يقينا أن تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية ليس لحظة جامحة أو شاردة، على طريقة ترامب عندما يضرب في اليمين وفي اليسار، من دون تركيز، بل يمكن اعتبارها نفقا سياسيا له سياقه وله ديناميته وله الآن البوصلة أيضا. المثير في الأمر أنه لم يكمل أسبوعه الأول في البيت الأبيض، وبدأ يخطط لهذا المشروع الذي يبدو واضحا أن فيه مفارقتين، المفارقة الأولى أنه كان من الأجدى به أن يحاول حماية اتفاق الهدنة بين إسرائيل ولبنان وتطبيق القرار 1701، لكنه بدلا من ذلك تجاهل الجبهة الشمالية، وراح يُركّز على قطاع غزة.
أما المفارقة الثانية فهي عندما كان يجري انتقاد حكومة بايدن على اعتبار أنها لم تتحرك باتجاه وقف المجزرة في قطاع غزة، كانت الأنظار تترقب أن أقسى ما سيدفع به ترامب هو التركيز على الرياض، وعواصم خليجية أخرى، من أجل الانضمام إلى ما يسمى (الاتفاقات الإبراهيمية) وتوسيع التطبيع مع إسرائيل.
لكن يبدو هو الآن فقط يريد ان يُظهر لليمين الأمريكي ولليمين الإسرائيلي، بأنه أكثر يمينية من نتنياهو، وأكثر يمينية من بن غفير، بل إن تصريحه بأنه سيضغط على القاهرة لاستقبال الفلسطينيين في سيناء، وعلى الأردن لاستقبال الفلسطينيين من الضفة الغربية، هو إعادة إنتاج نكبة جديدة في القرن الحادي والعشرين، يرميها الآن ويجس بها نبض المعنيين من العرب.
لكنها بالتأكيد ليست لحظة عفوية، بل هي خطة مدروسة منذ عدة أشهر، وقد نجد قرينة عضوية بين موقف ترامب الآن، وما قاله نتنياهو في ديسمبر/ كانون الأول عام 2023، إن هدفه الأول هو إبعاد الفلسطينيين من غزة باتجاه سيناء، أو إركابهم في القوارب من شرق المتوسط نحو أوروبا، إذن السياسة الترامبية تُكمل خطوة نتنياهو التي سمعناها قبل أكثر من عام.
إن ما يلفت الأنظار حقا هو أن ترامب يتحدث عن مصر والأردن، وكأنهما الطرفان الوحيدان في المعادلة الفلسطينية، بينما هناك طرف ثالث وأساسي هو الطرف الفلسطيني، الذي لا يعيره ترامب أي اهتمام، إن كان الفلسطينيون يقبلون أو يرفضون النكبة الجديدة التي يخطط لها. والسبب هو أنه ينطلق في حقيقة الأمر من أن ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هو بمثابة الإسفين الأخير في نعش القضية الفلسطينية، فلا حديث بعد اليوم عن «أونروا»، ولا عن شعب فلسطيني تحت الاحتلال، ولا عن شرعية دولية.
هو يعتقد أنهم انتهوا بالهدنة الأخيرة في غزة، من كل القضية الفلسطينية، ومن أي صوت يدعو إلى حل الدولتين، أو من يُطالب واشنطن بأن تكون راعية سلام في الشرق الأوسط. وهذا على النقيض تماما من أيام الرئيسين الأسبقين جيمي كارتر وبيل كلينتون، لماذا؟ لأن ترامب يتحدى نفسه شخصيا ويتحدى اليمينيين في الولايات المتحدة، وحتى اليمين في إسرائيل، بأنه يستطيع أن يذهب إلى مسافة أبعد من بن غفير ومن سموتريتش، اللذين يمثلان رأس الحربة في اليمين المتطرف الإسرائيلي، وبذلك نصبح الآن أمام طرح متطرف جدا، كما فعل في ولايته الأولى، حين قام بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، وبسط يد نتنياهو على كل ما يريد تحقيقه.
