عربي21:
2025-02-11@11:13:07 GMT

هل يُعاد إنتاج نكبة عام 1948؟

تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT

يقينا أن تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية ليس لحظة جامحة أو شاردة، على طريقة ترامب عندما يضرب في اليمين وفي اليسار، من دون تركيز، بل يمكن اعتبارها نفقا سياسيا له سياقه وله ديناميته وله الآن البوصلة أيضا. المثير في الأمر أنه لم يكمل أسبوعه الأول في البيت الأبيض، وبدأ يخطط لهذا المشروع الذي يبدو واضحا أن فيه مفارقتين، المفارقة الأولى أنه كان من الأجدى به أن يحاول حماية اتفاق الهدنة بين إسرائيل ولبنان وتطبيق القرار 1701، لكنه بدلا من ذلك تجاهل الجبهة الشمالية، وراح يُركّز على قطاع غزة.



أما المفارقة الثانية فهي عندما كان يجري انتقاد حكومة بايدن على اعتبار أنها لم تتحرك باتجاه وقف المجزرة في قطاع غزة، كانت الأنظار تترقب أن أقسى ما سيدفع به ترامب هو التركيز على الرياض، وعواصم خليجية أخرى، من أجل الانضمام إلى ما يسمى (الاتفاقات الإبراهيمية) وتوسيع التطبيع مع إسرائيل.

لكن يبدو هو الآن فقط يريد ان يُظهر لليمين الأمريكي ولليمين الإسرائيلي، بأنه أكثر يمينية من نتنياهو، وأكثر يمينية من بن غفير، بل إن تصريحه بأنه سيضغط على القاهرة لاستقبال الفلسطينيين في سيناء، وعلى الأردن لاستقبال الفلسطينيين من الضفة الغربية، هو إعادة إنتاج نكبة جديدة في القرن الحادي والعشرين، يرميها الآن ويجس بها نبض المعنيين من العرب.

لكنها بالتأكيد ليست لحظة عفوية، بل هي خطة مدروسة منذ عدة أشهر، وقد نجد قرينة عضوية بين موقف ترامب الآن، وما قاله نتنياهو في ديسمبر/ كانون الأول عام 2023، إن هدفه الأول هو إبعاد الفلسطينيين من غزة باتجاه سيناء، أو إركابهم في القوارب من شرق المتوسط نحو أوروبا، إذن السياسة الترامبية تُكمل خطوة نتنياهو التي سمعناها قبل أكثر من عام.

إن ما يلفت الأنظار حقا هو أن ترامب يتحدث عن مصر والأردن، وكأنهما الطرفان الوحيدان في المعادلة الفلسطينية، بينما هناك طرف ثالث وأساسي هو الطرف الفلسطيني، الذي لا يعيره ترامب أي اهتمام، إن كان الفلسطينيون يقبلون أو يرفضون النكبة الجديدة التي يخطط لها. والسبب هو أنه ينطلق في حقيقة الأمر من أن ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هو بمثابة الإسفين الأخير في نعش القضية الفلسطينية، فلا حديث بعد اليوم عن «أونروا»، ولا عن شعب فلسطيني تحت الاحتلال، ولا عن شرعية دولية.

هو يعتقد أنهم انتهوا بالهدنة الأخيرة في غزة، من كل القضية الفلسطينية، ومن أي صوت يدعو إلى حل الدولتين، أو من يُطالب واشنطن بأن تكون راعية سلام في الشرق الأوسط. وهذا على النقيض تماما من أيام الرئيسين الأسبقين جيمي كارتر وبيل كلينتون، لماذا؟ لأن ترامب يتحدى نفسه شخصيا ويتحدى اليمينيين في الولايات المتحدة، وحتى اليمين في إسرائيل، بأنه يستطيع أن يذهب إلى مسافة أبعد من بن غفير ومن سموتريتش، اللذين يمثلان رأس الحربة في اليمين المتطرف الإسرائيلي، وبذلك نصبح الآن أمام طرح متطرف جدا، كما فعل في ولايته الأولى، حين قام بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، وبسط يد نتنياهو على كل ما يريد تحقيقه.

