أدراج الريح بغير أن يكون زمام “الدعم السريع” بيده لا الجيش. فـ”الدعم السريع” هو الجن حارس الكنز، بل واشتطت “قحت” فوق ذلك كله وحظرت على “الدعم السريع” كميليشيات حتى إن يطرق أبواب المال والأعمال. وظنت “قحت” توقيع حميدتي على الإطاري كسباً ولم تفطن إلى أنه حين قال لها إنه سيدمج دعمه السريع في الجيش بعد 20 عاماً فكأنه قال لها سودانياً “تلقوها عند الغافل”. وقال كاتب إن “قحت” لم تعط الإطاري نيرات فكرها فوضعت قوتين مسلحتين رئيستين في طريق وعر انتهى بحرب.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فـ الدعم السریع لـ الدعم

إقرأ أيضاً:

500 قتيل ومصاب في هجمات قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للاجئين بدارفور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

كشفت تقديرات أولية، الإثنين، عن سقوط نحو 500 قتيل ومصاب جراء هجمات شنتها قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للاجئين، الواقع جنوب مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، غربي السودان، بحسب ما أوردته قناة "القاهرة الإخبارية".

وتأتي هذه التطورات وسط تصاعد وتيرة العنف في الإقليم المضطرب، حيث يشهد نزاعًا مسلحًا متواصلًا بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، مما يزيد من معاناة المدنيين، لا سيما النازحين في المخيمات.

ولم تصدر بعد حصيلة رسمية من الجهات الحكومية أو منظمات الإغاثة بشأن عدد الضحايا، وسط مخاوف من ارتفاع الأعداد في ظل استمرار القصف وصعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة.

وتواجه مخيمات اللاجئين في دارفور ظروفًا إنسانية بالغة الصعوبة، في ظل نقص حاد في الغذاء والدواء، وغياب الأمن، وسط تحذيرات أممية من تفاقم الأوضاع إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي يضع حدًا للصراع المستمر.

مقالات مشابهة

  • الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟
  • شهادات حية يرويها المتضررون.. كارثة إنسانية فى السودان بعد عامين على الحرب.. ميليشيات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية ضد مجتمع المساليت فى دارفور
  • قوات الدعم السريع تعلن قيام حكومة موازية في السودان مع دخول الحرب عامها الثالث  
  • ما الذي يحدث في مدينة الفاشر وما حولها؟
  • الجيش السوداني: نفذنا ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات الدعم السريع
  • والي الخرطوم يتحدث عن نسبة تواجد قوات الدعم السريع في العاصمة
  • الأمم المتحدة تحقق في مقتل 400 على يد قوات الدعم السريع بدارفور
  • 500 قتيل ومصاب في هجمات قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للاجئين بدارفور
  • الفاشر في مرمى نيران قوات الدعم السريع.. تفاصيل
  • الأمم المتحدة: 400 قتيل على يد قوات الدعم السريع في دارفور