السؤال الآن هو كيف سيجبر ترامب القاهرة وعمّان على القبول بهذا الذي يريده الآن؟ والجواب هو أن في السياسة ضغوط، وهناك عمليات ترغيب وترهيب، وربما يُلوّح ترامب بالخطاب نفسه الذي حدث في مؤتمر المنامة قبل عدة سنوات، هل تذكرون عندما كان صهره كوشنر هو سفيره للنوايا السيئة، وأرسله يُروّج للحل الاقتصادي للفلسطينيين، مقابل التخلي عن الأرض والوطن. لكن ما هو الموقف الأردني والموقف المصري؟
بالنسبة للأردن فقد اختصر وزير الخارجية الموقف الرسمي للمملكة بالقول (إن حل القضية الفلسطينية هي في فلسطين، وإن الأردن للأردنيين، وإن فلسطين للفلسطينيين، وإننا كلنا نريد تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة). ويبدو أن عمّان لم تتفاجأ بتصريحات ترامب، حيث إن الخطة الدولية حول فلسطين لا يمكن تنفيذها من دون الأردن، وهو يرفض أن يكون وطنا بديلا.
كما أن عمّان تعتقد أن هذا الموضوع اتفاق مسبق وليس تصريحا، وقد حاول جو بايدن الرئيس الأمريكي السابق العمل عليه بصمت، لكنه فشل في تهجير الغزاويين، وإن التصريح به اليوم من قبل ترامب عائد الى شخصيته الصدامية، وما رفعه العقوبات عن المستوطنين، إلا بمثابة الضوء الأخضر لموضوع التهجير من الضفة الغربية. وبالنسبة للأردن فإن موضوع الضفة الغربية مقلق جدا، ومع ذلك يعتقد الأردن أن مضمون تصريح ترامب ليس منطقيا وليس واقعيا، لأنه من خلال الحرب لم ينجحوا في التهجير، فكيف من خلال التهدئة، يمكن أن ينتقل أكثر من مليون إنسان إلى دولة أخرى؟
أما في موضوع الموقف المصري فهم يقولون، إن القاهرة قادرة على استيعاب أي ضغوط تُمارس من قبل الولايات المتحدة عليها، أو حتى من قبل أية قوة دولية أخرى، في ما يخص مسائل تمس مصالحها الوطنية، أو تهديدات لأمنها القومي. ويضربون مثلا على ذلك بالقول، إن القاهرة استطاعت أن تُفشل بشكل ناعم كل الأفكار والدعوات التي انطلقت خلال إدارة ترامب الأولى، على شاكلة صفقة القرن أو الناتو العربي، الذي طُرح لمواجهة إيران، ولم تنظم القاهرة إلى أي منها، رغم قبولها من بعض الدول العربية ثم فشلت ولم يتم تطبيقها.
ومن ذلك الموقف هم ينطلقون للتأكيد على أن مصير الأفكار والمقترحات من جانب ترامب اليوم، سوف تلقى مصير تلك المقترحات نفسه. لكن القاهرة اليوم تتريث كثيرا ولا تريد الدخول في مواجهة أو مناكفة سياسية مع إدارة ترامب، لإنها ترى السياسة هي القدرة على الأخذ والرد، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن القبول بمسألة تهجير الفلسطينيين، لإن قبول دول الجوار بذلك معناه قبولهم تصفية القضية الفلسطينية.