السؤال الآن هو كيف سيجبر ترامب القاهرة وعمّان على القبول بهذا الذي يريده الآن؟ والجواب هو أن في السياسة ضغوط، وهناك عمليات ترغيب وترهيب، وربما يُلوّح ترامب بالخطاب نفسه الذي حدث في مؤتمر المنامة قبل عدة سنوات، هل تذكرون عندما كان صهره كوشنر هو سفيره للنوايا السيئة، وأرسله يُروّج للحل الاقتصادي للفلسطينيين، مقابل التخلي عن الأرض والوطن. لكن ما هو الموقف الأردني والموقف المصري؟

بالنسبة للأردن فقد اختصر وزير الخارجية الموقف الرسمي للمملكة بالقول (إن حل القضية الفلسطينية هي في فلسطين، وإن الأردن للأردنيين، وإن فلسطين للفلسطينيين، وإننا كلنا نريد تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة). ويبدو أن عمّان لم تتفاجأ بتصريحات ترامب، حيث إن الخطة الدولية حول فلسطين لا يمكن تنفيذها من دون الأردن، وهو يرفض أن يكون وطنا بديلا.

كما أن عمّان تعتقد أن هذا الموضوع اتفاق مسبق وليس تصريحا، وقد حاول جو بايدن الرئيس الأمريكي السابق العمل عليه بصمت، لكنه فشل في تهجير الغزاويين، وإن التصريح به اليوم من قبل ترامب عائد الى شخصيته الصدامية، وما رفعه العقوبات عن المستوطنين، إلا بمثابة الضوء الأخضر لموضوع التهجير من الضفة الغربية. وبالنسبة للأردن فإن موضوع الضفة الغربية مقلق جدا، ومع ذلك يعتقد الأردن أن مضمون تصريح ترامب ليس منطقيا وليس واقعيا، لأنه من خلال الحرب لم ينجحوا في التهجير، فكيف من خلال التهدئة، يمكن أن ينتقل أكثر من مليون إنسان إلى دولة أخرى؟

أما في موضوع الموقف المصري فهم يقولون، إن القاهرة قادرة على استيعاب أي ضغوط تُمارس من قبل الولايات المتحدة عليها، أو حتى من قبل أية قوة دولية أخرى، في ما يخص مسائل تمس مصالحها الوطنية، أو تهديدات لأمنها القومي. ويضربون مثلا على ذلك بالقول، إن القاهرة استطاعت أن تُفشل بشكل ناعم كل الأفكار والدعوات التي انطلقت خلال إدارة ترامب الأولى، على شاكلة صفقة القرن أو الناتو العربي، الذي طُرح لمواجهة إيران، ولم تنظم القاهرة إلى أي منها، رغم قبولها من بعض الدول العربية ثم فشلت ولم يتم تطبيقها.

ومن ذلك الموقف هم ينطلقون للتأكيد على أن مصير الأفكار والمقترحات من جانب ترامب اليوم، سوف تلقى مصير تلك المقترحات نفسه. لكن القاهرة اليوم تتريث كثيرا ولا تريد الدخول في مواجهة أو مناكفة سياسية مع إدارة ترامب، لإنها ترى السياسة هي القدرة على الأخذ والرد، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن القبول بمسألة تهجير الفلسطينيين، لإن قبول دول الجوار بذلك معناه قبولهم تصفية القضية الفلسطينية.

لكن في التحليل السياسي لا يمكن أن يستقيم ما حدث قبل العشرين من يناير/كانون الثاني في الولايات المتحدة مع ما بعد هذا التاريخ، فكل القرارات ما قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض كانت ضمن أيام ديمقراطية بايدن، أما الآن فالوضع مختلف. فترامب رمى الكُرة في ملعبي القاهرة وعمّان، ثم ستدور المناورات وسيتجه المبعوث الأمريكي، ويتم تحفيز دبلوماسية الهواتف، وربما يسعى إلى تليين موقف القاهرة وعمّان، بحيث إن سكان غزة يُنقلون إلى سيناء المصرية، وسكان الضفة الغربية يُنقلون الى الأردن، وبذلك تتم إعادة إنتاج نكبة عام 1948، حينها سنكون أمام واقعة فيها المُبتدأ والخبر واضحين جدا.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب مصر الاحتلال التهجير مصر الاردن الاحتلال التهجير ترامب مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الضفة الغربیة

إقرأ أيضاً:

كيف ينظر الليبراليون لمخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين؟.. الامبريالية "الشرسة" تهديد للمبادئ الليبرالية وللحضارة الإنسانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فاجأ الرئيس ترامب كلًا من المعجبين والمنتقدين عندما قال الثلاثاء الماضي إن الولايات المتحدة يجب أن "تتولى" غزة "على المدى الطويل" وأن الفلسطينيين البالغ عددهم 2.2 مليون عليهم أن يغادروا إلى مصر والأردن أو مواقع غير محددة. ومن الواضح أن هذا المخطط المجنون أثلج صدور غلاة الصهيونية واليمين الإسرائيلي المتطرف، بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير اللذين اعترضا من قبل على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

المخطط الترامبي يتجاوز في خطورة أبعاده النهج الإمبريالي للدول الاستعمارية في القرن التاسع عشر إلى النهج ما بعد الاستعماري وما بعد الاستيطاني، أي الإجلائي والإحلالي، الذي يستهدف طرد أبناء القطاع واستثماره في إطار اقتصادي ونهب ثرواته في البحر المتوسط، متجاهلًا حقيقة أن قطاع غزة ليس قطعة أرض يمكن لـ"مقاول" الاستيلاء عليها، واستغلالها في سياق الاستثمار العقاري، بل قلب نابض بالحياة في وطن مقدس يملأ اسمه سمع وبصر العالم أجمع وأن هذا القطاع عنوان بارز للهوية الوطنية الفلسطينية، التي ترتبط بالهوية العربية الجامعة للأبعاد الوطنية والقومية في ذات الوقت.  

ولوضع مخطط ترامب في سياق ما يدور في العالم الآن لابد من الذهاب إلى أبعد من المشهد العربي وفحص المشهد الدولي وردود أفعال المفكرين وصانعي السياسات، خاصةً المدافعين عن الليبرالية الغربية. ومن الملاحظ في هذا السياق عودة مصطلح الامبريالية حاليا حتى لدى بعض من كانوا يدافعون عنها في الغرب. لقد كان مصطلحا مرفوضا وكريها لدى الليبراليين، وحتى النيوليبراليين، لارتباطه بزعماء عارضوا سيطرة الدول الكبرى على الشعوب والموارد، أمثال عبد الناصر وقيادات أخرى ضمن حركة عدم الانحياز. وظل المصطلح مستخدما في أدبيات اليسار الماركسي والقومي. لكن عاد بقوة الآن ومنذ وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض، وهي عودة تذكر بما كان دائرا حول هزيمة الامبريالية في حرب فيتنام، وأصبح مفكرون وسياسيون من قلب المعسكر الليبرالي، يدعون إلى "ثورة" تصحيحية للنظام الدولي الليبرالي المتأزم وإنهاء الدور الأمريكي المتزعم لهذا النظام. 

ويرون أن الأمر لن يقف عند المشروع الإحلالي للفلسطينيين في الشرق الأوسط ولكن خطط ترامب المتعطشة للسيطرة سوف تنتقل سريعا نحو قضايا عديدة كالتجارة، والتحالفات، والقانون الدولي، والبيئة، وحقوق الإنسان والديمقراطية، وغيرها من القضايا الجوهرية. 

وقد جاء الرد على مخطط ترامب بالرفض القاطع من قبل الحكومتين الأردنية والمصرية، ومن قبل اللجنة الوزارية الخماسية التي عقدت في القاهرة مطلع فبراير الجاري، وضمت وزراء خارجية السعودية، ومصر، والأردن، والإمارات، وقطر، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام للجامعة العربية. وجاء الموقف قويا وخطوة في الاتجاه الوطني الصحيح، داعما للرفض الرسمي والشعبي، الأردني والمصري، لنهج التهجير والإحلال.