لكن في التحليل السياسي لا يمكن أن يستقيم ما حدث قبل العشرين من يناير/كانون الثاني في الولايات المتحدة مع ما بعد هذا التاريخ، فكل القرارات ما قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض كانت ضمن أيام ديمقراطية بايدن، أما الآن فالوضع مختلف. فترامب رمى الكُرة في ملعبي القاهرة وعمّان، ثم ستدور المناورات وسيتجه المبعوث الأمريكي، ويتم تحفيز دبلوماسية الهواتف، وربما يسعى إلى تليين موقف القاهرة وعمّان، بحيث إن سكان غزة يُنقلون إلى سيناء المصرية، وسكان الضفة الغربية يُنقلون الى الأردن، وبذلك تتم إعادة إنتاج نكبة عام 1948، حينها سنكون أمام واقعة فيها المُبتدأ والخبر واضحين جدا.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب مصر الاحتلال التهجير مصر الاردن الاحتلال التهجير ترامب مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الضفة الغربیة
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن التخلص من الكربون؟ دفنه قد يكون حلا
تشير الدراسات إلى أنه ينبغي خفض انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي بنسبة تراوح بين 80 و90% لتحقيق الاستقرار المناخي، ومع ذلك ستبقى خطورة مليارات الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون -التي ينبغي إزالتها من الغلاف الجوي سنويا حتى 2050- هي ما يستوجب حلولا خلاقة.
ويعد التخفيض من ثاني أكسيد الكربون مصدر قلق بالغ لمن يسعون إلى مناخ مستقر على الكوكب، وإذا كان ذلك متاحا عبر التخفيض في مصدر الانبعاثات والأنشطة البشرية والعوامل الطبيعية، فتبرز محاولات أخرى من بينها امتصاص الكربون ودفنه تحت سطح الأرض.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4ما غازات الدفيئة؟ وكيف تغير المناخ على الكوكب؟list 2 of 4"احتكار الغلاف الجوي".. ما ديون المناخ؟ وبكم تقدر؟list 3 of 4هل تصبح جبال الأرض مصدرا لوقود المستقبل؟list 4 of 4منكرو تغير المناخ يروجون دراسة أنجزها ذكاء اصطناعي تابع لإيلون ماسكend of listوناقشت دراسة -نشرت في موقع "تطوير علوم الأرض والفضاء"- إمكانية
تخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض أو ما يسمى "الحجز الجيولوجي لثاني أكسيد الكربون".
وتقوم العملية على حقن كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في تكوينات جوفية بهدف التخزين الدائم، وتُعد هذه العملية أساسية في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي ودعم التحول بمجال الطاقة، حسب الدراسة.
وبعد عملية الحقن يتحد ثاني أكسيد الكربون مع المياه (المحلول الملحي) ويبقى محاصرا بثبات في التكوين، مما يمنع تسربه إلى الغلاف الجوي. ويعتمد ذلك على الديناميكيات المتعلقة بخصائص السوائل والصخور، ومورفولوجيا التكوين.
إعلانوتشير الدراسة إلى أن ثاني أكسيد الكربون لا يختفي ببساطة بمجرد ضخه تحت سطح الأرض، بل يشغل مساحات في الصخور الجوفية ويختلط بالمياه الجوفية، وهي عملية تبدو أكثر تعقيدا مما عليه للوهلة الأولى.
ويتساءل العديد من العلماء عما إذا كان من الممكن أن يعود الماء إلى السطح بعد عقود من الزمن، فكثافة ثاني أكسيد الكربون النقي أقل من كثافة الماء، ولكن الوضع يتغير عندما يذوب ثاني أكسيد الكربون في الماء.
وتشير التجارب التي قامت عليها الدراسة إلى أنه بمجرد ذوبان ثاني أكسيد الكربون في الماء، يصبح السائل الناتج أكثر كثافة من الماء وحده.
والكثافة عامل حاسم في تفاعل السوائل تحت الأرض، فعندما تكون المياه الغنية بالكربون أثقل، تميل إلى التحرك نحو الأسفل بدلا من الطفو إلى السطح،
وتخلف هذه الحركة الداخلية الغارقة طبقات من السوائل تبقى مختبئة تحت الأرض، مما يعني أن التخزين يمكن أن يكون أكثر من مجرد حل مؤقت.