وتثير خطط ترامب سؤالًا في الأوساط الغربية: هل يريد المواجهة مع الدول العربية بشأن الترحيل القسري للفلسطينيين، أم يريد الاستقرار الإقليمي من خلال الدبلوماسية؟

يقول صانعو السياسات والقرار الأمريكي الذين يبحثون عن مبررات لخطط ترامب إنه يبحث عن تعزيز النفوذ الأمريكي الدولي حيث أنه يستوجب في القرن الواحد والعشرين السيطرة على ممرات التجارة. كان مفكرو العلاقات الدولية يرفضون لعقود "الجغرافيا" باعتبارها عفا عليها الزمن، مفترضين أن العولمة قد أطرت العالم. ومع ذلك، مازالت الجبال والصحاري والبحار مناطق استراتيجية فاعلة في تعطيل التجارة والتأثير على الاقتصاد. وفي نفس هذا الإطار يبدي ترامب اهتمامه بجرينلاند كموقع استراتيجي على الطريق التجاري الناشئ في المحيط المتجمد الشمالي، كما يريد السيطرة على قناة بنما ونقاط التفتيش البحرية الرئيسية. ويتبع نفس النهج في الشرق الأوسط لتأمين الممرات التجارية من المنافسين مثل إيران وروسيا. ولهذا السبب يشكل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أهمية مركزية في رؤيته، كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ولسحب الهند نحو أمريكا بعيدا عن الكتلة الاقتصادية الصينية الروسية. بالنسبة لحماس وإيران، يشكل ذلك الممر الاقتصادي تهديدا وجوديا. ورأت حماس أن ذلك يؤدي إلى تعجيل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وتقويض قضيتها.

لكن معارضو الرؤية الترامبية الغربيون يحذرون من كونها تؤشر إلى تحوّل خطير في النظام العالمي يهدد التجارة الحرّة التعدّدية، والتعاون الأمني ويفسح المجال لهيمنة أمريكية منفردة على النظام العالمي مع انحسار سريع للحقبة الأنجلو-أمريكية التي كانت تجمع الغرب (أمريكا وأوروبا) في معسكر واحد؛ يعني أن النظام الليبرالي الدولي أصبح مهددا أكثر من أي وقت مضى من داخله، والمتضرر لن يكون الفلسطينيون والعرب بل الدول والشعوب الغربية؛ لذلك، تعلو أصوات الليبراليين الآن بضرورة الوقوف في وجه مخططات ترامب ومساندة الموقف العربي والفلسطيني مع التشديد على إعادة صياغة مسؤوليات النظام الليبرالي تجاه القضايا المصيرية بعد أن أصبحت أمريكا تبحث عن فناء نشط وتوسيع سيطرتها واستمالة حلفاء جدد لمخططاتها. 

تلك معالم المشهد الدولي الآن، وخاصة في أوروبا -معقل الرؤية الليبرالية-التي تشدد على ضرورة الوقوف ضد مخططات ترامب في الشرق الأوسط ومناطق العالم لحماية الفكرة الجوهرية للديمقراطية المبنية -في نظرهم- على أسس تقدمية تعزز جهود الاستقرار والتعاون الاقتصادي والنزعة التكافلية في وجه الامبريالية الأمريكية "الشرسة" وتهديداتها للمبادئ الليبرالية العالمية وللحضارة الإنسانية بشكل عام لمنع "هشاشة" حداثة القرن الواحد والعشرين وحروب محتملة تنذر باستخدام أسلحة الدمار الشامل ودمار البيئة والأوبئة الصحية وكوارث إنسانية لا حدود لها.

مقالات مشابهة

  • تقدير إسرائيلي: تصريحات ترامب حول تهجير الفلسطينيين من غزة منسقة مع نتنياهو
  • أردوغان ردا على ترامب: لا يمكن لأحد في العالم تهجير الفلسطينيين
  • أردوغان: لا يمكن لأحد دفع الشعب الفلسطيني اتجاه نكبة تهجير جديدة
  • أردوغان: لا يمكن لأحد أن يدفع الشعب الفلسطيني باتجاه نكبة تهجير جديدة
  • «أردوغان»: لا يمكن لأحد دفع الشعب الفلسطيني باتجاه نكبة تهجير جديدة
  • الرئيس التركي: لا يمكن لأحد دفع الشعب الفلسطيني باتجاه نكبة تهجير جديدة
  • أردوغان: لا يمكن لأحد دفع الشعب الفلسطيني باتجاه نكبة تهجير جديدة
  • كيف ينظر الليبراليون لمخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين؟.. الامبريالية "الشرسة" تهديد للمبادئ الليبرالية وللحضارة الإنسانية
  • الدمار يلاحق الفلسطينيين.. ماذا يحدث في الضفة الغربية الآن؟ (فيديو)