ويعتقد المسؤولون المعنيون بالسياسات البيئية أن هذه العملية القائمة على الكثافة فرصة حقيقية لإبقاء ثاني أكسيد الكربون محصورا تحت طبقات الصخور، مما يسهم في الحد من التسربات التي قد تُهدد الأهداف المناخية طويلة الأجل.
ومع ذلك، تشير الدراسة إلى أنه ليست كل المواقع مناسبة لتخزين ثاني أكسيد الكربون، ويجب أن تكون هناك طبقة صخرية سميكة نسبيا فوق طبقة تخزين المياه الجوفية. ويعد الغطاء السميك والآمن أمرا حيويا للحفاظ على ثاني أكسيد الكربون في مكانه حتى يذوب تماما ويبدأ النزول إلى الأسفل.
ويشير ماركو دي باولي، الأستاذ جامعة توينتي في إنسخيده بهولندا والمشارك بالدراسة، إلى أن مثل هذه الظروف الجيولوجية ليست نادرة، فهناك العديد من المواقع التي تستوفي هذه المعايير بالفعل، بما في ذلك المناطق الواقعة تحت قاع المحيط. ويقترح بعض الخبراء حقول النفط المهجورة والمياه الجوفية المالحة باعتبارها مواقع واعدة.
إعلانوطرحت الدراسة كيفية تفاعل الصخور نفسها عندما تتسلل المياه المحملة بالكربون عبر قنواتها الصغيرة، فبعض الصخور قادرة على الذوبان أو التحول كيميائيا، مما يُنشئ قنوات تسرب جديدة. بينما تبقى صخور أخرى سليمة وتغلق الماء المحمل بالكربون بإحكام أكبر.
وقد استخدم الباحثون تقنيات متقدمة لمعرفة ما إذا كانت هذه التغيرات الكيميائية تُقوي بنية الصخور أم تُضعفها، بهدف تجنب المفاجآت التي قد تُعيق خطة التخزين الدائم.
ويدرس العلماء تصميم أساليب حقن تُرسل ثاني أكسيد الكربون مباشرة إلى المنطقة المثالية، حيث يلتقي ويندمج مع المياه الجوفية، ثم يستقر السائل الأثقل في أعماق أكبر، بعيدا عن الشروخ المحتملة.
وقد نجحت فعليا البرامج القائمة في أماكن مثل حقل "سليبنر" في بحر الشمال في حقن ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون، وتشير عمليات المراقبة طويلة الأمد هناك إلى أنه إذا تم ذلك بشكل صحيح، فإن الكربون سيبقى في مكانه ويتحول تدريجيا إلى مناطق مستقرة.
وبمجرد ذوبان الكربون يقل عمليا احتمال انزلاقه إلى الهواء -حسب الدراسة- وتصبح الطبقة الصخرية السفلية أقل أهمية بمجرد نزول الخليط الثقيل إلى الأسفل، وحتى حتى الهزات القوية قد لا تؤدي إلى دفع السائل إلى السطح.
ويشكل الجانب المتعلق بالسلامة السبب الرئيسي وراء رغبة العديد من العلماء في مواصلة استكشاف آفاق تخزين ثاني أكسيد الكربون بشكل دائم تحت الأرض. وتشير الحسابات إلى وجود فرص واسعة النطاق لالتقاط كميات كبيرة من الكربون والاحتفاظ بها بمرور الوقت، رغم أن ذلك يختلف من موقع إلى آخر.
وقد تسهم هذه الدراسة في تحسين خطط تخزين الكربون المستقبلية، فإذا عرف العلماء بدقة كيفية اختلاط السوائل على أعماق مختلفة، فسيتمكنون من توسيع نطاق التصاميم بثقة، باستخدام أساليب قائمة على البيانات الدقيقة.
إعلانوعام 2024، شهدت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أسرع زيادة سنوية على الإطلاق، بحوالي 3.58 أجزاء في المليون، ويتطلب وقف ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي التوقف التام عن مراكمة الغازات المسببة له في الغلاف الجوي، ثم بدء تقليصها.